فوّض (فعل)، ومعناه أن تسلّم (الصلاحيات، المهام، وما إلى ذلك) إلى شخص آخر يؤدي دور عميل أو نائب؛ أو أن توكِل المهام لغيرك، أو أن تكلِّف شخصاً آخر، أو أن تحيل الأمر إلى شخص آخر.

عندما نسمع كلمة “تفويض” في سياق أفضل الممارسات الإدارية، غالباً ما نفترض أن الشخص المسؤول يحتاج إلى رفع مستوى التفويض، وأن المرؤوسين يرغبون في تولي المزيد من المهام أو أن يُعهَد إليهم بالمزيد من المهام. ويمثل منشور ندوبويسي إيكيكوي الذي يحمل عنوان “دروس القيادة المستفادة من النمل” مقالاً مثيراً للاهتمام على نحو خاص حول فوائد تفويض الفريق والاستفادة منه بالكامل. لكن، ألا يوحي لك حدسك، في بعض الأحيان، بوجوب تجنب التفويض؟ بناءً على خبرتي الخاصة، ثمة 3 حالات محددة لا يُنصح فيها بالتفويض:

1. هل تواجه صعوبة في توضيح المهام المطلوبة من الشخص المُفَوَّض بصورة دقيقة؟

إذا لم تتمكن من توضيح المشاكل التي يتعين حلها، أو المهام المطلوب تنفيذها، وبدقة، سواء أكان المشروع يتطلب استراتيجية طارئة أو مدروسة، فمن الأفضل عادة أن تنتظر حتى يصبح هذا التوضيح ممكناً قبل أن تعهد بمسؤولية تنفيذ مهمة ما إلى شخص آخر. ومن الدلائل التي تشير إلى استعجالك في التفويض تذرّع الأشخاص الخاضعين لإشرافك بحجج من قبيل “لم أكن متأكداً مما كنت تريده بالضبط”، أو أن تسمعهم يتهامسون بأنك متقلب وتتصرف بعشوائية وفقاً لأهوائك. عندها لديك احتمالان، الاحتمال الأول أنك لم تحسن اختيار الموظفين، وأن بعض أفراد فريقك غير قادرين على تنفيذ المهمة المطلوبة. أما الاحتمال الثاني فهو أنك استعجلت في التفويض. فكر في المشكلة أو المهمة فترة أطول بقليل، بما يكفي لشرح ما تريد تحقيقه بصورة واضحة.

2. هل تعرض تطورك الخاص أو قدرتك القيادية إلى الخطر بسبب هذا التفويض؟ لا شك في أنه يتعين على القادة تطوير الآخرين، لكن، مع الترقي في المناصب وزيادة الموارد الموجودة تحت تصرفنا، قد نميل إلى المبالغة في التفويض، أو تكليف أشخاص آخرين بمهام ضرورية جداً من أجل تطورنا نحن.

منذ بضع سنوات، التقيت برئيس تنفيذي كان بارعاً جداً من الناحيتين الفنية والعملية، لكنه يفتقر إلى مهارات التعامل مع الآخرين، وهي مجموعة من المهارات الضرورية لرفع معنويات الموظفين والاحتفاظ بهم. ونظراً للتمويل الجيد الذي تتمتع به الشركة، كان بإمكانه تحمل تكاليف التفويض، ونتيجة لهذا، أصبح معزولاً عن موظفيه بصورة متزايدة، باستثناء بضعة مستشارين موثوقين.
تؤدي المبالغة في التفويض إلى أقصى الحدود إلى نشوء فقاعة عازلة تحيط عادة بكبار القادة السياسيين. وفي مقال نُشر مؤخراً في صحيفة وول ستريت جورنال (Wall Street Journal)، بعنوان “المساعد الخاص لشؤون الواقع” (The Special Assistant for Reality)، تحدثت المؤلفة عن عجز الرئيس الأميركي السابق أوباما عن استيعاب رد الفعل السلبي إزاء عمليات التفتيش الجسدي المباشر في المطارات. وكتبت المؤلفة بيغي نونان قائلة: “هذه الفقاعة موجودة في كل مكان. أسوأ ما في الأمر هو أن ذلك الجيش من طاقم موظفي الرئاسة وأفراد الأمن والمساعدين، الذي يقف حائلاً بين الرئيس والأخطار، أو بين الرئيس والشعور العام بالإزعاج، يصبح في نهاية المطاف حاجزاً بين الرئيس والواقع”.

في حالة هذا الرئيس التنفيذي، فإن تكليف الآخرين بالمهام التي تتضمن التفاعل مع الأغلبية العظمى من طاقم الموظفين لديه، في محاولة منه للالتفاف على نقطة ضعفه المتمثلة في ضعف مهارات التعامل مع الآخرين، أدى إلى التأثير سلباً عليه، وإنهاء مسيرته مع الشركة في نهاية المطاف. أما بالنسبة إلى من يتولى منصب الرئاسة، فكتبت نونان قائلة: “تمثل الفقاعة السبب الرئيسي للعديد من الأخطاء الفادحة التي يرتكبها الرؤساء”. مع زيادة الموارد المتاحة لنا، نصبح أكثر ميلاً إلى نقل مسؤولياتنا إلى الآخرين، وبصراحة، هذا ما يجب أن يحدث. لكن إذا كان حدسك يشير إلى أن تفويضك للآخرين وصل إلى مرحلة يمكن أن تعوق تطورك، أو تؤدي إلى تراجع قدراتك القيادية، فقد يكون من الأفضل أن تأخذ هذا الحدس بعين الاعتبار.

3. هل يمكن أن يؤدي التفويض إلى تقويض نجاح المشروع؟ ثمة حالات لا يمتلك فيها المدير مجموعة المهارات المطلوبة لمشروع معين، وفي هذه الحالات، سيكون من الخطأ ألا يعهد بالمهمة إلى شخص آخر. من ناحية أخرى، ثمة حالات يكون فيها المدير أفضل شخص لتنفيذ العمل، لكنه يميل إلى محاولة التفويض بسبب الرهبة من مستوى المشروع وعدم وجود الخبرة الكافية لفهم نطاق المشروع بدقة.

مع طباعة كتابي، لاحظت هذه النزعة لديّ شخصياً، أولاً عند طلب تقديم الكتاب، ولاحقاً عند وضع خطة الدعاية. عندما حان الوقت لأطلب من الآخرين تقديم الكتاب، أدركت أنه يجب ألا أطلب تقديم الكتاب من أبرز الأشخاص الذين يمكن أن أعثر عليهم، بل من الأشخاص الذين أعجبت بهم حقاً، والذين أثروا في تفكيري وسلوكي. وإذا كنت أرغب في إنجاح هذه المهمة، فلا أستطيع أن أرمي بنسختي الخطية على مكاتبهم فحسب. بل كنت في حاجة إلى أن يعرفوا الأسباب التي دعتني إلى التواصل معهم، وأسباب إعجابي بهم، وهذا شيء لا يمكنني أن أكلف شخصاً آخر به أبداً.

وبعد ذلك، وصلنا إلى مرحلة خطة التسويق. كنت أريد تكليف شخص آخر بها. إلى أن أخبرتني صديقتي جولي بيري، وهي مؤلفة للروايات المخصصة للمراهقين (YA)، بأن هذه الفكرة غير مستحسنة. فثمة بعض العناصر التكتيكية في هذه الخطة، وهي عناصر يمكنني تكليف الآخرين بها. لكنني -على حد تعبير صديقتي- فكرت في مئات الخطط حول كيفية تسويق مشروع تجاري أو شخص أو فكرة. وهي عملية أتقنها جيداً، ولهذا يجب أن أتحمل مسؤوليتها بنفسي. لقد كانت هذه الاستشارة تذكيراً رائعاً بأنني، في هذه الحالة، الشخص المناسب لتولي المهمة.

يمكن لقصة سايكي الأسطورية أن تقدم بعض الإرشادات في التفكير بشأن كيفية التفويض وتحديد الحالات التي يمكن فيها التفويض. وإليكم تصوري الخاص عن هذه القصة: فرضت أفروديت على سايكي تنفيذ 4 مهام تبدو مستحيلة للوهلة الأولى، وكلفت سايكي كائنات أخرى بتنفيذ عدة مهام، لكن المهمة الرابعة لم تكن قابلة للتفويض. ففي المهمة الأولى، كلفت النمل بمساعدتها في فرز كومة هائلة من البذور. نجحت سايكي في تقييم المهمة -فرز البذور إلى عدة أكوام- بدقة، وكان تكليف النمل بهذه المهمة حركة تكتيكية ذكية منها، فمن الواضح أنها مهمة تتطلب عدداً كبيراً من المشاركين، لا واحداً فقط. في المهمة الثانية، وهي جمع الصوف من الأكباش النطّاحة، ساعدها القصب في الحقل في تحديد كيفية جمع الصوف دون التعرض لهجمات الأكباش. وبالاعتماد على مساعدة القصب لجمع الصوف، الذي يرمز إلى السلطة، أثبتت نجاحها في تسليم السلطة إلى الآخرين، بدلاً من محاولة احتكار السلطة كلها لنفسها. في المهمة الثالثة، يتعين على سايكي ملء قارورة ماء من نهر يتدفق بقوة بجانب منحدر متعرج. لم تكن تمتلك القدرة على تنفيذ هذه المهمة، لكنها أدركت أنه يمكن للنسر أن يساعدها. لم تعهد بالمهمة إلى النسر لرغبتها في التهرب من تنفيذها، بل لوجود مخلوق آخر كان أقدر على تنفيذ هذه المهمة. أما المهمة الرابعة والأخيرة، وهي استعادة صندوق من العالم السفلي، فقد كانت مهمة يتعين عليها تنفيذها بنفسها، لأنها لم تقتصر على استعادة الصندوق، بل كانت متعلقة باتخاذ قرارات صعبة على طول الطريق، وهي قرارات لم يكن بمقدور أحد غيرها أن يتخذها.

ندرك جميعاً أن التفويض أداة إدارية أساسية، لكن ثمة حالات يجب أن نعترف فيها بأن “التفويض ليس الخيار المناسب”، وذلك لسبب وجيه. قد يرغب إليك الفريق أن تفوضه بالمزيد من المسؤوليات، لكن ما يريده الفريق حقاً هو أن تكون قادراً على تحديد الحالات التي تحتاج إلى تفويض. على الأقل، هذا ما أخبرني به النمل.