ملخص: عندما تأخذ الأمور على محمل شخصي في العمل، فلا يدل ذلك على ضعفك، بل على شغفك والتزامك وحسّك العميق بالمسؤولية. لكن ما عواقب الربط بين الدور المهني والإحساس بالذات؟ من الشائع أن تربط قيمتك الشخصية بأدائك في العمل، لكن من الممكن أيضاً أن تحرر نفسك من هذا النمط. وتعرض مؤلفة هذا المقال 5 استراتيجيات لكيفية التعامل مع المواقف بموضوعية، ما يساعدك على تحقيق أهداف مسيرتك المهنية بوضوح وتوازن وفعالية أكبر.
توفر وظائفنا فوائد تتعدى مجرد الحصول على أتعاب، فهي تمنحنا شعوراً بالهدف وتعزز نمونا الشخصي والمهني وتقوي إحساسنا بالانتماء. لكن قد يصبح دورنا المهني مرتبطاً بإحساسنا بالذات مع الوقت، وينطبق ذلك خصوصاً على فئة معينة من الأفراد يُشار إليهم باسم "المناضلين الحساسين" الذين يسعون إلى تحقيق أداء جيد في العمل ويميلون في الوقت نفسه إلى التفكير بكل شيء بعمق، بمعنى آخر، هم أولئك الذين تترك تفاعلاتهم مع الآخرين أو تقييماتهم لهم أو القرارات التي يتخذونها تأثيرات مباشرة ومبالغاً فيها على مشاعرهم وتقديرهم لذواتهم وهوياتهم.
لنتأمل مثال عميلتي بريندا؛ عندما بدأتُ جلسات التوجيه معها للمرة الأولى، صارحتني بسؤال مهم ترغب في العثور على إجابة عنه، وهو: لماذا تأخذ الأمور في العمل على محمل شخصي؟
شغلت بريندا منصب رئيسة الموظفين لعميد إحدى كليات الأعمال البارزة مدة 5 سنوات. كان أداؤها يفوق التوقعات، لكن على حساب نفسها، إذ إنها كانت تتأثر تأثراً بالغاً بكل موقف أو تفاعل، وتعتبر نتائجه انعكاساً مباشراً لقدرتها على النجاح أو الفشل.
فكانت تتحمّل مثلاً مسؤولية حل النزاعات التي تنشب بين أعضاء الهيئة التدريسية أو الموظفين، وقد ساعدها إحساسها بالمسؤولية في حلّ المشكلات بالفعل، لكن على حساب صحتها ورفاهتها. كما أنها كانت تتأثر بشدة بالنقد البنّاء والعقبات الصغيرة التي تعترض طريقها، على سبيل المثال، كانت على موعد مع عميد الكلية للاجتماع بشأن موضوع خفض الميزانية الذي سيؤثر على جميع الإدارات، فسعت بجد للعثور على حل إبداعي للتخفيف من وطأة القرار ومساعدة زملائها، وعندما حان وقت المحادثة الصعبة، لاحظت بريندا نظرة استهتار من العميد، فانتابها القلق، إذ إنها خصصت جلّ وقتها وجهدها لهذه المسألة، لكن عندما لاحظت أن العميد لا يقدّر جهودها، شعرت بأنها تعرضت لرفض شخصي.
وإذا بدا موقف بريندا مألوفاً لك، فأنت لست وحدك، فنحن نقضي ثلث حياتنا في العمل، وليس من المستغرب بالتالي أن تؤدي وظائفنا دوراً مهماً في تشكيل هوياتنا؛ من الشائع أن تربط قيمتك الشخصية بأدائك في العمل، لكن من الممكن أيضاً أن تحرر نفسك من هذا النمط. وإليك عدة استراتيجيات للتقليل من تأثير العمل عليك ومساعدتك على التفكير بموضوعية.
تعامل مع المواقف بهدوء ودون انفعال
عندما تأخذ موقفاً ما على محمل شخصي، يعتقد دماغك أنك تتعرض لتهديد لكفاءتك ومكانتك الاجتماعية أو حتى إحساسك بالانتماء إلى مجموعة معينة، فيُرسل إشارات إلى لوزة المخيخ تجعل استجابتك للخوف تزداد، وتشعر بالإهانة أو القلق أو الغضب، أو تتخذ موقفاً دفاعياً حتى. ومع أن هذه المشاعر طبيعية ومشروعة، يكمن الحل في الوعي؛ أي أن تعيش تلك المشاعر دون أن تسمح لها بالتأثير على هويتك أو تصرفاتك.
تدرّب على عدم الانجرار وراء عواطفك باستخدام عبارات مثل: "أنا أعي هذا الشعور، لكني لن أنساق وراءه"، أو "أنا مدرك لما يجول في عقلي من أفكار، لكني لن أسمح لها بالسيطرة عليّ". بمعنى آخر، عندما تعي رد فعلك وتفصل نفسك عنه، فأنت تفعّل بذلك قشرة الجبهة الأمامية، وهو الجزء من الدماغ المسؤول عن وظائف تتعلق بالعمليات التنفيذية مثل صناعة القرار وحل المشكلات وضبط العواطف؛ أي عندما تفصل بين الحدث المحفّز واستجابتك له، ستكون قادراً على اتخاذ الإجراء الصحيح.
لا تقيّم المواقف من منظورك الشخصي
قبل أن تنساق وراء أفكارك السلبية، توقف للحظة واسأل نفسك: "لماذا أعزو ما يحدث (رد فعل الشخص، الموقف، وغير ذلك) إلى مشكلة بشخصيتي؟" عندما تفصل نفسك عن رد فعلك العاطفي، فأنت تشجع نفسك بالتالي على مراجعة الافتراضات التي تجعلك تأخذ الأمور على محمل شخصي وعلى تحليل المشكلة بموضوعية.
يمكنك أيضاً تحدي نفسك بالتفكير فيما لا يقل عن تفسيرين إلى ثلاثة تفسيرات بديلة لسلوك شخص ما أو كلماته؛ على سبيل المثال، إذا لاحظت أن زميلك يُبدي عدم اهتمامه في اجتماع ما، فحاول أن تلتمس لسلوكه ذلك الأعذار بدلاً من أن تفترض أنه لا يقدّر رأيك. فلعله واجه مشكلة ما صباحاً أو ربما لم يفهم الموضوع الذي نوقش في الاجتماع تماماً. بمعنى آخر، قد يثنيك التفكير في الموقف من منظور أوسع عن اتخاذ استنتاجات خاطئة حول قدراتك الشخصية.
وبدلاً من الانسياق وراء عواطفك، فكر في طلب توضيح لسلوك الشخص أو عباراته بأسلوب لبق لكي تفهم نواياه. على سبيل المثال:
- "شعرتُ بالارتباك بخصوص تعليقك أمس. قد أكون مخطئاً في تفسيري، لكني أفترض أنك تواجه بعض المشكلات. هل يمكنك أن توضح لي وجهة نظرك بمزيد من التفصيل؟"
- "عندما تحدّثتَ عن [الموضوع المحدد] خلال اجتماعنا، فسّرته شخصياً على النحو التالي [اشرح وجهة نظرك]، لكنني أرغب في التأكد من فهمي لوجهة نظرك لأنني أقدّر آراءك كثيراً".
- "لاحظتُ أنه عندما يحدث [موقف] ما، أختلقُ في عقلي قصة حوله [تفسيرك أو افتراضك]. وأرغب في مشاركة ذلك معك لأنني أؤمن في أهمية التواصل المفتوح، وأود فهم وجهة نظرك حول ما يجري".
تجاوز مخاوفك
حاول أن تعرّض نفسك للمواقف التي تُثير لديك مشاعر القلق تدريجياً بدلاً من تجنبها لتصبح أقل حساسية لها مع مرور الوقت، وهي عملية تُعرف بتقليل الحساسية للمواقف. ففي كل مرة تجازف فيها بمواجهة موقف يُثير عواطف سلبية داخلك، تزيد قدرتك على تحمّل هذا الشعور غير المريح وتتعلم كيفية التعامل معه بهدوء وصبر. في الواقع، تشير الدراسات إلى أن تعريض نفسك للمواقف المثيرة للقلق يقلّل من مشاعر الخوف ويجنّبك المواقف الصعبة بنسبة تصل إلى 90%.
وقد يمنحك اختيار مثل تلك المواقف بنفسك بدلاً من أن تُفرض عليك شعوراً بالقوة ويعزز ثقتك بنفسك، كما أن تجاوز مخاوفك يؤثر على كيفية تصورك لنفسك وهويتك؛ فكلما تحدّيت نفسك، تغيرت نظرتك عن نفسك من شخص ضعيف أو هش إلى شخص قارد على التصدي للمواقف والتحديات الصعبة. ابدأ مثلاً تعريض نفسك للفرص التي تحمل درجة أقل من المخاطر لتمارس هذه المهارة الجديدة، أو اطرح فكرة جديدة حتى لو لم تكن أفكارك مكتملة بعد، أو التمس تقييمات الآخرين عنك.
تعلّم من أخطائك
قد تشعر أنك فشلت على الصعيد الشخصي عندما لا يسير مشروعك بالشكل المخطط له، أو عندما يُرفض مقترحك، أو عندما يعبّر عميلك عن عدم رضاه، ما يؤدي إلى شعورك بالإحباط ويجعلك تشكّ بقدرتك على تحقيق النجاح. ليس من الضروري أن تعتبر فشلك أمراً إيجابياً، لكن من المهم أن تستفيد من التجربة وتستخلص منها الدروس والحِكم. ويساعدك هذا النهج الأكثر تطوراً على تقبّل الجوانب العشوائية والمعقدة للعمل دون السماح لها بتقويض إحساسك بالذات.
وبدلاً من أن تسأل: "لماذا يحدث هذا لي؟"، ركّز على طرح استفسارات بنّاءة مثل:
- ما الذي يمكنني فعله؟ ينقلك هذا السؤال إلى عقلية حل المشكلات التي تتيح لك السيطرة على الوضع واتخاذ إجراءات عملية.
- ما الذي يُفترض أن أتعلمه من هذه المشكلة؟ يشجعك هذا السؤال على استخلاص الدروس من تجاربك.
- هل هذا الوضع لصالحي أم ضدي؟ يساعدك هذا السؤال في معرفة كيفية تحسين الموقف وتعزيز قدرتك على التكيّف والتحمّل عند التعامل مع التحديات.
انظر إلى الأمور بروح الفكاهة أو عبّر عن تعاطفك عندما يتصرف الآخرون بغرابة
من السهل أن تحمّل نفسك مسؤولية سلوك الشخص الآخر المسيء. لكن عندما يُبدي شخص ما سلوكاً سلبياً، فقد يكون ذلك ناتجاً عن عدم قدرته على التعبير عن مشاعره، وليس عائداً لعيب فيك أو بسبب ما قلته أو فعلته، على الرغم من أنك قد لا تُدرك ذلك على الفور.
يلجأ أحد عملائي إلى تخيّل الشخص الآخر كطفل خائف أو إلى ترديد تعليقاته السلبية بصوت مضحك، فذلك يساعده في التخفيف من تأثيرات سلوكه وجعلها أقل وطأة. وتساعد هذه الحيل العقلية على تغيير طريقة تفكيرك بالفعل وعلى التعامل مع المواقف بتعاطف بدلاً من أخذها على محمل شخصي.
باختصار، عندما تأخذ الأمور على محمل شخصي في العمل، فلا يدل ذلك على ضعفك، بل على شغفك والتزامك وحسّك العميق بالمسؤولية. لكن التعامل مع المواقف بموضوعية يتيح لك تحقيق أهداف مسيرتك المهنية بوضوح وتوازن وفعالية أكبر.