منذ طرح مؤشر صافي نقاط الترويج في مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" قبل ستة عشر عاماً، أصبح مقياساً أساسياً للشركات. فنظراً لاعتماده على سؤال واحد (على مقياس من 0 إلى 10، ما احتمالية أن توصي بشركتنا لعملاء آخرين؟)، فإنه يعتبر طريقة بسيطة للحصول على قراءة سريعة لمدى رضا المستهلكين، وقد أصبح شائع الاستخدام في السوق، وقامت شركات عديدة رائدة بدمجه في عملياتها التشغيلية. فما هي أسباب فشل مؤشر صافي نقاط الترويج لدى الشركات؟
في وكالتي "سي سبيس" (C Space) التي تساعد الشركات على دمج احتياجات العملاء في طريقة عملها، توصلنا إلى الاعتقاد بأن مؤشر نقاط الترويج يقدم في الأغلب مجرد صورة عامة، كمؤشر البوصلة الذي يوجه الشركات إلى الاتجاه الصحيح. لا نقصد بذلك أنه عديم الأهمية، فالبوصلة تظل أداة مفيدة لا غنى عنها. لكنك في بعض الأحيان تحتاج إلى خريطة طوبوغرافية أكثر تفصيلاً تقودك عبر الأراضي الوعرة أو المجهولة. فأحياناً ما تشير إليه البوصلة باعتباره أفضل اتجاه يمكنك السير فيه هو في الحقيقة ليس كذلك إذا أخذت في حسبانك تضاريس الأرض.
على مر السنين، أُثيرت الشكوك حول جدوى مؤشر نقاط الترويج في الصحف الاقتصادية والدراسات الأكاديمية. وفي الوقت نفسه، بدأت تراودنا تساؤلات في وكالة "سي سبيس" عما إذا كان حقاً المعيار الذهبي. وعلى نحو متزايد، بدأت الشركات من مختلف القطاعات الصناعية تطلب مساعدتنا نظراً لمواجهتها صعوبة في فهم مؤشرات نقاط الترويج الخاصة بها، أو لإيجادها مشقة في تطبيقها، أو لعجزها عن التوفيق بينها وبين البيانات المتعلقة بسلوكيات العملاء، وتتساءل عن السبب. جربت شركات كثيرة معايير أخرى: فلجأ البعض إلى بيانات سلوكية صارمة، بينما اكتشف البعض الآخر أن احتمالية شراء منتجات إضافية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالنمو أكثر من ارتباطها بمؤشر نقاط الترويج. لكن بالنسبة لهم جميعاً، كانت وعود مؤشر نقاط الترويج صعبة التحقيق.
لذا قررنا طرح دراستنا الخاصة حول توصيات المستهلكين، وإلقاء نظرة جديدة على مؤشر نقاط الترويج، مجردة من أي افتراضات حول سلوك المستهلك. في مايو/ أيار 2018، استطلعنا رأي أكثر من ألفي مستهلك عبر أنحاء الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وطلبنا منهم تقييم ما لا يزيد عن ثلاث من هذه العلامات التجارية العالمية العشر الكبرى: تويتر، برجر كنغ، أميركان إكسبرس، غاب، أوبر، نتفليكس، مايكروسوفت، إير بي إن بي، أمازون، ستاربكس. كان مسموحاً للمشاركين تقييم العلامات التجارية التي استخدموها أو اشتروها فقط. وكانت النتيجة أكثر من خمسة آلاف تقييم بشكل عام، ونحو خمسمائة تقييم لكل علامة تجارية.
عوامل فشل مؤشر صافي نقاط الترويج
طرح استطلاعنا في البداية السؤال المعياري الخاص بمؤشر نقاط الترويج حول مدى احتمالية ترشيح العملاء كل علامة تجارية إلى عملاء آخرين. لكنه طرح سؤالين إضافيين: "هل أوصيت بهذه العلامة التجارية؟" و"هل أثنيت أي أحد عن اختيار هذه العلامة التجارية؟". لم يكن الهدف فقط توقع ما سيفعله المستهلكون في المستقبل، وإنما معرفة ما قاموا به فعلياً في الماضي أيضاً. تشير الأبحاث إلى أن النية ليست مقياساً يمكن الاعتداد به، لأن أغلب النوايا تبقى نوايا ولا تتحول إلى أفعال. فلنتأمل دراسة أُجريت عام 2007 على 16 ألف مستهلك وأظهرت أن قرابة نصف المشاركين فقط الذين أعربوا عن نيتهم بترشيح شركات معينة قاموا بذلك فعلاً. لمعرفة المزيد عما كان يحرِّك توصيات المستهلكين فعلياً، أعقبنا أيضاً كلا هذين السؤالين بسؤال المشاركين عن سبب توصيتهم عملاء آخرين باختيار علامة تجارية معينة أو تجنبها، ودعوناهم إلى مشاركة قصصهم حول تلك المحادثات.
افتراضات قابلة للشك
اقترح بعض الأكاديميين أن النظام التصنيفي لمؤشر نقاط الترويج، الذي يصنف المستهلكين إلى ثلاث مجموعات - المروجون (الذين يعطون درجات تتراوح بين 9 و10)، والسلبيون (بين 7 و8)، والمحرضون (بين 0 و6) - هو نظام عشوائي ويستبعد معلومات ربما تكون مفيدة. وخلال عملنا مع العملاء، وكذلك خلال دراساتنا، لاحظنا أن الافتراضات الأساسية لتصنيفات مؤشر نقاط الترويج لم تتوافق مع بيانات المستهلكين.
على سبيل المثال: يفترض المؤشر أن المستهلك لا يمكن أن يكون مروجاً ومحرضاً في نفس الوقت. إلا أن البشر كائنات معقدة وغالباً ما تكون متناقضة. فعقولنا تعمل دائماً على أصعدة متعددة، فتضع الحقائق والمشاعر والتجارب في إطارات سياقية وذاتية. ويمكن أن يتجاهل نموذج بالغ البساطة هذه الحالة البشرية الطبيعية.
في الواقع، كشف استطلاعنا أن 52% من إجمالي المستهلكين الذين حرضوا الآخرين فعلياً على عدم استخدام علامة تجارية معينة قد أوصوا فعلياً أيضاً بالعلامة التجارية نفسها. وعلى مدار المؤشر، وجدنا مستهلكين روجوا بقوة لعلامة تجارية ما، وفي الوقت نفسه انتقدوها بشدة.
هل ساورك الفضول؟ ونحن أيضاً، وأردنا أن نعرف المزيد. لذا أجرينا استطلاع رأي آخر، طلبنا فيه من 500 شخص إضافيين تحديد علامة تجارية واحدة يحثون الناس فعلياً على تجنبها وفي الوقت نفسه يقترحونها عليهم، ثم سألناهم عن تقييم مؤشر نقاط الترويج لتلك العلامة التجارية، ولماذا يحثون الآخرين على استخدامها أو تجنبها، وما إذا كانوا يحبون مشاركة قصصهم حول هذا السياق.
اكتشفنا أن توقيت إشادة المستهلكين بعلامة تجارية ما أو انتقادها، ومكان ذلك وسببه والمستفيد منه، كان متغيراً وبدا منفصلاً عن تقييماتهم على مؤشر نقاط الترويج. فعند تقديم المشورة بشأن علامة تجارية ما، يفكر المستهلكون - مثلهم كمثل جميع الوسطاء الصالحين - ما إن كان الاقتران سينجح. على سبيل المثال: قام أحد المشاركين في دراستنا (وكان تقييمه سلبياً على المؤشر) باقتراح موقع "سبوتيفاي" على أصدقائه لسهولة استخدامه وإمكانية تخصيص سماته بحسب الحاجة، لكنه أثنى والديه عن تجربته لأنه شعر أنه معقد وباهظ أكثر من اللازم بالنسبة لهما.
على الرغم من أن العملاء المتحمسين تسرهم الإشادة بمزايا علامة تجارية يحبونها، فإن هذا لا يعني أن جميع منتجاتها تحوز رضاهم. يعبِّر هؤلاء العملاء عن غضبهم علناً إذا باعت علاماتهم التجارية المفضلة منتجاً يعتبرونه أقل قيمة. في دراستنا مثلاً، كانت إحدى المروجات وفق تصنيف المؤشر "مهووسة" - على حد وصفها - بمنتجات "مسز ماير"، لكنها كانت تكره منتجاً واحداً في خط إنتاجها، وحرصت على معرفة الجميع بذلك. وقد أخبرتنا قائلة: "اشتريت لأول مرة منتجات مسز ماير للتنظيف المنزلي منذ نحو عام مضى. وقد أشدت بهذه المنتجات كثيراً لدرجة أن شقيقتي فكرت في إهدائي بعضاً منها في عيد ميلادي. المفاجأة أنني كنت قد طلبت بالفعل مخزوناً يكفي ستة أشهر! لكن ما يروقني هو الصابون والمنظف متعدد الاستعمالات فقط، وأكره كثيراً منظف النوافذ، فهو يترك بقعاً على نوافذي، مما يجعلني أبذل مجهوداً مضاعفاً. لن أشتري أبداً هذا المنتج مرة ثانية، وقد أخبرت جميع معارفي أيضاً بتدني جودته".
مستهلك آخر كان يكره متاجر "وول مارت"، وأعطى الشركة صفراً على مقياس مؤشر نقاط الترويج. وقد علق قائلاً: "المتاجر قذرة ومكتظة للغاية". لكنه أعقب بقوله: "أوصيت بمتاجر وول مارت لأحد أصدقائي لأنهم كانوا يبيعون مكتباً زهيد الثمن سيناسب غرفته".
يعتبر فهم الفروق الدقيقة بين التوصية بشراء منتج أو عدم شرائه أمراً حيوياً لأي شركة تبحث عن النمو. وهذه الثنائية غير مرصودة على الإطلاق في مؤشر نقاط الترويج.
سوء تصنيف محتمل
اكتشفنا أيضاً أن مقياس مؤشر نقاط الترويج لا يقدم إلا دليلاً تقريبياً لتوصيات المستهلكين الفعلية. فوفقاً لتقييمات المستهلكين على المؤشر، كان 50% منهم في استبياننا الأول ضمن فئة المروجين، بيد أن 69% منهم رشحوا فعلياً إحدى العلامات التجارية. إذاً فقد أغفل تصنيف مؤشر نقاط الترويج نسبة كبيرة من المروجين الفعليين.
اقرأ أيضاً: أفضل طرق التسويق للمنتجات على منصات التواصل الاجتماعي لرواد الأعمال الشباب
إلا أن الفارق الأكبر كان يتعلق بالمحرضين، وهي الفئة التي تثير قلق شركات كثيرة. وفقاً لتقييمات المستهلكين على المؤشر، فإن 16% منهم في الاستبيان كانوا من المحرضين، بيد أن 4% فقط من إجمالي المشاركين قد أوصوا الآخرين فعلياً بتجنب علامة تجارية ما. في الحقيقة، لقد وجدنا أن المحرضين أكثر احتمالية بسبعة أضعاف أن يوصوا بعلامة تجارية أو يمتنعوا عن قول أي شيء عنها على الإطلاق بدلاً من الإساءة إليها. وبشكل مستمر، لم تتوافق الأنماط السلوكية الفعلية مع التوقعات التي وضعتها تقييمات المؤشر.
فلنتأمل موقع "تويتر" على سبيل المثال. في دراستنا، حصل الموقع على إجمالي 4 درجات في مؤشر نقاط الترويج (محسوبة عن طريق طرح نسبة المحرضين من نسبة المروجين). يتطابق هذا تطابقاً وثيقاً مع دراسات أخرى أُجريت في التوقيت نفسه وأعطت موقع "تويتر" إجمالي 3 درجات على مؤشر نقاط الترويج.
اقرأ أيضاً: ترويج للعلامات التجارية في عصر شبكات التواصل الاجتماعي
لكن هل كان هذا التقييم لموقع "تويتر" يعكس بالفعل النصائح التي كان يقدمها المستهلكون إلى غيرهم بشأن تلك المنصة؟ الإجابة هي لا. 57% فقط من المستهلكين الذين رشحوا "تويتر" فعلياً كانوا مروجين وفقاً لتصنيف المؤشر. إذاً الـ 43% المتبقية من المستهلكين صنفهم المؤشر عن طريق الخطأ بأنهم سلبيين أو محرضين.
على النقيض من ذلك، كانت نسبة المحرضين ضد "تويتر" وفقاً لتصنيف المؤشر مرتفعة. في دراستنا، أشارت تصنيفات المؤشر إلى أن 33% من مستخدمي الموقع كانوا من المحرضين. إلا أن 3% منهم فقط قد أثنوا الآخرين فعلياً عن استعمال منصته. هذا يعني أن شركة "تويتر" - وغيرها من الشركات - ربما تهدر الكثير من الوقت والجهد والموارد في محاولة فهم عملاء لا ينتقدونها فعلياً أمام العملاء الآخرين.
المفاضلة بين البساطة والمنفعة
ثمة بساطة تميّز وجود سؤال واحد حول عوامل فشل مؤشر صافي نقاط الترويج. إذ من السهل طرحه وقياس إجاباته وتتبعها. لكن هذا لا يعني أنه من السهل فهم نتائج مؤشر نقاط الترويج، أو تحسينها.
نحن نعتقد أن الشركات ستحقق نجاحاً أكبر إذا استعانت بإطار عمل يركز على سلوكيات العملاء الفعلية. عن طريق أخذ نسبة المُروجين الفعليين وطرح نسبة المحرضين الفعليين، يمكن للشركات حساب ما يمكن أن نطلق عليه مؤشر التوصية المكتسبة، وهو أسلوب نعتقد أنه يقدم بيانات أكثر وضوحاً وتفصيلاً وعملية.
فلنتأمل علامتين تجاريتين أدائهما متماثل نسبياً وفق مؤشر نقاط الترويج التقليدي: ألا وهما "أميركان إكسبرس" و"برجر كنغ". في بيانات الاستبيان الذي أجريناه، كان 51% من عملاء "أميركان إكسبرس" من المروجين، و19% من المحرضين، ما أعطى الشركة إجمالي نقاط يصل إلى 32 على مؤشر نقاط الترويج. أما "برجر كنغ" فكان 45% من زبائنها من المروجين، بينما 15% منهم من المحرضين، ما أعطى سلسلة المطاعم الشهيرة 30 نقطة على المؤشر.
اقرأ أيضاً: تعرف على الاستراتيجية الأفضل للتسويق من خلال وسائل التواصل الاجتماعي
ومع ذلك، عندما حللنا السلوكيات الفعلية للمستهلكين، اكتشفنا أن العلامتين التجاريتين لا تتشابهان على الإطلاق. كان 57% من عملاء "أميركان إكسبرس" من المروجين الفعليين لها، و5% منهم ضمن المحرضين الفعليين ضدها. بينما رشح 79% من زبائن "برجر كنغ" المطعم فعلياً، و2% فقط هم من نصحوا الآخرين فعلياً بتجنبها. هذا يعني أن مؤشر التوصية المكتسبة لـ"برجر كنغ" بلغ 77 نقطة، بينما وصل مؤشر "أميركان إكسبرس" إلى 52 نقطة.
اختلف أداء الشركتين اختلافاً ملحوظاً في جانبين آخرين. فأولاً، كانت مطاعم "برجر كنغ" أكثر براعة في تحويل نية التوصية إلى توصية فعلية. فقد استطاعت تحويل 94% من المصنفين كمروجين وفق مؤشر نقاط الترويج إلى مناصرين فعليين، بينما كانت نسبة تحويل عملاء "أميركان إكسبرس" 79%. وبشكل عام، كانت مطاعم "برجر كنغ" أيضاً أكثر رواجاً وشهرة، فقد قام 77% من زبائنها بترشيح العلامة التجارية لآخرين، أو نصحوهم بعدم التعامل معها، أو فعلوا الأمرين، في مقابل نسبة 58% من عملاء "أميركان إكسبرس".
في اعتقادنا حول موضوع فشل مؤشر صافي نقاط الترويج في الشركات، يعد مؤشر التوصية المكتسبة أكثر تعبيراً عن السلوكيات الفعلية للمستهلكين، وعند اقترانه بأسئلة مفتوحة الإجابة حول سبب توصية المستهلكين بعلامة تجارية ما أو مناهضتها، فإنه يقدم للشركات رؤى تفصيلية مهمة. منذ شهر مايو/ أيار الماضي، استخدمنا هذا النهج خلال عملنا مع العملاء، فربطنا بين البيانات المتعلقة بالتوصيات والتحريضات الفعلية والأسباب الكامنة ورائها وبين بيانات الشركات عن المعاملات التجارية. وقد وجدنا أن الصورة الدقيقة التي وفرتها هذه المعلومات أعطت عملاءنا خريطة تفصيلية حددت لهم بوضوح إجراءات فورية يمكن أن تعزز نموهم.
اقرأ أيضاً: كيف تجد المنصة المناسبة لتسويق منتجك؟