ملخص: على مدار العام الماضي دُعي القادة إلى أن يكونوا أقل تشدداً وأكثر تعاطفاً مع الموظفين. ولتحقيق النتائج كان المدراء بحاجة إلى الاعتماد على "أسلوب الجذب"؛ أي منح الموظفين الفرصة لإبداء رأيهم بشأن كيفية تنفيذ المهمة واستخدام الإلهام والتحفيز لتشجيعهم على العمل. لكن تحليلًا لآلاف التقييمات الشاملة أظهر أن القادة الأكثر فعالية يعرفون أيضاً كيفية استخدام "أسلوب الدفع"؛ أي السعي إلى تحقيق النتائج من خلال إخبار الموظفين بما يجب عليهم فعله ومحاسبتهم. الدروس المستفادة: لا ينبغي أن تقلل جهودك لزيادة التعاطف مع الموظفين من قدرتك على استخدام أسلوب الدفع عند الحاجة. إذ تُظهر البيانات أن لهذا قوة كبيرة تبني بدورها الثقة في نفوس الموظفين. والأهم هو معرفة متى يجب أن تستخدم كل نهج، اعتماداً على المهمة والتوقيت والأشخاص.
عندما تكون هناك مهمة يجب على أعضاء فريقك إنجازها، هل "تدفعهم" لإنجازها أم أنك "تجذبهم" إليها، من خلال منحهم الفرصة لإبداء رأيهم فيما يتعلق بكيفية تنفيذها واستخدام الإلهام والتحفيز لتشجيعهم على العمل؟ هذان نهجان مختلفان تماماً لتحقيق هدف ما، وغالباً ما يكون النهج الأخير هو الأفضل، لكن معرفة كيفية الجمع بين هذين النهجين هو مهارة مهمة للمدراء والقادة.
لنأخذ مثالاً من أحد عملائنا. كان هناك نقاش مستمر حول سياسات الشركة المتعلقة بالبيئة والاستدامة. سمح الرئيس التنفيذي بالنقاش وشجع الجميع على إبداء وجهات نظرهم، وأيّد بشدة الحاجة إلى إجراء تغيير، لكنه أتاح الوقت لإجراء مناقشة مستفيضة (مستخدماً نهج الجذب). ومع ذلك، كان اثنان من أعضاء الفريق التنفيذي معارضين للتغيير، وماطلا في تفعيل أي من المبادرات المقترحة. وبعد تعطُّل العمل لشهرين، أعلن الرئيس التنفيذي للفريق أن الشركة ستنفّذ مبادرتين، وذكر أنه يجب على الجميع الموافقة والمشاركة (الانتقال إلى نهج الدفع). رفض أحد المسؤولين التنفيذيين ذلك وأوضح أنه لن يدعم المبادرتين، ففصله الرئيس التنفيذي من العمل بحلول نهاية الأسبوع (مستخدماً نهج "الدفع بأقصى قوة").
القادة الذين يحاولون جاهدين استخدام نهج الجذب ولكنهم يلجؤون في النهاية إلى استخدام نهج الدفع بقوة، يقدمون مثالاً جيداً على قوة الجمع بين هذين النهجين. إذ يمكن أن يؤدي الدفع بشدة إلى تناقص الشعور بالرضا، ولكنه ضروري في بعض الأحيان، لا سيما عندما لا ينجح نهج الجذب.
حددت أنا وزميلي جاك زنغر خلال بحثنا سلوكين من سلوكيات القيادة موجهين نحو تحقيق الهدف النهائي نفسه ولكن باستخدام نُهج متضادة. نسمي أحد السلوكيات "السعي إلى تحقيق النتائج" (الدفع)، والآخر "إلهام الآخرين وتحفيزهم" (الجذب). دعوني أوضح ما أعنيه.
تعريف نهجي الدفع والجذب
هناك مساران مختلفان لتحقيق أي هدف يريد القادة تحقيقه.
يتضمن نهج الدفع إعطاء توجيهات وإخبار الأشخاص بما يجب عليهم فعله وتحديد موعد نهائي ومحاسبة الآخرين بشكل عام. وهو يُعد أسلوباً "استبدادياً" من أساليب القيادة.
ومن ناحية أخرى، يتضمن نهج الجذب وصف المهمة المطلوبة للمرؤوس المباشر، وشرح سبب القيام بها، ومعرفة الأفكار التي قد تكون لديه حول أفضل طريقة لإنجازها، وسؤاله عما إذا كان على استعداد للاضطلاع بها. يمكن للقائد تعزيز نهج الجذب بشكل أكبر من خلال وصف ما قد يسهم به هذا المشروع أو المهمة في تطوير الموظف. وفي أمثل الأحوال تكون طاقة القائد وحماسه تجاه الهدف معديين.
بجمع بيانات من أكثر من 100 ألف قائد من خلال إجراء تقييمات شاملة، قِسنا كلاً من الدفع والجذب ووجدنا أن 76% من القادة صنفهم أقرانهم على أنهم أكثر كفاءة في استخدام أسلوب الدفع مقارنة باستخدام أسلوب الجذب. وتم تصنيف 22% فقط من القادة على أنهم أفضل في استخدام أسلوب الجذب، وتم تصنيف 2% فقط على أنهم متساوون في كلتا المهارتين.
طلبنا أيضاً من الأشخاص الذين يقيّمون هؤلاء القادة (أكثر من 1.6 مليون شخص) تحديد المهارة الأكثر أهمية التي يجب أن يمتلكها القائد حتى ينجح في وظيفته الحالية. وقد تم تصنيف مهارة الجذب (إلهام الآخرين) على أنها المهارة الأهم، بينما تم تصنيف مهارة الدفع (السعي إلى تحقيق النتائج) على أنها خامس أهم مهارة.
فهم ما يريده الموظفون وما يحتاجون إليه
في حين أن بياناتنا توضح أنه يمكن لمعظم القادة الاستفادة من تحسين قدرتهم على جذب الآخرين أو إلهامهم، فقد كشف بحثنا أن القادة الذين استخدموا كلاً من نهج الدفع والجذب بفعالية كانوا في نهاية المطاف من أنجح القادة.
جمعنا بيانات مستقاة من تقييم شامل لما يقرب من 3,875 قائداً في فترة الجائحة. وشمل هذا التحليل ما يلي:
- صنف المرؤوسون المباشرون فعالية القائد في استخدام كل من الدفع (السعي إلى تحقيق النتائج) والجذب (إلهام الآخرين وتحفيزهم).
- طُلب من المرؤوسين المباشرين تقييم مدى ثقتهم في أن المؤسسة ستحقق أهدافها الاستراتيجية ومدى رضاهم عن مؤسستهم كمكان للعمل.
- صنفنا بيانات القادة المتعلقة باستخدام نهجي الدفع والجذب في أربعة أرباع، وحددنا القادة الذين حصلوا على تقييمات منخفضة (في الربع السفلي) والذين حصلوا على تقييمات مرتفعة (في الربع الأعلى).
النتائج التي تم التوصل إليها موضحة في الشكل أدناه. عندما يكون كل من الدفع والجذب في الربع السفلي، تنخفض ثقة المرؤوسين المباشرين ورضاهم. وعندما يكون هناك الكثير من الدفع والقليل من الجذب، تزداد الثقة والرضا. عندما يكون هناك الكثير من الجذب، يزداد الرضا إلى مستوى أعلى من مستوى الثقة بكثير. عندما يكون هناك الكثير من الدفع والجذب، فسترى أكبر زيادة في مستويات الثقة والرضا. (ملاحظة: تم قياس مستويات الثقة والرضا العالية من خلال النسبة المئوية للأشخاص الذين اختاروا رقم 5 على مقياس مكون من 5 نقاط. وهذا يمثل مستوى عالياً للغاية من الرضا).
اطلع على المزيد من مخططات "هارفارد بزنس ريفيو" في قسم "إنفوجراف".
الجمع بين نهجي الدفع والجذب
نظراً إلى أن العديد من القادة في جميع أنحاء العالم يواجهون صعوبة في الاحتفاظ بموظفيهم ومنعهم من ركوب موجة الاستقالة الكبرى، فإنهم يسألون أنفسهم أسئلة صعبة. كيف تشجع الموظفين على البقاء؟ كيف تشجعهم على زيادة جهودهم؟ ما الذي يريدونه ويحتاجون إليه بشدة من بيئات عملهم؟
على مدار السنوات القليلة الماضية دُعي القادة إلى أن يكونوا أقل تشدداً وأكثر تعاطفاً مع الموظفين. ويبدو أن المزيد من الجذب والقليل من الدفع هو المطلوب للاحتفاظ بالموظفين الموهوبين. مع أنني أتفق مع هذا الرأي، فإن هذه البيانات تقدم أيضاً تحذيراً واضحاً: لا ينبغي أن تقلل جهودك لزيادة التعاطف مع الموظفين من قدرتك على استخدام أسلوب الدفع عند الحاجة. إذ تُظهر بياناتنا أن لهذا قوة كبيرة تساعد على بناء الثقة.
في الواقع، يكمن تأثيرك كقائد من قدرتك على معرفة متى يجب أن تستخدم كل نهج، حسب المهمة والتوقيت والأشخاص. لذلك، في المرة القادمة التي تحاول فيها تحقيق هدف مهم، انظر ما إذا كان فريقك يحتاج حقاً إلى دفعة جيدة أم إلى قدر كبير من الجذب، أم إلى كليهما.