كيف تُقنِع عميلاً أو مسؤولاً تنفيذياً رفيع المستوى بضرورة توفير مخصَّصات مالية إضافية في ظلّ ضآلة الميزانية؟ 

لعلك مدير تدقيق الحسابات في شركة وتحاول إقناع رئيس أحد الأقسام باتخاذ خطوة قد تكلّفه بعض المال، ولكنها ستجنّب شركتكم غضب الجهات الرقابية؛ أو قد تكون مسؤولاً تنفيذياً بقسم الموارد البشرية وتمارس ضغوطك على أحد المسؤولين بالشركة لإقناعه بالاستثمار في التدريب خلال تنفيذ عمليات تسريح العاملين؛ أو قد تكون مهندساً تحاول إقناع نائب رئيس شركتك بإعطاء الأولوية لمشروعك على حساب المشروعات الأخرى. 

بغض النظر عن مسمياتنا الوظيفية أو تخصصاتنا في العمل، فكلٌّ منا يحاول بيع شيء ما. يقول دانيال بينك في كتابه “البيع مظهر إنساني أساسي” (To Sell Is Human)، إننا سنحتاج في مرحلة ما إلى بيع أفكارنا أو مشاريعنا أو توصياتنا للآخرين. ويمكن لكل واحد منا تطوير قدرته على التأثير، غالباً دون امتلاك صلاحيات رسمية بين يديه. يتطلب الأمر توازناً دقيقاً بين مهارات بناء العلاقات والتفاوض والإقناع. وفي عملي على مدار الأعوام العشرين الماضية في تدريس هذه الموضوعات، توصّلتُ إلى ما يلي:

1. ابدأ بتحليل أصحاب المصلحة

يقول كين هيمر في “دليل هارفارد بزنس ريفيو للعروض التقديمية المقنعة”: “يمكن تشبيه تصميم عرض تقديمي دون وضع جمهور في الاعتبار بكتابة رسالة حب وافتتاحها بعبارة ’إلى مَن يهمه الأمر‘”.

ابدأ بالتحدُّث إلى الأشخاص الذين تسعى للتأثير فيهم قبل طرح قضيتك، واطرح عليهم أسئلة لفهم ما يجري في مؤسساتهم والتحديات التي يواجهونها في قطاعاتهم والأهداف الفردية المطلوب تحقيقها في أدوارهم الوظيفية. قد تكون مطالبة أحدهم بتوفير مخصَّصات مالية إضافية أمراً صعباً، وقد تؤدي إلى شعوره بالقلق بشأن وظيفته؛ فحاول فهم ما يشعر به قبل أن تطلب منه اتخاذ إجراء من أي نوع.

2. تحدث عن مزايا عرضك بوضوح شديد

في حين أننا قد نعتبر أن الأسباب الداعية إلى اتخاذ مؤسسة ما إجراءً معيناً واضحة وبديهية، فقد لا تكون واضحة دائماً لصانعي القرار؛ بعد تحليل أصحاب المصلحة، احرص على بلورة ما عرفته عن الجمهور الذي تريد إقناعه. 

ما الفوائد التي تعود عليه أو على المؤسسة إذا نفذ هذا الاستثمار؟ على سبيل المثال، إذا كانت خدمتك ستوفّر أموالاً للعميل، فاستعد لتوضيح مقدار الوفر المُتوقَّع، وإذا كانت ستقلل من معدل دوران الموظفين، فاحرص على تحديد هذه النسبة. لإظهار تأثير خفض التكلفة أهمية بالغة عندما تكون الميزانيات محدودة، ويجب أن تكون الحجج مقنعة لعميلك ورؤسائه المباشرين، وليس لك فقط.

3. بيّن أهمية الالتزام بالوقت أو فهم الضرورات المُلحة

عندما ندرّس فن الإقناع، فإننا نعلّم الطلاب أن يجيبوا عن السؤال التالي: “لماذا الآن؟” عند محاولة إقناع الآخرين بالتحرك في اتجاه ما. وينصح مبدأ ندرة التأثير لروبرت تشالديني باستخدام لغة الخسارة لتوضيح سبب أهمية اتخاذ إجراء فوري. ما الخسارة التي سيتكبدها جمهورك إذا لم يتخذ أي إجراء؟ 

على سبيل المثال، إذا كنت تحاول إقناع عميل بشراء منتجك أو خدمتك، فكيف سيؤدي تردده إلى تكبُّده خسارة مالية؟ وكيف تثبت له أنه لا يستطيع تحمُّل كُلفة عدم الاستفادة من خدمتك؟ يقدّم هذا الفيديو التوضيحي الذي أعدَّته المتحدثة المحترفة، تريسي براون، حجة مقنعة عن سبب وجوب قبول الشركات بتعيينها.

4. ابحث عن البرهان الاجتماعي

يتأثر الإنسان بغيره ممَّن تعرّضوا لمواقف مماثلة؛ ما المؤسسات الأخرى التي تطبق الإجراءات التي تنصح باتخاذها، وكيف يمكنك إثبات أن مُنتَجك أو مشروعك الذي توصي به يعود عليها بالنفع؟ 

على سبيل المثال، إذا كنت تريد إثبات أهمية التدريب خلال عملية تسريح العاملين، وكانت إحدى أهم الشركات المنافسة لكم تستثمر في التدريب، فيمكنك توضيح أن هذه الشركة ستحتفظ بالكثير من أفضل مواهبها بفضل التدريب الذي تقترحه، مقارنة بأضرار اتخاذ تدابير تقشفية كاملة. ويمكنك اقتراح تدريب للجمع بين الفِرق وتعزيز الشعور بالثقة والتواصل، حتى في ظل انعدام اليقين الناجم عن عمليات تسريح العاملين.

5. توقّع اعتراضاتهم

تتمثّل إحدى أدوات الإقناع المفضلة لديّ في استراتيجية “أعرف ما تفكر فيه”؛ استغل معرفتك بعميلك أو قطاعك للتحدُّث عما يعرقله ويحول دون نجاحه. 

يمكنك التعبير عن فهمك لشعور جمهورك وتوضيح تجربتك السابقة مع الشعور نفسه ونتيجتها؛ يمكن أن تقول شيئاً على غرار: “يمكنني أن أتخيّل صعوبة الحصول على الموافقة على برنامج كهذا. لقد رأينا مؤسسات أخرى تعاني هذه الصعوبات أيضاً، ووجدنا أنها حصلت على الموافقة من خلال صياغة البرنامج بأسلوب يركّز على استبقاء العاملين والتخطيط لتعاقب الموظفين”. عندما تُثبت لعملائك أنك تفهم ما يدور في أذهانهم، فستكتسب ثقتهم.

6. اعرض الخطوة التالية بوضوح تام

قد يكون طرح الأسئلة في كثير من الأحيان أصعب جزء في عملية الإقناع. وعندما ندرّس طرق إلقاء العروض التقديمية المقنعة، نوصي بتوجيه الدعوة لاتخاذ إجراء واضح يحدد الخطوات التالية: كيف تتوقع خطوات العميل التالية تقدّم مساراً واضحاً يزيل العراقيل المحتملة؟

قل شيئاً مثل: “عندما نقرر المضي قدماً، ستكون خطواتنا التالية كذا وكذا”. يساعد هذا صانع القرار على رؤية موقفه في هذه العملية ويجعل الموافقة عليها أسهل.

جمع الخطوات الست

استعنت بزميلتي مديرة المبيعات المتمرسة، أوريت روزنبلوم، بصفتها مثالاً عملياً يجسّد هذه الخطوات الست على أرض الواقع. 

تعمل أوريت في مجال البيع الاستشاري، وعلى الرغم من أنها اختصاصية في مجال المبيعات فهي تؤدي دور مستشارة لا مندوبة مبيعات؛ بدلاً من طرح مُنتَج معين وإغراء العميل بشرائه تسعى أولاً إلى فهم المشكلات المستعصية التي يواجهها ثم تقترح مجموعة متنوعة من الحلول بناءً على احتياجاته.

عملت أوريت سابقاً في شركة تبيع حلاً تكنولوجياً مبتكراً للعاملين في مجال المبيعات، وحدثتني عن عميل جديد كانت تستهدفه داخل إحدى شركات التكنولوجيا المُدرَجة على مؤشر إس آند بي 100، وكانت هذه الشركة تتعامل بالفعل مع شركتها، وبدلاً من تقديم العرض العادي المعتاد في شركتها، أرادت أوريت اقتراح حل أكثر تعقيداً وأعلى تكلفة؛ كان العميل الجديد يواجه صعوبة في الحصول على الموافقة على عرض شركتها بسبب ضخامة نفقاته وضآلة أرقام مبيعات الشركة.

فلنلق نظرة على كيفية تنفيذ أوريت للخطوات التي اقترحناها أعلاه:

تحليل أصحاب المصلحة: بدأت أوريت المحادثة بوضع الميزانيات جانباً والتركيز على القيمة، في محاولة لفهم المشكلة المستعصية الأساسية لدى العميل. شرحت لي ذلك قائلة: “لا يمكنك الاتصال بالعميل والاكتفاء بسؤاله عن مشكلته؛ بل يتطلب الأمر إجراء بضع مكالمات ومحادثات معمقة ضمن عملية البيع الاستشاري”.

التحدث عن مزايا عرضك بوضوح شديد: متسلحة بهذه المعلومات، استعدّت أوريت لإجراء محادثة جديدة تناولت المشكلة المستعصية لدى عميلها ودور الحل الذي تقدمه شركتها في علاجها. سهّل ذلك على عميلها التحدث إلى مديره. 

الضرورات المُلحة: كانت أهم فعالية ستقيمها الشركة العميلة لعملائها خلال هذا العام وشيكة، وكانت ترغب في ترك انطباع قوي لديهم، فوضحت أوريت أن حلها سيبرز لهم القيمة التي قدمتها الشركة في القطاع. 

الدليل الاجتماعي: عملت أوريت على إدراج معلومات توضح دور حلها في مساعدة مؤسسات المبيعات الأخرى من خلال تحديد المشكلة، والقيمة التي تقدمها شركتها، والنتيجة النهائية. 

خطوات عمل واضحة: وضعت أوريت خطة للفريق بأكمله، بمن فيه عميلها ومديره الذي يتحكم بالميزانية، كما توقعت اعتراضاتهم من خلال الاهتمام بأسلوب عملهم مع مختلف الأقسام في الجوانب التنفيذية، كي يعرفوا بالضبط الخطوات التي سيتخذونها للمتابعة عندما يكونون مستعدين.

فماذا كانت النتيجة؟

قالت أوريت: “لم يحدث ذلك بين عشية وضحاها، بل استغرق الأمر 3 أشهر، لكن العميل نجح في الحصول على التمويل اللازم. وبعد شهرين من بدء المشروع، قال لي العميل: ’أوريت، كان من الصعب الحصول على توفير المخصَّصات المالية اللازمة. ولكن حين نفذنا برنامجك على مدى ربع السنة ورأينا العائد على الاستثمار والقيمة المضافة، لم يعد بنداً في المصروفات بل بات استثماراً يدرُّ عائداً حقيقياً، وأصبح موظفو المبيعات لدينا يستخدمونه بنجاح. يزداد عدد عملائنا المحتملين المهتمين، وهذا يختصر دورة المبيعات لأن عملاءنا يتفاعلون معنا بالفعل ويأتون مسلحين بالأسئلة‘”.

كانت كلمات أوريت الأخيرة في محادثتنا: “إذا كان بإمكانك حل مشكلة حقيقية لشخص ما، حتى إذا كانت ميزانيته محدودة، فسيوفر الميزانية اللازمة لتمويل هذا الحل”.

الإقناع ليس مجرد خطاب، بل عملية متكاملة تتعرف فيها على جمهورك وتكسب ثقتهم وتطرح قضيتك بأسلوب يراعي اهتماماتهم. هذه المهارات مهمة في أي موقف وضرورية حين تتضاءل الموارد.