في الوقت الذي تبذُل فيه فرق المشتريات جهداً كبيراً للتعامل مع وباء "كوفيد-19" (كورونا المستجد) العالمي، حاولت معظم هذه الفرق مواكبة الأخبار المتعلقة بتدابير الاستجابة العالمية والعمل بجد لتأمين المواد الخام والمكونات وحماية خطوط التوريد. ومع ذلك، غالباً ما تكون المعلومات المهمة غير متوفرة أو غير متاحة للفرق العالمية. نتيجة لذلك، كان رد فعل هذه الفرق على الزعزعة غير فاعل وغير منسّق، ووصل تأثير الأزمة إلى العديد من الشركات دون استثناء.
في المقابل، كانت أقلية صغيرة من الشركات التي استثمرت في تخطيط شبكات التوريد قبل ظهور الوباء مستعدة بشكل أفضل، وذلك لتمتّعها برؤى أفضل فيما يتعلق بهياكل سلاسل التوريد. على سبيل المثال، تمتلك هذه الشركات معلومات كثيرة تُتيح لها الاستجابة بشكل فوري عند احتمال حدوث زعزعة ما بدلاً من اللجوء إلى التخطيط في اللحظات الأخيرة. وتعرف هذه الشركات هوية الموردين والمواقع والأجزاء والمنتجات المعرضة للخطر، وهو ما يتيح لها احتلال الصدارة في تأمين المخزون والقدرات المقيّدة في المواقع البديلة.
وعلى الرغم من اضطرابات سلاسل التوريد التي ألحقتها الكوارث في العقد الماضي، بما في ذلك ثوران بركان آيسلندا، وزلزال وموجة تسونامي اليابان، والفيضانات في تايلاند، والإعصارين ماريا وهارفي، لا تزال معظم الشركات غير مستعدة لوباء "كوفيد-19". ووفقاً للاستبيان الذي أجرته شركة "ريزيلينك" (Resilinc) في أواخر يناير/ كانون الثاني وبداية فبراير/ شباط، أي بعد تفشي وباء "كوفيد-19" في الصين مباشرة، أفاد 70% من 300 مشارك أنهم لا يزالون في مرحلة جمع البيانات وتقييمها، بمعنى محاولة تحديد هوية المورّدين العاملين في مناطق خضعت لتدابير الإغلاق العام في الصين. ويوجد عدد من الأسباب والحلول المقترحة لهذه المشكلة.
اقرأ أيضاً: ماذا تفعل لكي لا تُضيع عاماً من عمرك بينما تنتظر انفراج أزمة كورونا؟
ارتفاع سعر الموارد المطلوبة لتخطيط شبكات التوريد.
تتحدّث العديد من الشركات والقادة عن الحاجة إلى تخطيط شبكات التوريد باعتبارها استراتيجية للتخفيف من المخاطر، إلا أنهم لم يلجؤوا إلى هذه الاستراتيجية بعد، ذلك أن تنفيذها يتطلب عدداً كبيراً من العمال وقدراً كبيراً من الوقت. على سبيل المثال، أخبرنا المسؤولون التنفيذيون في إحدى الشركات اليابانية المصنّعة لأشباه الموصلات أن الأمر استغرق فريقاً مكوّناً من 100 شخص أكثر من عام للتخطيط لشبكات التوريد الخاصة بالشركة وصولاً إلى موردي الموردين، وذلك بعد الزلزال والتسونامي الذي ضرب اليابان عام 2011. في حين تتّبع بقية الشركات نهج شركة السلع الاستهلاكية الكورية الجنوبية الكبرى التي أدركت ضرورة تخطيط شبكة التوريد الخاصة بها وأحجمت عن تنفيذها نتيجة الصعوبات التي تنطوي عليها.
وبالتالي، تستمر العديد من الشركات في الاعتماد على الذكاء البشري وقلة مختارة من الموردين المباشرين. لكن المعلومات التي يجري جمعها من خلال العلاقات الشخصية هي معلومات متناقلة عادة وغالباً ما تكون مجرد تخمين، وتندثر هذه المعلومات مع مغادرة موظفي المشتريات الشركة أو ترقّيهم إلى مناصب أخرى أو تقاعدهم. وقد يقضي الموظفون الجدد سنوات في التعرف على الموردين المباشرين، ومورّدي الموردين وموقعهم العالمي.
وعلى الرغم من أن تخطيط شبكة التوريد هو مهمة صعبة ويتطلّب موارد كثيرة، لا يوجد أي طريقة أخرى لتفادي إجراء هذا التخطيط، وستدرك الشركات أن قيمة التخطيط أهم من التكلفة والوقت المبذولين لإعداد مخططات شبكات التوريد هذه.
ويتمثّل النهج الأكثر شيوعاً في تحديد قائمة المواد والتركيز على المكونات الرئيسة، وذلك من خلال تحديد المنتجات الخمسة الأولى من حيث الإيرادات وتحديد موردي مكونات هذه المنتجات ومورّدي مورّديها وصولاً إلى موردي المواد الخام. ويجب أن يكون الهدف هو الوصول إلى أكبر عدد ممكن من مستويات التوريد، ذلك أنه قد يوجد موردين مهمين غير مباشرين لا تمتلك الشركة المشترية أي معلومات عنهم. ويجب أن يتضمن المخطط أيضاً معلومات حول الأنشطة التي يؤديها الموقع الرئيس، والمواقع البديلة التي يمتلكها المورّد والتي يمكن أن تؤدي المهمات نفسها، والمدة التي يستغرقها المورّد لبدء شحن المنتجات من الموقع البديل.
وقد يكون من المفيد التماس مساعدة شركات الخدمات في الحصول على بيانات شبكات التوريد وتحليلها وتنظيم النتائج بطريقة سهلة الاستخدام. وعلى الرغم من أن عملية التخطيط التي تنفّذها هذه الشركات لا تتّبع نهجاً تفصيلياً وصولاً إلى مورّدي المواد الخام، تُعتبر نقطة انطلاق مهمة. ومن الأمثلة على الشركات التي تقدّم هذه الخدمة شركة "إيليمينتوم" (Elementum) وشركة "لاما سوفت" (Llamasoft) وشركة "ريزيلينك". (إفصاح: بنديا فاكيل، المشاركة في إعداد هذه المقالة، هي مؤسسة شركة "ريزيلينك" ورئيستها التنفيذية).
تقييم وظيفة الشراء من خلال توفير التكاليف وليس عبر ضمان الإيرادات.
تتمحور معظم أنشطة المشتريات حول توفير التكاليف، وهو ما يعني الحصول على الإمدادات بتكلفة منخفضة، شريطة أن تمتثل هذه الإمدادات بمعايير الجودة المحددة.
وعندما تضطر فرق المشتريات إلى اللجوء إلى تدابير استثنائية لتأمين الإمدادات في الوقت المحدد (على سبيل المثال، من خلال الإسراع في إرسال الشحنات أو شراء قطع أو مواد بأسعار مرتفعة)، يجري تخصيص التكاليف الأعلى لأقسام محددة من المؤسسة (مثل قسم الخدمات اللوجستية في حالة الشحنات العاجلة، وقسم التمويل في حالة الأسعار المرتفعة للمواد الخام). ولا أحد يطرح السؤال التالي عادة: لماذا لم يكن الاستعجال في إرسال الشحنات أو شراء المواد بأسعار مرتفعة ضرورياً في المقام الأول؟
يحتاج موظفو إدارة المشتريات والخدمات اللوجستية وإدارة تمويل سلسلة التوريد إلى الاجتماع معاً للتحدث عن الفجوات الرئيسة المتمثّلة في الأدوات والمعلومات والأشخاص والعمليات والتي يجب معالجتها بغية حماية الشركة من الأحداث المزعزعة في المستقبل ومواءمة أهداف إدارة المشتريات مع أهداف الشركة النهائية.
لا تنطوي مقاييس أداء الموردين على الزعزعة المحتملة في سلاسل التوريد.
عندما تحلّ كارثة ما، يعاني المشترون والموردون على حد سواء. لذلك، من المنطقي أن تقوم الشركات بدمج المقاييس المتعلقة بالزعزعة في تقييماتها للموردين.
على سبيل المثال، عند اختيار مورد ما وتوقيع العقد الأولي، تُدرج العديد من الشركات الرائدة عبارات تشترط على المورد المشاركة في جهود تخطيط سلسلة التوريد بشكل سنوي. وعند حدوث ظروف قاهرة، مثل الإغلاق العام الحالي بسبب الوباء، يمكن استخدام مخططات التوريد هذه باعتبارها دليلاً تفصيلياً يُسهم في إيجاد حلول للأزمة. في الواقع، قدّم الموردون في الصين أكثر من 3,000 تصريح بتعرّضهم لظروف قاهرة خلال الأشهر القليلة الأولى من أزمة "كوفيد-19". ويجب أن توضح العقود أيضاً أوقات التعافي المتوقعة وسبل التعافي خلال هذه الظروف.
وبعد تلاشي أزمة "كوفيد-19"، سنلاحظ أن الشركات تنقسم إلى إحدى فئتين اثنتين، فئة تغامر في عدم اتخاذ أي إجراء على الإطلاق على أمل ألا تتعرّض لمثل هذه الزعزعة مرة أخرى، وأخرى تستجيب لدروس هذه الأزمة وتُجري استثمارات بهدف تخطيط شبكات التوريد الخاصة بها حتى لا تضطر إلى العمل بأسلوب غير عقلاني عند وقوع الأزمة التالية أو إلى إعادة توقيع عقودها مع الموردين بغية التوصل إلى حلول عند حدوث زعزعة ما، وستكون هذه الشركات هي الرابحة على المدى الطويل.