ملخص: وفقاً لإحصائية من مؤسسة غالوب للأبحاث، يعاني 70% من الموظفين في المؤسسات اليوم انخفاض المشاركة الفعالة في العمل. في الواقع، إن مشكلة عدم مشاركة القوى العاملة عالمية، والآثار المالية المترتبة عليها كبيرة، ففي الولايات المتحدة وحدها مثلاً، تخسر الشركات ما بين 450 و550 مليار دولار سنوياً بسبب انخفاض الإنتاجية، لذلك ابتكرت مؤسسة استراتيجايزر (Strategyzer) أداة فعالة لتصميم ثقافة إيجابية في مكان العمل تقوم على 3 محاور رئيسية: 1. النتائج المرجوّة، 2. سلوكياّت الموظفين، 3. عناصر التمكين والعوائق.
تحاول الشركات تحفيز موظفيها من خلال بعض الحوافز والامتيازات الفريدة مثل غُرف تنس الطاولة والوجبات المجانية، لكن هذه الأساليب لا تعالج السبب الجذري لانخفاض مشاركة الموظفين.
نعتقد أن الحل يكمن في الثقافة؛ أي القيم والسلوكيات والمعتقدات الرسمية وغير الرسمية الممارسة داخل المؤسسة، لكن الشركات نادراً ما تعمل على تنمية ثقافتها بطريقة مدروسة، وفي الواقع ثمة شركات كثيرة تتركها تتشكل تلقائياً.
يشبّه مؤسس شركة إكس بلين (XPLANE)، ديف غراي، ثقافة الشركة بالحديقة، إذ يمكنك تصميمها، لكن للطبيعة دوراً مؤثراً فيها، لا يمكنك التحكم في كل جانب من جوانب ثقافتك، ولكن يمكنك تشكيلها بوعي، فالثقافة تنشأ بالاهتمام والرعاية المستمرين.
لتصميم ثقافة الشركة بطريقة منهجية، نستخدم أداة طورتها شركتنا استراتيجايزر (Strategyzer) وإيف بينيور بالتعاون مع غراي. نطلق على هذه الأداة "خريطة الثقافة" (Culture Map)، وهي تسهّل المناقشات حول الجوانب الثلاثة الأساسية للثقافة التنظيمية:
- النتائج المرجوة: النتائج المرغوبة وغير المرغوبة من ثقافة الشركة.
- السلوكيات: الجوانب المرئية لثقافتك؛ أي الإجراءات الإيجابية والسلبية التي يتخذها الموظفون يومياً، والتي تؤدي إلى تحقيق النتائج المرجوة أو غير المرجوة.
- عناصر التمكين والعوائق: السياسات الرسمية وغير الرسمية والعادات والإجراءات والقواعد التي تدعم ثقافة الشركة أو تعوقها؛ إنها العناصر المصممة بطريقة مدروسة لتحقيق الثقافة المرغوبة.
دعونا نستكشف كيف يمكن استخدام خريطة الثقافة لتصميم الثقافة التي تريدها بطريقة مدروسة من أجل تعزيز سعادة الموظفين ومشاركتهم.
ليس هناك نهج صحيح أو خاطئ لتصميم الثقافة، فكل مؤسسة فريدة، وعليك تصميم ثقافة تناسب احتياجاتك الخاصة. وتذكّر أن خريطة الثقافة هي مجرد أداة تساعدك على تسهيل الحوار مع فريقك.
النتائج المرجوة: ما الذي تسعى لتحقيقه؟
ابدأ بتحديد النتائج غير المرغوبة؛ أي النتائج الناجمة عن عدم مشاركة الموظفين. ما هي النتائج السلبية التي تود تجنبها؟ يمكنك اختيار موضوع أو حادثة وقعت داخل المؤسسة لبدء المناقشة. في هذا المثال، الموضوع أو الحادث الرئيسي هو الموظفون الساخطون وغير المشاركين، وهذا يساعدك على فهم ما تحاول تجنبه بفعالية.
قد تشمل النتائج التي تسعى إلى تجنبها ما يلي:
- ضعف أداء الموظفين.
- كره الموظفين القدوم إلى العمل.
- عدم اكتراث الموظفين بالعمل.
لتوضيح آلية هذه العملية (وتبسيطها)، اخترنا 3 نتائج عامة. عندما تبدأ مناقشة التنفيذ داخل الشركة، ستفضي محادثاتك إلى تحديد عدد أكبر من النتائج الأكثر تفصيلاً.
بعد ذلك، ستحدد نتائج الثقافة المرغوبة التي ستواجه النتائج السلبية.
في هذا السياق، قد تحدد النتائج التي تصبو إليها على النحو الآتي:
- شعور الموظفين بالسعادة والرضا في العمل
- مشاركة الموظفين في العمل
- تقديم الموظفين أقصى إمكاناتهم
ستكون النتائج المرغوبة غالباً عكس النتائج غير المرغوبة، ولكن قد يكون من المفيد التفكير فيما تمتلكه شركتك (موارد الشركة الحالية ومواطن قوتها وقدراتها) وما تسعى إليه (أهداف الشركة وطموحاتها على المدى الطويل). على سبيل المثال، قد يؤدي اعتماد سياسة داخلية صديقة للبيئة، مثل السعي لتحقيق الحياد الكربوني في مكان العمل، إلى إشراك الموظفين، لكن هذه النتيجة قد لا تعالج مباشرة عنصراً سلبياً موجوداً بالفعل في الثقافة الحالية.
السلوكيات: ما هي السلوكيات التي ترغب في رؤيتها بين موظفيك داخل المؤسسة؟
بعد تحديد النتائج، ننتقل إلى السلوكيات؛ أي الجانب المرئي الواضح من ثقافة الشركة. إنها الإجراءات التي يتخذها الموظفون يومياً والتي تؤدي إلى تحقيق النتائج التي حددتها سابقاً. بمعنى آخر، ما الذي تريد من الموظفين أن يفعلوه وأن يتجنبوه؟ نقترح التركيز على 3 فئات من السلوكيات: السلوكيات الفردية، والسلوكيات الجماعية، وسلوكيات القيادة، هنا أيضاً، ستحدد السلوكيات غير المرغوبة والسلوكيات المرغوبة.
في هذا المثال، يمكنك تحديد السلوكيات غير المرغوب فيها الآتية:
- السلوك الفردي: قلة الاهتمام بالعمل، المماطلة، تجنب المسؤولية.
- سلوك الفريق: الانخراط في صراعات داخلية وتبادل اللوم، التركيز على المصالح الشخصية، امتلاك أجندة خاصة، تخريب المشاريع.
- سلوكيات القيادة: الاهتمام بالسلطة والمكانة الشخصية، التركيز فقط على الأرقام الربع السنوية.
بعد ذلك، فكر في السلوكيات الإيجابية التي يمكن أن تتصدى للسلوكيات السلبية. يمكنك إدراج ما يلي:
- السلوك الفردي: إظهار الموظفين الشغف تجاه عملهم، الشفافية في العمل والتقدم المحرز، تحمّل الموظفين للمسؤولية؛ والأهم من ذلك كله، تطلّع الموظفين للقدوم إلى العمل.
- سلوك الفريق: التعاون ومساعدة بعض أعضاء الفريق لبعض، الصراحة والشفافية، الاستمتاع بالعمل.
- سلوكيات القيادة: الاستماع إلى مشاكل الفرق، مساعدة الموظفين على التطور والنمو.
عناصر التمكين والعوائق: كيف تشكّل الثقافة بطريقة مدروسة؟
هذه هي المرحلة التي يمكنك فيها التأثير في النتائج والسلوكيات التي حددتها. تشكل عناصر التمكين والعوائق الأدوات الرسمية وغير الرسمية التي يمكن للقادة والفرق والأفراد استخدامها بطريقة مدروسة لتعزيز ثقافة الشركة.
فكر ملياً في كل عنصر من هذه العناصر الأربعة:
- الحوافز: جانب أساسي من جوانب تحفيز الأداء الجيد. يجب أن يتقاضى الموظفون أجراً عادلاً وتنافسياً مقابل أدوارهم، كما يجب أن تكون زيادات التعويضات عملية يمكن التنبؤ بها. بالإضافة إلى التعويض، يجب أن تسعى الثقافة إلى الاعتراف بالنتائج المحققة وليس فقط الوقت الذي يقضيه الموظف بالعمل. يجب ألا يشعر الموظفون بالقلق بشأن مدى حضورهم في المكتب أو المشاريع، إذ يمكن أن يؤدي التقييد الصارم لساعات العمل إلى خلق شعور بعدم الثقة بين الفرق والإدارة. وأخيراً، وهذه نقطة نشدد عليها، يجب ألا يؤدي الفشل خلال الاستكشاف والتعلم إلى انتهاء المسيرة المهنية للموظف.
- السياق والقواعد: سيحددان العادات والعمليات التي تمكّن الموظفين من التميز. على سبيل المثال، إذا خنقت الشركة المبادرات بدلاً من تشجيعها، فسيشعر الموظفون بتردد أكبر تجاه طرح أفكار جديدة. تتفوق القدرة على المحاكمة سريعاً والمضي قدماً في اتخاذ القرارات على أي عملية موافقات داخلية طويلة أو معقدة. وينطبق الشيء نفسه على الاستقلالية والمرونة: هل تثق بفرقك لتولي القيادة في حين تتراجع أنت؟ هل تسمح الشركة للفرق بالمشاركة في وضع ترتيبات عمل مرنة تعزز إنتاجيتهم؟ يحتاج أفراد فريقك إلى الأدوات والموارد المناسبة لأداء وظيفتهم: هل يقضون وقتاً أطول في المطالبة بما يحتاجون إليه؟ إذا كان الوصول إلى هذه الموارد محدوداً، فسيقل احتمال مشاركتهم في المبادرات مع وجود الكثير من العقبات في طريقهم.
- الموظفون: أساس أي مؤسسة عظيمة، ويمكن للعمليات والأنظمة التي تستخدمها لتوظيفهم وترقيتهم ومكافأتهم أن تكون عناصر تمكين وعوائق في الوقت نفسه. إن "قاعدة عدم توظيف المتكبرين" الشهيرة التي وضعها بوب ساتون عامل مهم عندما توظف شركتك الأفراد، خاصة إذا كانوا متميزي الأداء. يعتقد ساتون أن نجوم الأداء الذين يتصفون بالاستعلاء يمكن أن يدمروا المؤسسات، ولا يمكنك ببساطة تعريض أعمالك للخطر بسبب أشخاص مثل هؤلاء.
- القيادة: يجب أن تؤدي دوراً رئيسياً في الثقافة إذا كانت المؤسسة كلها ستخضع للتغيير الشامل. وتمثل القيادة بالقدوة مكوناً محورياً في عناصر التمكين الإدارية (وفي المعوقات أيضاً، إذ يمكن أن تكون القيادة قدوة سيئة بالطبع). إذا أظهرت القيادة السلوكيات التي يتوقعها الموظفون والفرق، فإن الموظفين في المؤسسة سيحذون حذوها.
بعد الانتهاء من النقاش، يتعين عليك تحليل عناصر التمكين وتحويلها إلى أنشطة وتجارب يومية. سيمكّنك ذلك من جمع البيانات لتحديد إذا ما كانت لديك عوامل التمكين المناسبة لتعزيز السلوكيات والنتائج الإيجابية. بصفتك قائداً، لن تشرف على العديد من هذه التجارب فحسب، بل ستشارك فيها أيضاً. على سبيل المثال، يمكنك إجراء تجربة تمنح فيها الفرق الاستقلالية والمرونة لاتخاذ قرارات معينة بشأن مشروع ما دون تدخل القيادة. من خلال إبعاد نفسك ومنح الفرق سلطة اتخاذ القرارات، قد تخلق سلوكيات تعزز الثقة والصدق والتعاون. ستتمكن بعد ذلك من معرفة إذا ما كانت التجربة تؤدي إلى نتيجة تتمثل في وجود موظفين أكثر سعادة ومشاركة.
هذا هو الشكل الذي ستبدو عليه نسختا خريطة الثقافة، وستعملان بمثابة أداة مرجعية مهمة لتقييم إذا ما كنت قد أحرزت تقدماً نحو تحقيق الثقافة المنشودة، وستساعدانك على تجنب الثقافة غير المرغوبة.
قد تبدو ثقافة الشركة مهمة شاقة ومعقدة، لذلك يتجنب القادة إجراء هذه المناقشات الصعبة حولها. ولكن هناك طرق بسيطة للبدء. إليك 3 أشياء يمكنك فعلها بالتعاون مع الآخرين لبدء المناقشة:
- 10 دقائق أو أكثر. نفّذ تقييماً سريعاً لرسم خريطة لثقافتك الحالية. اطلب من الجميع التفكير ملياً في عوامل التمكين والمعوقات التي تؤثر في ثقافة الشركة حالياً. سيتيح لك التحديد السريع لثقافتك الحالية نقل أي عناصر تمكين وسلوكيات إيجابية حالية يمكن أن تكون مفيدة أيضاً في ثقافتك المنشودة.
- 60 دقيقة أو أكثر. في جلسة أطول قليلاً، يمكنك تعزيز فهم مشترك لثقافتك الحالية مع الأفراد الذين يسهمون بوجهة نظرهم. العمل التعاوني هو المفتاح هنا. كيف تغيّرت خريطة الثقافة مع مشاركة الآخرين بآرائهم؟
- 180 دقيقة أو أكثر. في هذه الجلسة الطويلة، يمكنك الانتقال إلى تحديد الثقافة المطلوبة وبدء محادثة حول كيفية انتقال الشركة من الثقافة الحالية إلى الثقافة المطلوبة. يمكن للأفراد والفرق والقيادة العمل معاً لمناقشة عوامل التمكين والسلوكيات المرغوبة وتحديدها، التي يمكن للجميع البدء بتجربتها ودمجها داخلياً.
يجب أن تهتم الشركات بالثقافة بقدر اهتمامها بالاستراتيجية وابتكار نماذج الأعمال. نعتقد أن هذه الأدوات تؤدي دوراً مهماً للغاية في مناقشة ثقافة الشركة وتحديدها. ستكون كل أداة فريدة بناءً على التحدي الذي يجب أن تواجهه الشركة، سواء كان متعلقاً بمعالجة النمو أو الأزمات أو الزعزعة. تذكّر أنه دون الأدوات المناسبة، يستحيل خلق ثقافة قادرة على معالجة هذه القضايا.