توصف القيادة بأنها قوية وملهمة عندما يطور المرؤوسون رابطاً عاطفياً مع رئيسهم في العمل. المدراء التنفيذيون الأفضل يعرفون هذا جيداً. لكن كيف تُنشئ هذا النوع من الرابط في الشركات الكبيرة التي ينتشر فيها الموظفون في أنحاء مختلفة من العالم؟
لعلك ستلجأ في محاولتك لسد هذه الهوة إلى ما يفعله أغلب القادة الكبار من استخدام لرسائل البريد الإلكتروني، ومنشورات في مواقع التواصل الاجتماعي، والفيديوهات، والإكثار من الاجتماعات وجهاً لوجه. لكن هذه الطرق غير كافية لتطوير العلاقات لأسباب كثيرة من أهمها الطبيعة المبتذلة والدعائية التي تتصف بها هذه الوسائل وصبغتها الرسمية التي تجعل الموظفين يسدون آذانهم عن الاستماع لها.
إلا أن هناك وسيلة تواصل واحدة لا يتجاهلها المرؤوسون، لا بل وينصتون لها باهتمام ويسمحون لها بالتأثير بمشاعرهم ولو أنك قد لا تراها وسيلة تواصل قيادية: القصة العفوية والصادقة عنك التي يسمعها الموظفون من زملائهم. إنها تلك القصة التي تروي حادثة ظهرت فيها مثلك العليا برفضك مشروعاً مربحاً من زبون دنيء أو قصة عن تصريح قوي أظهر معدنك الحقيقي.
ثق بأن الناس يتحدثون عنك في مختلف أرجاء الشركة. أظهر بحث أجريناه تضمّن دراسات أكاديمية تتناول القيادة عن بعد، أن تأثير القصص التي يوصلها بصورة غير رسمية من نسميهم "وكلاء القائد" –أفراد تشكَّل لديهم تقدير واحترام لك وينشطون في مشاركة معلومات إيجابية عنك بإيصالها بأنفسهم أو عن طريق وسيط- أقوى من وسائل التواصل الرسمية التي تسعى جاهداً لجعلها مفيدة.
إليك مثال سريع: في أثناء عشاء عمل، جلس بالصدفة موظف إلى جانب الرئيس التنفيذي للشركة التي استحوذت مؤخراً على شركته، وقد ذكر هذا الموظف في أثناء العشاء مشكلة محددة في تطوير البرامج. قام الرئيس التنفيذي لاحقاً بحل المشكلة ووجّه رسالة شكر إلى الموظف الذي أخبره بالمشكلة. مع انتشار القصة أصبح الموظفون في الشركة المستحوَذ عليها من أكبر الداعمين المتحمسين للرئيس التنفيذي والشركة الأم الجديدة.
صحيح أن هذا النوع من الحوادث ينشأ بعفوية وتوقعه غير ممكن، إلا أننا وجدنا أن تشجيع الوكلاء ممكن. إليك هنا بعض الاقتراحات:
أكثِر من الخروج
أهم درس عليك تعلمه هو التواصل مع أفراد خارج الدائرة المحيطة بك والاهتمام بالأشخاص في المستويات الأدنى من المنظمة. تكمن أهمية هذا التواصل في أن لكلماتك وأفعالك أثر أكبر بكثير لدى الموظفين في الدرجات الأدنى. أخبرتنا موظفة تعمل في الخطوط الأمامية لإحدى الشركات أنها بينما كانت تمشي في المقر الرئيسي للشركة رأت الرئيس التنفيذي للشركة ماشياً في الجانب الآخر من الممر، وتفاجأت عندما غيّر طريقه متجهاً ناحيتها وقدّم نفسه لها. لقد أدّت هذه المبادرة لتغيير نظرة الموظفة إلى الرئيس التنفيذي – أصبحت وكيلاً له.
السبب الآخر للنظر لما وراء المراتب العليا في الشركة، هو أن مقدرات الموظفين في المراتب الدنيا أكبر من إمكانات المدراء الذين قد يُنظر لدفاعهم عن الرئيس على أنه قائم على أساس منفعي وهو الأمر الذي قد يقوّض من فعالية أي وكيل يتمتع بالكثير من السلطة الرسمية. لذلك من الأفضل أن يُنظر للوكيل على أنه شخص لا ناقة له ولا جمل من حديثه عن الرئيس التنفيذي.
من الطرق الجيدة التي بإمكان المدراء التنفيذيين استخدامها لتعريف الموظفين عليهم بشكل أفضل هي قضاء وقت معهم خارج العمل في ممارسة نشاطات مشتركة مثل الرياضة أو حفلات الشواء. ولا تنسَ أن تغتنم بشكل خاص فرصة أسفارك للتعرف على الموظفين وإظهار اهتمامك بهم أو تقديرك لهم.
دع الأمور تحدث بعفوية
تذكّر أن الوكلاء هم في الأساس رواة قصص، وأفضل القصص التي يمكنهم نقلها هي التي تتضمن عناصر مفاجئة وخارجة عن النص. الدرس الذي عليك تعلمه هنا كقائد، هو أنك إذا تفاعلت مع الموظفين فقط في أثناء الاجتماعات المعدّ لها مسبقاً والمحدد خط سيرها، فأنت لا تترك فرصة لحدوث قصص مُلهِمة تستحق الإخبار عنها. صحيح أن احتكاكاً غير مخطط له مع أحد الموظفين قد يؤخرك عن اجتماعك التالي لكن هذا بالضبط ما يفعله القادة الملهِمون. لهذا من الأفضل أن تترك في جدول مواعيدك حيزاً لهذا النوع من التفاعلات خاصة عندما تسافر إلى مكاتب للشركة في مواقع أخرى غير المقر الرئيس. لكن عليك التحلي بالحذر أيضاً، فقد سمعنا الكثير من القصص عن مدراء تنفيذيين صدرت عنهم أفعال سلبية غير متوقعة بسبب غرورهم أو عدم قدرتهم على ضبط أنفسهم. إن ازدراءك للسائق أو موظف الصيانة أو موظف متدرب سيجعل موظفيك يتناقلون القصة لكن بطريقة لن تعجبك.
لا تتوقع الكمال
قد لا تتمكن من غرس وكلاء لك يؤمنون بأن لديك كل الخواص القيادية كالرؤية والمثل السامية وغيرها، لكننا وجدنا أن قوة القائد في ناحية تعوّض ضعفه في ناحية أخرى. مثلاً، كانت هناك قصص كثيرة عن أحد الرؤساء التنفيذيين تتحدث عن أنها سريعة الغضب إلا أن قوتها من ناحية الرؤية واهتمامها بالموظفين وقيمها عوّضت النقص. لهذا اختر ناحية أو اثنتين للتركيز عليهما بدل التركيز على جميع النواحي.
النوعية لا الكمية
أن يكون لديك تفاعلات حقيقية وذات معنى مع مجموعة قليلة من الأفراد لهي أفضل من تفاعلات فارغة مع مئات الأشخاص. وعليه، فأنت عندما تجعل سكرتيرتك تُرسل نفس بطاقة المعايدة لتهنئة جميع الموظفين في أعياد ميلادهم فأنت لا تخلق التواصل الذي تحتاجه، أما احتفالك معهم بالمكتب أو الانضمام لهم في الغناء في حفلة فقد يحقق المطلوب. تواصل مع شخص واحد وسوف يروج هذا الشخص لك عند مئات الأشخاص الآخرين ويُحدث صدىً مدوياً عبر المؤسسة.
الفعل أفضل من القول
القادة الذين يصبح لديهم وكلاء هم من يُظهرون أن لديهم مبادئ خاصة يتخذون قرارتهم على أساسها. مثلاً، تحدثنا إلى شخص أخبرنا أنه بينما مرّ من أمام مكتبه في صباح أحد أيام الأحد تفاجأ برؤية الرئيس خارجاً من المصعد يرتدي نفس القميص الذي كان يرتديه في اليوم السابق، وعندما استفسر الموظف عن الموضوع أجابه الرئيس بأنه كان في طريقه إلى المنزل بعد العمل طوال الليل. أُعجب الموظف بأن الرئيس لم يطلب من الفريق البقاء لوقت متأخر بل عمل وحده على حل إحدى المشاكل كي يهنأ الفريق بإجازة نهاية الأسبوع بعد أسبوع شاقٍ في العمل. بتقديم الرئيس التنفيذي لنموذجه الخاص من الأداء والالتزام للمؤسسة ألهم الرئيس موظفيه كي يجتهدوا لفعل الشيء نفسه.
المساعدة في المهام البسيطة من الوسائل الأكثر فعالية كي يُظهر القائد جانبه الإنساني، كأن يعرض على أحد موظفيه حمل صندوق أو يساعد في التنظيف بعد الاجتماع أو أن يوزع الطعام في حفل العشاء الذي تنظمه الشركة. هي جميعها وسائل بسيطة لإخبار الآخرين أنك لست أفضل من الآخرين.
تجنّب استعراض هذه الجهود أو استخدامها للترويج لنفسك
حالما يظهر أن ما تفعله ليس إلا مجرد وسيلة لتحقيق غاياتك، ستتبخر صدقيتك وسلامة نيتك. دع الآخرين يُخبرون بما تفعله ويشاركونه مع الآخرين. وتذكر أن أفضل الوكلاء ومخبري الحكايات يظهرون من التفاعلات الحقيقية، لهذا أظهر اهتمامك بالآخرين بصمت ولا تركّز على الفائدة التي ستجنيها منها.
حدّد الثغرات
خصّص مساعداً تثق به يستطلع لك القصص التي يتم تداولها عنك وأماكن تداولها (ولا تقلق إن جاءك ببعض الأخبار السيئة). عندما تحدد الثغرات - كمكتب أو منطقة تأثيرك متضعضع فيها أو صفة ضعف معينة لديك- ستعرف حينها أين عليك تركيز جهودك لتطوير وكلائك.
بينما كنا نجري دراستنا، أخبرنا أحد الرؤساء التنفيذين عن الحماس الذي أبداه موظفوه لخطاب ألقاه في أثناء إحدى جولاته العالمية تحدث فيه عن رؤيته أمام جمهور كبير. لكننا عندما تحدثنا إلى الموظفين في أحد المواقع التي زارها لم نجد شخصاً متحمساً لتلك الرؤية، بل إن الموظفين لم يذكروا ما كانت رؤيته، لقد نسوا محاضرته كلياً.
وقع هذا الرئيس التنفيذي في فخ المبالغة في اعتماده على حماس موظفيه لقياس مدى فعالية وسائل التواصل الرسمية. والمضحك في الأمر أنه كان لدى هذا الرئيس التنفيذي تفاعل واحد مع موظف من درجة دنيا: وبّخ موظفاً لسكبه كأساً من الماء بينما كان يناوله إياه. أخبرنا الموظفون الذين كانوا حاضرين أنهم يتذكرون تلك الحادثة بحذافيرها.