ملخص: على الرغم من وجود علامات تشير إلى التحسن الاقتصادي، لا تزال الشركات تواصل عمليات تسريح العاملين، وهو ما يجعلنا نشعر بالعجز، إذ من المستحيل أحياناً تجنب هذا القرار، فقد يصعب عليك مثلاً اتخاذ أي إجراء إذا كانت وحدة عملك بأكملها تخضع لخفض في الميزانية بسبب تغيير أهداف الشركة التي جعلت عملك غير ذي أهمية. لكن هناك إجراءات استباقية يمكنك اتخاذها لتمارس بعض السيطرة على مسار مستقبلك المهني. تعرض المؤلفة 5 أسباب شائعة لتسريح العاملين وتقدم استراتيجيات للتصدي لها.
على الرغم من وجود علامات على التحسّن الاقتصادي، مثل انخفاض معدلات التضخم، واستمرار انخفاض معدل البطالة، شهدت بداية عام 2024 بالفعل زيادة حادة في حالات تسريح العاملين تجاوزت 10,000 عامل في قطاع التكنولوجيا فقط، وذلك وفقاً للمعلومات المتاحة حتى وقت كتابة المقال. ومن بين الشركات التي أعلنت بالفعل عن تسريح العاملين هذا العام شركات مايسيز (Macy’s) وواي فير (Wayfair) وفورد وسيتي غروب (Citigroup)، إضافة إلى شركات أخرى؛ وهو وضع جعل العديد من العاملين في حالة من عدم اليقين والترقّب لمعرفة إن كانوا ضمن قائمة التسريح.
ومن الطبيعي أن تشعر بالعجز في هذا الوضع، إذ قد يصعب عليك اتخاذ أي إجراء إذا كانت وحدة عملك بأكملها تخضع لخفض في الميزانية بسبب تغير أهداف الشركة التي جعلت عملك غير ذي أهمية، أو إذا وظّفت الشركة عدداً أكبر من الموظفين، وانخفضت الإيرادات بصورة غير متوقعة. ومع ذلك، ثمة إجراءات استباقية يمكنك اتخاذها للتعامل مع مستويات التوتر. وإليك 5 أسباب شائعة لتسريح العاملين واستراتيجيات لمساعدتك في ممارسة بعض السيطرة على مسار مستقبلك المهني.
1. نقص تطوير المهارات
الموظفون هم المسؤولون الوحيدون عن السعي المستمر لصقل مهاراتهم وتحسينها واكتساب مهارات جديدة. وعلى الرغم من تقديم الشركات موارد لتعلم مهارات جديدة بالفعل، تركز هذه الموارد على تعليم المهارات للموظفين بأكملهم؛ بمعنى آخر، يركز معظم برامج تطوير المواهب على مهارات الإدارة، مثل تقديم الملاحظات، ومهارات القيادة، مثل التأثير دون سلطة، والمهارات الشخصية، مثل الذكاء العاطفي. لكن من المهم أن يواصل الموظفون تطوير مهاراتهم الفنية، مثل اكتساب خبرة فنية في تطبيقات الذكاء الاصطناعي أو لغات البرمجة الجديدة، من أجل مواكبة التغيرات السريعة في احتياجات الأعمال وتجنب خطر التسريح.
تقدم التطورات الحديثة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي والنماذج اللغوية الكبيرة، مثل تشات جي بي تي، مثالاً توضيحياً على ذلك؛ فعلى الرغم من التوقعات بأن تحلّ هذه التكنولوجيا محلّ العاملين البشر في المستقبل، قد تحل في الوقت الحالي محلّ العاملين في مجال التكنولوجيا الذين لا يمتلكون مهارات في مجال الذكاء الاصطناعي، وهو ما سيدفع الشركات للبحث عن مواهب تمتلك خبرة في النماذج اللغوية الكبيرة عند تحديث منتجاتها الأساسية باستخدام هذه التكنولوجيا الجديدة. فإذا لم يتقن موظف ما النماذج اللغوية الكبيرة التي يمكنها توليد نصوص دقيقة بحسب السياق، والرد على الاستفسارات، وتلخيص النصوص، وترجمة اللغة، فذلك يعني أن مهاراته أصبحت قديمة بالفعل، حتى لو كان يمتلك خبرة في تكنولوجيا أخرى، مثل معالجة اللغة الطبيعية أو تعلّم الآلة أو فهم اللغة الطبيعية.
وقد يكون إظهار التفاني في اكتساب مهارات جديدة في مجال جديد، وإبراز تلك المهارات عند تغيّر أساليب العمل عاملاً مهماً في الحفاظ على استدامة الوظيفة. وبالتالي، يجب على الموظفين تبنّي نهج استباقي في اكتساب المهارات والمعرفة استناداً إلى توجهات السوق واحتياجات الشركة لضمان أن تتواءم مهاراتهم مع احتياجات بيئة العمل.
2. تولّي دور الإشراف وليس التنفيذ
عندما تقرر الشركات خفض الميزانية، تخصص إدارة الماليات عادة نسبة محددة من التخفيض لكل إدارة. وأسهل طريقة لتحقيق نسبة التخفيض المخصصة هي الاستغناء عن الأفراد الذين يتقاضون أعلى الرواتب، خاصة إذا كانوا لا يشاركون بفعالية في إنجاز الأعمال. فالمدراء الذين يفتقرون إلى المشاركة العملية هم أقل قيمة للمؤسسة، وذلك بسبب التصور السائد بأنهم لا يُسهمون مباشرة في تنفيذ المهام والمشاريع. قد يزيد هذا التصور السائد من احتمالية اعتبارهم من الأشخاص الذين يمكن الاستغناء عنهم خلال إجراءات خفض التكاليف.
يجد المدراء ذوو القيمة الكبيرة لدى المؤسسة توازناً مناسباً بين القيادة الاستراتيجية والمشاركة العملية دون ممارسة الإدارة التفصيلية على فِرقهم؛ وهم قادرون في نظر الآخرين على التكيف والاستجابة بسرعة للتغيرات، ما يجعلهم أكثر قدرة على تحمّل ظروف بيئة الأعمال المتقلّبة. فالمدراء الذين يمتلكون فهماً عميقاً لديناميات الفريق وتحدياته وأهدافه، والقادرون على مناقشة مختلف جوانب العمل بالتفصيل، هم العنصر الرئيسي الذي يجمع أفراد الفريق، ما يجعلهم أشخاصاً لا يمكن الاستغناء عنهم في حالة خفض التكاليف.
3. غياب الظهور
لا يكفي أن تكون عاملاً نشطاً وهادئاً لتتجنب التسريح، بل في الواقع، قد يكون عدم ظهورك السبب الرئيسي لتسريحك. إذا لم تكن القيادة العليا تعرفك أو تعرف الدور الذي تؤديه أو الأثر الذي تحدثه عند تحديد المناصب التي يجب الاستغناء عنها، فقد يكون قرار الاستغناء عن خدماتك قراراً سهلاً. قد يُسهم الظهور في أوقات التغيير المؤسسي أو عملية إعادة الهيكلة في تقليل احتمالية تعرضك للتجاهل أو غياب التقدير.
وقد يكون لظهورك تأثير إيجابي على أمانك الوظيفي أيضاً، لا سيما عندما يكون صنّاع القرار على علم بقدراتك وأثرك. وقد يساعدك تعزيز ظهورك في جميع مستويات المؤسسة على بناء شبكة قوية من الزملاء وكبار القادة القادرين على تأكيد إسهاماتك وإنجازاتك، ويُظهر للقادة قدرتك على النجاح في أي منصب. إذا كان لدى صنّاع القرار فهم واضح لمهاراتك وإنجازاتك وإسهاماتك، فقد يرون أن منصبك أمر أساسي لنجاح الشركة، أو يرون فيك الشخص الملائم لتولي قيادة دمج الفرق عند الاستغناء عن مناصب أخرى.
4. تدني مستوى الأداء
عندما تضطر الشركات إلى خفض ميزانياتها، فقد تحاول الاستغناء عن الموظفين غير الفاعلين؛ فعند وجود أكثر من شخص يؤدي الوظيفة نفسها، يجد المدراء في عمليات التسريح فرصة مناسبة للاستغناء عن أصحاب الأداء الضعيف دون الحاجة إلى تقديم ملاحظات إضافية لهم أو وضع خطة لتحسين أدائهم.
ويجب أن يُدرك الموظف أن تصوّر مديره السائد عنه ذو أهمية كبيرة. فقد يعتقد أن أداءه متميّز بالفعل، لكن قد لا يتفق مديره مع هذا الاعتقاد، بل يعتبر أداءه ضعيفاً حتى ويضعه على قائمة التسريح. لذا، يجب على الموظفين طلب ملاحظات استباقية من مدرائهم بصورة متكررة، وليس خلال فترة تقييم الأداء فقط. وبمجرد أن تتلقى تقييمات على أدائك، ابذل جهدك لتحسينه، وتواصل مع مديرك لتتأكد إن كان يتفق على وجود تحسّن في أدائك بالفعل.
5. تعهيد الوظائف إلى مزودي خدمات في دول أخرى والأتمتة
يستند قرار أتمتة الوظائف أو تعهيدها إلى مزودي خدمات في دول أخرى إلى عدة عوامل تتضمن التكاليف الاستراتيجية والاقتصادية والتشغيلية، إضافة إلى التقدم التكنولوجي. قد تختار الشركات نقل الوظائف إلى بلدان تنخفض تكاليف العمالة فيها وتتوفر لديها مواهب خبيرة. وقد تنفذ الشركات أيضاً تكنولوجيا الأتمتة التي تُظهر كفاءة ودقة أعلى من العمالة البشرية بهدف خفض التكاليف المرتبطة بالرواتب والمزايا والنفقات التشغيلية العامة. يهتم "تقرير مستقبل الوظائف لعام 2023" الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي بتحديد الوظائف التي قد تخضع للأتمتة، ما يقلل من الحاجة إلى التفاعل البشري.
باختصار، من المهم أن تبقى على اطلاع باتجاهات السوق وتقيّم إن كان مسارك المهني المختار عرضة للنقل خارج الحدود أو للأتمتة في المستقبل لتتجنب التسريح. قد توظف الشركات القائمة في الولايات المتحدة أحياناً مديراً أميركياً يتحمل مسؤولية الإشراف على المواهب العاملة خارج الحدود أو على العمليات التي خضعت للأتمتة. وقد يفرض ذلك تحديات إضافية على المهنيين في بدايات مساراتهم المهنية الذين يسعون للحصول على مناصب في الإدارة ويأملون كسب الخبرة من وظائف خضعت للأتمتة أو النقل خارج الحدود. إذا اكتشفت أن وظيفتك قد تكون مهددة بالأتمتة أو النقل إلى دول أخرى في المستقبل، فابحث عن فرص لاكتساب مهارات جديدة تساعدك على الانتقال إلى مجال آخر بأقل قدر من المخاطر، وتتيح لك تحقيق أهدافك المهنية. على سبيل المثال، يمكنك تولي مشروع متوسع المجال في إدارة أخرى في شركتك أو تولي عمل إضافي في مجال الاستشارات.
بناء سمعة إيجابية بصفتك عضواً قيّماً في الفريق من خلال أدائك في العمل والعلاقات التي تبنيها مع زملائك هو أمر مهم لتقليل مخاطر التسريح. احرص على أن يكون قادتك وأصحاب المصالح المتعددو الوظائف الآخرون على علم بإسهاماتك والأثر الذي تحققه في المؤسسة، إضافة إلى المهارات التي حسّنتها لتبقى على اطلاع دائم وتحافظ على جاهزيتك، ما يجعلك أحد الأصول الذي لا يمكن الاستغناء عنه. يضمن هذا النهج الاستباقي أن يُدرك الآخرون قيمتك قبل أن يتخذوا أي قرارات تتعلق بالتسريح.