كيف تساعد أدوات الترغيب على نشر اللُطف في مكان العمل؟

10 دقائق
نشر اللطف
shutterstock.com/Bangkok Click Studio
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في عالم يسير بخطى سريعة مدفوعاً باضطرابات مختلفة، قد يبدو اللطف كأنه فضيلة يمكن التضحية بها من أجل مزيد من الإنتاجية. ومع ذلك، تشير الأبحاث الحديثة إلى أن نشر اللطف داخل مكان العمل يمكن أن يكون له تأثير عميق ليس على رفاهية الموظف فقط بل على الإنتاجية أيضاً. وقد برزت أدوات الترغيب (Nudges)، وهي إشارات خفية وذات تكلفة منخفضة توجه عملية صنع القرار دون الحد من الاستقلالية الفردية، بوصفها أداة قوية لتشجيع السلوكيات الإيجابية. من خلال دمج أدوات الترغيب المصممة تصميماً جيداً، يمكن للمؤسسات أن تعزز ثقافة اللطف التي يمكن أن تعود بدورها بالفائدة على الموظفين وعلى المؤسسة بأكملها.

فهم أداة الترغيب السلوكية

يجري تصميم أدوات الترغيب لتغيير قرارات الأفراد من خلال توجيههم بلطف نحو النتيجة المرجوة، وغالباً دون أن يكونوا مدركين تماماً لتأثير هذه الأدوات. ويصف كاس سانستين والحائز جائزة نوبل في الاقتصاد، ريتشارد ثايلر، هذه الحوافز بأنها “أي جانب من جوانب هندسة الخيارات التي تغير سلوك الناس بطريقة يمكن التنبؤ بها دون الحد من مجال حريتهم أو تغيير الحوافز الاقتصادية تغييراً كبيراً”. في سياق اللطف في مكان العمل، يمكن أن تشجع أدوات الترغيب على إظهار التعاطف والامتنان والتعاون، وبالتالي تعزيز بيئة عمل داعمة وأكثر إيجابية.

أمثلة على أدوات ترغيب تهدف إلى تعزيز اللطف

1. التذكيرات المرئية: يمكن وضع إشارات بصرية بسيطة عن مبادرات لُطف عبر الملصقات أو شاشات العرض في مكان العمل. ونظراً إلى محدودية مجال رؤية الأشخاص، فقد تمثل هذه الصور المرئية تذكيراً بقيمة اللطف، والتأثير على تصورات الموظفين وتشجيعهم على دمج سلوكيات مماثلة في روتينهم اليومي. على سبيل المثال، لتشجيع التوازن بين العمل والحياة، يلوح على جدران مقر سلاك (Slack) في سان فرانسيسكو شعار غير عادي: “اعمل بجد ثم عد إلى المنزل”، مكتوب بحروف بيضاء جريئة على خلفية وردية. إنه شعار غير متوقع لشركة تكنولوجية، مثل سلاك، ولكنه يظهر التزام المؤسسة بالحفاظ على بيئة عمل صحية وتجنب ثقافة “الاتصال الدائم بالإنترنت”. عندما تُصمم تصميماً جيداً، فإن التذكيرات المرئية لديها القدرة على إحداث تأثير كبير. وفي سياق الصحة والسلامة، شهدت إحدى الشركات المصنعة للحديد والصلب زيادة بنسبة 35% في التزام الموظفين ببروتوكولات السلامة داخل مصنعها من خلال عرض ملصقات تظهر عيون المراقبة تذكيراً بالمناطق التي تكون فيها إجراءات السلامة حاسمة.

2. الخيارات الافتراضية (By Default): عندما يتعلق الأمر بالخيارات التي تنطوي على اللطف، فإن تحديد الخيارات الافتراضية التي تميل نحو السلوك الإيجابي يمكن أن يكون فعالاً. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي جعل أنشطة بناء العمل الجماعي الخيار الافتراضي لفترة زمنية معينة إلى تشجيع المشاركة وتعزيز علاقات الزمالة. تشير الدراسات إلى أن الناس غالباً ما يتجهون إلى تفضيل الخيارات الافتراضية على حالات اتخاذ القرارات. وقد رُبطت المهن التي يواجه فيها الموظفون توقعات عالية وتحكماً منخفضاً بتطور أعراض الاكتئاب. يمكن أن يؤدي استخدام الإعدادات الافتراضية إلى قطع شوط طويل في تسهيل الالتزام بسلوكيات محبذة. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي تعديل الإعدادات الافتراضية على أجهزتنا الإلكترونية إلى بدء هذا التحول. قد يميل المدراء إلى إرسال بريد إلكتروني في وقت متأخر من الليل، ولكن مع تغيير بسيط في إعداد الإرسال في صندوق البريد الخارجي الخاص بهم، يمكنهم برمجة إرسال البريد الإلكتروني في الصباح خلال ساعات العمل، وبالتالي تقليل الضغط على أولئك الذين هم في الطرف المتلقي لهذه الرسائل. يمكنهم بالطبع تغيير ذلك ولكن الخيار الافتراضي هو تأخير الإرسال حتى ساعات العمل.

3. حلقات ردود الفعل: يمكن أن تؤدي ردود الفعل المنتظمة التي تسلط الضوء على حالات اللطف إلى خلق شعور بالإنجاز وتعزيز السلوك المحبَّذ. يجب أن تتدفق الملاحظات في كلا الاتجاهين: من الموظف إلى المدراء التنفيذيين أو المؤسسة، والعكس. وقد أظهرت الدراسات الحديثة أهمية ضمان أن يكون لدى الموظفين منتدى للتعبير عن المشاكل للمسؤولين التنفيذيين في الشركة وتخفيف الضغط النفسي. يمكن أن يأخذ ذلك شكل قناة مخصصة للتعليقات (Slack/Teams)، حيث يُشجع الموظفون على مشاركة الأفكار حول كيفية التحسين. ويمكن أن تتخذ أيضاً أشكالاً أخرى، بما في ذلك جلسات “اسألني عن أي شيء” (Ask Me Anything)، التي يستضيفها المدراء التنفيذيون في الشركة، والتي يمكن أن توفر منتدى للموظفين للتفاعل والإجابة عن أسئلتهم.

وجود حلقة ردود فعل فعالة هو المفتاح. ويشمل ذلك المدراء الذين يقدّمون الثناء والتقدير لأولئك الذين يتفوّقون في أدوارهم، بالإضافة إلى تقديم تعليقات بنّاءة لمساعدة الأفراد على التحسن في مجالات محددة من أدائهم. ويمكن أن يشمل ذلك أيضاً رسائل البريد الإلكتروني الأسبوعية لتكريم الموظفين الذين أظهروا أعمال لطف أو الحفاظ على “لوحة قيادة اللطف”.

4. الاعتراف الجزئي: يمكن أن يسهم تقديم عربون صغير تقديراً لأعمال اللطف، مثل ملاحظات الشكر أو شارات التقدير الإلكترونية، في تعزيز السلوك الإيجابي وجعل الموظفين يشعرون بالتقدير. فعلى سبيل المثال، بدأت مؤسسة مالية كبرى في أميركا اللاتينية في تقديم جوائز صغيرة لموظفي القروض التابعين لها إذا حققوا أهدافهم في النصف الأول من الشهر. وقد أدى ذلك إلى زيادة بنسبة 18% في مصادر القروض الجديدة في الأسبوعين الأوليين من الشهر. مثل هذا التقدير الذي لا يؤدي إلى تغيير كبير في طبيعة الحوافز الاقتصادية، يمكن أن يشكل أداة ترغيب تجعل المبادرة مستدامة.

5. المقارنات المعيارية: يمكن أن يؤدي تبادل البيانات عن النسبة المئوية للزملاء الذين يقومون بأفعال لطيفة، مثل مساعدة زميل في العمل في مهمة ما، إلى أداة ترغيب تدفع الأفراد إلى مواءمة سلوكهم مع معيار اللطف المتصور. القواعد لها تأثير كبير في تشكيل السلوك، لأنها توفر إطاراً للمعايير والتوقعات المقبولة داخل بيئة أو ثقافة معينة. في إحدى الدراسات التي سعت إلى تشجيع الناس على الحركة البدنية من خلال استخدام السلالم، نُشرت معلومات بالقرب من المصاعد تفيد بأن معظم الناس يستخدمون الدرج في هذه المؤسسة. ونتيجة لذلك، زاد عدد الأفراد الذين استخدموا الدرج بأكثر من 8%. بالإضافة إلى التواصل حول المعايير الاجتماعية الثابتة، فإن التواصل بانتظام حول المعايير الناشئة مهم بالقدر نفسه لتحديث التصورات وتغيير السلوكيات بصورة ديناميكية. في حين أن هذا تكتيك قوي لتغيير السلوك، لا بد من الحيطة والحذر من الإحصاءات التي تُعرض، لأن المعلومات المعيارية يمكن أن تأتي بنتائج عكسية إذا اعتُبرت “ضعيفة” أو “سلبية”.

6. هندسة الخيار: عند ترتيب مكان العمل أو جدولة المهام، يمكن لهندسة الخيار المدروسة أن تعزز اللطف. يمكن أن يؤدي وضع مساحات مشتركة في مواقع يسهل الوصول إليها أو جدولة فترات راحة قصيرة للتفاعلات غير الرسمية إلى تعزيز التواصل بين الزملاء. إن جعل الخيار المرغوب فيه سهلاً هو قاعدة مهمة، حيث إن الناس غالباً ما يختارون المسار الأقل مقاومة أو صعوبة. قد لا يتطلب دائماً جعل المؤسسات أكثر لطفاً تغييرات جذرية. على سبيل المثال، لتحسين رضا المسافرين، قد يبتكر مهندس السكك الحديدية طرقاً معقدة ومكلفة جداً لتحسين سرعة القطار وكفاءته بنسبة 20%. ولكن قد يتخذ الطبيب النفسي نهجاً مختلفاً، باستخدام تصميم يركز على الإنسان لجعل الرحلة أكثر متعة بنسبة 20% وبتكلفة بسيطة. وفي الإطار نفسه، فإن هندسة الخيارات داخل المؤسسة لتعزيز اللطف غالباً ما تتطلب تغييرات بسيطة. يمكن أن يؤدي التشجيع على جعل ثقافة مكان العمل أكثر مساندة ومواساة إلى تعزيز رفاهية الموظفين وزيادة التعاون والنجاح على مستوى المؤسسة بأكملها.

7. العواطف والتقارب: في دراسة حديثة أجرتها جوجل، حُددت 5 عوامل حاسمة تميز الفِرق الناجحة: الموثوقية والتنظيم والإحساس بالهدف والتأثير، والأهم من ذلك، ما تطلق عليه الدكتورة إيمي إدموندسون “السلامة النفسية”. ترتبط الفرق التي تتميز بالسلامة النفسية العالية بانخفاض معدل دوران الموظفين، وزيادة الاستفادة من الأفكار المتنوعة من أعضاء الفريق، وزيادة توليد الإيرادات، ومضاعفة احتمال تصنيفها من قِبل المدراء التنفيذيين على أنها فعالة. تشير الدراسات إلى أن توفير السلامة النفسية هو صمام الأمان لعدم تحول بيئات العمل إلى مصدر للاكتئاب. ولخلق الأمان النفسي، تقترح إدمونسون في حديثها على تيدكس (TEDx) حلاً من 3 خطوات:

  • “أن تضع إطار العمل بوصفه مشكلة تعلم، وليس مشكلة تنفيذ”.
  • “ان تعترف بضعفك”؛ يحتاج المدراء إلى إظهار “نحن في هذا معاً لأنه لا يوجد أحد لديه كل الإجابات.
  • وأخيراً، تنصح القادة بـ “نموذج الفضول وطرح الكثير من الأسئلة”.

ويمكن أن تؤدي مشاركة القصص الملهمة حول القيم أو سلوكيات معينة إلى خلق ديناميكيات إيجابية. وقد أظهرت التجارب الحديثة أن مثل هذا الإجراء يمكن أن يجعل الناس يشعرون بأنهم مرتبطون بأقرانهم والمؤسسة التي يعملون بها. وفي هذا الإطار، أظهر اختبار أن دعوة مجموعة من الفرق إلى ألعاب رياضية أو اجتماعية يعزز الشعور “بالتقارب” مع البيئة. في تجربة حديثة، تبيّن أن عرض قصة ملهمة (عن والد نيمار الذي واجه أوقاتاً صعبة في طفولته) على مجموعة من المستجوبين يؤدي إلى تقارب أكبر مع الأصدقاء (5.6%)، ومواقف أكثر تقبلاً للآخر (3.5%)، وأكثر تعاطفاً وتضامناً (2.7%).

8. الالتزامات: يمكن أن يؤدي حمل الناس على الالتزام بسلوك معين إلى زيادة فرص الوفاء بالتزاماتهم. إن إيجاد طرق لجعل هذا الالتزام علنياً يزيد من فرص المتابعة إلى أبعد من ذلك. تذكير الناس بهذه الالتزامات يمكن أن يزيد من التنافر المعرفي (cognitive dissonance) وهو الانزعاج الذي ينشأ عندما يتعارض سلوك الناس مع معتقداتهم أو قيمهم. وعموماً، كلما زادت تكلفة خرق الالتزام، زادت فعاليته لأن الأفراد لديهم الدافع للحفاظ على صورة ذاتية متسقة وإيجابية مع تجنب الإضرار بالسمعة (أي إذا نُفذت الالتزامات علناً). وقد وجدت دراسة أن احتمال إعادة استخدام المناشف من قبل نزلاء فندق تزيد بنسبة 25% في أثناء إقامتهم بعد الالتزام بذلك عند تسجيل الوصول وارتداء دبوس “صديق الأرض”.

9. نصائح للتنفيذ: ثبت أن تبادل الأمثلة على ما يمكن أن يفعله الناس لإظهار اللطف، مثل قائمة مرجعية أو خطوات يجب اتباعها في هذا الصدد، يشكل حافزاً فعالاً لأنه يخلق نماذج ذهنية مبسطة للتنفيذ. وقد أظهرت التجارب أن قوائم المراجعة يمكن أن تكون فعالة حتى بين الخبراء منهم، على سبيل المثال، أدى استعمال قائمة مرجعية مع خطوات عمليات إنقاذ الحياة إلى خفض عدد الخطوات التي جرى تجاهلها بنسبة 74% خلال محاكاة سيناريو طوارئ جراحية.

10. المعاملة بالمثل: يحب الناس المعاملة بالمثل، وغالباً ما يمكنهم الرد على الإجراءات الإيجابية للآخرين بطريقة مماثلة. تذكير الناس بأمثلة ملموسة من لطف الآخرين يمكن أن يدفعهم إلى المعاملة بالمثل. في دراسة تهدف إلى معالجة الإحباط، الذي يعانيه الكثيرون في مهنة التدريس، وجد الباحثون أن إرسال بريد إلكتروني بسيط “شكراً” للمعلمين تقديراً لجهودهم خلال الفصل الدراسي كان أكثر فعالية بثلاث مرات من تدخلات أخرى لتحفيز المعلمين للوصول إلى موارد المساعدة المهنية. إن قول “شكراً”، حتى على الأشياء الصغيرة، يمكن أن يساعد على بناء حلقة إيجابية من المعاملة بالمثل.

11. استخدام القيادات بوصفها نماذج: يمكن أن تكون الحوافز التي يقدمها كبار القادة في مؤسسة ما فعالة في تغيير سلوك الناس، ولا سيما في الحالات الصعبة. في تجربة حديثة خلال جائحة كوفيد، عندما كانت الشركات تسعى لخفض رواتب الموظفين بدلاً من تسريحهم، تبيّن أن احتمال قبول تخفيض الرواتب من قبل الموظفين يزداد عند اقترانه باتخاذ الإدارة العليا أيضاً إجراء تخفيضات كبيرة في تعويضاتها.

تأثير اللطف في الإنتاجية

قد لا تكون العلاقة بين اللطف والإنتاجية واضحة على الفور، لكن الأبحاث الحديثة تؤكد أهميتها. عندما يختبر الموظفون اللطف من زملائهم ومدرائهم، فإنهم يُبلغون عن ارتفاع في الرضا الوظيفي والانخراط في العمل. وتقلل بيئة العمل اللطيفة من الإجهاد والإرهاق، ما يؤدي إلى تحسين الصحة النفسية. وهذا بدوره يؤدي إلى مستويات أعلى من التركيز والإبداع والقدرة على حل المشكلات، وكلها عوامل حاسمة لتعزيز الإنتاجية.

اللطف يعزز أيضاً الشعور بالانتماء والسلامة النفسية. في مثل هذه البيئة، يكون الموظفون أكثر عرضة لتبادل الأفكار والتعاون عموماً، وتحمل المخاطر المحسوبة دون خوف من السخرية. وهذا يترجم إلى عمل جماعي أكثر فعالية وتوليد حلول مبتكرة.

تكشف الأسس العلمية العصبية للطف عن آثارها العميقة على الدماغ. تؤدي أعمال اللطف إلى إطلاق الأوكسيتوسين، الذي يشار إليه غالباً باسم “هرمون الحب”. يرتبط الأوكسيتوسين بالشعور بالثقة والتعاطف والارتباط الاجتماعي. عندما ينخرط الموظفون في سلوك لطيف أو يكونون وجهة لأعمال لطف، ترتفع مستويات الأوكسيتوسين لديهم، ما يؤدي إلى تقليل التوتر والقلق.

علاوة على ذلك، يحفز اللطف نظام المكافأة في الدماغ، ما يؤدي إلى إطلاق الدوبامين، الذي يرتبط بمشاعر المتعة والدافع. هذا يخلق حلقة ردود فعل إيجابية: الانخراط في الأفعال اللطيفة يُشعر بالرضا، ما يشجع الأفراد على مواصلة هذه السلوكيات.

من ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي الإجهاد المزمن إلى مجموعة من التشوّهات المعرفية، بما في ذلك انخفاض فترة الانتباه، ومشاكل الذاكرة، وانخفاض القدرة على اتخاذ القرار. لا يقتصر تأثير الإجهاد على الحالتين العاطفية والعقلية للفرد؛ إذ يمكن أن تكون له آثار غير مباشرة تمتد عبر جوانب مختلفة من الحياة. لتصل إلى العلاقات الشخصية، ما يؤدي إلى التوتر والصراعات وانخفاض جودة التفاعلات مع من نحب. مكان العمل ليس محصّناً، إذ يؤثر الإجهاد على الإنتاجية والرضا الوظيفي وديناميكيات الفريق. كما تقول الكاتبة الأميركية هيلاري هينتون زيغلر: “لقد بيّن العديد من الشركات منذ فترة طويلة أن الإجهاد في المنزل يسبب فقدان الإنتاجية في السوق. لكن الأبحاث تكشف الآن أن الضغط على العمل يسبب الإجهاد في المنزل. بمعنى آخر، يتأثر أحدهما بالآخر”. تعمل بيئة العمل اللطيفة على مواجهة الآثار السلبية للإجهاد من خلال تعزيز المرونة العاطفية وتوفير حاجز ضد العجز المعرفي المحتمل.

خلق ثقافة دائمة من اللطف

لكي تزيد أدوات الترغيب السلوكية من اللطف في العمل على نحو فعال، يجب أن تكون متكاملة بعناية وثبات. قد تؤدي أداة الترغيب لمرة واحدة إلى تحولات سلوكية مؤقتة، ولكن من أجل التغيير الدائم، تحتاج المؤسسات إلى إعطاء الأولوية للطف لتكون قيماً أساسية.

1. نمذجة القيادة: يؤدي القادة والمدراء دوراً حاسماً في تشكيل ثقافة مكان العمل. عندما يجسد القادة السلوك اللطيف، فإن ذلك يضع مساراً للآخرين ليتبعوه. يمكن استخدام الإيماءات لتذكير القادة بالتعبير عن الامتنان أو تقديم المساعدة أو ببساطة التأكد أن كل شيء على ما يرام مع أعضاء الفريق. يمكن أن تشكل أعمال اللطف من قِبل القيادة نموذجاً فعالاً بصورة خاصة.

2. الحوافز والمكافآت: يمكن أن تكون مكافأة الموظفين الذين يسهمون بنشاط في تهيئة بيئة عمل إيجابية، أو جهود التعاون أو أعمال الدعم، أداة قوية لتأكيد أهمية اللطف في العمل، كما يمكن أن يكون المسح الدوري للتحقق من نبض معنويات المؤسسة أداة قوية لمراقبة المسار.

3. التدريب وحلقات العمل: يمكن أن يزود تنظيم حلقات عمل بشأن التعاطف والاستماع النشط والاتصال الفعال الموظفين بالمهارات اللازمة للانخراط في السلوك اللطيف. يمكن أن تعزز أدوات الترغيب السلوكية الدروس المستفادة في هذه الورشات. تظهر التجارب أن تضمين التزامات لسلوك معين في أثناء التدريب أو ورشة عمل يمكن أن يزيد من فرصة المتابعة.

4. التعزيز المستمر: ينبغي أن يكون لأدوات الترغيب السلوكية حضور ثابت في مكان العمل. ومع مرور الوقت، سيربط الموظفون هذه الأدوات بالتزام المؤسسة باللطف،ما يؤدي إلى استيعاب هذه القيم. يمكن أتمتة هذه التعزيزات من خلال أنظمة تستفيد من قوة الذكاء الاصطناعي للمساعدة في توفير إدارة الأداء والتدريب للرؤساء والمدراء التنفيذيين. تستفيد هذه الأنظمة من مصادر متعددة للبيانات لتحديد نقاط القوة والضعف المحددة في أداء الموظف. ثم يُستخدم ذلك لتوفير رؤى مفصّلة للمدراء، وتنبيههم عندما يستحق موظفون معينون الثناء، وحيث يحتاج الآخرون إلى دعم إضافي.

يتزايد استخدام أدوات الترغيب بسرعة في المؤسسات لتكون حلاً تكميلياً للتحديات السلوكية. من المؤكد أن تصميم أدوات الترغيب يجب أن يتبع مرحلة التشريح حيث تُضاف عدسة سلوكية لفهم أفضل لما يحول دون انخراط الناس في المزيد من ممارسات اللطف، وما الذي يتطلبه الأمر لمتابعة هذه المبادرات. بمجرد تحديد أدوات الترغيب السلوكية، فإن الخطوة التالية هي استخدام الاختبارات للتأكد من فعالية هذه التدخلات.

اللطف ليس مجرد فكرة مستحبة في مكان العمل؛ إنه محفِّز يمكن أن يدفع إلى مستوى كبير من الإنتاجية وإلى صحة نفسية أفضل، وديناميكيات أكثر إيجابية لدى فِرق العمل. من خلال تسخير قوة الدفع، يمكن للمؤسسات خلق بيئة تشجع السلوك اللطيف ومكافأته. وفي حين يختبر الموظفون الفوائد الملموسة للطف في حياتهم العملية اليومية، تظهر دورة إيجابية ومن المرجح أن يدفع الأفراد ذلك إلى الأمام، ما يخلق نظاماً بيئياً مزدهراً من الإيجابية والتعاون. مع استمرارنا في الكشف عن تعقيدات السلوك البشري والدافع، يصبح من الواضح أن نشر اللطف من خلال أدوات ترغيب سلوكية مصممة تصميماً جيداً ليس مجرد مسعى نبيل بل هو استثمار استراتيجي في نجاح كل من الأفراد والمؤسسة ككل. ففي نهاية المطاف، لا يعمل الناس دائماً فيما يصبّ في مصلحتهم ومصلحة مجتمعاتهم على الرغم من حسن النوايا. يمكن استخدام العديد من أدوات الترغيب السلوكية لتسهيل القرارات، وتعزيز الرغبة في العمل، وزيادة المتابعة وبالتالي سد الفجوة بين الغاية والعمل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .