عند إعادة ترتيب أماكن العمل في أي شركة، يرى العديد من الموظفين أنّ هذه العملية مزعجة ولسان حالهم يقول "تم إخلاء المكاتب وتعبئة الأغراض في الصناديق وتعطيل العمل اليومي، لماذا كل ذلك؟".
ومن ناحية أخرى، تسهب العديد من شركات التصميم في إطراء منافع تلك العملية مشيرة إلى أنه عندما يتمكن الموظفون من الحركة بحرية في المكان ويصادفوا مجموعات مختلفة من زملاء العمل فإن ذلك يساعد على زيادة التواصل والتعاون والإبداع في العمل. ويؤمن بعض المدراء بهذه النظرية أيضاً، ومنهم ستيف جوبز الذي أوصى بوضع الحمامات الرئيسية الكبيرة في ردهة المبنى عندما كان يخطط مباني المقر الجديد لشركة بيكسار، وهو ما يتطلب سير الموظفين لمسافة عند الحاجة لاستخدام الحمامات، وكان الغرض من ذلك أن يتقابل الموظفون بشكل غير مخطط له وهو ما يؤدي إلى تبادل الأفكار وزيادة الابتكار. وتوجد العشرات من الدراسات التي تدعم تلك النظرية، ولكن حتى الآن يصعب إثبات الفوائد المادية لنظرية إعادة ترتيب مكاتب العمل.
ودرس سانكي لي، الأستاذ في جامعة كارنيغي ميلون، تجربة واقعية حدثت في شركة كبيرة للتجارة الإلكترونية في كوريا الجنوبية (طالبت بعدم ذكر اسمها) كانت تنتقل إلى مقر جديد لها. وفي المبنى القديم للشركة تم تكليف 6 فرق عمل من "موظفي تسويق البضائع" للحصول على صفقات لمجموعة متنوعة من المنتجات المختلفة (أجهزة إلكترونية ومنتجات للأطفال وأزياء وخلافه) والترويج لها، وكانت فرق العمل الستة في مكان واحد، وكانت هناك 6 فرق عمل أخرى تعمل في مكان آخر ويفصل المجموعتان عن بعض مدخل مشترك. وعلى الرغم من رغبة الشركة في تواجد كل الفرق سوياً في مكان واحد في المقر الجديد، إلا أنّ قيود المساحات تسببت في عمل تسعة فرق عمل في مساحة واحدة مفتوحة والثلاثة الآخرين في مساحة أخرى ويفصلهم عن بعض مدخل مشترك بينهم. وكانت المساحتان متطابقتين من حيث أعمال الديكور والإضاءة والمعدات والمسافات بين مكاتب العمل وفرق العمل وبعضها البعض، وكذلك المسافة التي تفصلهما عن الإدارة. وكانت المساحات أيضاً تشبه كثيراً المساحات التي كانت في المقر القديم للشركة. ولم يكن للموظفين أي تدخل في اختيار أماكن جلوسهم.
وبالبحث في 38,435 صفقة تم تنفيذها بواسطة 60 موظفاً من موظفي تسويق البضائع خلال 200 يوم - 120 يوماً قبل الانتقال إلى المقر الجديد و80 يوماً بعد الانتقال، وجد سانكي لي أنّ موظفي التسويق الذين كانوا يعملون في المساحة التي استوعبت عدداً أكبر من فرق العمل حصلوا على صفقات من موردين جدد بنسبة 25% في المتوسط أعلى من كافة الصفقات التي حصل عليها جميع موظفي تسويق البضائع قبل الانتقال إلى المقر الجديد. ولم تكن تلك الصفقات ثمرة التعاون بين فرق العمل، إلا أنها كانت مؤشراً على تغير جودة العمل. ووصف "لي" هذا التغير بأنه تحول من "استغلال الأفكار القائمة" (وهو ما يعني تكرار العروض التي كانت تنجح في السابق) إلى "الاستكشاف" (وهو ما يعني التوصل إلى أفكار جديدة). وربما الأهم من ذلك هو ارتفاع إيرادات الصفقات اليومية لكل موظف يجلس مع زميل عمل جديد بنسبة 40% في المتوسط (بمعدل 16,510 دولار أميركي في اليوم) عن متوسط نسبة إيرادات الموظفين قبل الانتقال.
وشكّل الارتفاع في مستوى الإبداع والابتكار، وهو التحول إلى الأفكار الاستكشافية، أهمية من الناحية الإحصائية فقط لموظفي تلك الشركة الذين لديهم خبرة فوق المتوسطة في الحصول على صفقات من الموردين والذين لم تكن لديهم روابط اجتماعية سابقة مع بعض الزملاء على الأقل في مكان عملهم الجديد. وفي هذا الإطار، يقدم لي التوضيح التالي: "بمجرد أن تتعلم بشكل كاف في مجال تخصصك فإنّ التعامل مع أشخاص جدد في هذا المجال سوف يساعدك على أن تصبح أكثر إبداعاً. وعلى وجه الخصوص، يعمل التقارب المادي على تعزيز الثقة وتبادل المعلومات القيمة والجديدة بينك وبين زملائك الجدد. وإذا نجحت في القيام بذلك، ستتمكن من دمج هذه المعرفة الجديدة مع ما تمتلكه من خبرات وتبلور كل ذلك إلى أفكار مبتكرة".
ومن الأمثلة على المنتجات الجديدة التي تمكن موظفو الشركة من الحصول عليها من الموردين وتسويقها: طنجرة كهربائية لطبخ الأرز يمكن تشغيلها في السيارة (مزيج بين منتجات المعيشة والمنتجات الترفيهية)، أغطية أذن بخاصية بلوتوث مدمجة (أزياء مع إلكترونيات)، وكرسي حمام للأطفال يصدر موسيقى (أطفال وإلكترونيات). ويقول سانكي لي أنّ موظفي تسويق البضائع لم يعملوا بشكل مباشر مع زملائهم الجدد للوصول إلى هذه الأفكار بل استوحوا تلك الأفكار من خلال محادثات وحوارات غير رسمية أدت إلى التحول من الإبداع "التدريجي" إلى الإبداع "الجوهري"، وهو ما أدى بدوره إلى زيادة المبيعات.
ومن المثير للاهتمام أنّ التغيير المادي الذي حدث لمكان العمل كان له تأثيراً كبيراً على أداء الموظفين أكثر من التغييرات الأخرى التي أجرتها الشركة (والتي قام لي بدراستها أيضاً) والتي تشمل الحوافز الشخصية وتغييرات في الأجور الثابتة. بالإضافة إلى ذلك، كان التأثير الناجم عن الانتقال إلى مكان جديد سريعاً حيث ارتفعت صفقات الفئات المختلفة للبضائع في غضون شهر واحد، ثم زاد الارتفاع تدريجياً على مدى 80 يوماً بعد الانتقال إلى المقر الجديد.
وتعد دراسة لي واحدة من أوائل الدراسات التي استخدمت نموذجاً يشمل المقارنة بين الوضع قبل التغيير وبعده لاختبار مدى تأثير تغيير أماكن العمل على الابتكار لدى الموظفين وأداء المبيعات. ولكن تعتبر هذه الدراسة جزءاً من سلسلة طويلة من الأبحاث التي توضح التأثير الكبير للمكان الذي يجلس فيه زملاء العمل على طريقة عملهم معاً. على سبيل المثال، قام توماس ألين، أستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي)، في فترة السبعينيات بدراسة التواصل بين المهندسين العاملين في مبنى الأبحاث والتطوير لشركة متعددة الجنسيات.
وتشير النتيجة التي توصل إليها، وهي "منحنى ألين"، إلى وجود انخفاض هائل في معدلات الأحاديث بين الموظفين الذين يجلسون في أماكن متباعدة. فعلى الرغم من أنّ معظم البحوث السابقة تناولت الأعمال، فهذه الظاهرة موجودة في ساحات أخرى أيضاً. وعلى سبيل المثال، أثبتت دراسة أجريت عام 2015 أنّ أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي الذين يجلسون على مقربة بعضهم من بعض هم على الأغلب يدعمون تشريعات بعضهم البعض، بغض النظر عن الانتماءات الحزبية.
ويعتقد لي أنه لو استمر في جمع البيانات داخل الشركة الكورية الجنوبية، لكان ظهر تأثير النضج والتغير: "عندما تجلس بالقرب من شخص جديد، لا يوجد سوى قدر معين من المعرفة يمكنك استيعابه منه"، ثم يضيف: "ويمكن أن يختفي ذلك الأمر مع مرور الوقت"، كما يشير إلى أنّ النتائج التي توصل إليها لا ينبغي تفسيرها على نطاق شديد الاتساع؛ فقد تضمنت الدراسة التي أجراها مجموعة صغيرة نسبياً من الموظفين في أحد مشروعات التكنولوجيا الناشئة في بلد تتميز بثقافة ذات طابع جماعي.
مع ذلك، يرى لي أنّ هذه التدخلات يمكن أن تحقق نتائج في شركات أخرى وفي أماكن أخرى من العالم، إذ يقول: "يعتمد الأمر على أهداف مؤسستك"، ويضيف: "إذا كنت ترغب في الحفاظ على الإنتاجية، فلا شك أنّ هناك مبرراً للحفاظ على أماكن العمل الخاصة بك كما هي. وتشير الأبحاث إلى أنّ عمليات الانتقال، خاصة إلى المناطق المفتوحة، يمكن أن تقلل من تحفيز الموظفين ورضاهم بل وتؤثر على صحتهم. ولكن إذا كانت مؤسستك تتنافس على تبادل المعرفة والابتكار، فمن الممكن أن تكون إعادة تنظيم أماكن العمل الدورية أمراً يستحق العناء"، شريطة الجمع بين الموظفين الذين كانوا منعزلين عن بعضهم البعض سابقاً وتقديم المزيد من التدريب والدعم للموظفين الجدد في وظائفهم. وعلى الرغم من أنّ شركات عديدة قد تخلت عن المكاتب المغلقة وحتى الحجيرات المكتبية المفتوحة واعتمدت أماكن عمل مشتركة ومتصلة بشكل مباشر، في محاولة منها لتشجيع التفاعل التلقائي (وتوفير المال)، فلا يزال عدد أقل من الشركات يتمادى إلى درجة إجراء تغيير جذري لتوزيعات أماكن الجلوس على نحو روتيني. ومن الشركات التي تقوم بذلك شركة فالف (Valve) لألعاب الفيديو، التي أضافت عجلات إلى محطات العمل حتى يتسنى لموظفيها التحرك إلى أي مكان حسب الاهتمامات والمشروعات، وشركة موقع كاياك (Kayak) للسفر، التي يُستخدم فيها الموظفون الجدد عادةً كسبب لنقل الباقين من مكان إلى آخر، وشركة هب سبوت (HubSpot) لبرامج التسويق، التي تعيد توزيع المكاتب عشوائياً كل بضعة أشهر.
أما جدوى عمليات إعادة ترتيب مكاتب العمل في مثل هذه الحالات في تعزيز الإيرادات كما حدث مع شركة التجارة الإلكترونية الكورية الجنوبية فهو موضوع للبحث المستقبلي. غير أنّ عمليات إعادة الترتيب هذه بدأت في الانتشار بشكل متزايد. يقول لي: "تتمثل الفكرة في تشجيع الموظفين الذين ينتمون إلى مجالات مختلفة على مزج الأفكار ومطابقتها حتى يتسنى لك تحقيق الأفضل من كليهما"، ويضيف: "ومن شأن ذلك تعزيز الأداء الفردي والجماعي".
حول البحث: "هل يمكن أن تساعد إعادة ترتيب القرب المكاني بين العاملين في الشركة على تعزيز الاستكشاف على المستوى الفردي؟" سانكي لي (ورقة عمل).
في الواقع العملي
كاتي بورك
"يقلل حالة الانقسام في الشركة"
كاتي بورك هي المسؤولة الرئيسة عن الموظفين في شركة هب سبوت، وهي شركة برامج تسويق مقرها بوسطن ويعمل لديها ما يقرب من 2,000 موظف. وقد تحدثت كاتي مؤخراً مع هارفارد بزنس ريفيو حول نهج شركتها في تغيير توزيعات المقاعد في مكاتب العمل. وفيما يلي بعض المقتطفات المُحررة:
كيف تعكس مساحات مكاتب العمل في شركة هب سبوت ثقافة الشركة؟ أردنا منذ البداية أن نكون متعاونين ومناهضين لفكرة التسلسل الهرمي، كما أردنا أن نمنع "متلازمة مكاتب الزاوية" حيث ينعزل المديرون التنفيذيون عن الموظفين، وحيث تنعزل بعض فرق العمل مع غيرها من الفرق. وهذا ما دفعنا إلى الاعتماد دائماً على مكاتب العمل مفتوحة. كما أننا نعيد توزيع المقاعد تقريباً كل ثلاثة أشهر، ويمكن أن يختلف ذلك تبعاً لموقع فرق العمل والمكاتب.
لماذا تجعلون الموظفين يبدلون مكاتبهم كثيراً؟ أدرك مؤسسو شركتنا أنه في كل مكتب توجد مقاعد جيدة وأخرى سيئة، لذا قاموا بتنظيم يانصيب شارك فيه الجميع، بما في ذلك المؤسسون أنفسهم. فمن يفوز بالمركز الأول، يكون له حق الاختيار أولاً، لكن في غضون بضعة أشهر يحصل موظف آخر على أفضل اختيار. ويتمثل الهدف من ذلك في القضاء على تصورات اختلال توازن القوى. كذلك، تؤكد عمليات إعادة تنظيم مكاتب العمل على أنّ التغيير ثابت، لذا عليك أن تتمتع بالقدرة على سهولة التكيف. بالمثل، فنحن نريد للموظفين أن يتخلصوا من أنماطهم الاجتماعية الراسخة بهدف التعاون والتعلم: فإذا كنت أعمل في مجال التسويق، بفريق المدونات لدينا، وفجأة صرت أجلس إلى جوار مندوب مبيعات وأستمع إلى المكالمات الهاتفية التي يجريها، سأعرف الكثير عن كيفية شرح ما نقدمه.
هل تنقلون الفرق معاً أم تخلطون الوظائف؟ نحن نحتفظ بالفرق معاً، ولكننا نغير المجموعات المتجاورة ونخلط بين الموظفين داخل كل فريق. كما نحاول أيضاً أن نضع المتدربين والموظفين الجدد بالقرب من الموظفين الموجودين هنا منذ فترة حتى يتمكن الجدد من معرفة المزيد حول كيفية عملنا.
كم من الوقت يقضيه الفريق لديكم في إجراء عمليات إعادة التنظيم؟ تحتاج هذه العملية إلى تعاون طويل ومكثف للغاية بين فريق تجربة الموظفين والفريق الإداري وفريق المرافق. لكننا نرى أنّ الفوائد تفوق التكاليف بكثير.
بالنظر إلى الأهمية التي تولونها لعمليات توزيع المقاعد داخل مكاتب العمل، هل يُسمح للموظفين بالعمل من المنزل؟ كل شخص لديه جهاز كمبيوتر محمول، ونحن نشجع المرونة والعمل عن بعد. فلدينا بعض الموظفين الذين لم يأتوا قط إلى أي مكتب، لكن بعض الفرق تشجع الموظفين على المجيء لثلاثة أو أربعة أيام على الأقل في الأسبوع. نحن نحاول أن نتسم بالشفافية بشأن ما هو مُتوقع في كل مجموعة. ولدينا أيضاً أماكن في مكاتبنا يمكن للموظفين الانتقال إليها لإجراء المكالمات أو للعمل الفردي المكثف: مكاتب متنقلة في المناطق الأقل ازدحاماً وغرف هادئة وحجيرات عازلة للصوت.
ألا يتعب الموظفون من الاستعداد لترك مكاتبهم كل ثلاثة أشهر؟ هناك من يشكك في إمكانية تطبيق ذلك عملياً في شركة بمستوى شركتنا الآن. ويرى البعض ذلك أمراً مزعجاً لما به من ابتعاد عن صديق أو زميل يتعاون معه في مشروع ما، لكن ذلك جزء من ثقافتنا منذ البداية. وذلك من شأنه أن يساعد الشركة على أن تكون أقل انقساماً، بل ويحول دون شعورنا جميعاً بالتراخي. فواحدة من الرسائل القوية التي نبعث بها إلى الموظفين، هي: اليوم الذي تعتقد فيه أنك قد حصلت على كل شيء هو اليوم الذي نخسر فيه كشركة، ويعتبر نقل المقعد فعلياً تذكيراً مرئياً جيداً بذلك.
درس من انفجار المكوك تشالنجر
الأعمال الصغيرة التي قد تدمر مشاريع كبيرة أو تتسبب بنجاحها
أقلع المكوك الفضائي تشالنجر في كيب كانافيرال بولاية فلوريدا الأميركية في وقت متأخر من صباح 28 يناير/كانون الثاني مع العام 1986. وفي غضون أقل من دقيقتين، انفجر في الجو وسقط فجأة متحطماً في المحيط الأطلسي. ما أدى إلى وفاة الطاقم المكون من سبعة أفراد على الفور.
ما الذي تسبب في هذه النهاية المأساوية لهذا المشروع الذي استغرق العديد من السنوات والذي بلغت قيمته عدة ملايين من الدولارات؟ لم تقم مانعة التسرب، والمكونة من إطار مطاطي دائري غير مكلف، بعملها بشكل جيد، وذلك بسبب درجة الحرارة المنخفضة على غير العادة في ذلك الصباح. بعبارة أخرى، فإنّ قيمة المكوك الفضائي الذي بلغت تكلفته عدة ملايين من الدولارات والمليء بأحدث التقنيات، والذي تم تجميعه واختباره بعناية من قبل كبار الخبراء في العالم، يمكن أن تنخفض بسرعة إلى الصفر بسبب فشل مجرد مانعة تسرب مطاطية دائرية فقط.
أشار الخبير الاقتصادي ديفيد أوتور من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، من خلال التوسع في هذه الرؤية، إلى أنّ طبيعة العمل في النظام الاقتصادي المعقد تذكّرنا بالوظائف الصغيرة التي تشبه دور تلك المانعة المطاطية. وتساهم المهام الفردية في إنجاز عمل أضخم، إلى جانب المهام التي يقوم بها الآخرون. وكما ذكر أعلاه، فإنّ كلمة "الآخرون" هذه تتضمن على نحو متزايد أنظمة تعمل من خلال الذكاء الاصطناعي، مثل خوارزميات أتمتة العمليات التي يقوم بها البشر والرجال الآليين.
من المهم أن نعي الدرس الذي أعطتنا إياه المانعة الحلقية ونستعد لتحديات القيادة الجديدة والعاجلة في ظل ما قامت به الثورة الصناعية الرابعة من تحويل أنظمة الإنتاج وطبيعة العمل بشكل جذري.
حول البحث: من مقال: في الثورة الصناعية الرابعة: لن تقل أهمية العمل البشري بل ستزيد.
للكاتبين: أليساندرو لانتيري وباولو جالو المنشور على موقع hbrarabic.com.
الاقتصاد
كيف بدّل "الكساد العظيم" الصناعة المصرفية؟
في العقد الذي تلا بداية الكساد العظيم، تراجعت الميزانيات العمومية للبنوك الاستثمارية إلى النصف وتضاعف رأس المال المحتفظ به: وتعتبر هذه مؤشرات على صناعة مصرفية أقل حجماً وأكثر تفادياً للمخاطرة، استحدثتها لوائح وُضعت لتفادي أزمة أخرى. وتعد أفضل المصارف اليوم هي تلك التي استثمرت في التكنولوجيا خلال فترة الانكماش للتنافس مع شركات "التقنيات المالية" الناشئة والنشيطة التي يمكنها بسرعة أن تستحدث منتجات وخدمات يطلبها العملاء. فقد كانت المصارف التي يعيقها ضعف الميزانيات المخصصة للتكنولوجيا، أو جمود الهياكل التنظيمية، أو تعارض الرؤى الداخلية حول المستقبل، عرضة لخطر الركود، أو ما هو أسوأ من ذلك.
ريادة الأعمال
ما ينبغي أن تعلمه مؤسسات تحفيز الأعمال في الأسواق الناشئة
أصبحت منظمات مثل واي كومبينيتور (Y Combinator) وتيك ستارز (Techstars)، على مدار العقد الماضي، لاعباً رئيسياً في ساحة ريادة الأعمال بالولايات المتحدة، من خلال عنايتها بتوجيه الشركات الناشئة التي لا تزال في بدايتها والمساعدة في تمويلها. ففي الوقت الذي تسعى فيه الأسواق الناشئة إلى زيادة نمو المشروعات الريادية، باتت مؤسسات تحفيز الأعمال هي الأخرى ذات أهمية في تلك الأسواق. وقد توصلت دراسة أُجريت على 43 برنامجاً في اقتصادات متقدمة وأسواق ناشئة على حد سواء إلى أنّ المشروعات الريادية أكثر تشابهاً في السياقين عما يظنه الكثيرون، لكنها تشير في الوقت نفسه إلى وجود بعض الاختلافات الهامة.
وجرت العادة أن تنضم الشركات الناشئة في الأسواق الناشئة إلى برامج تحفيز أعمال في وقت لاحق، وبالتالي تُؤسس على نحو أفضل من نظيراتها في البلدان المتقدمة، بزيادة في الإيرادات والموظفين (ولكن بقدر أقل من الأسهم). ويقل احتمال امتلاك هذه الشركات لبراءات اختراع، كما يكون نموها أبطأ في السنوات الأولى بعد انضمامها للبرنامج. وفي المتوسط، يتمتع مؤسسو تلك الشركات بأقدار ملائمة من المهارات التقنية وقدر أكبر من التعليم الجامعي مقارنة بالمؤسسين في البلدان التي ترتفع فيها الدخول، غير أنه وفقاً لما يقوله المستثمرون، فإنّ استعدادهم للاستثمار يكون أقل بكثير.
وكشفت الدراسة عن وجود انقسام هام بين ما يبحث عنه مؤسسو الأسواق الناشئة وما تسعى مؤسسات تحفيز الأعمال إلى توفيره. يقول الباحثون: "يميل رواد المشروعات في الأسواق الناشئة إلى توجيه المزيد من الاهتمام إلى تطوير مهارات الأعمال، في حين يدور الجزء الأكبر من صياغة قيمة مؤسسات تحفيز الأعمال حول بناء روابط قد تساعد على سد فجوات جمع الأموال"، ويضيفون: "ويثير ذلك فيما يتعلق بتصميم البرامج بعض القضايا التي تتحتم معالجتها".
حول البحث: "تحفيز أعمال الشركات الناشئة في الأسواق الناشئة: رؤى من 43 برنامجاً"، بيتر روبرتس وآخرون (تقرير رسمي).
المسؤولية الاجتماعية للشركات
لماذا تتراجع الشركات عن المبادرات المتعلقة بتغير المناخ
في مواجهة التوقعات القاتمة المستمرة والمتزايدة والقلق العام الكبير حيال تغير المناخ، تعلن بعض الشركات عن برامج للحد من استخدام الطاقة أو خفض انبعاثات غازات الدفيئة. فما مدى التزامها بهذه الوعود؟ في دراسة متعمقة لخمس شركات أسترالية (في مجالات الطاقة، والصناعة التحويلية، والمصارف، والتأمين، والإعلام) من عام 2005 إلى عام 2015، تتبع الباحثون نشوء مثل هذه المبادرات وأظهروا أنّ تلك الشركات تعود أدراجها إلى ممارسة "العمل على النحو المعتاد" بمرور الوقت.
وقد وجد الباحثون، من خلال مراجعة تقارير الشركات والبيانات الإعلامية وبيانات السياسات ولقاء أكثر من 70 مديراً، أنّ المبادرات المتعلقة بالمناخ تنتقل عادة عبر ثلاث مراحل، هي: "التأطير"، وفيها يقدم كبار المسؤولين التنفيذيين تغير المناخ في الداخل والخارج على أنه قضية اجتماعية واستراتيجية ملحة وذات صلة بسير الأعمال، ويحددون الكيفية التي ربما تقدم بها شركتهم حلولاً لها، ومرحلة "التجسيد"، وفيها يسعى المديرون إلى ترجمة تلك البيانات الفضفاضة إلى واقع عملي، و"التطبيع"، وفيها تتراجع الشركة عن المبادرة المتعلقة بتغير المناخ وتعطي الأولوية للاعتبارات المالية بدلاً منها. (تتزامن المرحلة الثالثة عادة مع فترة من ضعف أداء الشركات، أو تغير في المشهد، أو تغير في القيادة). يقول الباحثون: "علينا أن نتصور مستقبلاً يتجاوز الافتراضات المترددة الداعمة لتنظيم الشركات لأنفسها ذاتياً وإيجاد "حلول نابعة من السوق"، وأن نقر بالحاجة إلى إرساء إجراء تنظيمي رسمي".
حول البحث: "حقيقة مزعجة: كيف تحول المؤسسات تغير المناخ إلى عمل على النحو المعتاد"، كريستوفر رايت ودانيال نايبرغ (مانجمنت جورنال، 2017).
الابتكار
كيف تبرر الشركات الإخفاقات واسعة النطاق
لإيجاد منتجات جديدة وجريئة، لابد من المجازفة والتجربة. وفي بعض الأحيان تسوء الأمور على نحو كارثي. وعندما يحدث ذلك، تولي الشركات الذكية اهتمامها لفرص التعلم التنظيمي، في عملية تعرف باسم "استبيان المعنى". ويوجد بحث آخر جديد يدرس جانب مختلف من الإخفاق الكارثي، هو: "إضفاء المعنى"، أو كيفية صياغة الشركة للحدث أمام المساهمين الخارجيين، بما في ذلك المستثمرين والعملاء، والجمهور بوجه عام.
وقد درس الباحثون التغريدات ومنشورات المدونات والبيانات الإعلامية التي صدرت عن شركتي سبيس إكس (SpaceX) وفيرجن جالاكتيك (Virgin Galactic) العاملتين في مجال الفضاء والتابعتين للقطاع الخاص، بعد حوادث انفجارات أو تصادم صواريخ. إذ كانت حالات الإخفاق مخاطرة متأصلة في أنشطتهما، وقدمت للشركتين فرصاً للتعلم. غير أنّ شركة سبيس إكس لم تجد صعوبة كبيرة في التغلب على "الصدمة المتعلقة بمشروعية" الإخفاق كالصعوبة التي واجهتها فيرجن جالاكتيك. ويرجع ذلك إلى مساعي الشركتين فيما سبق، إذ كانت شركة سبيس إكس قد تطرقت فعلياً إلى فكرة الإخفاق في أحاديثها، مستخدمة عبارات مثل "لو نجحت المهمة" على نحو متكرر. أما شركة فيرجن، التي ظلت لسنوات تبيع مقاعد في رحلات فضائية مخطط لها إلى "رواد الفضاء المستقبليين"، فلم تضع احتمالاً كبيراً للإخفاق، لذلك عانت أكثر فيما يتعلق بتبرير حادثتها. كذلك، تأثرت ردود الشركتين بمدى شدة حالات الإخفاق: فلم يشتمل حادث سبيس إكس على أي وفيات، بينما أسفر حادث فيرجن عن مقتل طيار واحد وإصابة آخر بجروح خطيرة.
تسلط هذه النتائج الضوء على مصدر أساسي للتوتر تواجهه الشركات العاملة في مجال الابتكارات حال صياغتها لأحاديثها الخارجية المبكرة: فعلى الرغم من أنّ افتراض النجاح يساعد على جذب جماهير خارجية، فتجاوز هذا التوقع يزيد من الصعوبات في وقت لاحق إذا ساءت الأمور. من ثم، ينصح الباحثون الشركات بأن تسعى إلى الوصول إلى نقطة "الوعد الأمثل" في تلك الأحاديث المبكرة، ما يحقق توازناً بين "التحمس للنجاح وإمكانية الإخفاق".
حول البحث: "كيف تصوغ الشركات الإخفاق الكارثي في الابتكارات"، سين تشاي وأنيل دوشي ولوسيانا باولا سيلفستري (ورقة عمل).
مكان العمل
الموظفون عن بعد يشعرون بالإهمال والاضطهاد
سواء كان الشخص يعمل في المكتب خمسة أيام في الأسبوع أو كان يعمل عن بعد كل يوم، فلا يمكن تجنب السياسات المكتبية. لكن تظهر دراسة استقصائية جديدة أنّ الموظفين الافتراضيين (العاملين عن بعد) يشعرون بالتأثر بتلك السياسات على نحو أكثر حدة، ما يؤثر بشكل سلبي على مستوى الضغط والروح المعنوية والإنتاجية. غير أنّ الجانب المشرق في الأمر هو أنّ المستجيبين يقولون إنّ المدراء المهرة يمكنهم تقليل الجوانب السلبية عن طريق تسجيل الدخول على نحو متكرر، باستخدام الاتصال بالفيديو أو الصوت بدلاً من الاعتماد بشكل كبير على البريد الإلكتروني، ما يؤدي إلى التواصل بوضوح، وتحديد الأولويات فيما يتعلق بالروابط الشخصية.
اتخاذ القرارات
فهم التحيز للتنقيح
نُقح هذا النص وعُدل مرات عدة بين المسودة الأولى والمطبعة، لكن هل نجحت كل جولة من جولات التحرير في تحسينه؟ بغض النظر عن الحقيقة الموضوعية، ستجيب الغالبية العظمى من الناس على هذا السؤال بالإيجاب، إذ يحمل الناس، على ما يبدو، تفضيلاً طبيعياً للأشياء أو للأفكار المُعدلة أو المُغيرة على نحو ما، وهي ظاهرة معروفة باسم "التحيز للتنقيح". ولفهم تلك الظاهرة، أجرى الباحثون ثماني تجارب، وفي إحدى هذه التجارب، طُلب من طلاب ماجستير إدارة الأعمال تنقيح سيرهم الذاتية وتقييم نتائجهم الخاصة، وكلما زادت حدة التنقيح، ارتفع التقييم. في حالة أخرى، أدت المراجعات العرضية أو البسيطة (مثل تغيير حجم الخط) بالمراقبين الخارجيين إلى إعطاء تقييمات أعلى للسير الذاتية التي وُضع عليها علامة "منقحة". وفي تجربة اشتملت على حلوى طرية، أعطى الأفراد تقييمات أعلى للحلوى التي وصفت بأنها مصنوعة من "وصفة" معدلة، سواء أصحيحاً كان ذلك أم لا. وفي تجربة اشتملت على عصي التقاط صور (السيلفي)، أعطى الأفراد الذي قيل لهم إنّ العصا التي يبلغ طولها 16بوصة كانت معدلة تقييماً أعلى من العصا التي يبلغ طولها 24 بوصة والتي وضع أمامها علامة "أصلية"، وذلك على الرغم من أنّ العصا الأطول تكون أكثر فائدة. يقول الباحثون: "يقوم إصدار الأحكام على المقارنة بالأساس، ولذلك، فإنّ وجود نسخة منقحة أو جديدة يؤدي إلى وجود مقارنة طبيعية: إصدار سابق"، ويضيفون: "بمجرد وضع علامة على إصدار معين للإشارة إلى أنه "منقح" قد يؤدي بالأفراد إلى استنتاج أنه أفضل من النسخة الأصلية، بغض النظر عما إذا كان أفضل بالفعل أم لا".
حول البحث: "التحيز للتنقيح: تفضيل الخبرات المنقحة دون التحسين الموضوعي"، ليزلي ك. جون، وإكسيمينا غارسيا-رادا، ومايكل أي نورتون (ورقة عمل).
الشركات العائلية
منح الرؤساء التنفيذيين الجدد الحرية في قيادة التغيير
عندما يتنحى الرؤساء التنفيذيون للشركات العامة الكبرى، يُعد من أفضل الممارسات لهم للتخارج السريع من مجلس الإدارة، أن يمنحوا خلفاءهم حرية تنفيذ التغيير. غير أنّ ذلك لا يحدث دائماً في الشركات الخاضعة لسيطرة العائلات. ولفهم الكيفية التي تعيق بها ممارسات التوارث التغيير، درس الباحثون 523 حالة من حالات التوارث في الشركات المملوكة للعائلات، بالإضافة إلى بيانات توضح كيفية تطور الشركات خلال السنوات الثلاث التالية لذلك. وقد حدد هؤلاء الباحثين أربعة عوامل بارزة، هي: السلطة التي يمارسها الرئيس التنفيذي المنتهية ولايته فيما يتعلق باختيار خليفة له، ووجود اتفاق رسمي بين شاغل الوظيفة ومن يخلفه بشأن نقل السلطة، وما إذا كان الرئيس التنفيذي المنتهية ولايته قد احتفظ بمقعد في مجلس الإدارة، وما إذا كان الرئيس التنفيذي الجديد أحد أفراد العائلة. وقد بينت الدراسة التي أجراها هؤلاء الباحثون أنّ تقييد السلطة التي يمارسها الرئيس التنفيذي السابق خلال اختيار من يخلفه وبعد الاختيار وعقد اتفاق رسمي حول كيفية نقل السلطة وموعده واختيار خليفة لا ينتمي إلى العائلة زادت جميعها من احتمالات إحداث تغيير تنظيمي كبير، وتعتبر من أنواع التغيير التي يمكن أن تساعد على ضمان استمرار بقاء شركة العائلة.