كيف تتعرف على العوامل المؤثرة في اختيار أسلوب القيادة الناجح؟ لا تتوقف شركات مبتكرة مثل أمازون وتيسلا عن عرض منتجات وخدمات جديدة، ولكن هناك شيئاً آخر تعمل هي ومثيلاتها من الشركات المتميّزة على إنتاجه: إنها نسختها الخاصة من القيادة. حيث يشير مشروع بحثي قمنا بالانتهاء منه للتو إلى أنّ هذا المجال يشهد أمراً مهماً ومبتكراً كذلك. إنّ القيادة "القائمة على التحدي" التي لاحظناها خلال دراستنا قادة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي) قد لا تناسب كل أنواع الشركات والمشاريع، ولكننا نعتقد أنها سوف تنتشر لدى العديد من الشركات في السنوات القادمة.
إنّ الفكرة التي تقول أنّ أمراً ما مميزاً يحدث في السلوكيات القيادية لدى المؤسسات والشركات عالية الأداء، وأنّ هذا الأمر لا يقتصر على ما تطرحه في الأسواق، ليست بجديدة. إذ لطالما كان يُنظر إلى شركات مثل جنرال إلكتريك وبروكتر آند غامبل (Procter & Gamble Co) على أنها بوتقات لتنمية المواهب الإدارية، وفيها يتطور أنواع من القادة. لقد درس علماء من بينهم ديف أولريخ ونورم سمولوود وجيم كوزيز وباري بوزنر مفهوم بناء ما اصطلح على تسميته "علامات تجارية للقيادة". ولا شك أنّ صائدي المواهب هم أول المهتمين بفهم ما يميز هذه العلامات. وهذا يعني، أولاً، أنه من المفيد أن تطور الشركة معارفها في هذا المجال. فإذا عرفت الشركة أي نوع من القادة ممن يمكن الاعتماد عليهم يخرج من صفوفها – وخصوصاً إذا لم يعجبها ما تكتشفه - يمكنها أن تبادر إلى فعل شيء حيال الأمر.
إذا لم يتضح أي أسلوب قيادي هو الأمثل لشركتك، إليك استراتيجية تساعدك على معرفة ذلك. لاحظ من يترك العمل من تلقاء ذاته أو يُفصل - وخاصة من بين الموظفين الجدد – لأن هذا يمكن أن يشير إلى المهارات القيادية الأكثر أهمية. هذا ما فعلته مديرة تنفيذية في شركة عالمية تولي أهمية كبيرة للناتج الإبداعي. وعن ذلك قالت: "إذا كنتم غير مهتمين لأن تتعرضوا للاستفزاز لحثكم على الابتكار، ستكون حياتكم مملة هنا. ولكن إذا رغبتم أن يتم استفزازكم وكان هذا الأمر كفيلاً بإطلاق العنان لقدراتكم الابداعية، سيكون لديكم الفرصة لرد الفعل على الاستفزاز. أما إذا لم تتفاعلوا مع الأمر، عذراً، هذا يعني أنكم طرقتهم الباب الخطأ، ولقد رأيت العديد من الناس في المكان غير المناسب هنا. فإما أن تنتمي إلى هذا المكان أو لا تنتمي إليه. إذ يغادر العديد من الأشخاص، طواعية أو رغماً عنهم، بعد ثلاثة إلى 6 أشهر".
إذا كنت تحبذ نوع القائد الذي يتطور في صفوف شركتك، فاعمل على حماية ذلك النوع من القيادة. كانت تلك هي الرغبة التي دفعتنا إلى المغامرة في مشروع بحثي لمدة عام في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. كان لدينا شعور قوي بأنّ هناك ما يميز "أسلوب القيادة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا"، وهي بعض الخطوط السلوكية التي تتبعناها من أعمال القرصنة سيئة السمعة إلى مشروعات الخريجين الريادية. لقد تضاعف هذا الشعور عندما بدأنا بإجراء مقابلات مع أشخاص حققوا إنجازات كبيرة هنا وما أثار دهشتنا أنهم لم يكونوا مهيأين تماماً للحديث عن أنفسهم كقادة. بل بدا أنّ البعض لديه نوع من الحساسية كرد فعل على الكلمة وكانوا يربطون "أنواع القيادة" بالوصوليين أصحاب الثقة المفرطة الحريصين على الارتقاء في منصبهم والبدء في تفويض آخرين لأداء العمل الحقيقي. ولو أننا كنا ننظر إلى نسخة جديدة من القيادة لكانت هذه واحدة تحمل سلالة مناهضة للقيادة بداخلها.
مع تعمقنا في الأمر، عثرنا على مفتاح فهم هذه المواقف – وأمور أخرى كثيرة حول كيفية عمل الفرق على إنجاز العمل في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. فالناس هنا لا يتبعون القادة، وإنما يتبعون المشاكل. وبالتالي، فإنّ أهم عمل لمن يمكن أن نسميه "القائد" في موقف ما هو العثور على مشكلة مثيرة للاهتمام، ملهمة، بالكاد قابلة للحل، وتأطيرها بطريقة تجذب أذكياء وموهوبين آخرين تجاهها. علاوة على ذلك، في هذا النسخة "المنقادة خلف المشكلة" من القيادة، غالباً ما يتغير المسؤول تبعاً لمراحل الجهد المطلوب لإنجاز العمل. ومن خلال عملية تبديل الأدوار بين "تولي المسؤولية ثم التخلي عنها لشخص آخر" يتولى أعضاء الفريق مزيداً من المسؤولية عندما تكون الحاجة عظيمة إلى معرفتهم أو مهارتهم بالتحديد. ويطرأ تغيّر كبير على مجرى الأمور عندما تكون القيادة قائمة على التوق إلى التحدي – مثلما رأينا مع فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الناجح هايبرلوب تيم (MIT Hyperloop) وصولاً إلى مختبر لانغر لاب (Langer Lab) إلى المجموعة التي اتحدت من أجل إعلاء نصب "شون كولير التذكاري". وفي أثناء عملنا، أدركنا أيضا أنّ ما كنا نطلق عليه أسلوب القيادة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا كان في الواقع أكبر من المعهد، لقد رأينا سماته كذلك في مؤسسات وشركات أخرى تُعرف بانجذابها إلى طرق التحديات الكبرى.
إنّ أنماط القيادة، أو العلامات التجارية للقيادة إذا كنتم تفضلون أكثر استخدام المصطلح، هي على الدوام متصلة بسياق معين. فالشركات والمؤسسات المختلفة تُصب فيها أنواع مختلفة من القادة، والسؤال المطروح دائماً هو هل كان بإمكانهم النجاح خارج السياق الذي صُهروا فيه؟ كما أنّ لأساليب القيادة زمانها ومكانها المناسبين والعديد من العوامل المؤثرة في اختيار أسلوب القيادة للنجاح: فربما تكون القيادة التي تجذبها التحديات مناسبة على وجه خاص لهذه اللحظة التي نعيشها بكل ما فيها من الغموض والفرص. ويبدو كذلك أنّ هذا النمط من القيادة يناسب أكثر فترة توفر درجات عالية من الاتصال تجعل من السهل تجميع فرق مختصة لأداء مهمة محددة وجعلها منتجة. بعبارة أخرى، يبدو الأمر، وكأنه نوع القيادة الذي مكنه الظهور بشكل متزايد في القرن الواحد والعشرين بسبب العصر الرقمي، وهو النوع الذي سيزداد الطلب عليه.