أربع طرق لبناء ثقافة بيع منتِجة

5 دقائق
بناء ثقافة بيع منتجة

تواجه جميع الشركات تكاليف مختلفة للفرص البديلة المتاحة أمامها. وبالنسبة إلى مؤسسة تعمل في مجال المبيعات، فإن ما هو مخصص للزبونَين "أ" و"ب" من مال ووقت وجهد يكون غير متاح بالنسبة للزبونَين "ج" و"د"، وهكذا. ويقودنا هذا الواقع إلى التمييز بين الفعالية (أي تأدية المهام الصحيحة) والكفاءة (أي تأدية المهام بالشكل الصحيح)، وهو تمييز اتّبعه "بيتر دراكر" وآخرون قبل سنوات عديدة لمعرفة كيفية خلق ثقافة بيع منتِجة وفعالة.

الفرق بين الفعالية والكفاءة في إدارة المبيعات

إن الخلط بين الكفاءة وتحقيق الأمثلية وباء يصيب جزءاً كبيراً من جهود المبيعات. فإذا شبّهنا جهود المبيعات بالسيارة، فإن مبادرات كفاءة المبيعات - مثل إدارة العلاقة مع الزبائن والتدريب ولوائح قياس مؤشرات الأداء الرئيسية - تعمل على تحسين قوة الأحصنة البخارية للمحرّك. في حين أن قرارات أمثلية المبيعات - مثل التوفيق بين مهام المبيعات واستراتيجية الشركة، وعملية انتقاء الزبون، ونشر فرق المبيعات وتوزيعها على فرص البيع المحتملة- هي التي تحدّد وجهة السيارة. وعلى الرغم من المقولة المأثورة: "إن لم تكن تعلم إلى أين تتّجه، فكل الطرقات تُفضي إلى حيث تريد"، فإن السيارة التي تسير في الاتجاه الخطأ، لا تفيدها السرعة.

وقد أنفقت الشركات في العام 2015 حوالي 26.3 مليار دولار فقط على إدارة العلاقة مع الزبائن، وفقاً لتصريح من شركة "غارتنر". ولكن إذا نظرنا مثلاً إلى أعمال "بوسطن كونسلتينغ جروب" نجد أن ممارسات تحقيق أمثلية المبيعات، مثل استهداف زبائن ذوي قيمة عالية، ونشر موارد المبيعات وفق معايير استراتيجية مناسبة، لها تأثير كبير على نمو الإيرادات يفوق بثلاث مرات تأثير مبادرات كفاءة المبيعات.

اقرأ أيضاً: كيف تستطيع فرق المبيعات أن تزدهر في عالم رقمي؟

والعبرة من ذلك واضحة: فالعاملان اللذان يحدّدان نقطة ارتكاز الرافعة التي ستحرز لك أكبر نمو في الأرباح هما كيف تخصّص موارد المبيعات المتاحة لك وأين تضعها.

ولتحسين كفاءة المبيعات ما عليك سوى التركيز على أربع مقدرات:

أولاً: الاستراتيجية وعملية التخطيط

أظهرت الاستبيانات أن حوالي ثلثَي الشركات تنظر إلى التخطيط الاستراتيجي بوصفه مجرّد خطوة تحضيرية تسبق عملية إعداد الموازنة المالية. وتنحو الشركات عموماً إلى وضع خطط بيع خاصة بكل وحدة عمل، بغض النظر عن نهج الشركة العام في النزول إلى السوق (الذي غالباً ما يشمل وحدات العمل كافة). فضلاً عن أن هذه العملية تستغرق اليوم وسطياً أربعة إلى خمسة أشهر، يشهد خلالها السوق تقلّباته المعتادة.

ولذلك من غير المستغرب أن يصرّح 11% فقط من المدراء التنفيذيين بأن التخطيط الاستراتيجي الذي يقومون به يستحقّ الجهد فعلاً، وأن يُفيد أكثر من نصف المستجيبين (53%) في استبيان شمل 1,800 مدير تنفيذي، بأن موظفيهم لا يفهمون استراتيجيات شركاتهم.

ولا تنسَ أن عمليات الشراء لدى الزبائن لا مصلحة لها في التكيُّف مع عملية تخطيط المبيعات الشاملة في شركتك، بل من الضروري أن تلبّي عمليات المبيعات متطلبات كل زبون على حدة. وبالتالي، حتى إذا أسفرت عملية التخطيط عن استراتيجية عظيمة (ونقول هنا "إذا")، فإن عملية التخطيط بحدّ ذاتها غالباً ما تجعلها غير مناسبة لأولئك الذين يعملون في الخطوط الأمامية والذين يتحتّم عليهم اتّخاذ قرارات مهمة خلال العام بما ينسجم مع وتيرة شراء وحلقات بيع خارجية يفرضها السوق.

ثانياً: تكلفة الخدمة وعملية انتقاء الزبون

ليس كل الزبائن متساويين، بل إن ترتيب الزبائن ضمن لائحة أولويات مختلفة هو السبيل إلى تحقيق الشركات لمكوِّن "نطاق التركيز" الأساسي في أي استراتيجية متناسقة -كقرارات تحديد أماكن اللعب في السوق. ويكمن الربح في الفرق بين الثمن الذي يدفعه الزبون للبائع والتكلفة الإجمالية المترتبة على البائع من خدمته للزبون، والتي يمكن أن تتفاوت بشكل كبير من زبون لآخر. فخدمة بعض الزبائن قد تستدعي لقاءات بيع وزيارات أكثر من سواهم، كما إن العامل الجغرافي قد يجعل خدمتهم أكثر أو أقل تكلفة من غيرهم.

وهنالك بعض الزبائن يشترون كميات كبيرة من المنتجات تسمح بكفاءة إنتاج مرتفعة، بينما يقوم آخرون بشراء المنتجات وفق طلبات متعددة عند الحاجة وبشروط خاصة، الأمر الذي يؤثر على الوقت اللازم لتحضير المنتج وعلى ترتيبات التوصيل اللوجستية وغيرها من عناصر تكلفة الخدمة.

اقرأ أيضاً: كيف تخفض تكاليف تبديل مندوبي المبيعات؟

وتكون هذه الفروقات مهمة عندما تنظر أنت أو المستثمرون في شركتك إلى مفهوم العائد على رأس المال بجديّة، ذلك لأن العديد من تكاليف رأس المال إنما تتجسّد في فروقات تكلفة الخدمة، التي عادة ما يجري إغفالها في قياسات كفاءة المبيعات. وإن لم تكن قادراً على قياس تكلفة خدمتك، فإن عروض الأسعار المتنافسة هي التي ستقود مندوبي المبيعات في شركتك. وعندما تسعى وراء عاملَي السعر وحجم صفقات المبيعات - وهو المسعى الذي تشجّعه غالبية خطط تعويضات المبيعات- سينتهي بك المطاف إلى الإضرار بأرباح شركتك وبنمط أعمالها. ولن توزّع حينئذ موارد المبيعات في شركتك على النحو الأمثل.

وبالمحصلة ستكون تحت رحمة منافسيك الذين بإمكانهم قياس تكاليفهم الحقيقية وتأدية مهامهم بفعالية أكثر منك.

ثالثاً: مقدرة المبيعات وتوزيع الجهد

تُحدّد إنتاجية المبيعات إلى حدّ كبير من خلال فعالية فرق المبيعات في إجراء لقاءات المبيعات والوصول إلى الزبائن الهدف. وإن توزيع تلك المقدرة إنما يشكّل رافعة مهمة وأساسية لتحقيق الأمثلية في المبيعات، غير أن العديد من قادة المبيعات يخلطون بين كفاءة المبيعات وأمثليتها. وتكون النتيجة حينئذ: توزيع الموارد بطريقة غير مناسبة. ولا تكمن المشكلة هنا في غياب البيانات والمعلومات، بل في اختيار البيانات المناسبة ومعرفة كيفية استخدامها.

ومن المقاييس المعلومة التي تستخدمها الإدارة العليا في الشركة لتقييم مبيعاتها، نسبة النفقات إلى الأرباح. ويمكن لمقياس كفاءة المبيعات هذا أن يسلّط الضوء على الكفاءة النسبية لتكلفة أنشطة المبيعات، لكن ليس (بحدّ ذاته) على فعالية تلك التكلفة، والتي تشكّل علاقة أكثر تعقيداً بين تكاليف المبيعات، والإيرادات، وهوامش الربح، والزبائن المكتسبين. ويمكن استخدام تحليل البيانات الضخمة لكشف مثل هذه العلاقة.

بيد أن أي شركة أميركية من الشركات التي تشغّل أكثر من 1,000 موظف تمتلك بالمتوسط في نظام إدارتها للعلاقة مع الزبائن بيانات يفوق حجمها حجم المعلومات الموجودة في مكتبة الكونغرس. وللاستفادة من هذا الفيض الهائل من المعلومات والحقائق، إياك أن تنسى أن البيانات والتحليلات لا تُشكّل أهدافاً بحدّ ذاتها. بل لكي تحقق تحليلاتك قيمة مضافة لأعمال شركتك، لا بدّ لها أن تُفضي إلى اتّخاذ قرارات أفضل فيما يخصّ عملية توزيع الموارد.

قد يعني التوفيق بين الاستراتيجية والمبيعات في بعض الأحيان "التخلّي عن" الزبائن الذين لا يزالون زبائن غير مربحين رغم كل المحاولات.

والقادة البارعون يعلمون أن البيانات ليست مجرّد أرقام، بل طريقة لرؤية الواقع من قبل الأشخاص الذين يستخدمون تلك البيانات. فمندوبو المبيعات سيتجاهلون التحليلات التي لا يمكنهم تطبيقها على أرض الواقع: أي في اللقاءات اليومية مع الزبائن.

رابعاً: تقييمات الأداء

وهي من أكثر العوامل غير المستغلة بالشكل الكافي والتي تساعد على تحسين المبيعات. ويميل مدراء المبيعات المنشغلون جداً إلى رؤية تلك التقييمات بوصفها مجرّد محادثات سطحية وعابرة، غالباً ما تركّز على التعويضات لا على تقييم الأداء وتطويره.

غير أن قضايا أمثلية المبيعات الأساسية غالباً ما تتبدّى عند سوية حسابات الزبائن فقط ومن خلال المحادثات مع مدراء حسابات الزبائن. ومن خلال تقييمات الأداء يتكشّف الاتجاه الاستراتيجي العام (في مقابل توزيع الجهد)، وتُدعم أنماط لقاءات المبيعات وعمليات انتقاء الزبائن أو يتم تغييرها، وتُطبَّق البيانات على عملية التفاعل مع الزبائن.

اقرأ أيضاً: كيف تخفض حجم فريق مبيعات شركتك؟

ويمكن لتقييمات الأداء الفعالة أن تستكشف خيارات جديدة تتنوّع بين تغيير الأسعار بما يعكس تكلفة الخدمة، وتقليل الدعم التقني لشرائح معينة من الزبائن، وتغيير بؤرة ذلك الدعم، والتعرّف على خيارات مختلفة لعمليات الطلب والتوصيل، وربما وضع استراتيجية قنوات جديدة تلقي بعضاً من تكلفة الخدمة على عاتق وسطاء المبيعات الذين تسمح لهم وفورات نطاق الإنتاج بالقيام بهذه المهام بكفاءة أكبر.

قد يعني التوفيق بين الاستراتيجية والمبيعات في بعض الأحيان "التخلّي عن" الزبائن الذين لا يزالون زبائن غير مربحين رغم كل المحاولات. وقد يكون من السذاجة بمكان أن نتوقّع من مندوبي المبيعات، وخاصة أولئك الذين يتلقّون علاوات على حجم مبيعاتهم، أن يقوموا بذلك "التخلّي" من تلقاء أنفسهم، بل على المدراء اتخاذ هذا القرار لتحسين كفاءة المبيعات.

إننا لا ننوي هنا إحباط جهود تحسين الكفاءة. غير أن البيع الفعال لا يمكن أن يحصل ما لم يرتبط بأهدافك الاستراتيجية. وكذلك فإن اتخاذ قرارات تحقق أمثلية المبيعات هي شرط لازم للوصول إلى تحسين كفاءة المبيعات. كما أن تركيز القادة على فعالية المبيعات، إلى جانب أمور أخرى، يسمح لهم برفع سقوف إيراداتهم باستخدام مواردهم الراهنة، وذلك من خلال تركيز الجهود بشكل متعمّد على تلك الموارد التي من شأنها أن تُحدث في المستقبل فرقاً حقيقياً في بناء ثقافة بيع منتجة.

اقرأ أيضاً: تحديد أهداف أفضل للمبيعات باستخدام التحليلات المحوسبة

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي