لا ينفصل قياس أداء شركة أبداً عن استراتيجية أعمالها، وهذا هو الوضع الطبيعي. ولكن ما يدعو للاستغراب، من واقع خبرتي العملية الطويلة، أن الشركات في جميع القطاعات تجد صعوبة في مطابقة تصميم استراتيجيتها مع أدوات قياس أدائها؛

وهي مسألة مهمة جداً لأن قياس نجاح استراتيجية الشركة سيكون شبه محال ما لم تتوافر مؤشرات أداء رئيسية موثوقة، وفي المقابل، يؤدي ضعف قياس الأداء إلى وضع أهداف استراتيجية خاطئة. ويفضي كلا المسارين إلى تكرار أداء القرارات الفاشلة نفسها.

وهنا، أتناول المزالق المعتادة التي يقع فيها المدراء عند قياس أداء الاستراتيجية وأستعرض سبل تجنبها.

1. الأطر غير المتطابقة

روجر هو الرئيس التنفيذي في إدارة الطرق الرئيسية بحكومة إحدى الولايات. عند تعيينه، طبّق إطاره الاستراتيجي الذي يفضله بناءً على “المجالات”، وتُعرف اختصاراً بـ (KRAs)، أو مجالات النتائج الرئيسية. وهكذا، وضع الخطة الاستراتيجية للطرق الرئيسية وفق بنود من بينها ترشيد الطاقة والحوكمة وتوريد الخامات.

وكانت المشكلة أن هذا لا يتطابق مع الإطار القائم لقياس أداء الطرق الرئيسية، الذي وضع وفق برامج مثل السلامة على الطرق وكفاءة الطرق وصيانة الطرق.

وكان انعدام التطابق هذا معوقاً هائلاً يسبب الفشل وإهدار الكثير من الوقت والجهد التنفيذي في محاولات إنجاح العمل. علّق أحد التنفيذيين ساخراً: “كانت المهمة أشبه بمحاولة وضع أجزاء من سيارة فورد في سيارة مرسيدس بنز. لا يمكن أن يتوافقا”.

طريقة الحل: احشد أصحاب المصلحة الرئيسيين.

تترأس مارجوري مؤسسة غير ربحية ترعى المصابين بالتوحد. وعندما التحقت بالمؤسسة في منصب الرئيس التنفيذي، واجهت ما وصفته بأنه “انفصال بين إطار التخطيط الاستراتيجي وطريقة جمع مؤشرات الأداء الرئيسية”.

تمحورت الخطة الاستراتيجية للمؤسسة حول “بنود رئيسية”، منها تجاوز الميزانية والحصول على المنح وإجراءات التوظيف. أما مؤشرات الأداء الرئيسية فكانت مزيجاً من المقاييس المستمدة من مجموعة متنوعة من المصادر، تشمل الموارد البشرية والمحاسبة والشؤون المالية، والعمليات بما فيها نفقات التشغيل وعدد الدورات التدريبية التي تعقد للموظفين.

وتمثل الحل الذي طرحته في إعادة توجيه تركيز الاستراتيجية والمؤشرات لتنصب على أصحاب المصلحة الرئيسيين في المؤسسة، وهم مرضى التوحد وعائلاتهم والجهات الحكومية والجهات المانحة والداعمة وموظفو المؤسسة.

ولنأخذ مثلاً حالة الموظفين أصحاب المصلحة، حيث أرادت مؤسسة مارجوري تعزيز الابتكار في الخدمات التي تقدمها للمصابين بالتوحد وعائلاتهم. تطلب ذلك اجتذاب أطباء مختصين من المستوى الأول من خلال تحسين ظروف العمل في المؤسسة، فكان من بين مؤشرات النجاح زيادة عدد طلبات العمل المقدمة من الأطباء والمختصين المؤهلين على النحو المنشود. تقول مارجوري: “في النهاية، تحقق التنسيق الأمثل بين الخطة الاستراتيجية وتقييم الأداء في المؤسسة”.

2. قياس النشاط

إليكم طريقتي في شرح المشكلة للمدراء في ورشات العمل التي أجريها: أقول: “أقترح أن أقيس أدائي اليوم بإحصاء عدد الشرائح التي أستخدمها. وإن شعرت بإرهاق فعلي مع نهاية اليوم فعندئذ سأدرك أنني أحسنت العمل. هل ترضون بأن تكون هذه هي مقاييس أدائي؟”

والإجابة من الحاضرين دوماً هي لا. “لماذا؟” أطلب منهم التوضيح، فيقولون: “لأنها مقاييس عمل، لا مقاييس نتائج”. “ومن الذي يحدد تلك النتائج؟” أسألهم، فتأتيني الإجابة جماعية: “نحن من نحددها”. الآن فهم الحضور مقصدي، وهذا ما أتبينه في تعبيرات وجوههم.

طريقة الحل: ركّز على النتائج.

يترأس أنجلو المكتب الوطني لعلامة تجارية معروفة في مجال أدوات البناء، يقول عن قياس أداء أعماله: “كنا نجتمع وينصبّ تركيزنا على ما نفعله. وكانت مؤشرات الأداء الرئيسية التي حددناها تتمحور دائماً حول العمليات”. تجاوزوا هذا الجمود بالتركيز على النتائج التي حققها مكتبه لأصحاب المصلحة الرئيسيين؛ العملاء والموردين والموظفين والشركة الأم.

يتضمن قياس الأداء نتائج جهتين؛ نتائج الشركة ونتائج أصحاب المصلحة. تجنب أنجلو وفريقه وضع توقعات للنتائج التي ستعود على أصحاب المصلحة، وعمدوا إلى التقاء أصحاب المصلحة الرئيسيين للتعرف على النتائج التي تهمهم، كما أثمرت اللقاءات مؤشرات أداء رئيسية جديدة ما كانت لتخطر ببال أنجلو وفريقه.

3. قلة التركيز

يشغل سباستيان منصب الرئيس التنفيذي في أحد مجالس شؤون الضواحي، وأراد وضع نظام تقييم لأداء المجلس مرتبطاً بخطته الاستراتيجية. وهكذا، شرع في جمع المقاييس من الإدارات التي يشرف عليها، ومنها إدارة تنمية المجتمع والبيئة والتخطيط وخدمات الشركات، ومن ثم توصل إلى قائمة مجمعة. ولكنه لم يرض عن القائمة التي وجدها طويلة، وبدا أن العديد من المقاييس غير ذات صلة بأهداف المجلس.

طريقة الحل: طبّق مقاييسك تباعاً بدلاً من دمجها.

هيلين مديرة جديدة لمدرسة فتيات خاصة كبيرة مرموقة وباهظة المصروفات. وفي سبيل وضع بطاقة قياس أداء المدرسة، جمعت المقاييس من الأقسام الأكاديمية مثل العلوم واللغة الإنجليزية والرياضيات. وكما كانت الحال مع سباستيان، لم تكن مجموعة مؤشرات الأداء الرئيسية التي جمعتها مجدية كمقاييس لأداء المدرسة،

وصوبت ذلك بجمع المقاييس من جديد، ولكنها لم تدمج هذه المرة المقاييس من القاعدة إلى القمة، بل حددت مؤشرات الأداء الرئيسية بترتيب عكسي؛ من القمة إلى القاعدة. تقول: “أتاحت لي هذه العملية ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد. تبين لي وجود ثغرات في مؤشرات الأداء الرئيسية المحددة للمدرسة، ووافقت بين خطة المدرسة الاستراتيجية والطلاب وأولياء الأمور والمعلمين والموظفين والحكومة والمجتمع، ومنحتنا بطاقة تقييم أداء فعالة بناءً على نتائج تلك المجموعات نفسها”.

تعلمت هيلين مفهوماً أساسياً في قياس الأداء، ألا وهو مستوى التحليل. لا تنطبق المقاييس التي تنطبق على مستوى ما، مثل الربح على صعيد الشركة، على مستوى آخر، وليكن قسماً داخلياً مثل الموارد البشرية. وعلى المنوال نفسه، قد لا تكون المقاييس التي تلائم إدارة ما قابلة للتطبيق على مستوى الشركة.

يسهل أن تتسع الفجوات بين خطتك الاستراتيجية ومؤشرات أدائك الرئيسية إن لم تطبق إطاراً ينسق بين كليهما؛ وأنت بكل تأكيد لست الوحيد الذي يصادف هذه المشكلة.  ومع ذلك، تذكّر وأنت تسد الفجوات أن جوهر قياس الأداء هو قياس علاقاتك مع أصحاب المصلحة الرئيسيين في شركتك، وبالتالي، يجب أن تحدد مؤشرات الأداء الرئيسية وفق ما يتوقعه أصحاب المصلحة منك، وليس وفق ما تعتقد أن عليك فعله.