شكّل الرئيس الجديد بعد فترة قصيرة من توليه منصبه لجنة وطنية لدراسة أثر الأتمتة. وأعلن أن العائلات يجب ألا تدفع ثمناً غير عادل مقابل التقدم، ولكن يجب ألا يُنظر إلى الأتمتة على أنها عدو. "لن تكون الأتمتة مدمرة للوظائف أو تؤدي إلى وجود عائلة مشردة إذا فهمناها، وإذا خططنا لها، وإذا طبقناها على نحو جيد. لكنها يمكن أن تزيل الجمود من أعمال البشر، وتقدم لهم أشياء لم يتمكنوا من فعلها سابقاً"، فماذا عن استثمار وقت الرؤساء التنفيذيين بطريقة صحيحة؟
كان الرئيس الذي نطق بهذه الكلمات هو ليندون جونسون، وكان ذلك في عام 1964.
وبعد نصف قرن من الزمان، كانت التكنولوجيا قد تقدمت بسرعة مذهلة. ولم يكن سوى مؤلفي قصص الخيال العلمي في تلك الأيام يستطيعون تخيل شحن شركة "أمازون" منتجاتها عبر الطائرات المسيرة بدون طيار، أو وجود أعداد كبيرة من الروبوتات تعمل في مجال التصنيع، أو استخدام الخوارزميات الآن في الكشف عن مرض السرطان. لكن القلق لا يزال يساورنا حول الأتمتة حتى الآن. وما زال النقاش حول أثر التكنولوجيا على الاقتصاد وخصوصاً على مستقبل العمل قائماً إلى يومنا هذا.
استثمار وقت الرؤساء التنفيذيين
من المفيد ملاحظة كيف يستمر الاقتصاد في الازدهار ويستمر الناس في العمل منذ ستينيات القرن العشرين، حتى عندما أُعيد تشكيل مكان العمل بواسطة التكنولوجيا، حيث حلّت وظائف جديدة لم يكن بالإمكان تصورها في ذلك الحين، مثل مطور تطبيقات أو فني تصوير مغناطيسي، محل وظائف قديمة مثل مشغلي مقاسم تحويل الاتصالات الهاتفية. وقد لاحظنا هذا الشيء منذ بداية الثورة الصناعية قبل قرنين من الزمان، عندما عمل أكثر من 60% من الأميركيين في الأراضي، ويعمل في هذه الأيام أقل من 2% هناك. ومع ذلك فإنه لا يسعنا إلا أن نتساءل: هل يمكن أن يكون هذا الوقت مختلفاً؟
لقد نشرنا مؤخراً بحثاً جديداً حول الآثار المحتملة للأتمتة، بناء على تحليل عميق لأكثر من 2,000 من الأنشطة في مكان العمل في 800 وظيفة. وركّزنا في هذا البحث على الأنشطة لأن جميع الوظائف تضم أنشطة كثيرة، ويمكن أتمتة كل نشاط بها إلى درجة مختلفة. ففي مجال التسويق مثلاً يمكن أتمتة بعض المهام بسهولة، بينما يصعب أتمتة البعض الآخر.
وجدنا أنه يوجد إمكانية لأتمتة أكثر من نصف الأنشطة التي يُدفع للناس لقاء القيام بها في الاقتصاد العالمي من خلال تكييف هذه الأنشطة مع تكنولوجيات حالية. وتشمل أكثر الأنشطة قابلية للأتمتة جمع البيانات ومعالجة البيانات والعمل البدني في بيئات قابلة للتنبؤ مثل المصانع، والتي تشكل 51% من أنشطة العمل (ليس الوظائف) وتغطي رواتب بقيمة 2.7 تريليون دولار في الولايات المتحدة. وتعتبر هذه الأنشطة شائعة في قطاعات مثل التصنيع وخدمات الغذاء والمواصلات والتخزين وبيع التجزئة.
ستتغير المزيد من الوظائف ثم ستتم أتمتتها في فترة قصيرة إلى متوسطة. ويمكن أتمتة نسبة بسيطة فقط من الوظائف بالكامل (حوالي 5%) باستخدام هذه التكنولوجيات الموضحة على مدار العقد القادم، مع أن النسبة من المرجح أن تكون أعلى في تصنيفات الوظائف التي تتطلب مستوى متوسطاً من المهارات. ولكننا وجدنا أن حوالي 30% من الأنشطة في 60% من إجمالي الوظائف يمكن أتمتتها، وذلك سيؤثر على الجميع من اللحامين ومروراً بعمال العناية بالطبيعة وسماسرة الرهن العقاري والرؤساء التنفيذيين. ووفقاً لتقديراتنا يقضي الرؤساء التنفيذيون 25% من وقتهم حالياً على أنشطة يمكن للآلات إنجازها، مثل تحليل التقارير والبيانات لاتخاذ قرارات مستنيرة.
وتعتبر إمكانات الأتمتة أكبر مما كانت عليه في السابق، حيث إن التكنولوجيات بما فيها الروبوتات والذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة تزداد قدرتها ليس على القيام بالأنشطة البدنية فحسب، إنما على تلك التي تتضمن قدرات معرفية أيضاً، من قراءة الشفاه وقيادة السيارات. وبينما تنشر الشركات الأتمتة في عملها، علينا التفكير أكثر حول إعادة نشر العمال بدلاً من البطالة، ويجب تزويد الأشخاص بالمهارات التي سيحتاجونها للانضمام إلى القوى العاملة مستقبلاً، بما فيها القدرة على التفاعل عن قرب مع الآلات في بيئة العمل. وتتطلب المهارات الأخرى قدرات تعتبر إنسانية بحد ذاتها، مثل إدارة الأشخاص وتنميتهم، إلى جانب الاستنتاجات الاجتماعية والعاطفية.
وعلى غرار الرئيس ليندون جونسون في ستينيات القرن الماضي، نحن نرى أن الأتمتة يمكنها أن تسهم كثيراً في الإنتاجية والازدهار. إذ يشير بحثنا إلى أن الأتمتة المستقبلية يمكن أن تزيد نمو الإنتاجية على المستوى العالمي من 0.8% إلى 1.4% سنوياً، وهو ما سيشكل إسهاماً مجدياً في نمو الاقتصاد العالمي ويعوض الرياح الديموغرافية المعاكسة من المسنين. وبالنسبة للشركات حول العالم، ستوفر الأتمتة إمكانية لإيجاد قيمة جوهرية، وليس فقط من استبدال العمال، حيث ستسمح هذه التكنولوجيات بكمية أعلى لنقل بيانات، وتحسين الجودة، ونتائج أفضل، ومستوى سلامة أعلى، وتوفر الفرصة للتوسع أو اعتماد نماذج أعمال جديدة.
وعلى أي حال، فإن وجود إمكانات تكنولوجية لأتمتة نشاط ما في مكان العمل لا يعني أن ذلك سيحدث في وقت ما قريباً، حيث ستعتمد سرعة الأتمتة ونطاقها على مجموعة من العوامل، وتعتبر الجدوى التقنية واحدة فقط هذه العوامل. ولا تزال توجد بعض العوائق التي يجب التغلب عليها، بما فيها قدرة الحواسيب على توليد لغة طبيعية وفهمها. وتضم العوامل الأخرى ديناميكيات الطلب والعرض على اليد العاملة. فإذا لم يكن ثمة نقص مثلاً في الطباخين منخفضي الأجور في سوق العمل، فمن غير المنطقي على صعيد الأعمال استبدالهم بآلة ثمينة.
والفوائد التي تعود على الأعمال التجارية واضحة نسبياً، فهي تصبح أفضل وأذكى وتقدم نتائج خالية من الأخطاء، إلى جانب الابتكار والإنتاجية والنمو. وبالنسبة لواضعي السياسات، تكون المشاكل أكثر تعقيداً، لذا يجب عليهم تقبل الفرصة كي تستفيد اقتصاداتهم من إمكانية نمو الإنتاجية بالأتمتة، ووضع سياسات وحوافز لتشجيع الاستثمار بتقدم وابتكار مستمرين. وفي الوقت ذاته، عليهم وضع سياسات تساعد العمال والمؤسسات على التكيف مع التغيرات في التوظيف. ومن المرجح أن يشمل ذلك إعادة التفكير في التعليم والتدريب، ودعم الدخل وشبكات الأمان، ودعم الانتقال للعمال المفصولين من عملهم. وعلاوة على ما سبق، سيكون التركيز على المهارات المطلوبة للازدهار في هذا العصر الجديد أمراً بالغ الأهمية. فالدرس الذي تعلمناه من التاريخ هو أن استثمار وقت الرؤساء التنفيذيين الابتكار والاستثمار والنمو تخلق طلباً ووظائف قد كانت ذات مرة تبدو وكأنها مجرد خيال علمي.