كيف يقوم نظام ماونت سيناي الصحي بترسيخ التعاون في محاربة مرض السرطان؟

4 دقائق

يعد منهج الطب الدقيق لعلاج السرطان – أي تحديد تسلسل الحمض النووي (دنا) للمريض بهدف وصف العلاج المصمم ليناسب حالته الخاصة – منهجاً واعداً، بيد أنه لا يزال في بداياته. وهو لا يزال بعيداً كل البعد عن الدقة المطلوبة لتجعل منه أداة فعالة في المعركة ضد الكثير من أنماط مرض السرطان. ولتحقيق تقدم جوهري وكبير في هذا الحقل، يتعين على الأطباء والباحثين وعلماء الكمبيوتر تعزيز تعاونهم بشكل كبير جداً.   

ويشكل هذا تحدياً بالنسبة للكثير من المراكز الطبية الأكاديمية، التي عادة ما تكون بنية إدارتها هرمية ومجزأة إلى قطاعات. فمستشفى المركز الطبي عادة ما يكون منفصلاً عن مدرسة الطب، ولكي يتعاون موظفو الطرفين فيما بينهم لا بدّ من الاستحصال على الموافقة حسب التسلسل الإداري في كلا الطرفين. كما أنّ السماح للباحثين بالدخول إلى مراكز الحوسبة الفائقة، والذي يعد أساسياً بالنسبة لبعض الأبحاث الطبية الحديثة، غالباً ما يتطلب كماً أكبر من الإجراءات والموافقات.

جرى تنظيم نظام ماونت سيناي الصحي بخلاف الكثير من المراكز الطبية الأخرى، كمؤسسة موحدة ومتكاملة، حيث يعمل الأطباء في مستشفيات ماونت سيناي السبعة جنباً إلى جنب مع الباحثين من مدرسة إيكان للطب في ماونت سيناي. وفي الواقع يشرف الكثير من الأطباء العاملين في مستشفيات ماونت سيناي على مخابر بحثية في مدرسة الطب. وإذا ما تشارك طبيب وباحث في ابتكار فكرة قابلة للتطبيق من أجل حل مشكلة طبية مستعصية، يستطيعان بكل حرية توحيد جهودهما وتنفيذ مشروعهما. وهذا ما يسمح بنقل نتائج الأبحاث في المختبر إلى أسرة المرضى لاختبارها سريرياً وتطبيقها بسرعة.

وبالاستفادة من حرية التعاون التي يتيحها نظام ماونت سيناي الصحي، نقوم باستخدام تحليلات حاسوبية متطورة لتوفير العلاج الفعال لبعض أكثر أنواع السرطان تحدياً، وهو التي يصيب الدم ونقي العظام. فخلايا هذه الأنواع من السرطان متباينة إلى حد كبير، وتنشأ عن محركات جينية مختلفة، وكل منها قد يستجيب لدواء معين وقد لا يستجيب له. وفي حين أنّ السرطانات الصلبة كسرطان الرئة على سبيل المثال غالباً ما تستجيب بشكل جيد للعلاجات التي يتم اختيارها بناء على تحليل الحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين للخلايا السرطانية، لا يمكن لمثل هذا التحليل أن يقدم المعلومات المطلوبة لاستهداف سرطانات الدم كالورم النقوي المتعدد بشكل فعال. فهذه الأنواع من السرطانات السائلة معقدة وصعبة العلاج إلى حد بعيد – إذ إنّ جميع المرضى ينتكسون عملياً – لدرجة أنّ تحليل الحمض النووي لم يحدث أي أثر في المعالجة حتى الآن.

ولإماطة اللثام عن التشوهات الجينية التي يمتاز بها الورم النقوي المتعدد والتي يمكن أن تقودنا إلى تحديد العلاج المناسب، تعاونت فرق بحثنا في مدرسة إيكان للطب في ماونت سيناي لإجراء مسح شامل لكل من الحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين (دنا) والحمض النووي الريبي (رنا) للأورام النقوية المتعددة. ويشكل (رنا) المرسال النهائي للتعليمات الوراثية التي تحتاجها الخلية لإنتاج البروتينات. ولا تؤثر في بنية البروتينات سوى معلومات الـ (دنا) التي جرى تحويلها إلى معلومات (رنا)، بما في ذلك الطفرات الجينية المسببة للسرطانات.

ومع البدء بتنفيذ مخططنا لتحطيم وتصنيف مورثات (رنا) للورم النقوي المتعدد، سرعان ما اتضح لنا أنّ هذه المهمة ستتطلب قدرة حاسوبية هائلة مكرسة لهذا الغرض. وهكذا خصص "مركز الجيل القادم للرعاية الصحية" التابع لنا مخدماً حاسوبياً خاصاً بأبحاث الورم النقوي المتعدد أطلق عليه اسم "كراشر"، وهو قائم في مختبر ماونت سيناي للحواسيب خارج حرم مدرسة الطب، إلى جانب برنامج حاسوبي مصمم لهذا الغرض، أطلق عليه اسم "دافني"، وذلك لإنجاز هذه المهمة بشكل فعال. ومع هذه القدرة الحاسوبية العالية استطعنا ليس فقط فك رموز مورثات (رنا) لخلايا الورم النقوي المتعدد، بل والربط بين الطفرات المؤثرة في بنية البروتينات من جهة وأنماط المرض من جهة أخرى، إلى جانب التعرف على ترابطات جديدة بين الخصائص السريرية والواسمات الجينية. وهكذا قام اختصاصيّونا في مجال الورم النقوي وعلماء الجينومات وخبراء إعادة توظيف الأدوية معاً باستخدام برمجية "دافني" لإدماج تسلسل الـ (دنا) والـ (رنا) مع البيانات السريرية لتحديد الأدوية غير المصممة لعلاج الورم النقوي التي يمكن إعادة توظيفها لمساعدة المرضى الذين انتكسوا بعد تلقيهم المعالجة المعيارية المرخصة التي توصف عادة لمرضى الورم النقوي المتعدد.

تبدو التجارب الأولية مشجعة للغاية. فقد أظهر تحليل الـ (رنا) لدى أحد المرضى تنشيطاً غير اعتيادي لمسار جزيئي يسمح بمرور الإشارة من مستقبل على سطح الخلية إلى الـ (دنا) في نواة الخلية. وبعد معالجته بعقار دوائي مرخص لمعالجة أنواع أخرى من السرطانات (لكنه يمنع هذا المسار) تماثل المريض للشفاء من الورم النقوي. وفي حالة أخرى أدى تحليل الـ (رنا) والـ (دنا) إلى تحديد بعض الأدوية التي تؤخذ عن طريق الفم والمرخصة أصلاً لمعالجة سرطان الثدي وسرطان الدم المزمن ووجد أنها فعالة لمعالجة الورم النقوي. وفي حالة ثالثة تماثل للشفاء مريض في السبعين من العمر، منتكس بعد معالجة ورمه النقوي بالأدوية المعيارية، وذلك بفضل علاجه بتركيبة دوائية جديدة وعاود مزاولة هوايته في الرسم.

لقد تبين أنّ تحليل الـ (رنا) أنجع بكثير من تحديد سلاسل الـ (دنا) في تحديد الدواء الأكثر فعالية بالنسبة لكل مريض. فمن بين الحالات المرضية الـ 21 القابلة للتقييم والتي شملتها دراستنا، تلقت 11 حالة الدواء المصمم لأجلها بناء على تحديد مورثات الـ (رنا)، وحالتان اثنتان بناء على تحديد كل من الـ (رنا) والـ (دنا)، وثماني حالات بناء على تحديد الـ (دنا). وهذا أمر مثير للاهتمام لأن غالبية أطباء الأورام الذين يستخدمون التحليل الجيني للتشخيص يحصرون اهتمامهم بدراسة مورثات الـ (دنا) لدى المرضى، لا مورثات الـ (رنا) لديهم.

لا يزال توظيف التكنولوجيا المتقدمة في البحوث الطبية في مراحله المبكرة على طريق سعينا لتعزيز فهمنا لمرض السرطان. وفيما نختبر تحولاً في المقاربة – معالجة السرطان بناء على محركات جينية متعددة بدلاً من الاعتماد على علم الأنسجة (بنية الخلية) – يتعين على المراكز الطبية الأكاديمية التخلي عن بنيتها الهرمية الصارمة وإفساح المجال أمام اختصاصيي الكمبيوتر لتعزيز جهود التعاون التي يبذلونها مع علماء الأورام والأمراض والجينات لتجاوز نهج تحديد سلاسل الـ (دنا). فبهذه الطريقة فقط يمكننا توليد المعرفة التي من شأنها تحقيق التقدم الكبير في الحرب ضد أصعب أنواع السرطان.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي