لا يوجد سوى عدد قليل فقط من قادة الشركات حول العالم ربما لا يفكرون في التحول الرقمي بأي شكل من الأشكال. وذلك في الوقت الذي تخطط فيه معظم الشركات لكيفية زيادة الأرباح عبر الرقمنة، سواء كان ذلك من خلال تحسين التجارة متعددة الأقنية أو إجراء توسعات رقمية بخطوط الإنتاج. ولكن المقاييس الرقمية قد تستخف بتأثير الرقمنة، ما يجعل الشركات ضعيفة أمام المنافسين الشرسين أو المبتكرين المتخصصين. فالعديد من المدراء لا يلتفتون إلى الإشارات الرقمية التي قد تساعدهم على المنافسة على نحو أفضل.
بناء على الفرضية القائلة أن سوق الأسهم كان يقلل من قيمة الرقمنة وتأثيرها على قيمة الشركات، سعينا من خلال بحثنا إلى بناء أكبر مستودع معروف يضم البيانات الرقمية المتعلقة بالشركات الأميركية. وما نهدف إليه من وراء ذلك هو إثبات الرابط بين القوة الرقمية والقيمة السهمية للشركة، والقيام بذلك بطريقة تجتاز المعايير الصارمة لصناديق التحوط. ألقينا نظرة على أكبر ألف شركة أميركية عامة، وحددنا جميع الممتلكات الرقمية لتلك الشركات، وأيضاً جمعنا 75 مليار عملية تفاعلية استهلاكية رقمية شهرياً على مدار خمسة أعوام، ثم أجرينا آلاف الحسابات. (يُمكن الاطلاع هنا على الشرح الكامل لمنهجيتنا وكذلك عملية إعادة التصور الصارمة التي طُلبت من عملاء صندوق التحوط الخاص بنا).
النتائج التي توصلنا إليها: تُعد بعض المقاييس أو الإشارات الرقمية التي لا يتم تعقبها على نطاق واسع في الوقت الحاضر، مؤشرات قوية للغاية على نمو الإيرادات وأسعار الأسهم. وتشمل ما يلي:
الحجم الرقمي
ببساطة، الحجم الرقمي هو إجمالي جميع المقاييس الرقمية (الزيارات ومشاهدات الصفحة ومشاهدات وسائل التواصل الاجتماعي وزائري وسائل التواصل الاجتماعي، وما إلى ذلك). وبذلك يُعد إدراك حجم شركتك مقارنة بأحجام شركات المنافسين مؤشراً رئيساً. وربما ليس من المستغرب أن الخطوط الجوية الأميركية "أميركان إيرلاينز"تؤثر من حيث الحجم في شركات الخطوط الجوية الأخرى في الولايات المتحدة الجوية، ولكن ليس بالقدر نفسه الذي قد تظنه أنت.
الحصة الرقمية
الحصة الرقمية لشركتك هي حجمها مقسوماً على مجموع حجم الشركات المنافسة لها. ويجب عليك مقارنة هذا الرقم بالحصة السوقية الفعلية لشركتك. وإذا كانت الحصة الرقمية أكبر من الحصة السوقية، فأنت بذلك في مركز قوي يتيح لك زيادة الحصة السوقية لشركتك.
وهنا يكمن الجزء المثير للاهتمام بالنسبة لخطوط الولايات المتحدة الجوية. حيث تمتلك ساوث ويست أيرلاينز 13% من السوق الأميركية، في حين تمتلك حصة رقمية تبلغ 22% من قطاع الصناعة في الولايات المتحدة. ومن بين كبرى شركات الطيران (أميركيان، ويونايتد إيرلاينز ودلتا وساوث ويست أيرلاينز)، تمتلك ساوث ويست أيرلاينز حصة سوقية تبلغ 15% وحصة رقمية تبلغ 30%. ويتعلق بعض هذا التفاوت، وليس جميعه، برفض ساوث ويست أيرلاينز البيع من خلال شركات السياحة عبر الإنترنت مثل "برايسلاين" (Priceline) و"أوربيتز" (Orbitz). وقد تكون كيفية تقييمها لإيجابيات وسلبيات هذه الأنواع من الترتيبات عاملاً رئيساً في نجاحها. ونتوقع أن تزيد ساوث ويست أيرلاينز من حصتها السوقية بمرور الوقت، وذلك التوقع بناء على حصتها الرقمية.
الزخم الرقمي
يمكن للشركات بطريقة بسيطة حساب زخمها من خلال أخذ مقتطفات شهرياً من جميع المقاييس وتعقب أي منها يتزايد أو يتناقص. تتحسن مقاييس ساوث ويست أيرلاينز أكثر من أي شركة طيران كبيرة أخرى في الولايات المتحدة. على سبيل المثال، تتلقى ساوث ويست أيرلاينز خمسة أضعاف عدد إعجابات الفيسبوك الذي تتلقاه يونايتد إيرلاينز وما يزيد عن ضعف ما تتلقاه أميركيان وخطوط دلتا.
إذا لم تكن شركة ما تكتسب حصة رقمية، فهي تعرض حصتها السوقية المستقبلية للخطر، وعلى الرغم من ذلك فقط القليل من الشركات تراقب نموها الرقمي. في الواقع، تنظر العديد من الشركات للرقمنة على أنها وجهة وتؤمن بأنها "بمجرد أن تنشئ موقعها الإلكتروني وتحسن وجودها على وسائل التواصل الاجتماعي، يمكنها حينها أن تتراجع وتقلص جهودها". ولكن في حقيقة الأمر، يتطلب تحقيق مكاسب في العالم الرقمي برنامجاً مستداماً يضم تحسينات واستثمارات مستمرة.
زادت إيرادات الشركات التي تقع ضمن أول الفئات العشرية للقوة الرقمية (على المقياس المسجل لإجمالي المؤشرات الرقمية) بنسبة 9.6% في العام التالي. وعلى سبيل المقارنة، إيرادات الشركات التع تقع ضمن أدنى الفئات العشرية انخفضت بنسبة 8.2%. فهناك فارق 20 نقطة تقريباً بين الشركات التي تتولى القيادة الرقمية وتلك المتقاعسة في عام واحد. وهذا الظاهرة موجودة فعلياً في جميع الصناعات. وأيضاً غالباً ما تتفوق الشركات القيادية على الآراء المتوافقة للمحللين حول توقعات الإيرادات بمعدل (65% للقياديين مقابل 45% للمتقاعسين)، ما يؤدي إلى حصول الشركات القيادية على حصة أعلى وحصول المتقاعسين على عقوبات تقييمية كبيرة تصل إلى (12% على مدار ثلاث سنوات).
ومن ثمّ، يتضح من استنتاجاتنا أنه يجب على الشركات تعقب نوع المقاييس الرقمية الذي ناقشناه أعلاه. كما ينبغي لها أيضاً تطبيق الرقمنة بالطريقة نفسها التي تطبقها الشركات الرقمية؛ عن طريق بناء حجم وقوة رقمية قبل السعي إلى تحقيق قيمة نقدية. ويرتكب عدد كبير للغاية من الشركات التقليدية الخطأ المتمثل في تطبيق المقاييس ومعدلات الإعاقة نفسها على الرقمنة كما يفعلون مع القنوات الأخرى.
يجب على الشركات أيضاً إعادة التفكير في كيفية تطوير دراسات الجدوى فيما يتعلق بالاستثمارات الرقمية المحتملة. ولمراعاة التأثير غير المتناسب للرقمنة على الإيرادات والقيمة السهمية في المستقبل، يجب على الشركات تقدير الإيرادات الرقمية والإيرادات المتأثرة بالرقمنة بقدر أعلى من القنوات التقليدية. لذا يتعين على الشركات النظر فيما إذا كان لفقدان الحصة السوقية أثر مترتب على عدم استثمارها بالقدر الكافي في الرقمنة. تتضمن القليل من دراسات الجدوى تكاليف عدم اتخاذ أي إجراء، ولكنها شيء يجب تضمينه.
قد تكون القوة الرقمية أهم العوامل المحددة لسلامة الشركات والنمو المستقبلي، ولكن لا تعمل المؤسسات اليوم على قياسها ولا إدارتها. فالإدارة في ضوء تلك المقاييس أمر ضروري لجميع الشركات التي ترغب في البقاء والنمو.