تقرير خاص

آفاق قطاع الطاقة العالمي: تقرير العام 2024

12 دقيقة
قطاع الطاقة العالمي
(مصدر الصورة: هارفارد بزنس ريفيو، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: يهدف تقرير "آفاق قطاع الطاقة العالمي" لعام 2024 إلى تزويد صانعي القرار والمستثمرين بمصدر موثوق للمعلومات الدقيقة من أجل دعم التزامهم بخفض الانبعاثات الكربونية. ويتضمن التقرير توقعات معمّقة للطلب في 68 قطاعاً وتفاصيل حول 78 نوعاً من الوقود بما يتوافق مع مسار خفض الانبعاثات إلى 1.5 درجة مئوية وفقاً لما نصّت عليه اتفاقية باريس، إلى جانب ثلاثة سيناريوهات محدثة لمسارات الانتقال في قطاع الطاقة. أُعيدت هيكلة هذه السيناريوهات هذا العام لزيادة دقتها في رصد التغيرات العالمية، مثل التوترات الجيوسياسية وتعقيدات سلاسل التوريد واستمرار التضخم. السؤال الجوهري الذي يتناوله التقرير هو: كيف يمكن للعالم تحقيق تحوّل جوهري يحفز تحقيق هدف صافي الانبعاثات الصفري مع تجنّب الآثار السلبية الحادة للتغير المناخي؟

يشهد التحول العالمي في مجال الطاقة مرحلة جديدة من التطور تتميز بالتعقيد والأهمية. ويُقدم "تقرير آفاق قطاع الطاقة العالمي" لعام 2024 تحليلاً دقيقاً يستند إلى بيانات شاملة لمسارات الطاقة المستقبلية المحتملة.

على الرغم من التقدم الملحوظ منذ توقيع اتفاقية باريس التاريخية قبل تسع سنوات، أصبحت التحديات التي تعترض هذا التحول أكثر كلفةً وتعقيداً مع بروز عقبات تكنولوجية متزايدة. ولضمان الاستمرارية في تحقيق أهداف اتفاقية باريس لا بد من اتخاذ خطوات حاسمة وتكثيف جهود التغيير، ويتطلب هذا التحول توازناً دقيقاً بين تبني تقنيات الطاقة النظيفة وضبط كلفة التحول وتعزيز مرونة النظم وضمان أمن الطاقة، خصوصاً في ظل التغيرات الاقتصادية العالمية المتسارعة.

يستلزم النجاح في تجاوز مرحلة الاعتماد على الوقود الأحفوري أكثر من مجرد حل واحد أو تقنية جديدة؛ فالمستقبل يتطلب إعادة هيكلة جذرية لنظام الطاقة العالمي من خلال مزيج من الاستراتيجيات التقليدية والمبتكرة، ولن يكون هذا التحول ممكناً إلا بمواجهة تحديات معقدة تتعدى الجدوى التكنولوجية المجردة لتشمل تخصيص الاستثمارات بفعالية وتعزيز نماذج الأعمال وضمان تحقيق عوائد اقتصادية وتطوير أطر تنظيمية داعمة، فضلاً عن الحفاظ على الدعم السياسي والجماهيري المستمر وسط ضغوط الأولويات الاقتصادية والاجتماعية المتباينة.

تشير التحليلات المعتمدة على البيانات إلى أنه حتى في حال التزام جميع الدول بتعهداتها الحالية، ستظل الانبعاثات العالمية أعلى من المستويات المطلوبة لتحقيق مسار خفض الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2050.

يُعزى هذا التحدي أساساً إلى ارتفاع الطلب على الطاقة والاعتماد المستمر على الوقود الأحفوري، ما قد يؤدي إلى زيادة الانبعاثات خلال الفترة من 2025 حتى 2035. وعلى الرغم من الجهود المبذولة حالياً، فمن المتوقع أن تشهد انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الناتجة عن الاحتراق والعمليات الصناعية ارتفاعاً حتى عام 2025 في جميع السيناريوهات التي خضعت للتحليل. وبعد هذا التاريخ، تبدأ مسارات الانبعاثات في التباين لكنها تظل أعلى من أهداف الحياد الكربوني بحلول عام 2050.

وسوف يعتمد الانخفاض المتوقع في الانبعاثات بصورة رئيسية على الديناميات الاقتصادية، لا سيما مع زيادة التنافسية الاقتصادية للتكنولوجيات منخفضة الكربون في قطاعات مثل توليد الكهرباء والنقل البري. فعلى سبيل المثال، من المتوقع أن تحقق أوروبا أهدافها لعام 2030 من خلال التوسع في الاعتماد على الطاقة الشمسية الكهروضوئية، بينما تواصل الصين إحراز تقدم كبير في تطوير الطاقة الشمسية واعتماد المركبات الكهربائية. بالتوازي، سيكون للسياسات الحكومية والأطر التنظيمية دور محوري في تسريع تبني التكنولوجيات المنخفضة الكربون، ما يسهم في انخفاض الانبعاثات عموماً.

وفي جميع السيناريوهات التفصيلية، من المتوقع أن يؤدي استمرار الانبعاثات إلى زيادة درجات الحرارة العالمية لتتجاوز 1.5 درجة مئوية بحلول منتصف القرن. تتراوح الزيادة المحتملة في درجات الحرارة من نحو 1.8 درجة مئوية وفقاً لسيناريو التحول المستدام، إلى 2.2 درجة مئوية في سيناريو الزخم المستمر، وقد تصل إلى 2.6 درجة مئوية في سيناريو التطور البطيء.

يشمل هذا التقدير أيضاً الانبعاثات الناتجة عن العمليات الصناعية مثل إنتاج الإسمنت والصناعات الكيميائية والتكرير، بالإضافة إلى الانبعاثات السلبية الناتجة عن تطبيق تقنيات احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه (CCUS). المصدر: تقرير مراجعة الطاقة العالمية 2022 من وكالة الطاقة الدولية؛ موازين الطاقة العالمية من وكالة الطاقة الدولية.

ملاحظة: يمثل تقدير الاحترار مؤشراً على الزيادة المتوقعة في درجات الحرارة العالمية بحلول عام 2100 مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، وذلك بناءً على نموذج MAGICC/7.5.3 المستخدم في تقرير التقييم السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC AR6). يعتمد هذا التقدير على مستويات الانبعاثات في قطاعي الطاقة والقطاعات غير المتعلقة بالطاقة (مثل الزراعة وإزالة الغابات)، مع افتراض استمرار هذه الاتجاهات بعد عام 2050 دون تحقيق انبعاثات سلبية صافية. ويكون تعويض الانبعاثات المتبقية في عام 2050، والمقدرة بـ -4 غيغا طن، من خلال التقنيات السلبية مثل التقاط الكربون المباشر من الهواء وتخزينه (DACCS)، والطاقة الحيوية مع احتجاز الكربون وتخزينه (BECCS)، وإعادة التشجير.

التوقعات العالمية لزيادة الطلب على الطاقة حتى عام 2050

من المتوقع أن يستمر ارتفاع الطلب العالمي على الطاقة حتى عام 2050 بوتيرة أسرع مما كان يُعتقد سابقاً. وتشير البيئة الجيوسياسية المتغيرة، إلى جانب ظهور مصادر جديدة للطلب ومكاسب الكفاءة التي جاءت أقل من المتوقع، إلى أن مسار الطلب قد يشهد تغيرات سريعة وغير متوقعة.

بحلول عام 2050، من المتوقع أن يرتفع الطلب العالمي على الطاقة بنسبة تتراوح بين 11% (في ظل سيناريو الاستمرارية) و18% (في سيناريو التطور البطيء)، وسيقود هذا النمو بصورة رئيسية اقتصادات الدول الناشئة مدفوعاً بزيادة عدد السكان وتنامي الطبقة الوسطى، ما سيؤدي إلى زيادة كبيرة في استهلاك الطاقة. كما سيؤدي نقل عمليات الإنتاج الصناعي من الأسواق المتقدمة إلى الأسواق الناشئة إلى تركيز الطلب في هذه المناطق.

من المتوقع أن تساهم الاقتصادات الناشئة، خصوصاً في دول رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان) والهند والشرق الأوسط، فيما يتراوح بين 66% و95% من إجمالي نمو الطلب العالمي على الطاقة حتى عام 2050، وفقاً للسيناريو المختار. ومن المرجح أن تستحوذ دول الآسيان على الحصة الكبرى من هذا النمو، ما سيجعل المنطقة محوراً رئيسياً لنمو الطلب على الطاقة. وسيعيد هذا التحول تشكيل أنماط التجارة العالمية للطاقة ويزيد من الأهمية الجيوسياسية لهذه المنطقة.

وفي المقابل، نتوقع أن يستقر الطلب في الاقتصادات الناضجة والصين على المدى القريب إلى المتوسط. ومع ذلك، قد تؤثر العوامل الإقليمية في هذه الاتجاهات؛ في الولايات المتحدة قد يؤدي توجه الصناعة نحو الاعتماد على الكهرباء إلى زيادة الطلب، بينما في أوروبا قد يؤدي تباطؤ النشاط الصناعي إلى انخفاض استهلاك الطاقة.

ستكون تلبية هذا الطلب المتزايد تحدياً جوهرياً للتحول العالمي في قطاع الطاقة، ولتلبية الاحتياجات المستقبلية سيكون من الضروري الاعتماد على مزيج من مصادر الطاقة المتجددة، وتوسيع البنية التحتية للوقود الأحفوري، وربما زيادة الاعتماد على الطاقة النووية بعد عام 2050. ومع ذلك، قد تشكّل المشاريع الطويلة الأمد وأسعار الفائدة المرتفعة تحديات من حيث التكلفة والتنفيذ لهذه الخيارات كلها.

- منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في أوروبا
- منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) - منطقة آسيا والمحيط الهادئ

تسارع النمو في استهلاك الكهرباء عالمياً مع ظهور مراكز طلب جديدة

من المتوقع أن يشهد استهلاك الكهرباء العالمي ارتفاعاً ملحوظاً خلال العقود المقبلة، مع ظهور مراكز طلب جديدة. تُشير التقديرات إلى أنه بين عامي 2023 و2050 قد يتضاعف الطلب على الكهرباء أكثر من مرتين في السيناريوهات التي تشهد تحولاً بطيئاً للطاقة، وقد يقترب من ثلاثة أضعاف في السيناريوهات التي تتبنى الانتقال السريع. ثمة تناقض واضح بين هذا النمو السريع والزيادة المتواضعة نسبياً في إجمالي استهلاك الطاقة التي يُقدّر أنها لن تتجاوز 21% خلال نفس الفترة. وبحلول منتصف القرن، يُتوقع أن تصبح الكهرباء المصدر الرئيسي للطاقة في جميع السيناريوهات مدفوعة بالتحول في القطاعات التقليدية (مثل تحويل المباني لاستخدام الطاقة الكهربائية)، وكذلك التوسع في القطاعات الجديدة مثل مراكز البيانات والمركبات الكهربائية  (EVs) والهيدروجين الأخضر.

من بين هذه المحركات الجديدة، يبرز الذكاء الاصطناعي عاملاً رئيسياً لتزايد الطلب على الكهرباء إلى جانب التوسع في مراكز البيانات. سيعتمد الأثر المستقبلي للذكاء الاصطناعي بدرجة كبيرة على مدى انتشاره واستخدامه وآثار التكنولوجيات الناشئة الأخرى. تقدّر الأبحاث أن تكنولوجيات الحوسبة السحابية والعملات المشفرة والذكاء الاصطناعي يمكن أن تزيد من استهلاك مراكز البيانات لتصل إلى ما بين 2,500 و4,500 تيرا واط/ساعة بحلول عام 2050، ما يمثل 5% إلى 9% من إجمالي الطلب العالمي على الكهرباء. ونظراً لاعتماد مراكز البيانات الكبير على الكهرباء واحتياجها المستمر إلى استقرار الإمدادات، فهي ستحتاج إلى مصادر طاقة مكملة مستقرة مثل الغاز الطبيعي، لموازنة التقلبات الناتجة عن اعتماد مصادر الطاقة المتجددة.

في سيناريو الزخم المستمر، من المتوقع أن يشهد استهلاك الهيدروجين الأخضر العالمي نمواً هائلاً ليصل إلى 179 مليون طن سنوياً بحلول عام 2050، مقارنة بأقل من مليون طن سنوياً حالياً و5 ملايين طن سنوياً بحلول عام 2030. سيتطلب هذا النمو السنوي المرتفع بنسبة 20% في استهلاك الكهرباء لقطاع الهيدروجين استثمارات ضخمة في توليد الكهرباء من مصادر نظيفة.

وبالمثل، نتوقع أن يرتفع استهلاك الكهرباء في قطاع النقل بمعدل نمو سنوي يبلغ نحو 10% في سيناريو استمرار الزخم مدفوعاً بالانتشار المتسارع للمركبات الكهربائية؛ فمن المتوقع أن تهيمن السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات على سوق سيارات الركاب العالمية بحلول عام 2050، لتشكل غالبية المبيعات مقارنة بنحو 13% فقط في الوقت الحاضر.

هيمنة الطاقة المتجددة على مزيج الطاقة العالمي

من المرجح أن تصبح مصادر الطاقة المتجددة العمود الفقري لمزيج الطاقة العالمي بحلول 2050؛ إذ من المتوقع أن تُسهم مصادر الطاقة المنخفضة الكربون بنسبة تتراوح بين 65% و80% من إجمالي توليد الكهرباء العالمي، مقارنة بـ 32% فقط اليوم، اعتماداً على السيناريو المتبع. سيسهم هذا النمو الكبير إلى جانب السياسات الداعمة والحوافز المالية في انخفاض تكاليف الطاقة المتجددة.

سيختلف مسار النمو بين التكنولوجيات، حيث سنشهد تطوراً كبيراً في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وأنظمة تخزين الطاقة التي أثبتت تكاليفها التنافسية بالفعل. أما التكنولوجيات ذات التكلفة العالية، مثل الهيدروجين والوقود المستدام واحتجاز الكربون وتخزينه، فقد يكون تبنيها أبطأ نتيجة لضعف الطلب وعدم كفاية الدعم الحكومي. وتبدو الطاقة الشمسية خصوصاً من القطاعات الواعدة، في حين خُفّضت توقعات الهيدروجين بنسبة تتراوح بين 10% و25% مقارنة بالتقديرات السابقة نتيجة لزيادة التكاليف المتوقعة.

ستتطلب تلبية الطلب المستقبلي على الطاقة مع ضمان استقرار الأنظمة التي تعتمد بشكل كبير على الطاقة المتجددة من الجهات المعنية اتباع استراتيجيات شاملة، وتتمتع الاقتصادات الناشئة بميزة فريدة تمكنها من تشييد بنية تحتية تعتمد على الطاقة المتجددة من البداية، ما يسمح لها بتجاوز بعض العقبات التي تواجه تحديث الأنظمة القائمة في الدول المتقدمة. لتحقيق هذه الإمكانية، سيكون من الضروري اتباع نهج استراتيجي متكامل مدعوماً ببيئة سياسية داعمة لإنشاء نظام طاقة مرن ومستدام يلبي احتياجات النمو الاقتصادي السريع.

(1) لا تشمل هذه البيانات توليد الطاقة من التخزين (مثل الطاقة الكهرومائية المضخمة والبطاريات والأنظمة ذات المدى الطويل). (SE) = التطور البطيء؛ (CM) = استمرار الزخم؛ (ST) = التحول المستدام. تشمل الفئات الأخرى الطاقة الحيوية (مع احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه ومن دونها[CCUS])، والطاقة الحرارية الأرضية والنفط. تشمل هذه الفئات أيضاً الغاز والفحم مع احتجاز الكربون واستخدامه والطاقة النووية والهيدروجين. كما تشمل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية والكتلة الحيوية، والطاقة الحيوية مع احتجاز الكربون وتخزينه (BECCS)، والطاقة الحرارية الأرضية والتوربينات الغازية التي تعمل بالهيدروجين.

التغلب على التحديات في بناء أنظمة الطاقة المتجددة

على الرغم من الزيادة المستمرة في الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة وتراجع تكاليفها، لا تزال هناك تحديات عديدة ينبغي معالجتها لضمان تسارع التحول العالمي نحو الطاقة المستدامة. وعلى الرغم من أن الطاقة المتجددة باتت جدواها الاقتصادية أكبر وازدادت حصتها في مزيج الطاقة، فعض حالات الأعمال الخاصة بمشاريع الطاقة المتجددة ما زالت غير مستقرة من الناحية المالية.

أحد التحديات الرئيسية التي تواجه أنظمة الطاقة ذات الاعتماد الكبير على الطاقة المتجددة هو تحديد أسعار الكهرباء؛ إذ يمكن أن يؤدي انخفاض التكاليف الحدية لمصادر الطاقة المتجددة إلى تراجع أسعار الكهرباء إلى مستويات قريبة من الصفر، أو حتى إلى أسعار سلبية، خلال فترات الإنتاج العالية، ما يهدد العائدات المتوقعة للمشاريع الجديدة. في العديد من السيناريوهات، ومنها التي تتبع مسارات منخفضة التكلفة لإزالة الكربون، تُظهر تحليلاتنا أن المشاريع الجديدة قد تواجه صعوبة في تحقيق عوائد إيجابية دون دعم حكومي وتنظيمي.

يتمثل التحدي الآخر في ضمان استقرار نظام طاقة يعتمد على مصادر الطاقة المتجددة. فالقدرة الثابتة، التي يمكن توفيرها من خلال تكنولوجيات مثل الغاز الطبيعي أو أنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات، ضرورية لإدارة تقلبات العرض وضمان موثوقية الشبكة. ومع ذلك، فتحقيق التوازن المالي لهذه القدرات ليس مضموناً دائماً. من دون سياسات مناسبة وآليات دعم سوقية قد تصبح الاستثمارات في هذه القدرات غير مجدية اقتصادياً، ما قد يبطئ وتيرة التحول. وعلى الرغم من أن النظام القائم على الطاقة المتجددة يمكن أن يكون أقل تكلفة من النظام المعتمد على الوقود الأحفوري، فالحاجة إلى تحقيق الثبات والاستثمار الكبير في البنية التحتية يمكن أن تؤدي إلى رفع التكاليف النهائية للطاقة على المستهلكين.

لذا، سيتطلب الأمر تدخلاً تنظيمياً وسياسات داعمة من أجل ضمان الجدوى المالية لبناء قدرات ثابتة منخفضة الكربون، مع توفير طاقة بأسعار معقولة للمستخدمين النهائيين. يمكن لتكنولوجيات تخزين الطاقة بالبطاريات وتخزين الطاقة الطويل الأمد أن تؤدي دوراً أساسياً في تلبية الطلب خارج أوقات ذروة الإنتاج وتحقيق التوازن في نظام يعتمد أساساً على الطاقة المتجددة.

(1) تعني حالة واحدة ساعة واحدة تكون فيها الأسعار سلبية. (2) تشمل البيانات الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى النرويج وسويسرا. المصدر: وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في تنظيم الطاقة (ACER).

توقعات بانخفاض الطلب على الوقود الأحفوري، لكنه سيبقى عنصراً أساسياً في مزيج الطاقة العالمي ضمن السيناريوهات المحتملة كافة

على الرغم من التوسع المستمر في اعتماد مصادر الطاقة المتجددة، ما يزال التحول إلى الطاقة النظيفة بطيئاً في بعض القطاعات الرئيسية. فبعض التكنولوجيات اللازمة لدعم التحول في قطاع الطاقة لم تصل بعد إلى مرحلة النضج أو لم تصبح قادرة على التوسع، ما يجعل الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة وحدها غير كافٍ لتلبية الطلب المتزايد عالمياً، لا سيما في ظل القيود التي تعترض توسيع  البنية التحتية للطاقة النظيفة.

نتيجة لذلك، يُتوقع أن يحتفظ الوقود الأحفوري بدوره، وإن كان محدوداً، في تلبية الطلب العالمي على الطاقة حتى عام 2050، إذ قد يشكل ما بين 40% و60% من إجمالي الاستهلاك، مقارنةً بـ 78% في عام 2023. كما يُتوقع أن يستمر تدفق الاستثمارات إلى مشاريع الوقود الأحفوري على مدى عقد على الأقل لضمان قدرة النظام على تلبية الطلب المتزايد.

بدلاً من أن يصل الطلب على الوقود الأحفوري إلى ذروته بسرعة، يُتوقع أن يشهد في عام 2030 فترة استقرار مطولة، أو "هضبة"، تختلف مدتها حسب السيناريو المتبع. وسوف يتطلب تقليل مدة هذه الهضبة تبني استراتيجيات متعددة، منها تسريع التحول إلى الكهرباء (خاصة من خلال توسيع استخدام المركبات الكهربائية ونشر مضخات الحرارة الصناعية)، وزيادة اعتماد الوقود الحيوي والوقود الصناعي في القطاعات التي يصعب تقليل انبعاثاتها، بالإضافة إلى تسريع توسيع الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة.

تُظهر تحليلاتنا أن مشهد الطاقة العالمي ليس مجرد منافسة صفرية، بل على العكس، من المتوقع أن يستمر التعايش بين الوقود الأحفوري والطاقة المتجددة في المستقبل القريب. سيظل الوقود الأحفوري ضرورياً لتلبية الفجوات الناتجة عن التأخر في اعتماد مصادر الطاقة المتجددة ولضمان قدرة النظام على تحقيق الثبات المطلوب، ما يضمن موثوقية نظام الطاقة الذي يعتمد أساساً على مصادر الطاقة المتجددة واستدامته.

التوسع الكبير في البنية التحتية لشبكات الكهرباء عنصر حاسم لدعم التحول العالمي نحو نظام طاقة أكثر اعتماداً على الكهرباء

مع تسارع هذا التحول، سيكون من الضروري التغلب على العديد من العقبات الحرجة للحفاظ على هذا التقدم، فالنظام الحالي للطاقة يعاني من الهشاشة ويفتقر إلى القدرات الاحتياطية ويتميز بتعقيد كبير، ما يجعله عرضة لانقطاعات متكررة ما لم تُعالج هذه التحديات بفعالية. وبينما يمضي التحول قدماً، سيواجه صانعو السياسات وقادة القطاع تحديات معقدة تتعلق بالتوازن بين القدرة على تحمل التكاليف وضمان الموثوقية والتنافسية الصناعية وأمن الطاقة. وتؤثر العوائق الأساسية في  توليد الكهرباء بصورة رئيسية، إلا أن مصادر الطاقة المنخفضة الكربون الأخرى -مثل الوقود المستدام والتكنولوجيات الرئيسية، مثل السيارات الكهربائية وأنظمة البطاريات- تواجه تحديات خاصة بها.

مع تزايد الاعتماد على الكهرباء، من الضروري أن تتطور شبكات النقل والتوزيع لدعم الحصة المتنامية من الطاقة المتجددة واستيعاب التدفقات الثنائية الاتجاه، حيث يمكن إنتاج الطاقة واستهلاكها من نقاط متعددة، وسيتطلب ذلك بنية تحتية جديدة ومتقدمة قادرة على ربط مرافق الطاقة المتجددة المختلفة وضمان استقرار النظام. ولكن من دون التوسع الكافي، قد يؤدي الازدحام في الشبكة إلى إبطاء نشر مشاريع الطاقة المتجددة الجديدة، ما يعيق التحول الكامل نحو الطاقة المستدامة.

ولتحقيق هذا التوسع، يجب أن ترتفع استثمارات النقل والتوزيع بنحو ثلاثة أضعاف بحلول عام 2050 لتعويض نقص الاستثمارات السابقة ودعم الدمج المتزايد لمصادر الطاقة المتجددة المتقطعة. لكن هذا سيؤدي أيضاً إلى زيادة حصة تكاليف الشبكة في إجمالي تكلفة الكهرباء الموزعة للمستهلكين النهائيين. ومع زيادة هذه التكاليف ستبرز تحديات إضافية، مثل الازدحام ونقص العمالة، ما قد يؤثر على سرعة تطوير الشبكة وكفاءته. ويمكن أن تؤدي استراتيجيات إدارة الطلب دوراً محورياً في الحد من هذه الزيادات في التكاليف من خلال تسوية فترات الأحمال القصوى وتخفيف الضغط على الشبكة. ومع ذلك، قد تسهم إزالة الكربون من الشبكة ودمج نسبة أعلى من مصادر الطاقة المتجددة في خفض متوسط تكلفة توليد الكهرباء، وفي بعض الحالات قد يُعوّض ذلك عن التكاليف المتزايدة لشبكة الكهرباء ما يساهم في خفض التكلفة الإجمالية لنظام الطاقة.

(1) لا تشمل هذه البيانات هامش التجزئة، وضريبة القيمة المضافة، وضرائب الكربون، واسترداد الدعم. *تشمل تكاليف النقل والتوزيع الخطوط، والمحولات، ونفقات التشغيل (OPEX) للخطوط القائمة والجديدة المطلوبة لزيادة القدرة

تباطؤ تقنيات كفاءة الطاقة يهدد الطلب على الكهرباء في أوروبا

على الرغم من التوقعات بنمو الطلب على الكهرباء في أوروبا، فتحقيق هذا النمو لا يزال غير مؤكد بسبب عدة عوامل تساهم في خلق حالة من عدم اليقين، منها تباطؤ عمليات تركيب مضخات الحرارة، والمبيعات الأقل من المتوقع للمركبات الكهربائية، ونقص الاستثمارات في كهربة الصناعات، فضلاً عن التأخيرات في تطوير مشاريع الطاقة. إلى جانب ذلك، قد يؤدي الانخفاض المتوقع في الإنتاج الصناعي بالقطاعات الرئيسية، مثل الحديد والصلب والورق واللب والكيماويات، إلى تعقيد هذه التوقعات. هذا الغموض قد يؤدي إلى تراجع اهتمام المستثمرين في مشاريع الطاقة النظيفة المتطورة، ما قد يبطئ وتيرة التحول في قطاع الطاقة في المنطقة.

يواجه كل من قطاعات الطاقة المتجددة والوقود الأحفوري مشكلة حادة في توافر القوى العاملة الماهرة، ويُعزى ذلك إلى صعوبة جذب أصحاب المواهب الشباب الذين يفضلون العمل في قطاعات أخرى غيرتقليدية في حين يقترب عدد كبير من العاملين ذوي الخبرة من سن التقاعد. في الوقت ذاته، يعيد التحول إلى اقتصاد خالٍ من الكربون صياغة الطلب على المواد الخام وعمليات التعدين، إذ تتطلب التقنيات المنخفضة الكربون أنواعاً مختلفة من المواد تكون غالباً أكثر كثافة في استهلاك الموارد مقارنة بالتقنيات التقليدية للطاقة.

القاسم المشترك في العديد من العوائق التي تعترض التحول في قطاع الطاقة هو عدم توافر دراسات جدوى اقتصادية قوية تدعم نماذج الأعمال، وأحد الأسباب الرئيسية لذلك هو ارتفاع التكاليف وضبابية الجدوى المالية لهذه المشاريع. لذلك سيكون ضمان وجود حالات أعمال قابلة للتطبيق لتبني التكنولوجيات الجديدة أو بناء البنية التحتية حاسماً في تجاوز هذه التحديات. ولتحقيق ذلك، لا بد من وضع أطر سياسة مالية قوية، إلى جانب تقديم حوافز تساهم في تعزيز مشاركة أصحاب المصلحة في تبني هذه الحلول، وسيكون من الضروري أن تكون التنظيمات مرنة ومتكيفة بما يتماشى مع التطورات السريعة في مشهد التحول.

(1) "تنبؤ الحالة الأساسية من سيناريو الزخم الحالي لعام 2024 من ماكنزي؛ تم تقدير الطلب شكل للخطر مع مراعاة حساسية معدلات اعتماد التكنولوجيا وانخفاض الإنتاج الصناعي."

في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، تتأخر مشاريع تنفيذ التكنولوجيات الرئيسية المنخفضة الكربون عن تحقيق الأهداف المحددة لعام 2030

يؤدي غياب الالتزام الجاد ببرامج المشاريع إلى ازدياد غموض اقتصاديات هذه المشاريع وعوائدها الطويلة الأمد، ويتفاقم هذا الوضع نتيجة لعدم وجود سابقة تاريخية بحجم تحول الطاقة العالمي الجاري حالياً، ما يزيد من تعقيد المشهد.

وعلى الرغم من الاستثمارات الكبيرة المعلن عنها والدعم السياسي الجاد عموماً، فغياب الالتزام الجدي يُشكل تهديداً لنسبة كبيرة من مشاريع الطاقة المتجددة، وحتى مع استمرار انخفاض تكاليف الطاقة المستوية تواجه مشاريع الطاقة النظيفة تحديات كبيرة تشمل تصميم السوق والقيود المرتبطة بالبنية التحتية، ما يعوق عملية تنفيذها بكفاءة.

وفي مجال إنتاج السلع النظيفة، الذي شهد العديد من الإعلانات الطموحة المدفوعة بسياسات مثل قانون خفض التضخم الأميركي، لا تزال وتيرة قرارات الاستثمار النهائية غير كافية لتحقيق أهداف الحياد الكربوني. ويرجع ذلك أساساً إلى المخاوف المتعلقة بتوافر المواد الخام وصعوبة الحصول على تسعير تنافسي. وفي الوقت الراهن، لم يصل سوى أقل من نصف مشاريع الطاقة المنخفضة الكربون المقررة لعام 2030 إلى مرحلة اتخاذ قرار الاستثمار النهائي.

(1) تشمل البيانات دول الاتحاد الأوروبي (EU27) بالإضافة إلى النرويج وسويسرا والمملكة المتحدة. (2) يُعد نشر التكنولوجيا مقياساً لفهم الفجوة بين النشر الفعلي والاحتياجات المطلوبة. "قرار الاستثمار النهائي (FID) باستثناء المركبات الكهربائية ومضخات الحرارة (تعتمد المبيعات المتوقعة على متوسط المبيعات خلال السنوات الأخيرة). "الهدف المحدد لعام 2030 لكل من EU27+3 والولايات المتحدة؛ لا أهداف محددة للطاقة الشمسية والوقود المستدام ومضخات الحرارة، بالاستناد إلى سيناريو التحول المستدام من ماكنزي. *تشير إلى تقنيات التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه. "بالغيغا وات. الأطنان المترية سنوياً. المصدر: الجمعية الأوروبية لمضخات الحرارة (EHPA)؛ إدارة معلومات الطاقة (EIA)؛ يوروستات؛ الوكالة الدولية للطاقة؛ Rystad؛ Wind 4C؛ حلول ماكنزي للطاقة؛ رؤى ماكنزي للهيدروجين".

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي