حصلت جولي لونغ، التي تعمل في منصب كبيرة المبرمجين في شركة لبرمجيات الكمبيوتر، على ترقية من مديرتها، التي اعتبرتها موظفة متفوقة في أدائها وتتمتع بعقلية المدير ومواصفاته. وعندما طلبت هذه المديرة من جولي تنسيق أعمال فريق مؤلف من 3 مبرمجين في مشروع مهم في الشركة، شعرت جولي بالإثارة تجاه هذه الفرصة التي لاحت لها أخيراً لتولي دور إداري في شركتها واكتشاف مواصفات المدير في داخلها. لكنها سرعان ما شعرت بالإحباط. فالأشياء البسيطة والسهلة بالنسبة لها لم تكن كذلك بالنسبة لفريقها، الذي لم يكن يُنجزها في الوقت المناسب.
بعد أسابيع قليلة على تولّيها لمنصبها الجديد، وبعد أن أجرت جولي مراجعة لبرنامج الكمبيوتر الذي صمّمه فريقها، وجدت نفسها تفكر جدياً في التخلص من هذا البرنامج وإعادة تصميمه من جديد بنفسها. فقد كانت تعلم بأنها لو عملت لبضع ساعات إضافية، فإنها ستكون قادرة على إنجاز عمل يكافئ العمل الذي أنجزه مرؤوسوها ثلاثتهم وذلك لأنها تتمتع بميزات المدراء وسماتهم في عقلها الباطن.
يعتبر هذا السيناريو شائعاً جداً في حالة الأشخاص الذين يُطلب منهم أن يقفزوا من دور الخبير إلى دور المدير. وهو أكثر شيوعاً بالتحديد في حالة الشخص الذي يُطلب منه قيادة فريق مؤلف من أشخاص كانوا مؤخراً من أقرانه. لكن تشميرك عن ساعديك ونزولك إلى الميدان لمحاولة فعل كل شيء بنفسك – حتى لو كان تكتيكاً ناجحاً في بادئ الأمر– هو استراتيجية غير مستدامة. ففي نهاية المطاف، يحتاج المدير إلى التركيز على الطريقة التي تسمح له بأن يصبح مرشداً وموجهاً ناجحاً لموظفيه، لكي يساعدهم على التطور والنمو، ومن أجل تطوير القدرة الإجمالية للفريق أيضاً.
لكن ذلك يتطلب حصول تغيير دراماتيكي في العقلية، وهذه بالضبط هي الصعوبة التي يواجهها العديد من الأشخاص الذين حصلوا مؤخراً على ترقية. وبما أن إرشاد الآخرين وتنسيق أعمالهم يختلف عن الطريقة التي تقضي بها أيامك كشخص يعمل على إنجاز مهام معينة بنفسه ولوحده، فسيكون من الصعب عليك التخلص من عاداتك القديمة. ابدأ بتتبّع التحسن الحاصل في عمل مرؤوسيك المباشرين من حيث هم موجودون حالياً عوضاً عن مقارنة عملهم وقدراتهم مع عملك وقدراتك أنت. فإذا ما أجريت تقييماً لكل موظف بمفرده، فإن مواهبه سوف تظهر، وسيصبح تطوره مقياساً لنجاحك أنت.
وفيما يلي بعض الأشياء التي يجب أن تتذكرها أثناء عملك على تعديل عقليتك لتصبح مثل عقلية المدراء وطريقة تفكيرهم. قد يبدو بعض هذه الاقتراحات واضحاً، لكن البديهيات عادة ما تتبخر من النافذة عندما تتراكم المسؤوليات على كاهلك وتتزايد الضغوط عليك:
انظر إلى الأمور على المدى البعيد
صحيح أن الأفراد الذين يعملون لوحدهم يخفضون رؤوسهم ويركزون على إنجاز العمل الذي بين أيديهم فقط، إلا أن المدراء بحاجة إلى النظر إلى الأمور على المدى البعيد. فالمدراء الجيدون يقضون معظم وقتهم في توقع التحديات المستقبلية، والتفاوض على الأوضاع السياسية، ورسم خريطة طريق تعمل على تجميع الجهود الفردية المستقلة لأعضاء الفريق بحيث تسير كلها في اتجاه واحد. وأنت تحتاج أيضاً إلى التفكير بما يتجاوز السيناريو المثالي الذي يجب أن تخطط له لحالات الطوارئ.
إن النظر إلى الصورة الأوسع للأمور يتطلب فعل شيئين اثنين بطريقة صحيحة. الشيء الأول هو أنك يجب أن تمتلك فهماً واضحاً لاحتياجات قسمك وأهدافه، وكذلك فهم احتياجات مؤسستك وأهدافها بأكملها. فامتلاك هذا الوضوح بخصوص الجو العام الذي يعمل فريقك ضمنه سيساعدك في التنبؤ بالتوقعات الموجودة لدى مديرك. الشيء الثاني هو أنك بحاجة إلى فهم قدرات الأفراد الموجودين في فريقك. لأن إدراكك لقدرات فريقك سيساعدك على تحسين قدرتك في توقع متى سيكون فريقك معرّضاً لضغوط العمل الكبيرة أو متى سيصل إلى حالة استعصاء، وهذا الأمر سيمكنك من تحديد توقعاتك وفقاً لذلك.
اطرح المزيد من الأسئلة
إذا كان أحد أفراد فريقك يعاني، فقد يكون من المغري بالنسبة لك أن تحاول تقديم الإجابات له فقط (أو أن تنجز العمل بنفسك، كما فعلت جولي في المثال السابق).ففي نهاية المطاف، أنت على الأغلب تعرف ما الذي يجب إنجازه، وبالتالي فإن توفير الحل بسرعة سيساعدك في العودة إلى عملك سريعاً. ولكن إذا أصبحت معتاداً على تقديم الإجابات فقط، فإنك بذلك لا تمنح الناس الفرصة لمحاولة العثور على الحلول والإجابات بأنفسهم.
إن عملية طرح الأسئلة يمكن أن تكون طريقة عظيمة لمساعدة أحد أعضاء فريقك في العمل على حل المشكلة الموجودة بين يديه. دع ذلك الشخص يصف ما الذي يُحبِطه – واكتب ما يقوله لك على لوح أبيض إذا كان ذلك ممكناً – ومن ثم حاولا تناول الموضوع من جميع زواياه. ففي العديد من الحالات، قد يتضح الحل بمجرد وصف المشكلة. ولكن إذا لم يكن ذلك كافياً، فإن أسئلتك يمكن أن تكون عنصراً أساسياً في مساعدة الموظف المعني على النظر إلى العوائق بطريقة جديدة أو الكشف عن الاحتمالات البديلة.
ركز على "ماذا" و"متى"
عندما كنت شخصاً يعمل بمفرده ويؤدي المطلوب منه بنفسه، فقد كنت وقتها تُكافأ على "كيفية" إنجازك للعمل المطلوب منك. فقد تكون لديك أفكار عظيمة بخصوص كيفية زيادة إنتاجيك وتقديم أفضل ما لديك. لكن ما قد يكون ناجعاً بالنسبة لك، قد لا يكون ناجعاً بالنسبة للآخرين.كما أن الآخرين قد يطرحون أفكاراً أو تقنيات جديدة لم تكن قد خطرت لك. وعندما تعمل على وضع الأهداف مع فريقك، قد يكون من الأفضل التركيز على طبيعة المهام التي يجب إنجازها، ومتى يجب إنجازها، ولكن ترك التفاصيل الخاصة بكيفية الإنجاز إلى كل شخص ليتولاها بنفسه.
الاستثناء من هذه القاعدة، بطبيعة الحال، هي الحالة التي يطلب فيها شخص معين المساعدة منك، أو عندما تلاحظ بأن أحد أعضاء فريقك يعاني. ففي تلك الحالة، بوسعك أن تراجع الطريقة التي يتبعها هذا الموظف في إنجاز المهمة المعنية. ولكن حتى في هذه الحالات، يجب عليك أن تتعامل مع الموضوع بذهن منفتح، وليس مجرد إملاء ما يجب فعله.
سبب آخر للتركيز على الأهداف وليس على كيفية تنفيذ العملية هو تجنب الاضطرار إلى إدارة التفاصيل الدقيقة والصغيرة للعمل. فلا أحد يحب أن يرى مديره يحوم فوق رأسه ويخبره كيف يجب أن يؤدي عمله. لأن هذا الأمر سرعان ما سيسبب الإحباط للفريق، ولن يؤدي إلى إنجاز العمل بوتيرة أسرع.
ثق بإحساسك الداخلي
قد يؤدي توليك لدور جديد باختلال في توازنك. فأنت تبذل جهداً كبيراً لتتعلم طرقاً جديدة في التفكير والسلوك وهذا الأمر قد يجعلك تشعر طوال الوقت بأنك على خطأ. ومع ذلك، يظل إحساسك الداخلي وغريزتك مهمين. إذا شعرت بأن مشروعاً معيناً ليس على المسار المطلوب، فلا تنتظر حتى فوات الأوان للتدخل. ربما أنت تحاول أن تتعلم كيف تكون قائداً جيداً، لكن إحساسك بخصوص ما إذا كان العمل يُنجز على الوجه الصحيح هو على الأرجح إحساس سليم – وخاصة إذا كنت تنجز هذا العمل بنفسك في الماضي غير البعيد.
يتأخر العديد من المدراء في مواجهة أعضاء الفريق الذين لا ينفذون المهام في المواعيد المحددة أو يعانون نوعاً ما في العمل، لأن هؤلاء المدراء يشككون في إحساسهم الداخلي أو غير واثقين في كيفية مواجهة المشكلة بطريقة مناسبة. ولكن بدلاً من الانتظار حتى يصبح الوضع أسوأ، يجب عليك الجلوس مع الشخص المعني والدخول في حوار معه. تأكد من أنك تدرك ما الذي يفعله موظفوك، ودقق معهم بشكل منتظم. وعندما تشعر بأن أمراً ما لا يسير على ما يرام، فعلى الأرجح أن يكون شعورك في محله.
تحلى بالصبر
إن تغيير عقليتك من التركيز على مسؤولياتك اليومية بصفتك شخصاً مسؤولاً عن إنجاز مهام محددة إلى امتلاك نظرة أوسع كمدير وقائد هو أمر يحتاج إلى بعض الوقت. ولا تتخيل أن هذه المهارات سوف تتطور بين عشيّة وضحاها. ولا تشعر بخيبة أمل إذا حصلت بعض النكسات أثناء محاولتك تحقيق التوازن بين إنجاز المهام المطلوبة وتوفير الإرشاد لفريقك. فمعظمنا لسنا مدراء مولودين بالفطرة. لكن عقلية المدير هي مهارة يمكن تعلمها وصقلها بالممارسة.
إذا قست عليك الأيام (وهذا أمر حتمي في نهاية المطاف) أو شعرت بأن دورك الجديد يشكل ضغطاً نفسياً كبيراً عليك، توقف لوهلة واطرح على نفسك الأسئلة التالية التي ستساعدك على أن تكتشف عقلية المدير في داخلك وأن تتمتع بميزاتهم:
- هل أرى مكان القوة والضعف لدى مرؤوسي بوضوح، أم أنني أجري مقارنة بينها وبين مكان القوة والضعف الموجودة لديّ أنا شخصياً؟
- هل أنظر إلى الأمور على المدى البعيد، وأتوقع القدرات المطلوبة، والتحديات والتوقعات المستقبلية؟
- هل أطرح الأسئلة أكثر من محاولة تقديم الإجابات؟
- هل أحدد المهام ومواعيد إنجازها بوضوح، أم أنني أترك "كيفية" إنجازها لأعضاء الفريق أنفسهم؟
- هل أنا من الذين لا يصغون إلى إحساسهم الداخلي؟ (لا تفعل ذلك)
- هل أتحلّى بالصبر وأترك المجال لنفسي لكي أتطور وأتقن دوري كمدير؟
إذا أجبت عن تلك الأسئلة السابقة، فسيصبح من السهل عليك امتلاك عقلية المدير، وأن تدير فريق عملك بالكفاءة المطلوبة.