هل تحتاج إلى فحص طبي عام؟

3 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في الآونة الأخيرة، شعرت ببعض الأعراض الغريبة وألم جسدي خفيف جعلني أقلق على صحتي. وكان هذا القلق يتسلل خفية ويُعيق أدائي في  العمل. ما أدى إلى انخفاض تركيزي وتشتيت أفكاري.

لذلك، سارعت إلى قبول دعوة مايكل نيوكوم، المدير العام الجديد لفندق "فورسيزونز" في مدينة ويست ليك، لوس أنجلوس، للخضوع لواحد من أفضل برامج الفحص الطبي الشامل في الولايات المتحدة ضمن "معهد كاليفورنيا للرعاية الصحية والصحة المستدامة" (California Health & Longevity Institute) أو ما يعرف اختصاراً (CHLI)، المجاور للفندق.

كتبت عن مايكل وفندق "فورسيزونز" مرتين، مرة في مقال "سرّ الشركات الممتازة الحقيقي" (The Real Secret of Thoroughly Excellent Companies ومرة أخرى في مقال "إذا أردت أن تكون مميزاً، ابدأ بطريقة مختلفة عن الآخرين" (If You Want to Be Original, Start from a Different Box). وأنا أُكنّ احتراماً شديداً لمايكل بصفته قائداً ولفندق فورسيزونز كعلامة تجارية.

وكنت أؤمن منذ زمن بالنصيحة التي قدمها مايكل لي، وهي: "اخضع لفحص طبي شامل لأن عملك سيصبح أفضل وسيرتفع أداؤك عندما تتحسن صحتك".

لذلك، مدّدت رحلتي إلى لوس أنجلوس لبضعة أيام وبدأت في ملء الأوراق المطلوبة، وهي استمارات الموافقة، وسجل تاريخي الصحي شديد التفصيل، وسجل الطعام الذي أتناوله.

وفور وصولي أخذوا 16 عينة دم وجعلوني أتنفس في جهاز لمدة 20 دقيقة وتلقيت عدداً من الوخزات الأخرى وأجروا فحصاً لكامل جسدي. وقابلت ممرضة قيّمت حالتي، وطبيباً أمضى أكثر من ساعة في دراسة تاريخي الصحي، ومدرباً راجع التمارين الرياضية التي أمارسها، واختصاصي تغذية قدّم لي استشارة، وطاهياً علّمني كيفية تحضير طعامي.

كانت تجربة رائعة عززت اعتقاداً راسخاً لدي عمّا يجعل الشركة ناجحة.

لقد كانت المرافق مذهلة والمعدات رائعة ولكن لم يكن ذلك سبب نجاح الأمر.

اتبعوا نظاماً مثالياً لتقييمي من عدة نواح للحصول على تقرير شامل عن صحتي. وقاموا بعمل ممتاز لإنهاء كل الأمور خلال زيارتي تلك ومشوا معي خطوة بخطوة. ولكن لم يكن ذلك سبب نجاح الأمر.

وجمعوا رزماً من البيانات الرائعة عني ووضعوها في تقرير شامل عن صحتي وعوامل الخطورة وموجز التوصيات. كان دقيقاً ومفيداً وأغنى من كل تقارير الفحوصات الطبية التي خضعت لها في حياتي. ولكن لم يكن ذلك سبب نجاح الأمر أيضاً.

كل ذلك كان جزءاً من التجربة ولكن لم يكن أي من هذه الأمور هو سر نجاحها. فما السر إذاً؟

يُعتبر الأشخاص هم سر نجاح هذه التجربة. ولم يكن ذلك لأنهم كانوا لطفاء ومتعاونين ومتعاطفين ومحترفين فحسب. بل لأنهم كانوا خبراء. ليسوا خبراء في مجالات معارفهم فقط، وإنما خبراء في تطبيق معارفهم عليّ. وهذا ما كان له الأثر الأكبر.

تصف جميع الشركات موظفيها بأنهم أهم أصولها، ولكن الحقيقة هي أن قلّة من هذه الشركات فقط من يؤمنون بذلك، أو يتصرفون على أساسه. فتبذل معظم الشركات جلّ جهودها في تصميم أنظمة العمل والأدوات والمنهجيات وتأمل أن تكون مضمونة، ومن ثم إنشاء تسلسل لعملياتها عبر تعيين أشخاص لم ينالوا تدريباً كافياً وجعلهم يتبعون نظامها المثالي. وفي أفضل الأحوال، لن ينتج عن ذلك سوى نتائج متوسطة.

قبل عدة سنوات، ذهبت إلى شركة لتصنيع أحذية تزلج فاخرة، وكانت تتبع نظاماً للحصول على القياس المثالي لكل زبون. كان الشخص الذي يأخذ مقاس قدمي لا يعرف الكثير عن أحذية التزلج وبالكاد يعرف شيئاً عن الأقدام. ولكنه لم يكن بحاجة إلى معرفة هذه الأمور لأن عمله كان عبارة عن اتباع خطوات النظام المحددة. لكن ذلك أدى إلى حصولي على حذاء بمقاس غير مناسب، سبب لي الآلام لسنوات.

وهذا العام، توجهت إلى متجر محلي لأدوات التزلج في ويندهام ماونتن، حيث يعمل موظف متخصص بقياس الأحذية يدعى مارك ستيوارت. تأمّل مارك قدميّ لبرهة طويلة وهو يمسكهما بيديه ويتحسس بنيتهما، واستمع إليّ وأنا أخبره عن الطريقة التي أمارس فيها التزلج. ثم انتقى لي حذاء وأجرى عليه بعض التعديلات بعد عدة أيام من استخدامه في التزلج. لم أشعر براحة مماثلة في أي حذاء تزلج قبله قط، كما أنه جعل تجربة التزلج مختلفة تماماً.

ومررت بتجربة مماثلة لها مع شركتي. لقد وظفت ما يقرب من 100 مستشار بهدف جعل شركة "بريغمان بارتنرز" شركة كبيرة. ومن أجل ضمان الاتساق في العمل قمت بتدريبهم جميعاً باتباع منهجية واحدة وأنشأت نظام عمل موحد ليتّبعوه. حتى نتمكن من توقع نتائج عمل أيّ زبون مع أي مستشار لدينا. لكن الأمر لم ينجح بهذه الطريقة. فكل شركة كانت تعاني من مشكلة مختلفة عن الأخرى ولم يكن النظام الموحّد قادراً على معالجة جميع أنواع المشاكل. فتدنت جودة عملنا. ألم يكن النظام قوياً بما فيه الكفاية؟

لقد كانت المشكلة مغايرة تماماً. فنظامنا كان أقوى من اللازم. ولكن ليست الأنظمة القوية هي ما يوجد الحلول القوية، بل الأشخاص هم من يوجدونها. يوجدها الخبراء، أسياد الحرفة ذوي التفكير العميق، الأشخاص الذين تزعجهم الأنظمة المثالية. واليوم، لا نتبع أيّ نظام على الإطلاق تقريباً، فكل حالة هي حالة فريدة. واليوم أصبحت نتائجنا أفضل بكثير.

هذا تماماً ما جعل تجربتي في معهد (CHLI) الصحيّ تجربة مميزة. ولم يكن ملف التقارير السميك الذي لا يزال مرمياً على مكتبي سبب تغييري. وإنما النصائح الصغيرة التي تلقيتها من كل خبير هي التي غيرتني. وهي نصائح لن أتمكن من ذكرها هنا لأنها تنطبق علي تحديداً.

اليوم، مرّ شهر على عودتي من لوس أنجلوس. وتغيّر نظامي الغذائي بما يكفي لأفقد بعض الوزن الزائد وأشعر أن صحتي تتحسن. والأهم من ذلك أن جميع الفحوصات التي خضعت لها خففت من قلقي فيما يتعلق بصحتي، وأصبح أدائي في العمل، من ناحية التركيز والطاقة والانضباط، أفضل بشكل ملحوظ.

إذا كنت تؤمن أن الموظفين هم أهم أصول الشركات، وعلى اعتبار أن الفحص الطبي الشامل والدقيق قادر على تحسين أداء المرء، فكيف سيكون أثر الفحص الطبي على مؤسسة كاملة برأيك؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .