إنّ إعطاء ملاحظات تقييمية لموظفيك، خصوصاً عندما يكون أداؤهم دون المتوقع، هو من بين أهم الأدوار التي تؤديها كمدير. ليس هذا فحسب، بل يعد معظم الناس ذلك من أكثر الأمور التي يتحرجون منها ويخشونها. مثل هذه المحادثات يمكن أن تكون غير مريحة على الإطلاق وقد تكون مشحونة بالعواطف والانفعالات. وبالتالي، الخوف من دفع الموظف لاتخاذ موقع دفاعي ومن أن تؤدي المحادثة إلى توتير العلاقة معه، وينتهي الأمر بالمسؤول في كثير من الأحيان إلى تخريب الاجتماع عن غير قصد عن طريق الإعداد له بطريقة لا تتيح خوض نقاش صريح. هذه العادة التي تُتبع عن غير قصد؛ بل في الواقع بصورة غير واعية؛ هي نتيجة ثانوية للضغوط التي يواجهها المدراء وتجعل من الصعب إعطاء ملاحظات تقييمية تؤدي دوراً تصحيحياً بشكل فعال.
ولكن لكل مشكلة حل، وليس بالضرورة أن تكون هذه المحادثات صعبة للغاية. من خلال تغيير الذهنية التي درجت عليها في توجيه ملاحظات تقييمية سلبية، يمكنك زيادة فرص نجاح العملية بشكل كبير وخوض نقاش مثمر وتجنب إفساد علاقاتك مع موظفيك وتحفيزهم على إجراء تعديلات تحسن الأداء الخاص بهم بصورة فعلية. فيما يلي، سأشرح الأخطاء التي تحدث أثناء هذه الاجتماعات ولماذا تحدث. وسأتحدث بالتفصيل عن المجرى الذي آلت إليه بعض المحادثات المستقاة من الحياة الواقعية وما كان يمكن أن يفعله المدراء بطريقة مختلفة للوصول إلى نتائج تحقق مزيداً من الرضا. كخطوة أولى، دعونا نلقي نظرة على الطريقة التي يعد بها المدراء لإيصال ملاحظات تقييمية، أي الطريقة التي يرتبون بها القضايا في أذهانهم قبل المناقشة.
تأطير الملاحظات التقييمية
في الوضع المثالي، يفترض أن يتقبل الموظف الملاحظات التقييمية التصحيحية بذهن منفتح. سيطرح هو أو هي بعض الأسئلة الاستيضاحية، ويعدون بالعمل على القضايا التي نوقشت، ويظهرون علامات تحسن مع مرور الوقت. لكن الأمور لا تجري دائماً على هذا المنوال.
لننظر في المثال التالي. سمع حسام، وهو نائب رئيس شركة للمنتجات الاستهلاكية، بعض الشكاوى حول جميل مدير المنتج. (جرى تغيير الأسماء والمعلومات التعريفية الأخرى للأشخاص الوارد ذكرهم في هذه المقالة). لقد حرص جميل باستمرار على إتقان عمله وإنجازه في الوقت المحدد، لكن العديد ممن يعملون تحت إشرافه تذمروا من عدم استعداده الواضح لإيكال بعض المسؤوليات لهم. لقد شعروا أن مساهماتهم لا تحظى بتقدير وأنه ليس لديهم فرصة للتعلم والنمو. لقد شعر حسام بالقلق من أن مستقبل جميل المهني نفسه سيكون محدوداً إذا انصب تركيزه على التفاصيل اليومية لعمل مرؤوسيه وحال دون تنفيذه مزيداً من المشاريع الاستراتيجية. بصفته رئيسه، شعر حسام بأن من مسؤوليته أن يصارح جميل بمخاوفه. إليكم كيف دار النقاش بينهما:
حسام: "أريد أن أناقش معك بعض قضايا العمل. أنت تقوم بعمل رائع، ونحن نقدر جهدك. لكنني أعتقد أنك تفعل أكثر من اللازم. لديك أشخاص رائعون يعملون معك؛ لماذا لا تطلب منهم القيام ببعض المهام؟".
جميل: "لم أفهم ما تريد قوله. أنا أكلفهم بمهام عندما أرى ذلك مناسباً. لكن الكثيرين في هذه الشركة يعتمدون على نوعية العمل الجيدة التي تخرج من القسم الذي أديره، لذلك أحتاج إلى متابعة الأمور بنفسي".
حسام: "نعم، ونحن نقدر اهتمامكم بالتفاصيل. لكن وظيفتك كمدير هي مساعدة موظفيك على النمو والاضطلاع بأدوار جديدة وتحمل المزيد من المسؤولية. في هذه الأثناء، أنت تركز إلى حد كبير على التفاصيل بحيث لا يتبقى لديك وقت للتفكير بالأمور من منظور عام، حول الاتجاه الذي تأخذ فيه هذا المنتج".
جميل: "هذا ليس صحيحاً. أنا أفكر دائماً في المستقبل".
حسام: "ما أريد قوله هو أنه سيكون لديك مزيد من الوقت للتفكير الاستراتيجي إذا لم تكن غارقاً في التفاصيل اليومية".
جميل: "هل تقصد أنني لست مفكراً استراتيجياً؟".
حسام: "أنت مشغول للغاية بمتابعة كل صغيرة وكبيرة حتى أنني لا أعرف إن كنت ستكون قادراً على التفكير!".
سيدهشكم أن تعرفوا كم هو شائع هذا النوع من النقاش، حيث يدافع كل طرف عن وجهة نظره بقوة ثم تزداد حدة الموقف وتتصاعد الأمور إلى الدرجة التي يتم فيها تضخيم أي اختلاف في وجهات النظر بصورة دراماتيكية. في كثير من الأحيان، كما فعل حسام في المحادثة السابقة، يتلفظ هذا الشخص أو ذاك بكلام حساس عن غير قصد. بالطبع، قد لا يصل الأمر إلى هذا الحد، فقد يختار أحد الطرفين أو كلاهما المسايرة بدلاً من القتال. لكن في كلتا حالتي التصعيد أو الإذعان، الأرجح أن الموظف لم يتقبل الموقف الذي عبر عنه مسؤوله. يميل المدراء إلى أن ينسبوا عدم القبول هذا إلى اعتزاز الموظفين بأنفسهم أو اتخاذهم موقفاً دفاعياً. في الواقع، ليس من غير المعتاد أن يشعر الناس بأن عليهم الدفاع عن عملهم، أو يحتفظوا بهذا الصدد برأي مبالغ به حول أدائهم وقدراتهم. لكن في أكثر الأحيان، يتحمل المسؤول المسؤولية أيضاً. دعونا نعاين سبب ذلك.
كلما واجهنا قراراً أو موقفاً، نؤطره سواء بوعي منا أم لا. في أبسط صوره، يكون الإطار هو الصورة التي يشكلها صانع القرار عن موقف ما، أي الطريقة التي يصور بها الظروف والعناصر المحيطة بالقرار. يحدد الإطار حدود القرار أو الموقف وأبعاده. على سبيل المثال: ما هي القضايا التي سيتم النظر فيها وما هي المكونات الموجودة ضمنها أو خارجها، وما هو تقييم مختلف أجزاء المعلومات وكيف يمكن حل المشكلة أو تحديد النتيجة الناجحة...إلخ. يميل المدراء إلى تأطير المواقف والقرارات الصعبة بطريقة ضيقة (البدائل ليست جزءاً منها أو لم تؤخذ حتى في الاعتبار) وثنائية (هناك نتيجتان محتملتان فقط: الفوز أو الخسارة). ثم، أثناء مناقشة الملاحظات التقييمية، يظل تأطيرهم جامداً دون تغيير، بغض النظر عن الاتجاه الذي تأخذه المحادثة.
استباقاً لمحادثته مع جميل، على سبيل المثال، صاغ حسام المشكلة في ذهنه على أساس أن "جميل يتحكم بكل شيء". هذا إطار ضيق لأنه يستبعد الكثير من التفسيرات البديلة. على سبيل المثال: "جميل يرغب في تفويض بعض المسؤولية لكنه لا يعرف كيف ويحرجه الاعتراف بذلك". أو "يفوض جميل في الواقع مسؤوليات بقدر ما يستطيع نظراً لمستويات مهارات موظفيه الحالية؛ إنهم محبطون ولكنهم لا يستطيعون تولي مسؤولية قضايا أخرى أكثر مما يفعلون". أو ربما "جميل يفوض الكثير، لكن لدى فراس وجمانة مهام أخرى يؤديانها". وربما يزيد حسام الطين بلة دون أن يدرك ذلك من خلال توجيه إشارات ملتبسة إلى جميل بقوله: "عليك تمكين موظفيك ولكن لا ترتكب أي أخطاء". نحن لا نعرف ذلك على وجه اليقين، ولا حسام يعرف.
انطلاقاً من هذه النظرة الضيقة، خاض حسام المناقشة في إطار ثنائي يترك للطرفين هامشاً صغيراً جداً للمناورة: "يجب أن يتعلم جميل كيف يفوض المسؤوليات وإلا سنخسر فراس وجمانة. وفي الوقت نفسه، سيُرهق نفسه". وأخيراً وليس آخراً، بقي إطار حسام جامداً طيلة فترة النقاش على الرغم من الإشارات الواضحة إلى عدم اقتناع جميل بالملاحظات. لم يقم حسام في أي وقت باستيعاب، ناهيك عن معالجة، اعتراضات جميل. لذلك، ليس من المستغرب أن ينتهي الاجتماع بشكل سيء.
مخاطر توجيه النقاش في اتجاه واحد
بعد خوض بعض التجارب السيئة في إعطاء ملاحظات تقييمية مؤطرة في إطار ضيق، يميل المدراء إلى الاستعانة بحكمة تقليدية تقول إنه من الأفضل تلطيف الأخبار السيئة من خلال تغليفها ببعض الأخبار السارة.
يحاولون تجنب المواجهات غير المريحة عن طريق استخدام نهج غير مباشر: فهم يحسمون أمرهم بشأن مشكلة ما ثم يحاولون مساعدة موظفيهم للوصول إلى الاستنتاجات نفسها مثلهم من خلال طرح مجموعة من الأسئلة التي أعدوها بعناية.
للوهلة الأولى، يبدو هذا النوع من "التوجيه اللطيف" أكثر انفتاحاً وإنصافاً من النهج الصريح الذي اتبعه حسام، نظراً لأن المدير يشارك الموظف في محادثة، بغض النظر عن أنها معدة مسبقاً. ولكن مثلها مثل النهج الصريح، يعكس التوجيه اللطيف إطاراً ضيقاً وثنائياً يبقى عادة جامداً خلال كل عملية النقاش. في الواقع، لن تكون هناك حاجة للتوجيه إذا باشر المدير المحادثة بذهن منفتح حقاً. إذ ينطوي التمهيد والتوجيه على مخاطر إضافية: قد لا يعطيك الموظف الإجابات التي تبحث عنها.
على سبيل المثال، كان لدى إيهاب، وهو مدير تنفيذي في إحدى شركات الأدوية، بعض الأخبار الصعبة التي عليه إيصالها لموظفته سلام. كانت مديرة في المستوى المتوسط في الشركة وقامت بعمل ممتاز في إدارة قسمها لكنها لم تساهم بشكل مرض في فريق عمل على مستوى الشركة برئاسة إيهاب. ظلت سلام صامتة بشكل ملحوظ خلال الاجتماعات، ما دفع إيهاب إلى الاستنتاج بأنها كانت مشغولة للغاية ومنعها ذلك من المشاركة بفعالية، وأنه لم يكن لديها الكثير لمشاركته مع المجموعة. فما كان الحل بالنسبة لإيهاب؟ إخراجها من فريق العمل حتى تتمكن من التركيز على مسؤولياتها الأساسية. ولكن لأنه أحس بأن سلام قد تشعر بالأذى أو الإهانة إذا اقترح عليها التخلي عن دورها، فقد أمل إيهاب في حثها على الانسحاب من اللجنة بطرح سلسلة من الأسئلة عليها تجعلها تدرك أنها مشغولة للغاية ولا يمكنها الاستمرار. دعونا ننظر إلى ما حدث.
إيهاب: "هل تشعرين أحياناً وكأنك تضيعين وقتك في اجتماعات فريق العمل؟".
سلام: "لا، أنا أتعلم الكثير من الاجتماعات، ومن متابعة الطريقة التي تديرها بها".
إيهاب: "لكن هل تجدين أن أعمالك اليومية تشغل تفكيرك عندما تكونين في اجتماعات اللجنة؟".
سلام: "ليس حقاً. آمل ألا أكون قد أعطيتك الانطباع بأنني لست ملتزمة تماماً. أعتقد أن هذا عمل مهم، وأنا متحمسة لأن أكون جزءاً منه، وأعتقد أن لدي بعض الأفكار الجيدة التي يمكنني طرحها".
إيهاب: "ماذا لو كنت تستطيعين المشاركة بشكل غير رسمي؟ يمكنك أن تخرجي من الفريق كعضو دائم، لكن تستمرين في تلقي جدول الأعمال والمحاضر والمساهمة عندما يكون مجال خبرتك مطلوباً".
سلام: "يبدو أنك تريدني أن أخرج من اللجنة. لماذا؟ لا أعتقد أن عمل اللجنة أثر على التزامي بعملي الفعلي. أنا أحقق النتائج المطلوبة، بالإضافة إلى أنها فرصة للتعلم".
إيهاب: "لا، لا، أريد فقط التأكد من أنه أمر تريدين فعله".
سلام: "نعم، إنه كذلك".
كما ترون، لم تجار سلام مديرها. لم يكن إيهاب مستعداً للمواجهة، فتراجع، وخسر. لم يُخرج سلام من اللجنة ولم يصارحها برأيه بأن عملها في اللجنة كان دون المتوقع وليس لديه طريقة لمساعدتها على تحسين أدائها. وبالإضافة إلى ذلك، أضاف مصدراً للتوتر في علاقتهما: من المحتمل أن سلام شعرت بالقلق بعد المحادثة، حيث ألمح إيهاب إلى نوع من عدم الرضا عن أدائها دون إخبارها ما هو.
كما في مثالنا السابق، كان تأطير إيهاب للمسألة ضيقاً: "سلام لا تتحدث في الاجتماعات ربما لأنها مثقلة بالأعباء، لذا فإن مشاركتها في اللجنة مضيعة لوقتها". كان تأطيره ثنائياً أيضاً: سيكون النقاش ناجحاً فقط إذا وافقت سلام على الخروج من اللجنة دون أن تفقد الدافع لأداء عملها المعتاد. وظل الإطار الذي وضعه جامداً لأن إيهاب كان يركز على طرح الأسئلة "الصحيحة" برأيه وما كان بوسعه سوى معالجة الإجابات "الصحيحة" التي كان ينتظر الحصول عليها.
في هذه الأثناء، قد تستفيد سلام فعلياً من أنها عضوة في اللجنة، حتى وإن لم تقل الكثير. إنها تتعلم الكثير، ومشاركتها تعزز حضورها. وإذا تمكنت من إيجاد طريقة للمساهمة أكثر، فقد تستفيد اللجنة من عضويتها. ولكن من خلال تأطير المشكلة بالطريقة التي اتبعها، استبعد إيهاب الحلول الممكنة الأخرى والتي قد يكون أي منها أكثر إنتاجية لجميع المعنيين: ربما تتحدث سلام في الاجتماعات إذا تحرى إيهاب عن أسباب صمتها وساعدها في العثور على طريقة للمساهمة بأفكار قد تكون قيمة للغاية. وإذا كان العمل الزائد يمثل مشكلة بالفعل، فربما تتخلى سلام عن بعض الواجبات لتكسب المزيد من الوقت والطاقة.
توجيه النقاش في مسار واحد ينطوي على مجازفة. قد تكون محظوظاً، لكنك تملك نصف أوراق اللعبة فقط. وقد لا يعطيك الموظف الإجابات التي تبحث عنها، كما رأينا مع سلام، إما لأنها لا توافق أو لأنها ترى أن في الأمر خدعة وترفض مجاراتك. أو قد يقرر الموظف الكف عن المقاومة ويتظاهر بالاقتناع ولكن دون أن يصدقك. وهناك خطر آخر، بغض النظر عن كيفية انتهاء المحادثة: قد يفقد الموظف الثقة في رئيسه. قد تتساءل سلام باستمرار ما الذي يخبئه إيهاب في جعبته بعد أن عرفت أنه خدعها.
في الواقع، هذا ما حدث لمازن، مدير التسويق في شركة استشارية كبرى. دعاه رئيسه رياض إلى اجتماع لمناقشة دوره وخرج مازن من الاجتماع بعد أن تخلى عن إدارة المشروع الذي رعاه، ويتمثل في تطوير أول حملة إعلانية للشركة وتنفيذها. لقد طرح عليه رياض سلسلة من الأسئلة غير الواضحة، مثل "هل تجد أن المشاركة في اجتماعات لا نهاية لها مع وكالات مختلفة مضيعة لوقتك؟" و"هل تشعر أنك ستوظف وقتك بشكل أفضل في تطوير مواد إعلامية جديدة؟" قبل مازن في النهاية ما كان بوضوح الاستنتاج "الصحيح" من وجهة نظر رئيسه ألا وهو التخلي عن المشروع على الرغم من رغبته في المتابعة. والأسوأ من ذلك أنه لم يفهم سبب رغبة رياض في إبعاده عن المشروع، لذا فقد أهدرت هذه المحادثة فرصته للتعلم. لقد شوه الأمر علاقته مع رئيسه ولم يعد مازن يأخذ تعليقات رياض على ما هي عليه وبات يتساءل عما يخفيه وراء ما يقوله.
لماذا الأمر بهذه الصعوبة؟
الخطأ الذي حدث مع حسام وإيهاب واضح وضوح الشمس. معظم المدراء اليوم مدربون تدريباً جيداً ويقصدون الخير؛ فلماذا لا يستطيعون تمييز أنهم يرتكبون خطأً؟ يمكن إرجاع الميل إلى تأطير المواقف التي تنطوي على تهديد من منظور ضيق إلى مزيج من عدة ظواهر.
أولاً، توضح الأبحاث أنه عند تحليل سلوك الآخرين، يميل معظم الناس إلى المبالغة في تقدير تأثير الخصائص المستقرة للشخص مثل طباعه وقدراته، والتقليل من تأثير الظروف المحددة التي يعمل فيها هذا الشخص. لذلك، على سبيل المثال، سيعزو المدير المشكلات في أداء الموظف إلى طباعه أو سلوكه بدلاً من ظروف مكان العمل، الأمر الذي يؤدي إلى تفسير مبسط إلى حد ما. تُعرف هذه الظاهرة باسم خطأ الإسناد الأساسي.
ثانياً ، الناس أكثر عرضة لارتكاب خطأ الإسناد الأساسي عندما يعملون في ظروف صعبة. يمكننا أن نميز بشكل أفضل تأثير القوى الظرفية عندما يكون لدينا الوقت والطاقة الكافيان لذلك بدلاً من أن نكون في وضع يتطلب منا الكثير من الانتباه. لسوء الحظ، يكون المدراء منشغلين معظم الوقت. وفي مواجهة أعباء العمل الضخمة والمواعيد الضاغطة، لا يمكنهم سوى إيلاء القليل من الوقت والانتباه للقيام بتحليل شامل لجميع الأسباب المحتملة للحالات التي يلاحظونها أو للعديد من الحلول الممكنة لمشكلة معينة. وهكذا يستقرون على أول تفسير مقبول. كان التفسير القائل أنّ "جميل يريد السيطرة على كل شيء" كافياً لشرح جميع الأعراض، لذلك لم يذهب حسام إلى أبعد من ذلك.
تعطينا الأبحاث أيضاً فكرة أعمق عن سبب ميل المدراء إلى صياغة الأشياء بطريقة ثنائية. على وجه الخصوص، أثبت عمل كريس أرغيريس الأستاذ في كلية هارفارد للأعمال على مدى خمسة عقود تقريباً أنه في ظل ظروف ضاغطة، يتصرف الناس بطرق يمكن التنبؤ بها. يرتبون سلوكياتهم، غالباً دون وعي، للسيطرة على الموقف والفوز، وهو ما يعني، لسوء الحظ، أن الجانب الآخر هو الذي يخسر عادة. هذا تأطير ثنائي.
ولماذا يصعب على المدراء إعادة النظر في أطرهم المقيدة في منتصف الطريق؟ لعدة أسباب قوية. أولاً، لا يشرع المدراء في تحديد المواقف بطرق مقيدة؛ يفعلون ذلك دون وعي معظم الوقت، ومن الصعب التشكيك في قيد لا نعرف أننا نفرضه على أنفسنا. ثانياً، يميل البشر إلى افتراض أن أشخاصاً آخرين يفكرون بعقلانية سيتفقون معهم في رؤيتهم للموقف. يُسمى هذا تأثير الإجماع الكاذب. يمثل تأطير قضية ما نظرتنا للواقع، أو الحقائق كما نراها. نحن أناس عقلاء وعلى قدر كبير من الكفاءة؛ فلماذا يرى الآخرون الأمور بشكل مختلف؟
يمكن أن يتخطى المدراء هذه العقبات من خلال التعرف عليها والتحلي بمزيد من الوعي والتأني عند صياغة القرارات. ولكن بعد ذلك عليهم التغلب على سبب آخر للتأطير الجامد: المعالج المشغول. على سبيل المثال، يشعر حسام بازدياد الضغوط عليه مع استمرار جميل في رفض روايته للحقائق، ويخصص كلاهما الكثير من الطاقة لمحاولة السيطرة على غضبهما المتزايد بحيث لا يتبقى لهما سوى القليل من الموارد للاستماع والمعالجة والاستجابة البناءة.
إعادة صياغة الملاحظات التقييمية
لنكن واضحين: أنا لا أقترح أن المدراء يخطئون بشكل منهجي في تشخيص مشكلات أداء موظفيهم. قد تكون تشخيصات حسام وإيهاب المبكرة صحيحة تماماً. وحتى لو كانت مناقشات ملاحظاتهما التقييمية أكثر إنتاجية، فربما لم يكن موظفاهما قادرين على تحسين أدائهما بما يكفي للاستجابة لتوقعات مديريهما. ولكن من شبه المؤكد أن يفشل جميل وسلام في تحسين الأداء إذا لم يفهما الملاحظات ويقبلاها. التأطير المقيّد لا يجعل محادثات تقويم الأداء أكثر إرهاقاً مما هي عليه فحسب، بل يزيد أيضاً من احتمال عدم تصديق الموظفين ما يقوله المسؤولون عنهم. في الواقع، من المرجح أن يقبل الموظفون تقويمات مدرائهم ويتجاوبوا معهم إذا شعروا أنها صيغت ونقلت إليهم بصورة عادلة.
لذا، على سبيل المثال، تخيل كم ستختلف محادثة حسام وجميل لو أن المدير صاغ مخاوفه بطريقة أوسع: "لقد بلغتني شكاوى بأن جميل لا يفوض مسؤوليات، وأن بعض موظفيه يشعرون بالإحباط لدرجة أخشى معها أننا سوف نبدأ في فقدانهم. أرغب في معرفة ما إذا كان جميل على علم بهذه الشكاوى والاطلاع على رأيه بشأن الوضع".
هذا الإطار ليس ضيقاً. لم يصل حسام إلى نتيجة حول سبب عدم تفويض جميل أو ما إذا كان يرفض تفويض المسؤوليات على الإطلاق. وهذا الإطار ليس ثنائياً. لم يراهن حسام على نتيجة الفوز أو الخسارة. ولأن حسام لم يجر المحادثة وفي ذهنه النتيجة المسبقة التي يصبو إليها، فليس لديه أي موقف يدعو للتصلب بشأنه. الآن، يمكن أن يباشر حسام النقاش بطريقة أكثر انفتاحاً. قد يقول، على سبيل المثال: "جميل، لا أعرف إذا كنت تعرف، أو إذا كان هذا صحيحاً أم لا، لكني سمعت أن فراس وجمانة حريصان على تحمل قدر أكبر من المسؤولية، فما رأيك؟"، هذا يمكن أن يؤدي إلى مناقشة قدرات فراس وجمانة، وكذلك دور جميل وتطلعاته، دون أن يعلق جميل وحسام في اختبار من يتفوق منطقه على الآخر.
أما بالنسبة إلى إيهاب، فبدلاً من الحديث عن الاجتماع بهدف إخراج سلام من اللجنة بأقل قدر من الضرر، كان بإمكانه صياغة النقاش من منظور أوسع: "لدي موظفة رائعة لا تتحدث كثيراً خلال اجتماعات اللجنة. لنجلس ونتحدث عن عملها وعن اللجنة ومشاريعها المهنية وكيف تتواءم عضويتها في اللجنة مع هذه المشاريع". لأن هذا الإطار لا يحدد نتيجة واحدة، إما الفوز أو الخسارة، فإنه سيجعل إيهاب يشعر بحاجة أقل للسيطرة على النقاش وبالتالي أقل اضطراراً لتوجيه مساره.
على الرغم من أن معظم المدراء يمكنهم بسهولة رؤية مكمن الخطأ فيما يفعلون عندما يحصلون على شرح حول كيفية قيامهم بتطوير ملاحظاتهم وعرضه، إلا أن الإطار المقيد لا يزال يمثل مشكلة مستمرة على نحو مثير للدهشة حتى بالنسبة للمدراء المتمرسين الذين يتفوقون في الممارسات القيادية الأخرى. لكن تقديم الملاحظات لا يجب أن يسبب لك الإرهاق ولا أن يحبط موظفيك، أو يلحق الضرر بعلاقاتك المهنية.
يتطلب تقديم نقد بناء يحقق نتيجة فعالة أن تتعلم كيف تتعرف على التحيزات التي تطبع صياغة الملاحظات التقييمية. يتطلب ذلك قضاء بعض الوقت في التفكير في تفسيرات بديلة للسلوكيات التي شاهدتها بدلاً من القفز إلى استنتاجات تُصاغ على عجل ولا تؤدي إلا إلى حشرك أنت وموظفيك في زاوية. وهذا يتطلب منك أن تأخذ في الاعتبار الظروف التي يعمل فيها الموظف بدلاً من إسناد الأداء الضعيف إلى طباع الشخص ومدى استعداده.
باختصار، يتطلب الأمر اتباع منهج واسع ومرن، منهج يقنع موظفيك بأن العملية عادلة وأنك منفتح على حوار نزيه.