يعتقد الناس في كل عصر أنهم يمرّون بفترة انتقالية، لكن بعض العصور تحمل معها تغييرات شاملة وجذرية بالفعل. على سبيل المثال، أعتقد أن أماكن العمل الأميركية تمر بفترة انتقالية حالياً فيما يتعلق بالرفاهة؛ إذ يتزايد عدد الشركات والموظفين الذين يُدركون أن النموذج الحالي للنجاح غير فعال ويؤدي في الواقع إلى الاحتراق الوظيفي والتوتر وانخفاض الإنتاجية، وقلة النوم التي أعانيها شخصياً.
عندما أطرح موضوع النوم أمام الجمهور، يثير ذكر كلمة "النوم" تفاعلاً إيجابياً وابتسامة خفيفة عادة؛ لكنها ابتسامة إدراك، لأن الجميع يعرف أن النوم يعزز قدرتنا على العمل. لكن ما آثار قلة النوم في مؤسساتنا؟ سأعددها لكم: يؤثر الإعياء سلباً على ذاكرة الإنسان وقدرته على الإبداع، وهو يكلّف الشركات الأميركية 63 مليار دولار سنوياً نتيجة ضعف الإنتاجية. أظهرت نتائج دراسة أن نقص النوم قد يؤدي إلى ممارسة سلوكيات غير أخلاقية بسبب أثره في قدرة الشخص على صناعة القرار ووظائفه الإدراكية. وتوصلت دراسة أخرى إلى أن نقص النوم ينعكس بوضوح على ملامح الوجه، ما يجعل الآخرين يصفون الشخص المُتعب نتيجة نقص النوم بشخص يفتقر إلى الطاقة ويعاني مشكلات صحية (ولن يكون هذا الموظف المُتعب الشخص الأنسب لتمثيل الشركة أمام العملاء). تنتج أسوأ التكاليف من حقيقة أن قلة النوم تزيد احتمالية وقوع الحوادث في أماكن العمل وتُسهم في مشكلات صحية أخرى. على سبيل المثال، تصنّف مؤسسة الصحة العالمية العمل بنظام الورديات عاملاً مسبباً للسرطان من الفئة (2A)، نظراً إلى ارتفاع معدلات الإصابة بسرطان الثدي بين النساء العاملات بنظام الورديات.
لحسن الحظ، تدرك شركات كثيرة في كل قطاع أهمية صحة الموظفين وارتباطها المباشر بصافي الأرباح، وهي تجري تغييرات ملموسة بناءً على ذلك. عقد قسم طب النوم في كلية هارفارد للطب الشهر الماضي مؤتمراً لقادة الشركات بعنوان "التصدي لمؤامرة النوم" (Attacking the Sleep Conspiracy)، اجتمعت فيه شركات، مثل وول مارت (Walmart) وبروكتر آند غامبل (Procter & Gamble) وإلي ليلي (Eli Lilly)، لمناقشة فرص التعاون مع الخبراء والمؤسسات المتخصصة لمواجهة التحديات الصحية المرتبطة بمشكلات النوم.
ولعل الشركات تقتدي بعالم الرياضة؛ إذ يحصل لاعبو الأولمبياد اليوم على غرف متطورة مخصصة للقيلولة، إضافة إلى نظام غذائي صحي صارم. ففي الرابطة الوطنية لكرة السلة (NBA) مثلاً، كان أشهر اللاعبين، مثل ستيف ناش وكوبي براينت، في طليعة من نشر فكرة الحصول على قيلولة قبل المباراة وجعلها جزءاً من روتين تمارين الإحماء. ويقول النائب المفوض لدى الرابطة الوطنية لكرة السلة اليوم: "يعلم كل شخص في مكتب الرابطة أنه يجب عدم الاتصال باللاعبين في الساعة الثالثة بعد الظهر، لأنها موعد قيلولتهم".
وبدأت أماكن العمل التقليدية تتبنّى النهج نفسه، إذ تقدم نسبة 25% من الشركات الكبيرة في الولايات المتحدة مبادرات تهدف إلى تقليل التوتر لدى موظفيها، مثل التأمل أو اليوغا. كما جهزنا في مكتب هافينغتون بوست (The Huffington Post) في نيويورك غرفتين مخصصتين للقيلولة؛ تردد المراسلون والمحررون والمهندسون في استخدامهما بداية خشية أن يظن الآخرون أنهم يتهربون من واجباتهم، لكنها كانت بداية الفترة الانتقالية، وأصبحت غرف القيلولة محجوزة دائماً. وعليه، من الضروري تغيير ثقافة مكان العمل بحيث لا يُستهجن الحصول على قيلولة، بل يستهجن عمل الموظف وهو متعب ومُنهك.
أدركنا مع تزايد الوعي بأهمية النوم أن بعض أبرز الشخصيات التاريخية عرفت سر النوم منذ فترة طويلة. وبالتالي، إضافة إلى مواجهة أكبر التحديات واغتنام أكبر الفرص، نأمل أن تستفيد أجيال القادة القادمة من أداء بعض الشخصيات التاريخية الشهيرة التي اعتادت الحصول على قيلولة، مثل ليوناردو دا فينشي وونستون تشرشل وجون كينيدي.
تحدث الفترات الانتقالية الكبيرة غالباً نتيجة اجتماع قوى مختلفة تؤدي إلى تغييرات كبيرة في المجتمع، ويرجع القلق المتزايد بشأن الرفاهة في أميركا اليوم إلى 3 عوامل على الأقل: نظام الرعاية الصحية المفكك، والوفرة في الأدوات التكنولوجية الجديدة، والقدرات والرغبة الجديدة فيما يتعلق بمراقبة الصحة الشخصية والاهتمام بها؛ وربما نشهد تحوّلات جذرية في سياسات العمل عندما يبدأ تأثير هذه العوامل في مكان العمل ويبدأ معها الحراك للتغيير.