هل تسرق الصين حقاً فرص العمل والثروات الأميركية؟

4 دقائق

ترى الإدارة الأميركية الحالية أن الصين هي المنافس العالمي الرئيس للولايات المتحدة، ولقد أعلنت عليها الحرب الاقتصادية بالفعل. ومبررها لإعلان الحرب على الصين أن الأخيرة (1) تسرق فرص العمل الأميركية (2) وتنتهك الملكية الفكرية الأميركية.  تشير البيانات التي جمعها "معهد لونج الأميركي-الصيني" (Long US-China Institute) إلى أن الصين ليست مُدانة إلى حد كبير بهاتين الجريمتين بقدر ما يود كثير من صناع السياسات إقناعنا.

وكما يثبت الرسم البياني الوارد أدناه، فقد تمتع دخول المستهلكين في البلدين بنمو مستمر في القوة الشرائية منذ عام 1985.  ويمكننا تمييز عاميْن فقط من التراجع في خط الاتجاه الأميركي: 2008 و2009، وهما يتزامنان مع فترة الركود التي حدثت خلال هذين العامين.

خلال الفترة التي يغطيها الرسم البياني، أُبرمت اتفاقيتان تجاريتان رئيسيتان. فقد أقامت الولايات المتحدة علاقات تجارية طبيعية ودائمة (PNTR) مع الصين عام 2000. وفي العام التالي، انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية. ولم يعرقل أي من هذين الحدثين النمو الثابت في القوة الشرائية للأميركيين الذين ارتفع نصيب الواحد منهم من الناتج القومي الإجمالي من 37,900 دولار إلى 62,600 دولار.

وقصة الوظائف أكثر غموضاً، لكنه من الصعب التحجج بأن التعاملات التجارية مع الصين كان لها أثر كبير على الأجور الأميركية. وكما يوضح الرسم البياني التالي، بلغ معدل البطالة الأميركي أدنى مستوى له على مدار 30 عام سنة 2000، حيث وصل إلى 4%، وذلك قبل التحاق الصين مباشرة بالدول المتمتعة بعلاقات تجارية طبيعية ودائمة وبعضوية منظمة التجارة العالمية. وارتفع ذاك المعدل إلى 6% عام 2002، الأمر الذي يمكن أن يُعزى إلى التجارة مع الصين، لكن هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول الإرهابية وانفجار فقاعة الإنترنت تجعل هذا الزعم استنتاجاً محل ريبة على أفضل التقديرات. ربما يكون أفضل تفسير لارتفاع معدل البطالة عام 2009 هو حالة الركود الذي ضربت الدولة عامي 2008 و2009.

فمنذ ذلك الحين، تراجع معدل البطالة إلى نسبة (3.9%) أقل من تلك التي بلغها عام 2000.  قليلون يستنبطون من ذلك أن التجارة مع الصين أضرت بالدخول أو فرص العمل الأميركية.

ماذا عن سرقة الملكية الفكرية والفساد؟ لا شك أن الصين اقترفت جرائم تتعلق بالملكية الفكرية والفساد. فقد كانت هناك حالات موثقة لسرقة الملكية الفكرية والرشوة. وبالتالي، فالمخاوف في محلها. غير أن البيانات تبين أن الممارسات الصينية تشهد تحسناً. تصنف منظمة الشفافية الدولية (Transparency International) أكثر من 180 دولة وفقاً لتفشي الرشوة بين مسؤوليها الحكوميين. وكما يظهر الرسم البياني أدناه، يمكننا أن نلمس تحسنات هامشية في بر الصين الرئيس كله منذ عام 2000، وتصنيف هونغ كونغ في حقيقة الأمر أعلى من تصنيف الولايات المتحدة. ولذلك، ففي هذا الصدد، لا يوجد دليل يوحي بحق بأن الصين تزداد فساداً.

وفيما يتعلق بسرقة الملكية الفكرية، فهناك تحسن واضح فعلاً. فقد صرح "تحالف شركات البرمجيات" (Business Software Alliance) بمدى الخسائر التي تكبدها منتجو البرامج الأميركية في 116 دولة. وكما يبين الرسم البياني أدناه، تراجعت هذه الخسائر في الولايات المتحدة والصين وهونغ كونغ.

تجدر الإشارة أيضاً إلى أنه على الرغم من أن القرصنة المقاسة بنسبة الاستخدام غير المرخص به في الصين أعلى بكثير من مثيلتها في الولايات المتحدة (كما يتجلى في الرسم البياني)، فإن الآية تنعكس عند تقدير السرقة بحسب القيمة. والواقع أن أموالاً أكثر تُهدر بسبب قرصنة البرامج في الولايات المتحدة ما يُهدر في أي بلد آخر. فقد بلغت الخسائر عام 2016 في الولايات المتحدة 8.6 مليار دولار، مقارنة بـ 6.8 مليار دولار في الصين و277 مليون دولار في هونغ كونغ. واستناداً إلى نصيب الفرد، فهذان الرقمان يناظران 5 دولارات في الصين و26 دولاراً في الولايات المتحدة.

وعند تقييم حيثية الأرقام المتعلقة بسرقة الملكية الفكرية في الصين، لا بد أن نتبنى منظوراً تاريخياً. قد يفاجأ بعض القراء إذا علموا أن الأميركيين في القرن التاسع عشر قد نسخوا الملكية الفكرية الأوروبية والبريطانية بكل أريحية. ولكن، مع تطور البلاد اقتصادياً واجتماعياً وتقنياً، تضاءلت القرصنة فيها مقارنة بالبلدان الأخرى. ومنذ ذلك الحين، خاضت اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وغير ذلك من البلدان الدرب ذاته، حيث تراجعت فيها سرقة الملكية الفكرية بالتزامن مع تقدمها.

ومن المحتمل جداً أن يتكرر هذا النمط في الصين. فبالتزامن مع ارتفاع متوسط دخل الفرد، سيزداد عدد القادرين على دفع مبالغ معقولة لقاء الكتب والموسيقى والأفلام، وما إلى ذلك. وبينما تبدأ الشركات الصينية في تطوير تقنيات جديدة، ستحتاج هي نفسها تدابير وقائية لحماية ملكيتها الفكرية حفاظاً على أرباحها ونموها.

والشكل البياني التالي يدعم هذه الحجة. إن النمو في عدد براءات الاختراع الأميركية الممنوحة لمخترعين صينيين والفِرق المكونة من مخترعين صينيين وأميركيين في ازدياد حتى مع تراجع معدل القرصنة، على الأقل في مجال البرامج.

وبالطبع، هناك مخاوف من أن تتخذ بعض الشركات الصينية من نظام براءات الاختراع الأميركي سلاحاً لها لعرقلة الابتكار الأميركي في تقنيات محورية، وأبرزها شركة "هواوي" التي تفخر بحصولها على 56,492 براءة اختراع على مستوى العالم. لكن توزيع المقارنات بين براءات الاختراع الأميركية الممنوحة إلى أفراد بحسب البلد يكفل لنا سياقاً تجريبياً مطمئناً لتفسير عناوين الأخبار.

المصدر: مكتب الولايات المتحدة لبراءات الاختراع والعلامات التجارية

والأدهى من ذلك، على مستوى الشركات، أن براءات الاختراع الأميركية البالغ عددها 1,628 والممنوحة إلى "هواوي" عام 2018 تطغى عليها تماماً براءات اختراع شركة "سامسونج" البالغ عددها 9,245، وبراءات اختراع شركة "آي بي إم" البالغ عددها 9,100، وما يربو على 2,000 براءة اختراع لكلٍ من "إنتل" و"مايكروسوفت" و"كوالكوم" و"آبل" و"فورد" و"جوجل" و"أمازون". وبينما تركز "هواوي" على الاتصالات، وتنمو نمواً سريعاً، فمن المستبعد أن تشكل براءات اختراعها تهديداً منافساً.

من المؤكد أن الصين والولايات المتحدة لديهما مشاكل. فكلا البلدين يشهدان تفاقماً مستمراً لبصمتهما الكربونية، ونمواً لإنفاقهما العسكري، وما هذان سوى توجهان مثيران للقلق فقط من بين توجهات أخرى. لكن بيانات الخمس وعشرين عاماً الماضية تظهر أن التجارة الأميركية-الصينية بوصفها أكثر علاقة تآزرية على الإطلاق في تاريخ العالم، تجلب في طياتها السلام إلى جانب الرخاء المتبادل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي