يعرف جميع القادة كيفية التعامل مع الموظف المتودد وأن عليهم تجنّب المحاباة، لأنها قد تؤدي إلى شيوع السخط والشقاق بين أفراد الفريق الواحد، وحتى أن هناك بعض العيوب المفاجئة للشخص الذي يحظى باهتمام خاص من رئيسه في العمل. ولكن سيظل هناك دائماً وأبداً أعضاء في الفريق يرغبون في الانضمام إلى دائرتك الضيقة، وفي بعض الأحيان تجد أن أحد مرؤوسيك حريص جداً على تملّقك والتودد إليك.
يُعزى هذا النوع من التودد في العادة إلى الخوف، وغالباً ما يكون محاولة مضللة لحماية صورتهم الذاتية ووضعهم الوظيفي. لكن وللأسف، في حين يسيطر عليهم هاجس التودد إليك، وفي خضم محاولاتهم أداء المهمات غير الأساسية التي يأملون أن تقوّي علاقتهم بك، فقد يهملون عملهم الحقيقي ويؤججون الخلافات مع زملائهم.
كيفية التعامل مع الموظف المتودد
إليك 4 طرق يمكنك من خلالها إعادة توجيه تركيز أمثال هؤلاء الموظفين إلى أدائهم.
تجنب تغذية حاجتهم إلى التودد. نظراً لنفوذك وخوفهم، فقد يجب عليك مراقبة سلوكك بعناية أكبر مما تفعل مع غيرهم من مرؤوسيك. وقد لاحظتُ وجود علاقات يقدم فيها الموظفون المتملقون على تقليد رؤسائهم في تناول الطعام، أو مشاهدة البرامج التلفزيونية والأفلام السينمائية، أو ارتداء الملابس، كل ذلك في محاولة منهم لخلق شعور بوجود شيء مشترك فيما بينهم. يمكن أن يتحول هذا النوع من التملق إلى خطر داهم إذا استسلم المدير لانحياز الألفة (أو التشابه) وأولى الموظف المتملق قدراً أكبر من الاهتمام بسبب أوجه الشبه المشتركة ظاهرياً. ولقد استمرأت إحدى عميلاتي هذا النوع من "التملق" من جانب إحدى مرؤوساتها الأدنى رتبة بعدة مستويات، ووجدت صعوبة في التخلص من هذه العادة. استمر الوضع على هذا المنوال حتى توجه إليها العديد من أعضاء فريقها القيادي، ليعبروا عن قلقهم بشأن تأثير تلك الموظفة عليها، ومن ثم أدركت أنها وقعت في فخ تملقها لها وأن عليها إعادة تأسيس علاقة أكثر نزاهة.
أعد هيكلة تفاعلاتك لتحقيق التوازن بين الاهتمام الخاص والموضوعية. إذا كنت تعقد لقاءات فردية مع مرؤوسيك المباشرين أسبوعياً، فتأكد من حصول الجميع على القدر نفسه من الوقت (حتى لو طلب الموظف المتملق مزيداً من الوقت) واحرص على تقديم ملاحظات لطيفة وصارمة في الوقت نفسه للجميع. قد يكون الاعتماد على أدوات محددة لجدولة وإدارة المشاريع ذا أهمية خاصة، إذا كنت تعمل في مكتب يمكن أن يفاجئك فيه الموظفون بخوض مناقشات جانبية تضيع وقتك.
عملت نائب رئيس شركة أخرى ورئيسها التنفيذي على تخطيط هيكل الشركة، وقضى كلاهما معظم ساعات يوم العمل معاً في تبادل الأفكار والتعاون. تعمدت نائب الرئيس تملق الرئيس التنفيذي لكسب امتيازات خاصة وصرف انتباهه عن حقيقة عدم وفائها في بعض الأحيان بالمواعيد النهائية للمشروع أو عدم التزامها بالميزانية المخصصة له. استمرأ الرئيس التنفيذي اهتمام نائب الرئيس به، إلا أن سوء أدائها كبّد الشركة خسائر باهظة في نهاية الأمر. فما كان من الرئيس التنفيذي إلا أن بدأ في تحديد مواعيد وأوقات محددة للاجتماعات بدلاً من قضاء معظم ساعات يوم العمل معها دون هدف واضح، كما بدأ أيضاً في إلزامها بمراحل رئيسية وغيرها من الالتزامات، معرباً عن استيائه عند عجزها عن الوفاء بتلك الالتزامات. مع استمراره في إضفاء الطابع الرسمي على علاقاتهما ووضع حدود بينهما، باتت أكثر توتراً ولم تستطع الوفاء بالتزاماتها، حتى تركت الشركة في النهاية. ونتيجة لذلك، أصبح الرئيس التنفيذي أكثر تفرغاً للموظفين الآخرين الذين كانوا أكثر منها قدرة على تنفيذ المشاريع بشكل أكثر كفاءة.
أرشدهم إلى تطوير قراراتهم بأنفسهم. قد يبالغ الموظفون المتملقون في الخوف من عدم رضاك عنهم أو عن عملهم، حتى إن فكرة تخييب أملك قد تهيمن على الموظفين الأكفاء وذوي الخبرة. يحضرني في هذا السياق قصة إحدى كبار المسؤولين التي كانت متخوفة للغاية من إمكانية فشلها في تحقيق توقعات الرئيس التنفيذي لدرجة أنها كانت تخشى أحياناً المضي قدماً في عرض تصوراتها وتنفيذ مقترحاتها، حتى يئس منها رئيسها التنفيذي ومن بطء خطواتها ولجوئها الدائم إلى معاودة التحقق من كل شيء وأي شيء. كحل مؤقت، عملت مع الرئيس التنفيذي ونصحته أن يكون أكثر وضوحاً حيال متطلبات المشاريع، بينما طلبت من مرؤوسته إعطاء الرئيس التنفيذي مجموعة من الخيارات التي تتضمن افتراضات متباينة. ومن خلال قياس ردود أفعاله تجاه هذه السيناريوهات المختلفة، استطاعت فهم أسلوب تفكيره على نحو أفضل. بمرور الوقت، زادت ثقة مرؤوسته في قدرتها على توليد مقترحات تلقى قبول الرئيس التنفيذي، وأصبحت العلاقة أقل خطورة لكليهما.
كلّفهم بالعمل مع قادة آخرين أو فرق مشاريع أخرى. سيؤدي ذلك إلى تخفيف الضغط عن الديناميكية غير الصحية بينكم وزيادة إمكانية إقبالهم على التعاون مع الآخرين بشكل أفضل. في الواقع، أثبتت الأبحاث أن التزلف إلى الرؤساء يمكن أن يضعف قدرة الموظف على ضبط النفس، ذلك أن المتملقين قد يبذلون الكثير من الطاقة في مراقبتك والتفاعل معك حتى يستنفدوا قدرتهم على التعامل مع الآخرين، لا سيما عندما يتعرضون للإجهاد أو الإحباط. ومن خلال توجيه انتباههم بشكل صريح بعيداً عنك، ستعرف ما إذا كانت لديهم القدرة على التصرف بشكل أفضل مع زملائهم.
أقدم صاحب شركة عملت معها على تعيين أحد أصدقاء الأسرة، والذي اعتبره مصدر السلطة الوحيد. وبناء عليه افترض هذا الصديق أنه إذا تودد إلى المالك، فلن يضطر إلى محاولة إثبات جدارته لأي شخص آخر في الشركة. عندما اتضح للجميع أن ذلك الموظف يتملق رئيسه في العمل ويبدي له آيات الاحترام، لكنه يتعالى على زملائه في الفريق ويرفض التعاون معهم، وافق صاحب الشركة على عمل صديق الأسرة تحت الإشراف المباشر لرئيس الشركة. اشتركت مع الرئيس في وضع خطة عمل لتوضيح مسؤوليات ذلك الموظف وتوقعات الأداء المطلوبة منه. حتى بعد تقليص نطاق عمله، اتضح أن متطلبات التعاون تمثل ضغوطاً هائلة عليه، حتى اضطر في النهاية إلى ترك الشركة من تلقاء نفسه.
من مصلحة الجميع أن يكسب المرؤوسون احترام وتقدير رؤسائهم نتيجة كفاءتهم وحسن أدائهم، بدلاً من سعيهم إلى الحصول على وضع خاص. ومن خلال تبني هذه الأساليب الأربعة، ستنجح في التعامل مع الموظف المتودد وتتاح أمامك فرصة أفضل لوضع مرؤوسك المتودد على طريق أكثر استقلالية يفيدك ويفيد المؤسسة.