الأنماط الثقافية ربما تجعل منك مفاوضاً لا يتحلى بالأخلاق الكافية

4 دقائق
تأثير الأنماط الثقافية على عملية التفاوض

هل يبدي الأشخاص سلوكاً أخلاقياً أفضل أم أسوأ عند تفاوضهم مع شخص أجنبي وليس مواطناً من بني جلدتهم؟ في دراسة معنية بأثر الثقافة على التفاوض أجريت على 810 أشخاص بالغين في الولايات المتحدة والصين، بالتعاون مع المؤلف المساعد تشاو وانغ، بحثنا في مدى استخدام الأشخاص لتكتيكات غير أخلاقية أو مشكوك في أخلاقيتها، مثل الكذب أو تقديم الرشاوى، بناء على هوية الشخص الذي كانوا يتفاوضون معه. لقد ركزنا في دراسة الثقافة والتفاوض على هذين البلدين لأنهما يمثلان أكبر اقتصادين في العالم حالياً، وتقدر المفاوضات الجارية بينهما بمليارات الدولارات شهرياً.

اعتمدنا في بحثنا على وسيلة الدراسة الاستقصائية عبر الإنترنت. اختير المشاركون الأميركيون عبر موقع "أمازون ميكانيكال تورك" (Amazon Mechanical Turk). أما المشاركون من الصين فقد عينوا عبر شركة لأبحاث السوق في شنغهاي، وكان هناك توافق بين العينتين الصينية والأميركية من حيث التوزيع العمري للمشاركين ونوعهم. طلبنا من المشاركين في الدراسة الاستقصائية أن يبلغوا عن احتمالية استخدامهم لتكتيكات مشابهة لهذه أثناء مفاوضات العمل في حال كان الطرف الذي يفاوضونه هو "جستن آدم" وهو يمثل شركة مقرها إلينوي في الولايات المتحدة، أو في حالة التفاوض مع "جيا لوي" ممثلاً عن شركة مقرها خونان في الصين. صنفت الإجابات وفق مقياس يتدرج من واحد إلى سبعة، بحيث تعطى القيمة واحد للمعيار الأكثر أخلاقية وتعطى القيمة سبعة للأقل من الناحية الأخلاقية.

اقرأ أيضاً: قراءة تعبيرات الوجه هو سر النجاح في المفاوضات

وجدنا أن المشاركين الأميركيين كانوا أكثر ميلاً لاستخدام تلك التكتيكات المشكوك بها أخلاقياً، وعلى الأخص تلك المتعلقة بالوعود الكاذبة وجمع المعلومات بطريقة غير ملائمة، إذا اعتقدوا أنهم سيتفاوضون مع نظير من الصين. وعلى النقيض، كان المشاركون الصينيون أقل ميلا لاستخدام هكذا تكتيكات إذا اعتقدوا أنهم يتفاوضون مع نظير أميركي. كلاً من الأميركيين والصينيين كانوا أكثر ميلاً لاستخدام تكتيكات تفاوض غير أخلاقية في حال كان الطرف الذي يفاوضونه صينياً، وأقل ميلاً لفعل ذلك عندما يكون مفاوضهم أميركياً. عندما تغير النظير المتفاوض المقابل من الأميركي إلى الصيني، ازدادت درجات المشاركين الأميركيين وسطياً من القيمة 2.75 إلى 3.00، كما ارتفعت لدى المشاركين الصينيين وسطياً من القيمة 3.92 إلى 4.06.

تشير نتائجنا التي نشرت في مجلة أخلاقيات الأعمال "بزنس إثيكس" (Journal of Business Ethics) إلى أن احتمالية استخدام الأشخاص لتكتيكات تفاوض غير أخلاقية تتغير بناء على جنسية الطرف الذي يفاوضونه. ببساطة، تشير دراستنا إلى أنه في أثناء المفاوضات التجارية الدولية (على الأقل تلك الجارية بين الصينيين والأميركيين) يتعامل المفاوضون مع بعضهم وفق اعتبارات أخلاقية معينة. حيث يبدي الصينيون سلوكا يتوافق مع توقع أن المفاوضين الأميركيين يتحلون بمعايير أخلاقية أعلى، في حين يبدي المفاوضون الأميركيون سلوكاً يتوافق مع توقعات أن نظراءهم الصينيين يتبعون معايير أخلاقية أقل. لكن ما السبب في هذا الوضع؟

تأثير الأنماط الثقافية على عملية التفاوض

يكمن السبب الأرجح في أن الناس يعتمدون على الصورة النمطية المتعلقة ببلد ما عندما يتخذون قراراً بشأن التكتيكات التفاوضية التي سيتبعونها. غالباً ما يكون التفاوض مع شخص من بلد آخر أكثر غموضاً من التفاوض مع شخص من البلد نفسه. لذلك، قد يندفع الأشخاص لإزالة هذا الغموض ودفع الريبة من خلال اعتماد الصورة النمطية لتلك البلد مصدراً مهماً للمعلومات.

في دراستنا، ربما ساد اعتقاد لدى المشاركين أن الشعب الأميركي يتحلى بمعايير أخلاقية أعلى من تلك التي لدى الشعب الصيني في أوساط العمل. تبرز مثل هذه المعتقدات المبنية على الصور النمطية ببساطة في أوساط العمل ويمكن تبريرها جزئياً من خلال بعض المقاييس والتصنيفات مثل مؤشر مدركات الفساد الدولي. يدل هذا المؤشر أن الصين تحتل حالياً المرتبة 100 من أصل 175 دولة، حاصلة على الدرجة 36 على المقياس المتدرج من 0 (أعلى درجات الفساد) إلى 100 (خالية تماماً من الفساد)، في حين تحتل الولايات المتحدة المرتبة 17، بدرجة تبلغ 74.

اقرأ أيضاً: المفاوض الماهر قادر على التجاوب مع كل لحظة في المفاوضات

علاوة على ذلك، أشارت النتائج التي توصلنا إليها أن احتمالية استخدام المشاركين الأميركيين للتكتيكات غير الأخلاقية تقل كثيراً عن الاحتمالية المقابلة لها لدى المشاركين الصينيين، وهو أمر يتوافق مع ما يقابله من انطباعات حول البلدين. ومع ذلك، فمن الجدير بالذكر أن دقة تلك الاعتقادات ليست هي ما يؤثر على عملية التفاوض، لكن مدى سرعة وسهولة الأخذ بتلك المعتقدات وتقبل الذهن لها، سواء كانت صحيحة أو خاطئة. إن الانطباعات المرسومة بذهننا عن الطرف الآخر، بغض النظر عن دقتها، هي ما يشكل استراتيجيات التفاوض الخاصة بنا.

وهناك جوانب إيجابية وأخرى سلبية بالنسبة لهذه النتائج. أولا، علينا أن ندرك أنه على الرغم من اتفاقنا على أهمية تلك الممارسات الأخلاقية بشكل عام، إلا أنه لا يمكننا التسليم بها في المواقف المختلفة دون تردد، فهي تتبلور اجتماعياً. فاستخدام تلك الممارسات يختلف من موقف لآخر وبحسب البلد الذي ينحدر منه الطرف الآخر في المعادلة. قد يؤدي استخدام الممارسات الأخلاقية بطرق مختلفة إلى عواقب قانونية خطيرة وأضرار طويلة الأجل، كما حصل في فضائح شركة "غلاكسو سميث كلاين" (GlaxoSmithKline) منذ زمن ليس بالبعيد، وغيرها من شركات الصناعات الدوائية متعددة الجنسيات العاملة في الصين.

ثانيا، إن كان الشعب الذي ينتمي إلى بلدك يتمتع بسمعة أخلاقية طيبة، ستجد أن المفاوضين من البلاد الأخرى يبدون التزاماً أكبر بالمبادئ الأخلاقية عند تعاملهم معك. ومع ذلك، باعتبارك فرداً من هذه المجموعة ذات الطابع الأخلاقي الأسمى، فسيتعين عليك أن تبقى متيقظا دوما لئلا تخفض من معاييرك الأخلاقية أثناء التفاوض مع نظيرك. وتذكر دوماً أن السمعة الطيبة قد تهدم في دقائق.

أخيراً، إن كان شعب بلدك لا يتمتع حالياً بسمعة طيبة من حيث التعاملات الأخلاقية، ستجد المفاوضين من البلاد الأخرى يتهاونون في الالتزام بالممارسات الأخلاقية عند تعاملهم معك. وللأسف، سيتعين عليك أن تتعامل مع هذا الموقف حتى وإن كان سلوكك فعلياً لا يتماشى مع تلك الصورة السائدة عن بلدك.

اقرأ أيضاً: دَع فريقك يُجري ذلك النقاش المحتدم

وبالحديث عن الثقافة والتفاوض، قد تكون إحدى الاستراتيجيات الممكنة هي أن تفصل نفسك عن الصورة النمطية لبلدك من خلال إبراز قواعد أخلاقية قوية. أما الاستراتيجية الأخرى التي ستستغرق وقتا أطول ومجهوداً أكبر هي أن تعمل جاهداً لتحسين الممارسات الأخلاقية لمواطنيك. وفي نهاية المطاف سيدرك الآخرون أن تصوراتهم أصبحت بالية. على كل حال، رغم أن الأمر قد يستغرق وقتاً طويلا، لكن حتى السمعة السيئة يمكن أن تتحسن أيضاً.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي