كيف تتحدى الجمود الذي يسود مؤسستك دون إثارة المشاكل؟

7 دقيقة
آلية دفع الابتكار
مؤسسة كومباشينيت آي (Compassionate Eye Foundation)/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تحدي الوضع الراهن هو الآلية التي تدفع الابتكار والتحسين في المؤسسات، لكنه فعل يبدو محفوفاً بالمخاطر، ما يدفعك إلى مراقبة نفسك والتردد في التعبير عن أفكارك. في الواقع، يسلط تحدي الوضع الراهن الضوء على السياق والأفراد المعنيين ومصالحهم الشخصية، وقد يؤدي إلى إيذاء كبرياء الآخرين أو الكشف عن ضعف أدائهم أو تغيير ديناميات السلطة وحتى قلب التسلسل الهرمي رأساً على عقب. إذاً، كيف يجب أن تقترح فكرة أو تقدم تعليقاً يتعارض مع الوضع الراهن؟ من خلال تجربته مع العديد من المؤسسات على مستوى العالم، اكتشف المؤلف أن تحدي الوضع الراهن لا يتطلب الشجاعة فحسب، بل المهارة أيضاً. فيما يلي 10 خطوات عملية لتنمية تلك المهارة وتقليل المخاطر وتعزيز فرص النجاح.

يتطلب الابتكار الخروج عن الطرق المعتادة. في الواقع، يبدأ كل جانب من جوانب الابتكار، سواء كان جذرياً أو طفيفاً، بشيء من الخلاف البنّاء، أو نواة فكرة تهدف إلى زعزعة النظام الحالي.

لكن زعزعة النظام هي الجزء الأسهل من العملية. فالنظام بحد ذاته لا يصبح جامداً ودفاعياً ومقاوماً للتغيير، بل الأشخاص هم من يعوقون تحقيق المزيد من التقدم. وفي الواقع، كلما كان تشبث الأشخاص بالوضع الراهن أقوى، زاد تعاميهم المتعمد عن تقادمه المتزايد. وهنا يكمن الخطر.

إذاً، كيف يجب أن تقترح فكرة أو تقدم تعليقاً يتعارض مع الوضع الراهن؟ يتعلق الأمر بتغيير نموذج راسخ أكثر من تقديم منطق واضح وبيانات موثوقة. فحتى لو لم تبدُ اقتراحاتك رائدة، فأنت تدعو إلى تدمير المعتقدات الراسخة، والقضاء على عقلية معينة، وتغيير الولاءات؛ وهي جوانب غالباً ما تميل إلى التأثر بالعواطف والسياسة أكثر من العقلانية.

لا عجب إذاً في أن تحدي الوضع الراهن قد يبدو محفوفاً بالمخاطر، ما يدفعك إلى فرض رقابة ذاتية على نفسك والتردد في التعبير عن أفكارك. في الحقيقة، يهدد تحدي النظام القائم مَن أنشأه ويعمل على الحفاظ عليه، لذلك قد ينتهي بك الأمر إلى إيذاء كبرياء الآخرين أو الكشف عن ضعف أدائهم أو تغيير ديناميات السلطة وحتى قلب التسلسل الهرمي رأساً على عقب. على أقل تقدير، يسلط تحدي الوضع الراهن الضوء على السياق والأفراد المعنيين ومصالحهم الشخصية.

من المفارقات أنه على الرغم من أن تحدي الوضع الراهن يضمن سلامتنا، نشعر بالخوف الشديد عند فعل ذلك. على سبيل المثال، كيف يمكنك إقناع فريق التسويق بأنهم يهدرون ميزانية الإعلان على التواصل غير الفعال؟ كيف تتحدى الإدارة المالية وتقترح عليها خفض الحد الأدنى لعائد الاستثمار المطلوب للموافقة على طلبات الميزانية الرأسمالية الصغيرة؟ أو كيف تبلغ قسمك أن عملية إعداد الموظفين الجدد مرهقة وعديمة الفعالية؟ كيف تنبه الموارد البشرية على وجود تحيز منهجي ضد المرأة في عملية الترقية بين مدراء المنتجات؟ كيف تعبّر عن قلقك بشأن العواقب المحتملة غير المقصودة لإطلاق منتج جديد؟

يبدو أن الجواب بسيط، أليس كذلك؟ فقط سلط الضوء على الموقف مستخدماً المنطق والبيانات.

كما لو أن التعامل مع الوضع الراهن الراسخ لا يمثل تحدياً كافياً، فماذا لو كنت تفتقر إلى السطوة الوظيفية؟ ماذا لو كنت وافداً جديداً إلى المؤسسة؟ ماذا لو كنت ترغب في التشكيك في جانب ما خارج مجال خبرتك؟ ماذا لو كنت تنتمي إلى مجموعة مهمشة وممثلة تمثيلاً ناقصاً، ما يجعل تحدي الوضع الراهن محفوفاً بالمخاطر أكثر وربما يضر بسمعتك وتقدمك المهني؟

من خلال تجربتي مع العديد من المؤسسات على مستوى العالم، اكتشفت أن تحدي الوضع الراهن لا يتطلب الشجاعة فحسب، بل المهارة أيضاً. فيما يلي 10 خطوات عملية لتنمية تلك المهارة وتقليل المخاطر وتعزيز فرص النجاح:

1. كن مستعداً لاغتنام الفرصة.

لا يوفر العديد من المؤسسات منتديات مفتوحة لتحدي الوضع الراهن، لذا كن مستعداً لفعل ذلك ضمن روتين عملك المعتاد. قد لا يكون تحدي الوضع الراهن رسمياً مثل تقديم عرض ترويجي لأصحاب رأس المال المغامر، ولكن يجب أن تكون مستعداً بالقدر نفسه. كلما انخفض موقعك في السلّم الوظيفي، كانت الحجة التي يتعين عليك تقديمها أقوى.

من المحتمل أن يوفر موقف غير رسمي أو لقاء غير متوقع الفرصة لك لمشاركة فكرتك، فالمرء لا يعرف أبداً متى قد يحظى باهتمام صانع القرار المناسب الذي يمكنه دعم تحديه للوضع الراهن.

2. اطلب الإذن.

يشعر الموظفون غالباً بعدم اليقين بشأن حقهم في تحدي الوضع الراهن، لذلك من المهم أن تطلب الإذن صراحة لفعل ذلك. يمكنك أن تقول على سبيل المثال: هل يمكنني الحصول على موافقتك على طرح هذا السؤال؟ هل تمانع لو قدمت وجهة نظر مختلفة؟ هل يمكنني اقتراح نهج مختلف لمعالجة هذه القضية؟

في اللحظة التي يمنحك فيها شخص يتمتع بالسطوة الوظيفية موافقته، تستبدل الموافقة الرسمية بالمخاطر الشخصية، ويطمئن من هم في السلطة إلى الحفاظ على سلطتهم. يمكّنك هذا النهج من تأطير تفاعلك على أنه إسهامٌ بنّاء بدلاً من أن يُنظر إليه على أنه نوع من المواجهة.

3. ابدأ بالأسئلة، وليس بالحجج.

يؤدي تحدي الوضع الراهن في كثير من الأحيان إلى اتخاذ مواقف دفاعية. لتحييد هذه الاستجابة، ابدأ تحديك بطرح الأسئلة بدلاً من تقديم الحجج. حوّل العملية إلى حوار. بدلاً من الدفاع عن وجهة نظر يمكن أن تسبب الانقسام أو الاستبعاد، استخدم الأسئلة لإشراك الآخرين في الحوار.

تحفز الأسئلة المدروسة المشاركة الفكرية وتقلل من فرص التصعيد العاطفي. لبدء عملية طرح الأسئلة، يمكنك على سبيل المثال القول: “إذا لم نجرِ أي تغييرات، فما النتيجة؟”. ينقل هذا السؤال مسؤولية التفكير النقدي إلى الآخرين ويشجعهم على التفكير في العواقب المحتملة والتعبير عنها علناً.

4. أظهِر الذكاء العاطفي.

من المفارقات أنه يتعين في كثير من الأحيان على الشخص الذي يتحدى الوضع الراهن خلق الأمان النفسي لأولئك الذين يواجهون التحدي، ما يمنحهم مساحة لإدراك الحاجة إلى التغيير المطلوب وتقبله تدريجياً. استخدم ذكاءك العاطفي لتعزيز هذه المساحة الآمنة. يتضمن ذلك إظهار الوعي الذاتي لتوجيه أفعالك ومراقبة الإشارات غير اللفظية للآخرين بعناية.

تفاعل مع الآخرين بكياسة وتواضع وصدق. تذكّر أن إظهار الاحترام يخفف الدفاعية، وأن استخدام الفكاهة يمكن أن يقلل من التوتر. إذا كان الموضوع حساساً، فناقشه على انفراد. أظهر لأصحاب المصلحة أنك تتصرف بحسن نية وأنك تقدّر مخاوفهم واعتراضاتهم، واستخدم التعاطف لتضمن أنهم يشعرون بأنهم محل اهتمام وأنهم وجهة مسموعة ومفهومة.

5. أظهر فهمك للماضي.

يقدم الكاتب والصحفي البريطاني المشهور، غيلبرت كيث تشيسترتون، في كتابه “الشيء” (The Thing) موقفاً حيث بُني سياج عبر الطريق: يأتي مصلح متحمس لتحدي الوضع الراهن ويقول: “لا أرى أي فائدة من هذا السياج، دعونا نزيله”، فيرد عليه شخص يمثل الوضع الراهن: “إذا كنت لا تفهم الغرض منه، فلن أسمح لك بالتأكيد بإزالته. أرجوك فكّر ملياً بالأمر. بعد ذلك، عندما تعود وتخبرني بأنك ترى فائدة منه، قد أسمح لك بإزالته”.

العبرة واضحة ومباشرة، ولكن غالباً ما يغفل عنها الأشخاص: إذا أردت تحدي الوضع الراهن، يجب أن تفهم الماضي أو الأسباب الكامنة التي أدت إليه. أظهر فهمك للسياق من خلال اكتساب فهم عميق للقرارات السابقة وكيفية الوصول إلى الوضع الراهن. يمكنك بالطبع تبادل الأفكار في أي وقت، ولكن يجب أن تظهر فهماً شاملاً للوضع الراهن قبل أن تكون مستعداً لتحديه.

6. كن شفافاً بشأن العواقب المحتملة غير المقصودة.

إذا اقترحت نهجاً جديداً للعمل، فمسؤولية إثبات كيف سيؤدي اقتراحك إلى تحسين الوضع تقع على عاتقك، وينطوي ذلك على أن تكون صادقاً بشأن المخاطر المحتملة المرتبطة به. ضع في اعتبارك العواقب الأولية والثانوية والآثار الجانبية كلها، المقصودة أو غير المقصودة.

غالباً ما يكون هناك ميل إلى الانحياز التأكيدي عند تحدي الوضع الراهن، فمن السهل تجاهل الأدلة التي تتعارض مع وجهة نظرك والتركيز فقط على النتائج المباشرة المتوقعة، والتعامل معها كما لو كانت حقائق مثبتة بالفعل. تجنب ذلك. إذا كنت شفافاً وغير متحيز في تحليلك، فإن الكشف بصدق عن المخاطر سيعزز الثقة مع أصحاب المصلحة.

7. أظهر المصداقية.

من حيث المبدأ، يجب أن يكون لجميع الموظفين الحق في المشاركة وتشجيعهم على تحدي الوضع الراهن. يبدو ذلك إيجابياً من الناحية النظرية، ولكن كم عدد المؤسسات التي دمجت واجب المعارضة في قيمها الأساسية في الواقع؟

يجب أن يكون كل يوم لا تتحدى فيه الوضع الراهن يوماً مخصصاً للاستعداد لفعل ذلك. ولكن كيف تستعد؟ من خلال تعزيز مصداقيتك ببناء سجل حافل من الإنجازات والأداء المميز. يوضح مؤلف كتاب “بنية الثورات العلمية” (The Structure of Scientific Revolutions)، توماس كون، في كتابه أن التقدم العلمي يتحدى بطبيعته النظريات الحالية، ولكن الأهم من ذلك ربما أنه يتحدى أيضاً الالتزامات القائمة. لذلك حتى لو كنت محقاً في تحليلك وتوصياتك، فإن تحديك للوضع الراهن يمثل تهديداً يثير المعارضة بطبيعته، خاصة بين من يستفيد من هيكل الحوافز الحالي. ستكون مصداقيتك الشخصية عنصراً بالغ الأهمية، فإذا كنت تفتقر إلى المصداقية، فقد يستمع الآخرون إليك، ولكنهم سيقررون تجاهل ما تقوله.

8. افهم مديرك.

افهم شخصية مديرك وتحيزاته وتفضيلاته وأهدافه. لقد كان أحد المسؤولين التنفيذيين الذين أعرفهم لا يتحمل ببساطة التعرض للنقد في الأماكن العامة. في أحد المواقف، كان أحد مرؤوسيه المباشرين على يقين من أن العديد من المقاييس الموجودة في لوحة معلومات مؤشرات الأداء الرئيسية لم تعد مجدية وتمكن إزالتها، وقد فاجأ مديره بتقديم هذه النصيحة الصريحة في أحد الاجتماعات التنفيذية. كان انتقاده مشروعاً، لكن الطريقة التي قدمه بها كانت غير مناسبة.

إذا كنت تفهم رئيسك جيداً، فعليك تجنب الصدام معه. لتحديد النهج الأفضل لتقديم النقد لمديرك، يجب أن تحاول معرفة متى يكون دفاعياً ومتشبثاً بحدة برأيه. هل هو منفتح على التحديات والاختلاف؟ ما مدى استعداده للاعتراف بالأخطاء؟ كيف يتفاعل مع الأخبار السيئة؟ ما مدى عاطفيته أو هدوئه؟ ما مدى الالتزام بالحفاظ على الوضع الراهن؟

9. ضع معارضتك في إطار الاستكشاف.

حتى لو كنت تعتقد أن لديك الحل الأمثل لإصلاح الوضع الراهن أو تحسينه، فضع في اعتبارك كيفية إظهار معارضتك. لنأخذ على سبيل المثال الاستجابة الطبيعية للمواقف التي تتسم بالفضول مقارنة بالمواقف التي تتسم بالمعارضة. يمكن أن تثير معارضتك الخوف فيك وتزيد حدة مشاعرك وتدفعك إلى وضعية الكر والفر.

حاول استخدام عبارات من قبيل: “أنا مهتم حقاً بفهم المزيد حول هذا الجانب” أو “أتساءل ما الرؤى الإضافية التي يمكن أن توفرها البيانات؟” أو “ما العيوب في ذلك برأيك؟”. ثم أظهر مرونتك المعرفية. فكّر وتحدَّ نفسك علناً. عندما يراك الآخرون فضولياً ولست متزمتاً، سيكونون أكثر ميلاً للانضمام إلى ما تحاول استكشافه.

10. استخدم البيانات.

للبيانات القدرة على نزع الطابع الشخصي عن تحدي الوضع الراهن وتخفيف المخاطر المرتبطة به. إذا كانت لديك بيانات كمية مقنعة تدعم حجتك، فاستخدمها، وإلا يجب عليك التفكير في أنواع أخرى من البيانات. هل لديك بيانات نوعية هادفة يمكن أن تدعم حجتك؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، فالجأ إلى بيانات قصصية أقل موثوقية. إذا لم تكن هذه البيانات متاحة أيضاً، فستتبقى لديك البيانات الانطباعية، أو ما ندعوه “الحدس”.

جميع فئات البيانات مقبولة، ولكنها قد لا تكون مقنعة بما يكفي لجذب انتباه أصحاب المصلحة. استخدم أفضل البيانات التي يمكنك الوصول إليها. إذا كنت تفتقر إلى الأدلة وتعتمد على الحدس، فاطلب فرصة للتحقق من صحة افتراضاتك، من خلال تجربة أو اختبار أو برنامج تجريبي. سيقلل ذلك من التهديد المتصور لتحدي الوضع الراهن، وكذلك المخاطر والعواقب المرتبطة بتجربة شيء جديد.

تحدي الوضع الراهن هو الآلية التي تدفع الابتكار والتحسين في المؤسسات، لكنه أيضاً سلوك يثير الخوف والقلق. مع ذلك، لا يكفي مطلقاً أن تستجمع شجاعتك لتحدي الوضع الراهن. الشجاعة مطلوبة بالطبع، ولكنك تحتاج إلى المهارات أيضاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .