أي نوع من مؤسسي الشركات الناشئة أنت؟

5 دقائق
الأساليب القيادية لأصحاب الشركات الناشئة

ملخص: تعتبر روح الملكية الجماعية عنصراً حاسماً في إطلاق أي مشروع جديد، لكن الطريقة التي يجب على المؤسسين اتباعها من أجل تعزيز روح الملكية الجماعية هذه في فرقهم ليست واضحة دوماً. في هذه المقالة، يصف المؤلفون بحثاً أجري مؤخراً حول أساليب قيادة الشركات الناشئة التي يتبعها القادة في محاولتهم لغرس روح الملكية الجماعية لدى موظفيهم، ليصلوا في النهاية إلى أن التوازن الدقيق بين أسلوبي التفويض والإلزام هو الأكثر فاعلية. ويقترحون أن أفضل طريقة ليحافظ المؤسسون على اندماج أفراد فرقهم واستمرار شركاتهم بالسير على المسار المطلوب هي بالتحديد المسبق للعناصر التي تقبل النقاش والعناصر الثابتة من الفكرة، ثم التحدث عن هذه العناصر بوضوح مع كل المعنيين.

 

يواجه الكثير من المشاريع الجديدة الواعدة صعوبات في الانطلاق والنجاح بسبب فشل مؤسسيها في غرس روح الملكية الجماعية في فرقهم، وهي الشعور بأن فكرة المشروع هي ملك للفريق بأكمله، وليس للمؤسس وحده. عندما يشعر أفراد الفريق أنهم يملكون فكرة ما، يصبح عملهم تعاونياً أكثر ويقومون بمجازفات أكثر ويقدمون تضحيات شخصية أكثر من أجل دعم الهدف المشترك. في حين إذا انعدم هذا الشعور بالملكية الجماعية، فسيفقد أفراد الفريق حماسهم سريعاً وستنهار إنتاجيتهم. إذن، ما الذي يمكن للمؤسسين فعله من أجل تبني مفهوم الملكية المشتركة الذي يتمتع بأهمية كبيرة؟

من أجل دراسة هذا السؤال، أجرينا سلسلة دراسات بمشاركة أكثر من 500 مؤسس، ممن شاركوا في مسابقات ريادة الأعمال ودورات إطلاق الشركات الناشئة التابعة للجامعات، مع أفراد فرقهم. وجمعنا في هذا البحث بيانات كمية واسعة النطاق من أجل قياس أداء هذه الشركات، وهي تشمل دراسات استقصائية وتقييمات المستثمرين، كما أجرينا مقابلات نوعية مع المؤسسين وأفراد فرقهم. وبناء عليه، اكتشفنا أن المؤسسين يتبعون أحد 3 أساليب، ويؤثر اختيارهم للأسلوب على نجاحهم بدرجة كبيرة.

أهم أساليب قيادة الشركات الناشئة

أسلوب التفويض

يسعى المؤسس المفوّض للحصول على آراء أفراد فريقه، لكن ليس حول مسائل التنفيذ فحسب، بل حول فكرة المشروع بأكملها أيضاً. خذ مثلاً أحد المؤسسين الذين قابلناهم، ولنسمه سامي، وهو رئيس شركة ناشئة لتصنيع الأجهزة الطبية تركز على تطوير أداة جراحية خاصة بعمليات زرع الكلى. بدلاً من مطالبة أفراد فريقه بتنفيذ فكرته، كان يطالبهم باستمرار بالتفكير بطرق لإعادة تصميم الأداة التي طورها بالفعل. ونتيجة لذلك، اقترح أحد أفراد الفريق تغييراً على التصميم يجعل الأداة قابلة للاستخدام في العمليات الجراحية الأخرى، ما أدى إلى توسيع السوق المحتملة للشركة وتأثيرها الاجتماعي. يقول أحد أفراد فريق سامي: "على الرغم من أنه عمل على هذه الأداة على مدى عامين، لم يعاملنا على أساس أنها فكرته هو وأن علينا العمل عليها كما هي. بل كان راغباً بمعرفة آرائنا جميعنا، وهذا لطيف بحق".

إن إشراك فريقك بصورة استباقية في تشكيل فكرة أساسية طريقة فعّالة لبناء الشعور بالملكية، لكن إلى حدّ معين فقط. إذ توصلنا من خلال المقابلات التي أجريناها إلى أنه إذا شجع المؤسس أفراد فريقه على تقديم آرائهم أكثر مما ينبغي، فسيخسر الفريق تركيزه وحماسه. خذ مثلاً مؤسِسة شركة ناشئة لتنظيم الحفلات الموسيقية، ولنسمها هالة، عندما طلبت من أفراد فريقها السعي لإجراء أي تغيير ممكن على فكرتها، مهما ابتعد عن خطتها الأصلية. فاقترح أفراد فريقها عدداً من الطرق المفيدة، مثل اقتراح عملية حيوية لتسعير البطاقات وبرنامج مكافآت للعملاء. لكن مع دراسة الفريق لجميع هذه الاتجاهات المختلفة، وجدت هالة أن ارتباطها بالمشروع يصبح أقلّ. قالت لنا: "كان المشروع الأصلي وليد أفكاري، لكنه انفصل عني وذهب في اتجاه جديد تماماً. بعد التغيير، أصبحت أقل انشغالاً بالفكرة، وبدا ذلك عليّ بصورة جلية".

كما يعجز هذا النوع من المؤسسين عن وضع حدود واضحة حول ما يمكن مناقشته وما لا يمكن مناقشته، الأمر الذي يؤدي إلى نشوب نزاع إذا ما اقترح أفراد الفريق أفكاراً لا تعجب المؤسس. مثلاً، تتذكر واحدة من أفراد أحد الفرق أن المؤسِسة ادعت أنها على استعداد لتقبل أفكارهم، لكنها في الحقيقة كانت تعاني من صعوبة في تقبل أفكار جديدة معينة، إذ تقول: "كان واضحاً أن لديها ما يسمى ’عامل الصدمة‘ وكانت تحاول الدفاع عن فكرتها، وتتمسك بها. وبعد ذلك، لم يعد الأمر جديراً بأن يحاول أي منا تغييره أو بذل جهد فيه. فقد وُلد شعور بعدم الارتياح وبقي ملازماً لنا". وانتهى الأمر بحلّ الفريق قبل أن يتمكن من صنع النموذج الأولي حتى.

إن إشراك فريقك عن طريق تفويضه باتخاذ قرارات مهمة هو طريقة رائعة لغرس روح الملكية لدى أفراده، لكن إذا لم ترسم حدوداً واضحة لذلك فستجازف بفقدان اهتمامك بالمشروع وفقدان دعم فريقك أيضاً.

أسلوب الاستبداد

النوع الثاني من المؤسسين هو المؤسس المستبد، وهو أشد تمسكاً بأفكاره. في بعض الحالات، يمكن أن يؤدي هذا الأسلوب إلى تعزيز روح الملكية الجماعية في الفريق، إذ إن التوجيهات الواضحة تخفف الغموض وتحد من النزاعات المحتملة وتضمن أن يركز الموظفون على الأهداف المشتركة. وصفت واحدة من أفراد فريق مؤسِسة مستبدة تجربتها مع هذه المؤسِسة بقولها: "كانت تحدثنا عن صلتها الشخصية بالفكرة، وبعد أن عرفنا إلى أين تود الوصول بها، لم نحاول تغييرها إطلاقاً. ساعدنا حديثها على فهم الاستراتيجية ومواضع توافق المنتج مع السوق، وأدى امتلاك شيء ملموس إلى إثارة حماس الجميع بشأن الفكرة". في بعض الحالات، يعزز أسلوب القيادة الشغوفة الاستبدادية روح الملكية الجماعية، فتوضيح من يمسك بزمام الأمور يساعد على سير الأمور بسلاسة أكثر.

لكن بالطبع، هذا الأسلوب يحدّ من الفرص المتاحة أمام أفراد الفريق الجدد للتأثير في اتجاه الشركة، ما يصعّب الحفاظ على اندماجهم وحماسهم في العمل. مثلاً، وضح أحد المؤسسين في أحاديثه الأولى مع فريقه أن الفكرة التي يعملون عليها ثابتة، وليس من المسموح لهم إجراء أي تغيير على تصميمها. بالنتيجة، لم يكن أفراد فريقه قادرين على مشاركة وجهات نظرهم الفريدة، ما أدى إلى تثبيط هممهم بدرجة كبيرة. روى لنا أحد أفراد الفريق: "عندما انضممت إلى الفريق كنت شديد الحماس، لكن الآن يبدو أن المؤسس لا يريدني أن أساهم بدرجة كبيرة. فنحن أشبه بمستشارين، لا أفراد فريق واحد، ونشعر أننا على الهامش". قد يخفف الأسلوب المستبد من النزاعات والغموض فيما يخص الاتجاه، لكن نقص فرص مشاركة أفراد الفريق يؤدي إلى عزلهم وتقويض روح الملكية الجماعية لديهم.

أسلوب التحديد

النوع الأخير من المؤسسين الذين عملنا على دراستهم تمكن من تحقيق توازن دقيق بين الأسلوبين اللذين وصفناهما آنفاً. إذ إن هؤلاء المؤسسين الذين يتمتعون بالمرونة تمكنوا من تحديد الأجزاء غير القابلة للتغيير من فكرتهم والأجزاء القابلة للتعديل والمناقشة بوضوح شديد. يصف أحد أفراد فريق مؤسس يتبع أسلوب التحديد تجربته معه كما يلي: "تحدث المؤسس عن عنصرين جوهريين في فكرة المشروع، وقال إنه لن يتخلى عنهما وأنهما سيبقيان كما هما. لكنه قال أيضاً إن هناك عناصر أخرى يود سماع آراء أفراد الفريق بشأنها، كالسوق المستهدفة مثلاً".

يحقق هذا الأسلوب المختلط فوائد الأسلوبين الآخرين ويحدّ من مساوئهما. فعن طريق طلب المساعدة في بعض المجالات ورسم حدود واضحة فيما يخص مجالات أخرى، تمكن هؤلاء المؤسسون من تعزيز الاندماج، وفي نفس الوقت منعوا فرقهم من رمي المشروع في اتجاه غير مرغوب فيه. مثلاً، عمل كمال لدى مؤسِس وضّح أنه لا يبحث عن أفكار لميزات جديدة، وإنما يهتم أكثر باستكشاف أسواق جديدة أو أي تغييرات أخرى في جانب الأعمال، يقول كمال: "علمنا أن التقنية الأساسية كانت جاهزة، وأن جهودنا ستتوجه نحو تطوير نموذج عمل جديد لتلك التقنية".

لا تعود فاعلية هذا الأسلوب المختلط إلى تحديد الأجزاء غير القابلة للنقاش فقط، بل وإلى التحديد الواضح للنقاط التي يرغب المؤسسون أن يشارك أفراد فرقهم فيها أيضاً. قال لنا أحد المؤسسين عن تجربته: "أعتقد أن السماح لأفراد فريقي بمساعدة الشركة على إجراء تغيير محوري وسماع أفكارهم وتنفيذها ساعد على إنماء روح الملكية الجماعية لديهم". النجاح ليس سهلاً، بيد أن المؤسسين الذين اتبعوا أسلوباً مركباً مؤلفاً من أساليب قيادية تبدو غير متوافقة كانوا أصحاب النجاح الأكبر في بناء روح الملكية الجماعية لدى فرقهم.

نصائح للمؤسسين

ماذا يعني كل هذا بالنسبة لمؤسسي الشركات الناشئة؟ النتيجة هي أنه ثمة أوقات وأماكن حيث يكون ممكناً اتباع أسلوبي التفويض والاستبداد معاً، لكن الأهم هو رسم حدود واضحة بينهما. وبناء على بحثنا، نقترح على المؤسسين الذين يسعون لمساعدة أفراد فرقهم على امتلاك روح الملكية الجماعية القوية خطة مؤلفة من 3 خطوات:

1- ابدأ بتصنيف العناصر المختلفة في فكرة مشروعك، كالتقنية الأساسية والسوق المستهدفة وتصميم المنتج (أو الخدمة) والتوقعات المالية واستراتيجية اكتساب العملاء.

2- اختر العناصر التي يجب أن تبقى ثابتة والتي تقبل التغيير وحددها لنفسك.

3- وضح هذه العناصر لأفراد فريقك وذكرهم بها باستمرار.

من الطبيعي أن تعتبر بعض أجزاء فكرتك أساسية لا تقبل النقاش، في حين تشعر بالسرور لتلقي الآراء حول أجزاء أخرى. ومن الضروري، بل الأهم، أن تحدد هذه الأمور بوضوح من خلال أحد الأساليب القيادية المناسبة كي تحافظ على مشاركة أفراد فريقك واندماجهم، وعلى استمرار شركتك بالسير وفق المسار المحدد.

* تم تغيير الأسماء من أجل حماية الخصوصية

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي