ألغت الجائحة خطط كثير منا لعطلة الصيف. ربما كنت تخطط في إجازتك القادمة لزيارة العائلة، أو أن تقضي عطلتك السنوية على الشاطئ، أو ربما كنت تخطط للاحتفال بمناسبة سنوية مهمة بالسفر في رحلة كبيرة، قد تكون رحلة إلى فرنسا لتذوق أنواع الطعام والشراب، أو رحلة سفاري إلى إفريقيا. مهما كانت تتضمن خططك الملغية، قد تفكر الآن بعدم أخذ إجازتك أساساً. ونظراً لتعثر إنتاجية كثير منا في الأشهر القليلة الماضية، فمن السهل أن نفكر أن علينا الاستمرار بالعمل لإنجاز المزيد، أو أن نتساءل عن الجدوى من الإجازة. أو ربما تقول "لن نتمكن من الذهاب إلى أي مكان".
لا تستسلم لهذا التفكير المحدود. تشير دراسات عديدة إلى أن الأداء يتراجع تراجعاً حاداً عندما نعمل على مدى فترات طويلة من دون استراحة. بالإضافة إلى أن فوائد الإجازة واضحة، فهي تؤدي إلى تحسين الإنتاجية وتخفيض التوتر وجعل الصحة النفسية أفضل عموماً. كما تحفز مزيداً من الإبداع، خذ مثلاً الملحن لين مانويل ميراندا الذي ألف مقطوعته الشهيرة "هاميلتون" أثناء إجازته.
تبين الأبحاث على نخبة الرياضيين أن الراحة تعزز أداءهم ليصل إلى ذروته، وهذا ينطبق علينا أيضاً. يتيح لنا أخذ الإجازة العودة مع الشعور بالانتعاش وتجدد الطاقة والتركيز، وحتى أن بعض الشركات أصبحت تلزم موظفيها بها. كما يمكنها أن تدعم صافي الربح الشخصي، إذ تبين الأبحاث أن من يأخذون إجازة لأكثر من 10 أيام يتمتعون باحتمالات أكبر بنسبة 30% للحصول على زيادة في الراتب، ومن يأخذون إجازات منتظمة يتمتعون برضا وظيفي أكبر.
وبما أن خططك للإجازة تبدو مختلفة عن ذي قبل، أقترح فيما يلي بعض التوجيهات لمساعدتك على الاستفادة من إجازتك بغض النظر عن المكان الذي تقضيها فيه.
غيّر المشهد
ليس من الضروري أن تضم الإجازة رحلة طويلة، وإنما تكمن المتعة في الذهاب إلى مكان مختلف عن حياتك اليومية. قد تكون جولة قصيرة حول المنزل، أو رحلة برية طويلة بالسيارة، أو نزهة إلى الجانب الآخر من المدينة. مثلاً، استأجرت إحدى صديقاتي لعائلتها منزلاً على الشاطئ يبعد عن بيتها مسافة 10 أميال فقط؛ واستأجرت زميلتي في الفريق مع عائلتها عربة "كرفان" وذهبوا في رحلة إلى الجبال مع عائلة أخرى، (أخذت كل عائلة عربة كرفان خاصة بها وخضع الجميع لاختبار "كوفيد-19" قبل المغادرة)؛ كما غادر زميل آخر في عطلة نهاية الأسبوع بمفرده إلى مكان يبعد عن مدينته بضع ساعات، حيث استأجر غرفة وأمضى وقته في القراءة والتفكير؛ وخططت إحدى زميلاتي للقيام بنزهة لتذوق الطعام في مدينتها، حيث بحثت عن أفضل النسخ عن أطعمتها المفضلة في أحياء مختلفة من المدينة.
خطط مسبقاً
على الرغم من أن الرحلة العفوية تبدو مشوقة، فإن الأبحاث تبين أن التوتر الذي ينشأ في العطلة التي لم يخطط لها يقضي على فوائدها. وعلى وجه الخصوص، أثبت التخطيط قبل شهر والتركيز على التفاصيل مسبقاً أنه يؤدي إلى تجربة أفضل ونتائج إيجابية أكثر للإجازة مقارنة باكتشاف الأشياء أثناء العطلة. كما أن التخطيط المسبق يمنحنا أمراً نتوق إليه، وهو ما قالت غريتشن روبن مؤلفة كتاب "مشروع السعادة" (The Happiness Project)أنه يمنحنا شعوراً جيداً ويضفي "جواً من النماء" إلى حياتنا ويدفعنا للتفاؤل. حتى وإن كنت ذاهباً إلى مكان ما في الجانب الآخر من المدينة، بإمكانك تحديد الأيام التي ستأخذ إجازتك فيها والتخطيط لما ستفعله مسبقاً.
حدد نوع التجربة التي ترغب بخوضها
تختلف الإجازة المثالية من شخص لآخر. ما هي عطلتك المثالية؟ ما الذي يساعدك على استعادة نشاطك؟ ما الذي ينعشك؟ بالنسبة للبعض، هو الاستمتاع بالشمس بجانب المياه، وبالنسبة للبعض الآخر، هو ممارسة هواية إبداعية، أو اكتشاف أماكن جديدة، أو تجربة أطعمة جديدة أو المشاركة في مغامرات رياضية. وهذا سيساعد في اختيار الوجهة والأنشطة المحتملة لعطلتك. قد لا يمكنك حضور دروس الطبخ في منطقة بروفانس الفرنسية، لكن ما زال بإمكانك الذهاب إلى الريف والخوض في تجربة تذوق الأطعمة وطهي الوجبات المعروفة في بروفانس.
اقض الوقت في الهواء الطلق
تبين الأبحاث أن قضاء الوقت في الطبيعة يفيدنا من الناحيتين النفسية والجسدية. أضف إلى ذلك أنك تجني هذه الفوائد حتى وإن قضيت ما لا يزيد عن ساعتين أسبوعياً في الطبيعة، سواء كان في المنتزه الوطني أو في حديقة عامة. وسواء كنت ستسافر أو ستبقى في المنزل، خصص وقتاً تقضيه في الهواء الطلق كجزء من عطلتك، قد يكون المشي الصباحي، أو إلقاء الحجارة على البحيرة، أو مشاهدة الأمواج وهي ترتطم بالشاطئ أو نزهة في منتزه صغير. كما أن المساحات المفتوحة الخارجية تساعد في الحفاظ على التباعد الاجتماعي (بعيداً عن الأماكن السياحية التي تكون مزدحمة في بعض الأحيان).
انفصل تماماً
بينت دراسة أجراها موقع "غلاس دور" (Glassdoor) عام 2017 أن ثلثي الأميركيين يعملون أثناء إجازاتهم، وقد ثبت تأثير ذلك السلبي على دافعيتنا الداخلية وأنه يحد من استمتاعنا بأعمالنا. لذا، فإن الانفصال التام عن العمل هو جزء مهم، إذ إنه يمنح الإجازة معناها، فهي وقت استراحة لأدمغتنا من وابل المتطلبات المعرفية المرافقة لوظائفنا. وهي تشكل المساحة اللازمة للإبداع وتتيح لنا أن نكون حاضرين بكامل انتباهنا مع أسرنا أو شركائنا في الرحلة. شعرت زميلتي التي ذهبت في رحلة بعربة الكرفان بالتحرر، إذ إنها لم تصطحب جهاز اللاب توب وقضت عطلتها في مكان لا تصل إليه إشارة شبكة الهاتف الخلوي، فتمكنت من الاسترخاء والاستراحة بحق. وكانت قد أعلمت عملاءها مسبقاً أنها لن تكون متاحة في تلك الفترة. وصديقتي التي استأجرت منزلاً على الشاطئ أحضرت معها ألعاباً وأحاجيّ الصور وكتاباً جيداً وبعض المشروبات واستمتعت بإمكانية الانفصال عن العمل. بالتأكيد، قد يبدو الانفصال عن العمل صعباً بالنسبة للبعض، فالكثير يخشون فوات الفرص أو يشعرون بالذعر من أكوام الرسائل الإلكترونية التي سيجدونها بانتظارهم عند العودة إلى العمل. لذا، حدد زميلاً يستطيع الإجابة عن الأسئلة نيابة عنك في غيابك، واذكر هذا مع بيان الطريقة التي ستتابع بها الأمور فيما بعد، إن كان ذلك ضرورياً، في رسالة "أنا خارج المكتب" التي يتلقاها من يراسلك كرد آلي.
اصنع الذكريات
الإجازات هي فرصة رائعة لصنع ذكريات إيجابية تدوم طويلاً. تبين عدة دراسات أن استعادة الذكريات السعيدة تمنع التوتر والقلق والاكتئاب. وهذا ما نحتاج إليه كثيراً في حياتنا المزدحمة، وخصوصاً في هذه الفترة. وبما أنه أصبح من السهل التقاط صور أجمل لحظات إجازاتنا بهواتفنا الذكية، لا تتردد، صور مقاطع فيديو لك ومن معك وأنتم تغنّون حول نار المخيم وتتناولون الحلوى. صور المناظر الجميلة والطعام الذي أحضرته إلى النزهة، أو السمك الذي اصطاده ابنك اليافع، أو أحجية الصورة ذات الألف قطعة التي تعمل على تركيبها مع عائلتك. وستستمتع باستعادة هذه الذكريات في الأشهر والسنوات القادمة.
مهما بدا لك سهلاً الاستمرار بالعمل وعدم أخذ إجازتك، إياك أن تفعل ذلك. وباتباع الاقتراحات أعلاه، ستعيش تجربة تعود بعدها منتعشاً وقد استعدت نشاطك، من دون أن تضطر للذهاب إلى أي مكان بعيد. لذا، احزم أشياءك واذهب، سيسرك ذلك.