تعدد المهام سبب التشتت في العمل

3 دقائق
أسباب التشتت في العمل

لدي صديق يعمل مديراً تنفيذياً في مؤسسة عالمية. وهو غاية في الذكاء والاندفاع، لكنه مشتت دائماً. فتجده يُجري عدة محادثات على مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر وجيميل وفيسبوك) في آن معاً. مع أن معظم هذه المحادثات مفيد بطريقة أو بأخرى، فإنه يعلم في عقله الباطن أنها من أهم أسباب التشتت في العمل وأن هناك أهدافاً أكثر أهمية يجب عليه تحقيقها. وتمرّ الأيام ويجد نفسه يستمر بالعمل طوال عطلة نهاية الأسبوع ليستطيع إكمال ما تراكم عليه، حتى أصبح يسهر طوال ليل يوم العطلة لساعات الصباح الباكرة من أول يوم في الأسبوع بشكل دائم. قال لي، وهو يتفقد هاتفه مرة أخرى، إنه أصبح يفتقد للحياة الاجتماعية. وساء الأمر لدرجة أنه طلب من مساعده التنفيذي قطع اتصال الإنترنت عن كمبيوتره في المكتب، لكن لا تزال هناك طرق كثيرة جداً للاتصال مجدداً. وعندما كان يصارع لإنهاء مشروع مهم جداً صادر أخوه هاتفه النقال وتركه في فندق لا يوجد فيه اتصال بالإنترنت. ومع ذلك، حتى في ذلك المكان، استطاع إيجاد طريقة خلال 10 دقائق للاتصال بالإنترنت عن طريق جهازه الخليوي القديم (نوكيا) وتفقد بريده الإلكتروني. وفي النهاية استطاع أن يُنهي مشروعه بعد 8 أسابيع، فيما يمكننا تسميته احتجازاً إفرادياً.

لماذا يسهل على الأذكياء صرف انتباههم عن الأمور المهمة حقاً؟

ليست مواقع التواصل الاجتماعي سبب مشكلة تشتيت الانتباه، إنما، وبحسب دراسة أجراها كليفورد ناس، الأستاذ في جامعة "ستانفورد"، فإن الأشخاص الذين يعملون بطريقة مكثفة في عدة مواقع للتواصل الاجتماعي في وقت واحد، أو كما يسمى "تعدد المهام"، يتعرضون لتدخل محفزات من بيئات بعيدة عن بيئة عملهم أكثر ممن يقومون بذلك على نحو بسيط. إذ يقود تعدد المهام بكثافة إلى تفاقمه وتزايد كثافة العمل بهذه الطريقة، وبالتالي يصبح من أهم أسباب التشتت في العمل لأنه يؤدي إلى "تخفيض القدرة على فلترة الأمور الدخيلة". فهل يمكن أن يتسبب ذلك في ضمور القسم الذي يعمل على التفكير التأملي العميق من دماغنا؟

لن يكون لكل هذا أي أهمية لو كان ارتباط الجهد والنتيجة مباشراً. لكننا نعيش في عالم لا قيمة فيه إلا للقليل من الأشياء الاستثنائية. هذه فكرة غير متوقعة. ولكن في النهاية، تبدو فكرة أن 50% من النتائج المثمرة تأتي مما يقرب من الـ 50% من المجهود أمراً عادلاً. إلا أن هناك أبحاثاً أُجريت على العديد من المجالات ترسم صورة مغايرة تماماً.

في تسعينيات القرن الثامن عشر، راقب فيلفريدو باريتو، عالم الاقتصاد الشهير، هذا النمط غير المباشر في إيطاليا. ووجد أن 20% من الناس يملكون 80% من الأراضي. وبعد ذلك بفترة طويلة، أطلق جوزيف موزس جوران، أحد مؤسسي حركة الجودة، اسم "مبدأ باريتو" على هذه النظرية (قاعدة 20/80)، وطبّقها على مجالات غير اقتصادية. ودعاها "قانون القليل الأساسي" في دليل مراقبة الجودة. وكانت ملاحظته تقول إنه بإمكانك تحسين جودة المنتج بصورة كبيرة جداً عن طريق معالجة جزء صغير جداً من المشكلة. ووجد أذناً صاغية في اليابان، حيث كانت البلاد هناك تنتج بضائع منخفضة الكلفة والجودة. وبتطبيقهم عملية الجودة هذه أصبحت عبارة "صنع في اليابان" ذات معنى جديد كلياً. وتدريجياً أدت ثورة الجودة إلى نهوض اليابان كقوة اقتصادية عالمية.

يمكن تطبيق مبدأ تمييز "الكثير عديم الأهمية" من "القليل الأساسي" على كل عمل من أعمال البشر. وهذا ما فعله ريتشارد كوك بشكل مقنع للغاية، مؤلف عدة كتب عن طريقة تطبيق "مبدأ باريتو" (قاعدة 20/80) في الحياة اليومية. وبالفعل، يمكننا رؤية الأمثلة في كل مكان.

فكّر في المخترع سير إيزاك بيتمان، من مدينة شورتلاند، الذي اكتشف أن اللغة الإنجليزية تتألف من 700 كلمة فقط (وهو الأمر الذي أكده قانون زيف لاحقاً). وكذلك ناثان مايرفولد، رئيس قسم التكنولوجيا السابق في "مايكروسوفت"، الذي قال: "يُصبح أفضل مطوري البرامج أكثر إنتاجية عن المعدل ليس بعشرة أضعاف ولا مئة ضعف ولا حتى ألف ضعف، بل بعشرة آلاف ضعف". وكرر ذلك لي شخصياً في مقابلة خاصة من أجل هذا المقال. ربما يكون كلامه مبالغاً فيه، لكنه لا يزال يؤكد فكرة أن الجهد والنتيجة لا يرتبطان بعلاقة مباشرة.

ستصبح لدينا مجموعة جديدة من السلوكيات الغريزية بمجرد التخلي عن منطق (50/50). وسنبدأ بالبحث في بيئاتنا عمّا هو أساسي حقاً، ونسارع في إلغاء الكماليات. وسنرفض 100 مشروع من أجل الموافقة على المشروع الوحيد الذي نبحث عنه بالتحديد.

فكّر في فلسفة وارن بافيت التي اقتبسها كل من ماري بافيت وديفيد كلارك في كتابهما "فلسفة من وارن بافيت" (The Warren Buffett Philosophy). يرد في الكتاب: "لا يجب عليك أن تنجح إلا بالقليل من الأمور في حياتك، طالما أنك لا تفشل بالكثير. وجد وارن في وقت مبكر من حياته المهنية أنه من المستحيل اتخاذ مئات القرارات الناجحة في الاستثمار، لذلك قرر أن يستثمر فقط في العمل الذي كان واثقاً منه تماماً، وراهن عليه بقوة. ويعزي 90% من ثروته إلى عشرة استثمارات فقط. ففي بعض الأحيان يكون ما لم تفعله مهماً بقدر ما تفعله".

قُم بما يلي:

أنصحك بقائمة أعمال بسيطة للتخلص من أسباب التشتت في العمل.

  • قبل مغادرة المكتب اليوم، اكتب أهم 6 أمور أولوية ليوم غد على ورقة. واشطب آخر 5 أمور.
  • اكتب الأمر الأهم على ورقة ملاحظات لاصقة وضعها على جهاز الكمبيوتر خاصتك.
  • خصص 90 دقيقة في جدول أعمالك للعمل على الأولوية الأهم، ويفضل أن تكون أول ما تفعله في بداية يومك.
  • في كل مرة تقبل فيها على تفقّد بريدك الإلكتروني أو مواقع التواصل الاجتماعي، اكتب الأمور التي ستفعلها لأجل ذلك.

يمكن أن يكون التأثير التراكمي لهذا التغيير الصغير عميقاً. وبالفعل، تلقيت للتو رسالة على بريدي الإلكتروني من مدير تنفيذي بشأن أحد أفراد فريقه لديه نزعة للقيام بكل شيء. والمثير للانتباه أن هذا الشخص هو أكثر أعضاء الفريق إنتاجية، لكنه تعلّم عندما كان شاباً أن يتغلب على نزعته هذه. لم يتعلم معظمنا ذلك بما يكفي، لكن بإمكاننا تعلمه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي