هادي سليمان: ستيف جوبز عالم الأزياء والموضة

5 دقائق
هادي سليمان وعالم الأزياء والموضة

لقد قلب طريقة أداء الأشياء رأساً على عقب، لكنه بالغ كثيراً حتى اُستبعد من عالم الموضة وبقي سنوات منسياً حتى طلبوا منه العودة. لكن هذه المرة، عاد بعد صقل موهبة التمرد لديه وإتقانها. كسب المليارات وليس الملايين، وهو ما دفع العالم إلى الإشادة به. إليكم قصة هادي سليمان وعالم الأزياء والموضة.

لا أتحدث عن ستيف جوبز، بل اسمحوا لي أن أقدّم لكم أعظم مبدع عبقري، لم يسبق لكم أن سمعتم به على الأغلب: هادي سليمان، المدير المبدع لدار أزياء "إيف سان لوران" (Yves Saint Laurent)، الذي تقاعد للتو، وربما أنه الشخص الأكثر شبهاً بشخصية ستيف جوبز في عالم الأعمال التجارية حالياً. من غيره أعاد تعريف ثلاث علامات تجارية عالمية رائعة: عطر "ريف غوش" (Rive Gauche) الرجالي من "إيف سان لوران" في التسعينيات من القرن الماضي، وعطر "ديور أوم" (Dior Homme) في العقد الأول من الألفية الثانية (حيث عرض البنطال ذا الساق الضيقة)، وعلامة "سان لوران" (Saint Laurent) الآن، محيياً بذلك قطاعاً راكداً، ومتسبباً بانقسام الآراء، ومشكّلاً جماعة من الأتباع، ليصبح في النهاية شبيهاً بشخصية شهيرة، أليس كذلك؟ لكن على الرغم من مكانته المرموقة في قطاع الأزياء، يبدو أن بضعة أشخاص فحسب خارج القطاع يعرفونه.

الإنجازات التي حققها هادي سليمان

هناك عدد قليل من الأشخاص في هذا العالم أشعر بالغيرة منهم. ليس بسبب حجم حساباتهم المصرفية، بل على قيمة إنجازاتهم. أنجز سليمان في الأعوام الأربعة التي تولى فيها منصبه في "إيف سان لوران" أكثر مما يستطيع معظمنا القيام به خلال أربعين عاماً. إذ إنه لم يُصمّم ثياباً جميلة فحسب، بل أعاد تصوّر ما يمكن للعلامة التجارية والشركة والقطاع والإبداع أن يكونوا عليه. جعل سليمان الناس - خاصة الشباب - يغرمون بالموضة مجدداً. أريد أن أشدد على مدى أهمية هذا الإنجاز. لأن الحقيقة أن العديد من الشباب حالياً يحتقرون صيحات الموضة ويسخرون منها. وارتداء الأزياء القديمة الطراز مناسب جداً باعتقادهم للتعبير عن رفضهم التام للموضة باعتبارها أداة رأسمالية خبيثة. وهم محقون، فصيحات الموضة بالنسبة لجيل الركود تكاد تكون مغرية مثل عبارة "دعهم يأكلون الكعك" بالنسبة لجموع الشعب الباريسي. وهذه متعة عديمة الجدوى. وعلى الرغم من ذلك، جعل سليمان الموضة ذات أهمية بالنسبة لهم مجدداً. وأعتقد أن هذا أمر مهم جداً ولم يُحتفَ به بالقدر الكافي. وبالتالي من الجدير التقصي عن طريقة قيامه بذلك.

أولاً، لأنه تجاهل نقّاده. فعلى غرار العديد من القطاعات، تواصل شركات الموضة الاستحواذ على علامات تجارية صغيرة وخاسرة ومثيرة للاهتمام لا تندمج تماماً مع التوجه السائد. وتذوي هذه العلامات التجارية بصمت وبشكل مؤلم. لكن السؤال الفعلي هو: لماذا صار هذا نمطاً سائداً لدى هذه الشركات على الرغم من أنه متوقَّع وغير مجدٍ في آن معاً؟ والإجابة هي: لأن قطاع الموضة يصنع الأشياء من أجل النقاد. على غرار العديد من القطاعات الأخرى، بدءاً من قطاع التكنولوجيا ووصولاً إلى قطاعي الإعلام والرياضة، فهو يحاول إرضاءهم وكسبهم لصالحه وتلبية طلباتهم حتى. لكن النقاد ليسوا الأشخاص الذين يشترون هذه الأشياء. والنتيجة: ثياب قبيحة وضخمة ودون هوية، تعجِب النقاد لكنها تقود صناعة الأزياء إلى حال من الركود. لقد فقد مصممو الأزياء التواصل مع ما يريده الناس فعلياً وما يحبونه ويتوقون إليه.

لذا بدلاً من ذلك، من السهل القول إن "سليمان خالف القواعد". لكن القيام بذلك هو أمر نادر جداً. وجّه سليمان صدمة إلى عالم الموضة الجامد والشكلي، إذ أسقط كلمة "إيف" من علامة "سان لوران" التجارية ونظم عروض أزياء ناجحة ولكنه لم يستعن بعارضات مثاليات المظهر في عروضه فحسب، بل استعان أيضاً بموسيقيين وممثلين غير مهندمين، وهذا مجرد مثال لبعض أعمال التمرد البسيطة التي قام بها. والأهم من ذلك، أنه صمّم ثياباً يرغب الناس فعلاً في ارتدائها وبدت في المتاجر أفضل مما كانت عليه على منصة العرض. صدم عالم الأزياء. هُوجم سليمان بشراسة من قبل النقاد خاصة في بداية توليه وظيفته. (والآن يقرّ أقسى نقاده أنه "ذكي"). لكنه أنشأ مجموعة تلو الأخرى من المعجبين المخلصين لأنه كان متقدماً حتى على النقاد. قد تولّد لعبة إرضاء النقاد ذاتية المرجع شعوراً بالارتياح لكنها لا تؤسس عملاً تجارياً بالضرورة.

الاستفادة من نهج هادي سليمان لتأسيس الأعمال التجارية

لتأسيس عمل تجاري، يجب أن تصنع منتجات يرغب بها الناس بحقّ. تعتبر «الرغبة» كلمة سيئة في قاعات الاجتماعات. ونحن نشعر براحة أكبر تجاه أشكال التعبير المحسوبة والمنطقية عن الرغبات. وبوسعنا صياغتها ضمن جداول بيانات وتحليل تلك الجداول وتجهيزها. ثمّة مشكلة واحدة بسيطة هنا، وهي أن بوسع المستهلكين القيام بذلك أيضاً. فأنت لا تنفق بسخاء على أشياء تُجري حسابات بشأنها في عقلك. لكنك تنفق بسخاء مقابل الحصول على أشياء تسحرك وتفتنك وتبهجك؛ أي الأشياء التي نحبها، سواء تمثّلت تلك "الأشياء" في أشخاص أو ملابس أو هواتف فهي تُعطّل المناطق المسؤولة عن المنطق في عقولنا. إنها تبهجنا وتجعلنا نطير من الفرح. ونقول لأنفسنا: "إنها مكلفة جداً بالطبع، لكن هذا لا يهمني.. يجب أن أحصل عليها". تجاوزت إيرادات مبيعات "سان لوران" الضعف في السنوات الثلاث الأولى من تولي سليمان لمنصبه، وأفادت دار الأزياء في شهر فبراير/شباط بزيادة في إيرادات الربع الأخير بنسبة 37.4 في المائة وبتحقيق أعلى هامش تشغيلي على الإطلاق (حوالي 20 في المائة).

تكمن براعة حقيقية في صميم هذا النجاح المالي. ولقد أصبحتُ معجباً بسليمان شخصياً منذ أكثر من عقد من الزمن. كنت نحيلاً وبائساً وكدت أبلغ من العمر عشرين عاماً. كانت الأزياء وقتها تباع في المحلات الفخمة. كانت مخصصة برأيي لئيس خدم جدّ جدي. وكانت الأزياء العصرية التي تناسب عمر 14 عاماً تفي محلات الأزياء والملابس العصرية. ومن ثم صادفتُ أعمال سليمان. كان هناك بنطال مصنوع من قماش الجينز الياباني المجعد. وجاكيت مصنوع من الجلد ومفصّل بدقة مماثلة لبدلة أنيقة. أخيراً، تمثلت عبقرية سليمان العظيمة في رفع مستوى الأزياء. إذ صُنعت سراويل الجينز الممزقة وسترات راكبي الدراجات والقمصان الشبابية بطريقة متقنة وزُوّدت بتفاصيل دقيقة للغاية. ولهذا السبب لم يستوعبها النقاد. بدلاً من التصاميم غير الصالحة للبس التي كانت منتشرة آنذاك، ركّز سليمان على التفاصيل الصغيرة التي قد يهتم المتسوقون بها فعلاً كوضع الجيوب على السترة الجلدية وإضافة البطانة الحريرية للسترة. أي انصبّ تركيزه على الحرفية وليس على الشكل فحسب. تأمل الفكرة التالية: تمثّل أحد أعظم ابتكارات سليمان في دار "إيف سان لوران" في "المجموعة الدائمة"، وهي عبارة عن مجموعة من الأشياء التي لم تتغير أبداً. ويعتبر ذلك تمرداً في قطاع واقتصاد يركّزان بشدة على الحداثة.

تُعيد مجموعات من قبيل مجموعة "بروكلن" و"ديترويت" البراعة الفنية والمهارة إلى المنتجات بدءاً من الشوكولاتة ووصولاً إلى القهوة والمفروشات في يومنا الحالي. لكن الحقيقة المرة، هي أن تلك الشركات الكبرى تعتبر الحرفية تسويقاً. وتحاول وسمها وتخدع الناس ليعتقدوا أنه ثمة براعة فنية في الأشياء، ومن الأمثلة الحديثة على ذلك: حيلة "المزارع الخيالية" التسويقية التي قامت بها شركة "تيسكو" (Tesco)، دون ممارستها بالفعل أو الاستثمار بها. يجب أن تتعلم الشركات درساً من سليمان وتنفذه بالفعل.

لماذا لا تستطيع الشركات القيام بذلك؟

لأن العديد من المؤسسات الكبرى تعاني مشكلة في الموهبة. إذ إنها تنبذ المواهب وترفضها وتخنقها. وسليمان هو الشيء الأصيل. فهو لم يصمم الثياب فقط، بل التقط الصور للإعلانات وصمم الأكياس للمتاجر. إن معظم المؤسسات شديدة الحساسية تجاه إتاحة هكذا مستوى من السيطرة لشخص واحد. ومن باب الإنصاف، لا بد من الإقرار بأنه لا يوجد الكثير من النوابغ الذين يستحقون الحصول على ذلك. لكن إذا عمل سليمان أو جوبز لصالحك، فيجب عليك كمؤسسة القيام بشيء واحد بسيط: ألا تشكل عثرة في طريقهم.

هكذا ستخرج من الفخ المتمثل في مسايرة التوجهات ببساطة وانتهاز الفرص من خلالها بعد الاطلاع على قصة هادي سليمان وعالم الأزياء والموضة: تجاهل النقاد وخالِف القوانين واصنع أشياء يرغب بها الناس بحقّ واصنعها ببراعة فنية حقيقية. يتطلب الأمر مزيجاً نادراً من العبقرية الشخصية والمخاطرة المؤسسية، ولعل هذا هو السبب وراء عدم رؤيتنا للكثير من الأشخاص الذين يشبهون سليمان حولنا. مع ذلك، يمكننا دوماً أن نطمح للمزيد.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي