أسئلة الانتقال من أجل عمل جديد: الأشخاص والأماكن والأسباب

5 دقائق
الانتقال لعمل جديد

إليك هذا المقال الذي يتناول الانتقال لعمل جديد تحديداً. شهدنا أثناء في الفترة الماضية تنافس المدن المختلفة ليقع عليها اختيار شركة أمازون لمقرها الرئيس الثاني، إذ قامت الكثير من المدن باستعراض حزم الحوافز الضريبية والخيارات العقارية فيها على أمل جذب عملاق التكنولوجيا لاختيارها. وقد ننساق وراء التفكير بأنّ الامتيازات المالية المناسبة هي كل ما تحتاجه الشركة للتوسع بنجاح في مدينة جديدة، بينما في الواقع، يتطلب النجاح وجود أساس متين من الكفاءات في المكان الجديد، أو القدرة على جذب الكوادر ذات الكفاءة والمهارة للانتقال إلى هذا المكان من أجل فرصة عمل جديدة.

والحقيقة هي أنّ معظم الباحثين عن عمل لا يرغبون في تغيير أماكنهم، فمعظمهم يقدمون على وظائف قريبة من مساكنهم، وتظهر البيانات الحكومية تراجع الرغبة لدى سكان الولايات المتحدة في الانتقال من مكان لآخر. لذلك، فعندما تفتتح الشركة مقراً جديداً لها، عليها أن تتوقع أن تشغل معظم شواغرها من سكان المكان الجديد. وفي الوقت الذي تنخفض فيه معدلات البطالة لتصل إلى أدنى مستوياتها على مر التاريخ في ظل واحدة من أكبر التوسعات الاقتصادية على الإطلاق، بات العثور على الكفاءات المناسبة أصعب من أي وقت مضى، وأصبح من الضروري اعتماد استراتيجيات توظيف أكثر نجاعة وفعالية.

من هم الأكثر استعداداً للانتقال من بين الباحثين عن عمل؟ في دراسة حديثة أجراها موقع غلاسدور (Glassdoor)، قمت بتحليل عينة كبيرة تزيد على 668,000 طلب توظيف إلكتروني للتعرف على سبب استعداد البعض دون غيرهم للانتقال لمكان آخر من أجل العمل وما الذي يدفعهم لذلك. ويحظى موقع غلاسدور، نظراً لكونه متخصصاً في الوظائف وفرص العمل، بفرصة فريدة في متابعة توجهات الهجرة بين الباحثين عن عمل بشكل شبه فوري. ويضم الموقع 40 مليون استعراضاً لآراء المستخدمين في جوانب مختلفة في أكثر من 770,000 شركة حول العالم. 

وأظهرت النتائج بروز ثلاثة عوامل رئيسة يمكنها مساعدة الشركات على تغيير نظرتها للكفاءات المحلية وكذلك النجاح بشكل أكبر في جذب الموظفين ذوي المهارة من أماكن بعيدة.

عوامل تساعد الشركات في جذب الموظفين ذوي المهارة

الكفاءات المحلية

وبالنسبة للشركات الناشئة، يحدد المكان الذي تختاره الشركة بشكل كبير طبيعة المتقدمين لوظائفها الشاغرة. ومن الناحية العملية، يأتي معظم المرشحين للوظائف المختلفة من المناطق القريبة من الشركة. وأظهر البحث الذي أجريته أنّ 71.5% من طلبات التوظيف التي تم تقديمها على موقع غلاسدور كانت خاصة بشواغر ضمن محيط المنطقة التي يقطن بها المتقدم للوظيفة.

ويعتبر هذا الاستنتاج البسيط – أنّ معظم طلبات العمل تأتي من سوق العمل المحلية – أمراً بالغ الأهمية بالنسبة للشركات التي تفكر في نقل مقرها إلى مكان آخر أو افتتاح فرع جديد أو التي تتوقع تعيين أعداد كبيرة من الموظفين من أماكن أخرى. وتعتبر المهارة اليوم، وسط ما نشهده من اقتصاد تتحكم فيه التكنولوجيا، هي العنصر الأهم لمعظم الشركات، وسوف تسهل الشركات على نفسها كثيراً إذا خططت للانتقال إلى المناطق التي يكثر فيها أصحاب الكفاءات والمهارات المناسبة لشغل الوظائف الشاغرة فيها. وتوضح البيانات أنه يتعين على الشركات ألا تتوقع استعداد الكثير من الموظفين لحزم أمتعهم والانتقال مع الشركة إلى المدينة التي تقدم أفضل الحوافز الضريبية.

ومن جهة أخرى، أظهرت الدراسة زيادة الرغبة في الانتقال لدى بعض الباحثين عن عمل عن البعض الآخر، ومنهم المتخصصون في مجالي التكنولوجيا والهندسة الذين يتقاضون أجوراً عالية. ولهذا السبب، تعتبر المناطق التي يهيمن عليها قطاع التكنولوجيا، مثل، سان فرانسيسكو ونيويورك وسان خوسيه بولاية كاليفورنيا، من أكثر الوجهات التي ينتقل إليها الأفراد من أجل العمل كما أظهرت دراستنا. ويميل العاملون بأجور متدنية في الأعمال الحرفية والصناعات الخدمية بشكل أكبر إلى عدم التقدم لوظائف في أماكن بعيدة. وتظهر الدراسة أنّ هناك وظائف معينة، مثل النادل وسائق الشاحنة والعامل في تجارة التجزئة، نادراً ما تجذب متقدمين من مناطق أخرى. ولذلك، يعتبر تعيين موظفين من خارج سوق العمل المحلية تحدياً كبيراً أمام أرباب العمل الذين يحتاجون لتوظيف هذا النوع من العمالة.

الانتقال لعمل جديد

الثقافة أهم من المقابل المادي

ما الدافع الذي نجح في جذب الباحثين عن عمل للانتقال إلى أماكن أخرى؟ كما يقول المثل، المال يزيل العقبات، وينطبق ذلك أيضاً على إغراء المتقدمين للوظيفة للانتقال من أجل العمل، إذ أظهرت الدراسة أنّ ارتفاع الراتب الأساسي بمقدار 10,000 دولار من شأنه زيادة احتمالية تقدم المرشحين للوظيفة من خارج منطقة سكنهم بمقدار 0.5%.

أما ما قد يكون مفاجئاً للكثير من أرباب العمل، فهو أنّ الأجر المرتفع لا يهم بقدر ما تهم الثقافة الإيجابية في مكان العمل. وقد وجدنا أنّ ارتفاع تقييم الشركة بمقدار نجمة واحدة على موقع غلاسدور (في مقياس من 5 نجوم) أدى إلى زيادة فرص جذب متقدمين من مناطق أخرى بمقدار ستة أضعاف، وهو التأثير نفسه الذي حققته زيادة الأجر بمقدار 10,000 دولار.

إذاً، فماذا تعني ثقافة الشركة الجيدة؟ هي لا تعني، عادة، وجبة الغداء المجانية أو تنس الطاولة في العمل، بل، أظهرت أبحاثنا على مدى سنوات أنها تعني توفير فرص للتعلم والارتقاء الوظيفي للموظفين وإرساء قيم واضحة للشركة ورسالة ترتبط بهدف اجتماعي أكبر ووجود قيادة عليا على درجة عالية من الكفاءة، إذ تعتبر هذه النقاط هي العوامل الإحصائية الرئيسة التي تؤثر على التقييم العام للشركات على موقع غلاسدور، وهي نفسها العوامل التي يمكن أن تساعد الشركات على جذب أصحاب الكفاءات من مناطق أخرى.

ومن الناحية العملية، يمكن للشركات محاولة عرض أجور أعلى لتعويض القصور في ثقافة الشركة، ولكن، كما يوضح البحث، قد يعني ذلك أنه على الشركات عرض مرتبات أعلى بكثير في هذه الحالة. وبالتالي، فإنّ اتخاذ خطوات مناسبة لإرساء بيئة إيجابية في مكان العمل تراعي رضا الموظف وراحته بدرجة كبيرة يساعد على توفير التكاليف المادية، وتعزيز الجهود المبذولة لتعيين موظفين من جميع أنحاء البلاد.

الانتقال لعمل جديد

قلة التنوع بين الراغبين في الانتقال لعمل جديد

يعتبر الدرس الأخير الذي نتعلمه من هذه الدراسة هو أنّ الاعتماد الكبير على الباحثين عن الانتقال لعمل جديد المستعدين للانتقال إلى أماكن أخرى قد يؤثر على التنوع في مجموعات المرشحين بشكل غير متوقع، حيث أظهرت الدراسة استعداد الرجال بشكل أكبر للانتقال، وحتى بعد تركيز الدراسة على المسميات الوظيفية والتعليم والعمر، كان الرجال أكثر احتمالية للتقدم لوظيفة في مكان آخر بنسبة 3.3% مقارنة بالنساء.

كما أظهرت الدراسة انخفاض احتمالية تقدم الباحثين عن عمل الأكبر سناً والأكثر خبرة بشكل كبير لوظائف بعيدة عن مناطق سكنهم، وقد يرجع السبب في ذلك إلى ارتفاع معدلات امتلاك المساكن وقوة العلاقات العائلية في هذه الحالة ما يزيد الارتباط بالمكان وعدم الرغبة في مغادرته من أجل العمل.

ويعني ذلك أنّ الشركات التي تختار مواقعها بناء على افتراض تعيين معظم موظفيها من خارج المنطقة ستجد نفسها، على الأغلب، أمام مجموعات مرشحين تفتقر إلى العديد من الأوجه الهامة، منها قلة عدد المتقدمين من النساء والكفاءات الأكبر سناً. وبالتالي، إذا أراد أرباب العمل التنويع في مجموعة المرشحين، فهم بحاجة، على الأرجح، إلى بذل جهود واسعة النطاق لجذب مرشحين من أماكن أخرى. وينطبق ذلك بشكل خاص على الشركات العاملة في مجال الصناعات التي تعتمد على أعداد كبيرة من العمال المتنقلين، بما في ذلك المجالات التكنولوجية والهندسية سريعة النمو التي تشهد ارتفاعاً غير متناسب في معدلات المرشحين الشباب الذكور.

وتشهد مجالات العمل والمهارات اليوم تغيراً سريعاً، مع اتجاه الوظائف بشكل أكبر نحو الأدوار القائمة على التكنولوجيا التي تسمح للموظفين بالحركة والانتقال من المكاتب أكثر من أي وقت مضى. ومع ذلك، فلا تزال الحدود الجغرافية تلعب دوراً هاماً في الاقتصاد اليوم، وتعكس البيانات هذه الحقيقة، إذ تشير إلى رغبة معظم الباحثين عن الانتقال لعمل جديد هذه الأيام في البقاء في المناطق التي يعيشون فيها وعدم تغييرها. ومن الواضح أنّ الشركات التي تحقق الاستفادة بشكل أكبر من الكفاءات المتاحة في نطاق المنطقة نفسها أو التي تعرف كيف تستعمل ميزة رفع الأجور أو إرساء ثقافة إيجابية متميزة في بيئة العمل لجذب الكفاءات من الأماكن البعيدة، هي الشركات التي ستتمكن من التقدم ومواصلة النجاح.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي