لماذا عليك أن تتخلى عن وهم الوظيفة المثالية؟

3 دقيقة
وهم الوظيفة المثالية

ملخص: يفكر الكثير من الموظفين بعقلية "إما كل شيء وإلا لا شيء"، أي أنهم يسعون للحصول على وظيفة مثالية من جميع النواحي مثل بيئة العمل الجاذبة والتعويضات المالية السخيّة والمسمى الوظيفي الرنان، وإلا لن يغامروا بوظيفة أدنى من ذلك، ظناً منهم أن سعادتهم تكمن في العثور عليها، لكن المؤلف الخبير في المسارات الوظيفية يؤكد أنه هذا التفكير بعيد كل البعد عن الواقع، بل إن الطريقة الصحيحة في النظر إلى الوظيفة هي أنها يكفي أن تكون "مُلهمة" وليست "مثالية". يُقدم الكاتب مجموعة من المؤشرات التي تدل على أن وظيفة ما كافية لتُحقق فيها سعادتك: 1. حدّد بدقة ما الذي يُمكن أن تتنازل عليه في الوظيفة المستهدفة، 2. لا تكتف بالوصف الرسمي وحاول اكتشاف المواصفات الحقيقية للوظيفة من الداخل، 3. تعلّم التوفيق بين واقع الوظيفة والسعي الحثيث لإيجاد مكان أفضل. 

يبدو أن مجالات عمل معينة تحظى بجاذبية عالية؛ لذلك يحلم الكثير من الأشخاص بترك وظائفهم للالتحاق بها ظناً منهم أنها ستمنحهم معنى عميقاً، مثل التدريس أو العمل غير الربحي، أو ستتيح لهم استقلالية واضحة، مثل ريادة الأعمال. وينجذب البعض إلى المهن التي تمنح أصحابها مكانة مرموقة وأجوراً مرتفعة، مثل المحاماة والاستشارات، في حين يرغب آخرون في العمل بمجال البث الإذاعي أو النشر مثلاً، بسبب بريقه وجاذبيته العاليتين. المفارقة أن عدد الأشخاص الذين يتوقون إلى ترك هذه المجالات لا يقل بحال من الأحوال عن عدد مَن يكافحون للعمل بها. ومن السهل أن تعثر على أشخاص يبغضون العمل الذي يؤدونه في أي قطاع، لا في هذه القطاعات فحسب.

لماذا تغيب هذه الأمور عن أشخاص أذكياء؟

يتخيل الكثيرون أن التمسُّك بحلم العثور على وظيفة يحبونها هو العصا السحرية التي ستحل مشاكلهم كلها دفعة واحدة، مثل مشكلة التعامل مع المدراء والحصول على دخل كافٍ وحرية اتخاذ القرارات. وربما الأهم من ذلك كله ظنهم بأنهم سيحققون أغلى هدفين: الغاية والمتعة. يبدو أن الوظائف المثالية تلبي الاحتياجات المتجذّرة في النفس البشرية التوّاقة إلى التنوع والاستمتاع بالمهام، إلى جانب تلبية الحاجة إلى الشعور بالغاية. وإذا طلبت من الآخرين وصف وظيفتهم المثالية، فستجدهم يختارون مزيجاً مميزاً، لكنه ليس غريباً؛ إذ يريد الكثيرون مديراً يوجّههم بالإرشاد لا بالضغط، ولا يتبع نهج الإدارة التفصيلية، ويريد الكثيرون ثقافة مؤسسية تلتزم بتطبيق شعاراتها على أرض الواقع. حينما يتحدث الناس عن العمل المثالي، فإنهم يُعبِّرون غالباً أيضاً عن توقهم إلى العمل في وظيفة ذات قيمة: "أريد إيقاع أثر حقيقي" أو "أريد أن أقدم عملاً يعود بالنفع على المجتمع".

ما هو العيب إذاً في السعي للعثور على وظيفة تراها مُرضية وهادفة في الوقت نفسه؟ ثمة عيب واحد فقط، وهو أنك لن تعثر عليها في الغالب.

الكمال هدفٌ بعيد المنال في عالم الاختيارات المهنية. وقد علمتنا الحياة ألا ننشد الكمال عند اختيار الأماكن التي نقضي فيها عطلاتنا أو المنازل التي نسكن بها أو شركاء الحياة الذين نعيش معهم تحت سقف واحد، فلماذا هذا الهوس بفكرة العثور على وظيفة تحقق أحلامنا المهنية كلها؟

عندما يفكر المرء في الحصول على وظيفة مثالية، يقع في مزلق "إما كل شيء وإما لا شيء"، يبدو الأمر وكأنه يتحدى العالم بأسره، قائلاً: "إما أن أحصل الآن على كل شيء، وإما أن تتركني وشأني"، ما يعكس بالطبع مدى سلبية الفكرة برمتها؛ لأنك قد تتحدث عن "العثور" على الوظيفة المثالية، لكنك تأمل بينك وبين نفسك أن تعثر هي عليك، وهكذا يكمن السر الدفين والمخزي لفكرة "إما كل شيء وإما لا شيء" التي نتذرّع بها للوقوف مكتوفي الأيدي وعدم فعل أي شيء على الإطلاق؛ فتبدو حينها وكأنك تقول: "إذا حدث شيء رائع، فربما يسترعي انتباهي، لكن بخلاف ذلك سأقنع بحالة اللامبالاة".

تعني ممارسة لعبة المثالي في مقابل الواقعي أن فكرة المستقبل البديل قد تطرأ على ذهنك، لكن دون اتخاذ أي خطوة جادة نحو التغيير الفعلي، وتبدأ الخطوة الأولى دائماً بالتحدث إلى الآخرين حول طبيعة عملهم.

قد يكون إصرار المرء على الالتحاق بعمل يلبي رغباته كلها من قبيل الأحلام غير الواقعية، لكننا نحتاج إلى مفهوم العمل المثالي، أو على الأقل فكرة الطابع الإثاري لبعض الأعمال. نحن بحاجة إلى هذا الشعور بالإثارة؛ لأنه هو ما يمنحنا الطاقة اللازمة لرفع سماعة الهاتف للتواصل مع الآخرين واستكشاف الفرص المتاحة ومواصلة البحث عن فرص جديدة. ونحن بحاجة إلى باحثين عن فرص جديدة مفعمين بالحماس، لكننا نحتاج أيضاً إلى مُبرمي صفقات واقعيين يبحثون عن المواءمة بين رغباتهم ورغبات الشركة أو المؤسسة التي يعملون بها، ما يعني البحث بالجدية الكافية لمعرفة مقومات النجاح وماهية التنازلات التي يجب تقديمها. وهذا يعني أن تسأل "ما هو الواقع الحقيقي لهذه الوظيفة؟" و"ما هي المهام التي سأتولى تأديتها في معظم الأوقات؟" و"ما هو أسوأ جانب في هذه الوظيفة؟".

إن العثور على عمل يُلهمك، حتى إن كان ذلك قليلاً، يقتضي تعلُّم كيفية التوافق مع واقع الوظيفة، إلى جانب معرفة كيفية مواصلة السعي الحثيث حتى تجد صفقة أفضل، فما العمل إلا صفقة بين ما تريد تحقيقه في هذه الحياة مقابل ما تريده منك المؤسسة (أو العميل).

لا تقبل بالكلام المُرسَل، بل حاول اكتشاف المواصفات الحقيقية للوظيفة من الداخل، ولا تنخدع بسمعة الشركة أو المؤسسة التي تريد العمل بها أو الصورة المرسومة عنها في وسائل الإعلام، بل ابحث بجدية وحاول الحصول على عروض واطرح الأسئلة الصحيحة. وإذا وجدت أن هذه الوظيفة ستعرّض سيرتك الذاتية للخطر، فعليك أن تستقصي الأمر تماماً مثل مستثمر يجري الفحص النافي للجهالة قبل إبرام صفقة.

إن الهوس بالكمال يعني الأمل والانتظار دون بذل جهد حقيقي، لكنك قادر على إحداث تغيير شامل في حياتك المهنية بالسعي الحثيث للحصول على وظيفة تلبي احتياجاتك بالقدر الكافي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .