دراسة حديثة: المكافآت قد تعود بنتائج عكسية لهذه الأسباب

7 دقيقة
مكافآت الموظفين
جوناثان كيتشن/غيتي إميدجيز

قبل أكثر من 30 عاماً، كتب المؤلف والمحاضر ألفي كون مقالاً لمجلة هارفارد بزنس ريفيو أثار الجدل نوعاً وهو من المقالات التي تحظى بانتشار واسع، ادّعى فيه أن المكافآت عادة ما تقوّض العمليات التي كانت تهدف في الأساس إلى تعزيزها. ولكن حتى وقت قريب، اقتصرت الدراسات العلمية التي وثّقت مثل هذه النتائج السلبية على التجارب المخبرية أو التجارب الميدانية خارج الشركات، ومن ثم قد يشكك البعض في وجود هذه النتائج ضمن الأعمال التجارية. أجرينا بحثاً جديداً يتألف من تجربتين ميدانيتين كبيرتين في مؤسسات البيع بالتجزئة، وقد أظهر أن هذه النتائج السلبية تحدث بالفعل.

أظهرت إحدى هاتين الدراستين بصورة لا لبس فيها أن المكافآت المالية أدت إلى زيادة عدد أيام تغيّب الموظفين عن العمل، وكشفت الدراسة الأخرى أن النتائج الإيجابية لاجتماعات مراجعة الأداء اختفت عندما اقترنت بمكافآت مالية. وفي الحالتين، تبين أن المكافآت المالية التي تنطوي على حسن نية نتجت عنها نتائج سلبية ومكلفة في نهاية المطاف، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الإشارات التي فهمها الموظفون من نظام الحوافز حول السلوكيات المتوقعة منهم.

ولكي نفهم المسألة بصورة أفضل، سننظر في نتائج الدراستين.

الإشارات التي ترسلها المكافآت

في ألمانيا، يخضع الموظفون الجدد غالباً للتدريب المهني، ورداً على المخاوف بشأن معدلات الغياب عن العمل بينهم، أجرينا نحن وزميلنا جايكوب ألفيتيان تجربة ميدانية في 232 متجراً ضمن سلسلة متاجر كبيرة للبيع بالتجزئة في ألمانيا.

قسّمنا المتدربين (الموظفين الجدد) إلى مجموعتين ووزعناهم على المتاجر بصورة عشوائية، وحصل المتدربون في مجموعة الضبط على مكافأة مالية مقابل الانتظام في الحضور، في حين حصل المتدربون في المجموعة الثانية على مكافأة تمثلت في الحصول على أيام إجازة إضافية. والنقطة المهمة هي أن المتدربين في كل مجموعة لم يكونوا على علم بوجود المجموعة الأخرى أو بمشاركة الباحثين، ما حافظ على توافر ظروف واقعية لإجراء التجارب.

من المثير للدهشة أنه لم يسهم أي حافز من الحافزَين في تقليل التغيب عن العمل، وعلى عكس التوقعات التقليدية أسهمت المكافآت المالية في زيادة أيام الغياب بين المتدربين. ولتوضيح هذه النتيجة غير المتوقعة، استكشفنا الآليات السلوكية التي تكمن وراء هذا الأثر العكسي للحوافز المالية، حيث تقدم بيانات استطلاع الرأي إجابة واضحة جداً، وهي أن النظرة إلى الغياب عن العمل قد تغيرت لدى الموظفين في المجموعة التي حصلت على حوافز مالية.

على سبيل المثال، أفاد العديد من المشاركين بأن التزامهم بالحضور إلى العمل تراجع جداً، كما أنهم لم يشعروا بالذنب كثيراً عند البقاء في المنزل دون الإصابة الحقيقية بالمرض. من الواضح أن المكافأة أرسلت إشارة إلى الموظفين بأن الالتزام التام بالحضور ليس سلوكاً بديهياً أو متوقعاً، كما أصبح البقاء في المنزل دون الإصابة بالمرض مقبولاً لديهم أكثر.

تؤكد هذه الحالة أثر الإشارات التي ترسلها الحوافز التي تختارها الشركة في سلوك الموظفين. كان مايكل سبينس أول من تحدث عن أهمية أثر الإشارات في أطروحته للدكتوراة، التي نال عنها فيما بعد جائزة نوبل في الاقتصاد نظراً لنتائجها الواسعة النطاق على مختلف التخصصات. وكما أوضح، فإن اختياراتنا تؤثر في النتائج بما يتجاوز تأثيرها المباشر من خلال تأثير الإشارات التي تكشف معلومات حول قدراتنا وقناعاتنا ونوايانا. في المقابل، غالبا ما نتخذ إجراءات معينة للتأثير في تصور الآخرين لنا وفي الطريقة التي نتبعها لبناء سمعتنا، وهو ما يأخذنا إلى الدراسة الثانية.

أثر الإشارات التي ترسلها الحوافز على سلوك الموظف

في مشروع آخر، أجرينا مع كاثرين مانثي سلسلة من التجارب في سلسلة للبيع بالتجزئة بأسعار مخفضة. كان المقياس الرئيسي للأداء في هذه الشركة في البداية هو إيرادات المبيعات الإجمالية، وكان اطلاع مدراء المتاجر على معلومات هوامش الأرباح محدوداً، وكان هدف المشروع تصميم ممارسات إدارية لتحفيز المدراء على بذل جهود أكبر لزيادة الربحية بدلاً من التركيز على زيادة الإيرادات.

وزعنا مدراء 224 متجراً بصورة عشوائية على 4 مجموعات تضم مجموعة ضبط و3 مجموعات أخرى تخضع إلى ممارسات مختلفة: في المجموعة الأولى يُجري المدراء محادثات مراجعة الأداء كل أسبوعين مع المدراء الإقليميين لمناقشة الخطط الرامية إلى زيادة الربحية، وفي المجموعة الثانية يجري تخصيص مكافأة نقدية لمدراء المتاجر قدرها 5% من جميع الزيادات في الأرباح؛ أما المجموعة الثالثة فجمعت بين المكافآت ومحادثات مراجعة الأداء. تلقى مدراء المتاجر في المجموعات الأربع تدريباً عبر الإنترنت لزيادة معرفتهم بشأن هوامش الربح ووسائل زيادة الربحية.

كانت النتائج مفاجئة، ففي حين أن المكافآت لم تؤد إلى زيادة الربحية، فإن محادثات مراجعة الأداء كانت فعالة للغاية، إذ زادت الربحية بأكثر من 7% وهو مكسب يتجاوز أي تكلفة مرتبطة بالوقت الذي يمضيه المدراء الإقليميون ومدراء المتاجر في هذه الاجتماعات. ومن المهم ملاحظة أن هذا الأثر اختفى تماماً عندما اقترنت محادثات مراجعة الأداء بالمكافآت؛ أي أن المكافآت المالية أفقدت محادثات مراجعة الأداء قيمتها بالكامل.

ساعدنا البحث المتعمق في تقارير الاجتماعات والاستطلاعات عبر الإنترنت على فهم سبب ذلك؛ فلقد غيّرت المكافآت المالية طبيعة المحادثات ما أدى إلى زيادة الاعتماد على الذات بين مدراء المتاجر. على سبيل المثال، رأينا في تقارير الاجتماعات أن عدد المشكلات التي ذكرها المدراء في المجموعة التي لم تحصل على مكافآت كان أكبر بثلاث مرات تقريباً من عدد المشكلات التي ذكرتها المجموعات الأخرى. ومن ثم فإن المكافآت قللت الصراحة في المحادثات، وهو ما أفقد اجتماعات المراجعات الدورية قيمتها.

السؤال المهم هو: لماذا أدت المكافآت إلى زيادة الاعتماد على الذات؟ ينطوي التفسير المقبول هنا أيضاً على آلية للإشارة، وإن كانت على مستوى مختلف. فمن المرجح أن تكون المكافآت قد أثرت في إدراك مدراء المتاجر للإشارات التي تنقلها سلوكياتهم للمشرفين عليهم. فالتحدث عن مشكلة ما يؤدي إلى زيادة مشاركة المشرفين، ولأن المدراء يحصلون على مكافآت بناءً على الأداء فقد يتصور مشرفوهم أنهم يتحدثون عن المشكلات بهدف جذب الانتباه وتحقيق مصلحة شخصية، ومن ثم فإن الامتناع عن ذكرها يؤدي بطبيعة الحال إلى تجنب هذا التصور.

تعكس هذه النتائج آلية سلوكية رئيسية وضعها جان تيرول، الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد بالاشتراك مع رولان بينابو، في ورقة بحثية بناءً على أبحاث مايكل سبنس في مجال الإشارات والنظرية النفسية وهي أنه يمكن للمكافآت المالية أن تقوّض دافع الفرد إلى تعزيز سمعته عند أداء نشاط ما، لأن هذه المكافآت قد تخلق لدى الآخرين شكاً في دافعه الحقيقي لاتخاذ هذا الإجراء. وفي السياق المطروح، يبدو أن المكافآت أثّرت في سلوك مدراء المتاجر لأنها غيرت تصورهم للإشارات التي تنقلها سلوكياتهم إلى مدرائهم، وبالتالي ضعف حافز المدراء لمناقشة المشكلات صراحة، ما أدى في نهاية المطاف إلى نتائج عكسية.

النتائج المترتبة على الثقافة التنظيمية

تسلط نتائجنا الضوء على الدور المحوري للإشارات في تشكيل سلوك الموظف. أرسلت مكافآت الحضور للموظفين إشارة مفادها أن الحضور في حد ذاته يستحق المكافأة، ومن ثم فإن الالتزام التام بالحضور ليس سلوكاً عادياً، كما أن منح مكافآت زيادة الأرباح بالتزامن مع محادثات مراجعة الأداء قد أعطى مدراء المتاجر الحافز لأن تكون الأولوية للاستقلالية والاعتماد على الذات في العمل، وبذلك تكون الآثار الناتجة عن الإشارات التي ترسلها المكافآت واجتماعات مراجعة الأداء قد أدت إلى تقويض قيمة الحوافز، وتبين النتائج كيف يمكن للمكافآت أن تشكّل معايير السلوك في الشركات.

ومن المهم أن نلاحظ أن الأثر العكسي لمكافآت الحضور والانتظام في العمل كان أقوى بكثير بين المتدربين في السنة الأولى، كما استمرت آثاره الضارة حتى بعد إلغاء الحافز. وهكذا، يمكن للحوافز أن تعمل على تشكيل ثقافة الشركة باستمرار من خلال الإشارات، وهو ما يغيّر معايير السلوك، وخاصة بين أولئك الذين انضموا إلى الشركة للتو، وقد لا يكون من السهل الرجوع عن هذه التغيرات.

وبطبيعة الحال، لا تؤدي الحوافز دائماً إلى نتائج عكسية، بل إن الإشارات التي ترسلها الحوافز قد تعزز تأثير المكافآت المالية، وينطبق هذا بصورة خاصة على المكافآت التي تعتمد على الجهد الجماعي أو حتى المكافآت على مستوى الشركة؛ إذ تطبق غالبية الشركات المكافآت وبنجاح كبير غالباً على الرغم من الاعتقاد أن هذه المكافآت تسبب مشكلات كبيرة تتعلق باستفادة بعض الأفراد من مكافآت العمل الجماعي المشترك دون أن يسهموا فيه فعلياً -فتأثير الفرد الواحد في النتائج على مستوى الشركة ضعيف- ما يؤدي إلى افتراض أن الآثار المحفزة للمكافآت ستكون محدودة.

ومن الأمثلة على نظم المكافآت نظام المكافآت على مستوى الشركة الذي أنشأته شركة كونتيننتال إيرلاينز، حيث نال كل موظف مكافأة نقدية بسبب حصول الشركة على المراكز الأولى في عدد الرحلات المغادرة في الوقت المحدد (احتفظت شركة يونايتد إيرلاينز بهذا النظام بعد الاندماج مع شركة كونتيننتال). وعلى الرغم من أن الآلاف من الموظفين قد يستفيدون نظرياً من مكافآت هذا النجاح دون أن يكون لهم دور حقيقي فيه، فقد أدت هذه المكافآت إلى زيادة كبيرة في الالتزام بالمواعيد. ويرجع هذا النجاح غالباً إلى الاستثمار الكبير في المكافآت الشهرية التي تشير إلى الأهمية الاستراتيجية للالتزام بالمواعيد في نجاح الشركة.

ومن الجدير بالذكر أيضاً أن التحول نحو المؤسسات الرشيقة في السنوات الأخيرة كان مصحوباً غالباً بانخفاض في التركيز على مكافآت الأداء الفردي، إذ تستفيد المؤسسات الرشيقة عادةً من الحوافز التي تعتمد على تعزيز السمعة؛ فالتزام الموظف بعرض ما أنجزه من عمل في الاجتماعات اليومية يفسح له مجالاً كبيراً للإشارة بمصداقية إلى تفانيه ومشاركته، ما يقلل من ضرورة تعزيز الأداء من خلال المكافآت القائمة على الأداء الفردي.

في هذا السياق، من المرجح أن تقوّض المكافآت الفردية حافز الموظف لتعزيز سمعته، لأنها قد تخلق شكّاً حول دوافعه الحقيقية للمشاركة في إنجاز المهام، وعند منح المكافآت علناً فإنها قد تؤدي حتى إلى إثارة مشاعر الحسد بين الآخرين. وعلى النقيض من ذلك، فإن حوافز تعزيز السمعة تدعم الحوافز الجماعية بفعالية، إذ من المرجح أن يزداد تقدير الزملاء للأداء الفردي المتميز لأنه يعود بالفائدة على الفريق كله.

التداعيات المترتبة على تصميم الحوافز

بالنظر إلى هذه الحالات مجتمعة، فإنها تكشف ضرورة أن يحاول المدراء توقع آثار الإشارات التي يرسلها نظام الحوافز للموظفين قبل تنفيذه. والحافز المالي ليس بمعزل عن العوامل الأخرى المؤثرة، ومن الأهمية بمكان أخذها هي أيضاً في الاعتبار. وينبغي أن يستنير تصميم الحوافز بالممارسات القائمة على الأدلة، مع الوعي التام بالتفاعل المعقد بين الحوافز والإشارات التي ترسلها والمعايير الاجتماعية وثقافة المؤسسة.

وفي ضوء الأدلة المقدمة هنا وفي الدراسات السابقة، نقترح قائمة مراجعة (Checklist) بسيطة تساعد المدراء على تحديد الإشارات السلبية المحتملة التي قد ترسلها الحوافز التي يعملون على تصميمها. ونجد أنه عند تقييم أحد خيارات تصميم الحافز المحتمل، كلما زاد عدد الخصائص التي تحددها في قائمة المراجعة قل احتمال حدوث عواقب سلبية غير مقصودة.

هناك أثر كبير للحوافز على ديناميكيات العمل في المؤسسة، لكن فعاليتها تعتمد على العديد من الظروف المحيطة بها. عند النظر في استراتيجية الحوافز وإعادة هيكلة خطط المكافآت، يجب على الشركة أن تعلم بأن كل خيار في تصميم الحوافز يحمل إشارات إلى قناعاتها ونواياها من جهة، وإلى قيمة سلوكيات الموظفين داخل المؤسسة من جهة أخرى. ومن الضروري في أثناء وضع استراتيجية الحوافز توقع نتائج هذه الإشارات لضمان فعاليتها وتعزيز التوافق بين أهداف المؤسسة وسلوك الموظفين. سيساعد أخذ الرسائل التحذيرية في الاعتبار واستخدام قائمة المراجعة عند الحاجة الشركةَ على تحقيق أقصى استفادة من برامج الحوافز المستقبلية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي