يجد المدراء أنفسهم مثقلين أكثر مما ينبغي بأعباء العمل والمهمات الكثيرة على الرغم من توظيف أشخاص يتمتعون بذكاء شديد ومهارات تجعلهم مؤهلين. تملي أفضل الممارسات الإدارية على المدير التركيز على أهم الأولويات وتفويض المهمات للآخرين، لاسيما إذا كانت هذه المهمات تمنح الفريق فرصاً للنمو والتطور. وعلى الرغم من روعة هذه الفكرة نظرياً، فالكثير من المدراء يجدون أنفسهم في مأزق. يعد التفويض فكرة جيدة، لكن هذه الفكرة تفشل عند تطبيقها في أغلب الأحيان.
خذ على سبيل المثال علي، حيث كانت شركته التي تضم 1,000 موظف رائدة في الابتكار، وبلغت قيمتها مليار دولار في إحدى عمليات الاستحواذ. ومع ذلك، علي هو من يبذل أكبر جهد في العمل، حيث يفتقد مهارة استثمار قدرات فريقه التنفيذي، وبالتالي يخذل زوجته دائماً بتغيبه عن الأوقات المخصصة للعائلة.
في أثناء جلسة تدريب، تناقشت مع علي حول طريقة تساعده على تخفيف عبء العمل عنه وتنمية قدرات مرؤوسيه المباشرين. وكانت زيادة التفويض هي الفكرة البديهية الأولى. لكنه قال: "التفويض لا يجدي نفعاً على الإطلاق. فكلما سلمت أحدهم مهمة كبيرة، أضطر لإعادة العمل أو تصحيح الأخطاء التي يرتكبها".
واكتشفنا من خلال النقاش أن علياً كان يتبع نهجاً موحداً للتفويض، وهو استراتيجية محكوم عليها بالفشل منذ البداية. إذ كان يحدد مهمة يريد تفويضها، ثم يعتمد على مرؤوسيه المباشرين للتوصل إلى طريقة تنفيذها أو يطلب منهم طرح الأسئلة إن لزم الأمر. لكن للأسف، هذه العملية لا تناسب جميع المهمات ولا جميع الموظفين، ولا تتكشف المشكلات في تنفيذها إلا عندما يحين الموعد النهائي للتسليم. وهذا ما كان يجبر علياً في كل مرة على المسارعة لإكمال العمل في اللحظات الأخيرة.
4 أسباب شائعة لفشل عملية التفويض
لذا، قمنا بصياغة استراتيجية أكثر دقة تؤدي إلى زيادة الإنتاجية وتخفيض الاستياء لدى الجميع. تقوم هذه الخطة في جوهرها على أخذ الوقت الكافي قبل تسليم المهمة للموظف من أجل فهم التحديات التي قد تظهر ما أن يخرج العمل من أيدينا ومعالجتها بصورة استباقية. فيما يلي 4 أسباب شائعة لفشل عملية التفويض، وما يمكن فعله بشأنها.
الافتقار إلى التفكير النقدي
في كثير من الأحيان، كان علي يتلقى تقييماً يتلقاه معظم المسؤولين التنفيذيين الذين أدربهم، وهو: "إنه ذكي للغاية ففي غضون 15 دقيقة يستطيع التعمق في الأمور والتوصل إلى أفكار لم يتوصل إليها غيره بعد شهر من التحضير". يود كثير منا أن يبدو شديد الذكاء أمام الآخرين، إلا أن التركيز على نظرة الآخرين إلينا يتحول إلى مشكلة إذا زاد عن حده. وإذا طرحت رؤاك في وقت أبكر مما يجب بصورة متكررة، فلن يحظى نظراؤك ومرؤوسوك بالفرصة لتطوير خبراتهم. كما أن دخول الموظفين إلى الاجتماع وهم يعلمون أنهم سيخرجون منه شاعرين بأنهم أقل من مديرهم سيضر بثقتهم بأنفسهم. على الرغم من احتمال أن تكون رؤاك مفيدة، فمن المفترض ألا تطرحها إلا بعد أن يكون فريقك قد قضى أسابيع في العمل لتحضير عرض تقديمي ما. بالإضافة إلى أنه من الخطورة بمكان أن يقوم شخص واحد بأكبر جزء من التفكير النقدي في المؤسسة، فهو بذلك يعرض مؤسسته لمخاطر الأمور البعيدة عن الرؤية.
ومن أجل رفع قدرة أفراد فريقك على التفكير بأنفسهم، يجب أن تدمج ممارسات التوجيه والتدريب في المراحل الأولى من عملية التفكير النقدي. اطرح عليهم الأسئلة بدلاً من تقديم الأجوبة، واعلم أن جودة أجوبتهم ستكون متناسبة طردياً مع جودة أسئلتك. مثلاً، طرح علي السؤال التالي: "كيف ستكون استجابة منافسنا الرئيسي لهذه الاستراتيجية؟" فاكتشف أحد مرؤوسيه المباشرين خللاً في النهج الذي يتبعه، بدلاً من أن يضطر علي لاكتشافه نيابة عنه. فالأسئلة المفتوحة تتيح للآخرين توسيع العدسة التي ينظرون من خلالها والبحث عن زوايا جديدة لينظروا منها، على خلاف أسئلة الاستفهام التي تهدف لجمع البيانات فحسب. وبذلك ستتمكن من تنشيط مهارات التفكير النقدي لدى الآخرين بدلاً من الاضطرار إلى تقديم الحلول لهم.
الافتقار إلى روح المبادرة
تفاجأ علي عندما عرف أن موظفيه يفتقرون إلى روح المبادرة التي تدفعهم لاتخاذ خطوات جريئة أو متابعة خطوات أصغر، وهو ما يضطره للإلحاح عليهم وتتبع تحركاتهم. كما أنهم يوافقون على إجراءات عمل ثم لا يكملونها، أو لا يفصحون عن سبب عدم إنهائهم العمل في موعده المحدد. وأيضاً، كان يبدو أن علياً هو من يبادر ببدء مناقشات المتابعة ويقترح المجالات التي يمكن للموظفين بذل جهد أكبر فيها. هذا ما أدى إلى شعوره بالاستياء والانزعاج من أن المهمات التي "فوضها" لا تزال تشغل وقته الثمين، وأدى إلى شعور الآخرين بأنه يمارس الإدارة التفصيلية عليهم.
إذا كانت محاولاتك لتفويض المهمات تبوء بالفشل لأنك تعتقد أن الآخرين يفتقرون إلى روح المبادرة أو القدرة على المتابعة، فيجب عليك معالجة هذه المشكلة بأسلوب استراتيجي مدروس. كلف أحد الموظفين بتدوين الملاحظات وبنود العمل والتواريخ والمسؤول عن كل مهمة قبل نهاية كل اجتماع، وابدأ الاجتماع التالي بمتابعة الوعود التي قطعت. على الرغم من أن هذا الإجراء يبدو أساسياً، فإن قرابة نصف الفرق التنفيذية التي أعمل معها تفتقر إلى الأسلوب الصحي الملائم لمتابعة الأعمال. ولاتباع أسلوب استراتيجي أكثر، فكر بإنشاء قائمة لأهم الأولويات على ورقة كبيرة من صفحة واحدة. ستوضح في هذه القائمة الأعمال التي يمكنك مكافأة موظفيك على إنجازها، وهي طريقة أخرى لزيادة حماس الموظفين. عن طريق التخلص من التنفيذ الرديء وتوضيح الأمور المهمة حقاً، ستتمكن من دفع الموظفين لحمل مسؤولياتهم وتحفيزهم من جديد.
الافتقار إلى الجودة
فقد علي الأمل من مطالبة فريقه بتحضير شرائح العرض من أجل اجتماعات مجلس الإدارة، لأنه يستلم مجموعة الشرائح النهائية في وقت متأخر جداً ويجدها مملوءة بعدد كبير من المشكلات، فيغضب ويحذفها بأكملها ويضحي بنوم ليلته كي يعوض الوقت المهدور، ليسجل فريقه خسارة جديدة بمعنويات محطمة.
عوضاً عن ذلك، أطلق لقدرات فريقك العنان كي يقدم مساهمات ذات جودة. أولاً، قدم لفريقك قائمة بالأخطاء الشائعة وما تود من أفراده فعله بدلاً عنها. مثلاً، عوضاً عن إعادة صياغة عنوان شريحة العرض ليصبح أقصر، اطلب منهم وضع عناوين لا تحتاج أكثر من سطر واحد. يمكنك تكليف مرؤوسيك المباشرين بوضع هذه القائمة بناء على ما يعرفونه بالفعل عن الأمور التي تفضلها. ثانياً، عوضاً عن تصحيح الأخطاء، نوه إليها واطلب تصحيحها. أضف تعليقاتك على الوثيقة بدلاً من شطب الأخطاء باللون الأحمر وتصحيحها مباشرة. في البداية، سيستغرق ذلك وقتاً أطول، لكنه سيوفر عليك الوقت على المدى الطويل عندما يعرف فريقك ما تريده. وقد يستدعي ذلك أن تحدد مواعيد نهائية أبكر من المواعيد الحقيقية، كي تضمن ألا يسلّم مرؤوسوك المباشرون العمل المطلوب منهم في اللحظة الأخيرة، ولا بأس بذلك. عندما توضح لموظفيك المواضع التي تحتاج إلى تحسين، ستحصل على عروض تقديمية بجودة أفضل ومزيد من الوقت في المستقبل.
الافتقار إلى السرعة
لم يتمكن علي من فهم السبب الذي يجعل الوقت الذي يستغرقه الموظفون لأداء مهماتهم أطول من الوقت الذي يستغرقه هو لأدائها. يعمل كل الرؤساء التنفيذيين الذين أعمل معهم وفقاً لوتيرة "وقت الرئيس التنفيذي"، أي المدة الزمنية التي ينجز فيها المهمات على نحو أسرع من غيره، سواء كان ذلك فعلياً أو نظرياً. قد يكون الرئيس التنفيذي قادراً على العمل على نحو أسرع بالفعل، لأنه يتمتع بخبرة أكبر، وهو يعلم ما يريده بصورة مسبقة وواضحة وليس مضطراً لقضاء وقته في التكهن أو التكرار كي يصمم المهمة. لكنه لم يأخذ في حسبانه الوقت الإضافي الذي يحتاج إليه الموظفون كي يظهروا كمحترفين في نظره.
لذا، عندما تود تكليف أحد أفراد فريقك بمهمة ما في المرة القادمة، اسأله عن الوقت الذي يعتقد أنه سيحتاج إليه لإنجازها. واسأله عن طريقته في تقدير الوقت والأسباب التي بني عليها في حال كان مختلفاً عن تقديرك. وإن استدعت الحاجة، يمكنك المساعدة في اختصار الوقت عن طريق إلغاء أمور أو تفاصيل غير ضرورية في المهمة. مثلاً، ليس من الضروري أن ينشئ الموظف مجموعة شرائح عرض جميلة، بل يمكن الاكتفاء بكتابة المطلوب في فقرتين. بهذه الطريقة، ستعلم المزيد عما يحتاج إليه إنهاء المهمة المفوضة من عمل ووقت، وستكيف توقعاتك بناء على ذلك.
غالباً ما يضطر المدير للتراجع عن تفويض الأعمال، إذ يفوض الموظفين بالعمل ثم يسترده ويعاود تأديته بنفسه عندما لا تلبي النتائج توقعاته. لكن، من خلال التمعن أكثر في مواطن فشل عملية التفويض، سيتمكن هذا المدير من معالجة الأسباب الأساسية لفشل التفويض وتشجيع أفراد فريقه على زيادة حماسهم ورفع إنتاجيتهم في العمل على نحو أفضل.