يبدو أن الميل إلى عادة المماطلة يؤثر في الجميع. عندما سُئل إرنست همنغواي عن كيفية كتابة رواية، ألمح بطريقة فكاهية إلى أنه سيجد أي طريقة لتأجيل البدء بالكتابة، فقد اقترح إزالة الجليد من الثلاجة كخطوة أولى. لكن تأجيل المهام له تأثير كبير على إنتاجيتنا وعافيتنا النفسية. مع ذلك، يمكن تجنب المماطلة. يمكن أن يساعد فهم الأسباب الكامنة وراء المماطلة بتنفيذ المهام ومن ثم اتخاذ إجراءات ملموسة لتجنبها وتعزيز إنتاجيتك واحترامك لذاتك.
ماذا يقول الخبراء؟
وفقاً للطبيب النفسي، نيد هالويل، الذي ألّف 12 كتاباً بما فيها كتاب "الدافع إلى الإلهاء" (Driven to Distraction)، فإن تأجيل أداء المهام هو إحدى نتائج انشغالك الشديد غالباً، ويقول إننا نماطل لأن لدينا فائضاً من المهام يجب إنجازها، وبالطبع، فإن الميل إلى تجنب المهام التي لا نستمتع بها أمر شائع. من جانبها تقول أستاذة كرسي إدسل براينت فورد لإدارة الأعمال في كلية هارفارد للأعمال والمؤلفة المشاركة لكتاب "مبدأ التقدم المحرز" (The Progress Principle)، تيريزا أمابيلي، يماطل الكثيرون في أداء المهام بسبب الخوف من الإرهاق أو الصعوبة التي تنطوي عليها. ولكن معظم الناس ربما تعلموا من التجربة أنه لا طائل من المماطلة. يقول هالويل إن المماطلة لا تحل المشكلة ولا تجعل المهمة تختفي، وإن إنجازها هو الطريقة الوحيدة للتخلص منها. فيما يلي 5 مبادئ يجب اتباعها إذا وجدت نفسك تماطل في أداء العمل المهم.
1. اكتشف ما يعوقك
عندما تجد نفسك تتجاهل مهمة أو تؤجلها، خذ دقيقة لتفهم السبب. يعتقد هالويل أن هناك نوعين من المهام التي يميل الناس إلى المماطلة فيها:
- المهام التي لا يستمتعون بأدائها، وهو السبب الأكثر شيوعاً. لا يؤجل المرء تناول حلواه المفضلة وفقاً لهالويل.
- المهام التي لا تعرف كيفية إنجازها. إذا كنت تفتقر إلى المعرفة اللازمة أو كنت غير متأكد من كيفية بدء مهمة ما، فمن المرجح أن تتجنبها.
بمجرد فهمك لأسباب المماطلة، يمكنك اتخاذ خطوات للتغلب عليها وتجنبها مجدداً في المستقبل.
2. حدد مواعيد نهائية لنفسك
يتمثل أحد أبسط الإجراءات الفعالة التي يمكنك اتخاذها في إنشاء جدول مواعيد بمواعيد مستهدفة وواضحة لكل جزء من المهمة. تقدِّم أمابيلي نصيحة في هذا الصدد وتقول: "بمجرد تسلمك المشروع، قسّمه إلى عدة أجزاء قابلة للإدارة يسهل إنجازها بالتسلسل. ثم حدد مواعيد نهائية لكل جزء". وتضيف: "خصص وقتاً كل يوم في جدول المواعيد للعمل على جزء صغير من الجزء التالي حتى تتمكن من إنجازه تدريجياً". تساعد هذه الإنجازات الصغيرة على جعل المهمة بمجملها أكثر قابلية للإدارة وتسهم في الشعور بأنك تحرز تقدماً. باختصار، فإن إنجاز أجزاء صغيرة من المشروع أسهل بكثير من محاولة إنجاز المشروع بأكمله دفعة واحدة.
يضمن تحديد المواعيد النهائية أيضاً عدم نسيان المشروع أو تجاهله. يمكنك إضافة تذكيرات إلى جدول مواعيدك أو إلصاق ملاحظات ورقية على شاشة الكمبيوتر لتتذكر المهام التي يُحتمل أن تؤجلها. يضمن استخدام أي إشارات مرئية عموماً عدم تأجيل المشروع.
3. عزز الحافز المرتبط بإنجاز المهمة
نماطل غالباً لأن الحصول على مكافأة مقابل إنجاز مهمة معينة يبدو بعيداً جداً في المستقبل. تقدِّم الأستاذة المشاركة في علم النفس في جامعة كولغيت والخبيرة في التحفيز، ريجينا كونتي، مثال دفع الضرائب لتوضيح وجهة نظرها. تقول: "قد يرغب المرء في دفع كامل الضرائب المترتبة عليه لتجنب العقوبات القانونية، ولكن نظراً لأن موعد استحقاق هذه العقوبات بعيد في المستقبل والمهمة مملة، فقد لا يملك حافزاً كبيراً لسدادها". لكي تبدو هذه المهمة أكثر إلحاحاً، ركّز على الفوائد القصيرة المدى لأدائها، مثل استرداد قسم من الأموال إذا بادرت إلى دفع ضرائبك مبكراً، وفي حال عدم وجود أي فائدة، أنشئ مكافآت خاصة بك. على سبيل المثال، كافئ نفسك بأخذ استراحة لتناول القهوة أو إجراء محادثة سريعة مع زميل في العمل بعد الانتهاء من مهمة ما. يمكنك أيضاً تضمين المكافأة في المهمة نفسها من خلال إضفاء المتعة عليها. تعاون مع شخص ما في مشروع مليء بالتحديات أو قدِّم عنصراً يكون بمثابة لعبة يجعل المهمة أقل مللاً أو إرهاقاً.
4. أشرِك الآخرين في العملية
أحد المبادئ التي يكررها هالويل غالباً في عمله هو "لا تعالج مخاوفك بمفردك"، فإذا لم تكن متأكداً من كيفية إكمال مهمة ما، فاطلب المساعدة. استشر زميلاً تثق به أو صديقاً، أو ابحث عن أمثلة لمشاريع مشابهة لمشروعك لاستخدامها كنقطة انطلاق. تعتقد كونتي أن إشراك الآخرين يمكن أن يوفر حافزاً خارجياً يساعد في التغلب على المماطلة، فمطالبة شخص ما بمراجعة عملك يمكن أن يحفزك على البدء بالعمل عليه لأنك تعلم أن شخصاً آخر يتوقع ذلك. يمكنك أيضاً عقد اتفاق مع زميلك للتغلب على المماطلة من خلال مساءلة كل منكما الآخر عن الالتزام بالمواعيد النهائية.
5. طور روتيناً يجنبك المماطلة
يقول هالويل: "يعترف الناس بأنهم يماطلون، ويشعرون أنهم لا يملكون سيطرة على هذا الأمر، ولكن الناس لديهم سيطرة فعلاً على ميلهم إلى المماطلة ويمكن أن يشعروا بالفخر عندما يتغلبون عليها". يقر هالويل بأنه اعتاد المماطلة، ولكنه درَّب نفسه على مواجهتها والتغلب عليها، ويقول إنه لم يعد يماطل الآن وينجز ببساطة المهام. هناك فوائد فورية للتغلب على المماطلة والبدء بإنجاز المهام على الفور، وهي عادة يمكن تنميتها بمرور الوقت. توصي أمابيلي بتتبع تقدمك في التغلب على المماطلة، وتقول: "خذ 5 دقائق فقط يومياً للتفكير في التقدم الذي أحرزته وأي عقبات واجهتها والخطوات التي تخطط لها في اليوم التالي لتحقيق المزيد من التقدم". توصي أمابيلي بتوثيق تقدمك في يوميات العمل. بعد ذلك، تخيل نفسك وتحدث عن نفسك مع الآخرين بصفتك شخصاً ينجز مهامه بسرعة، ما يعزز عادة عدم المماطلة. وتقول أمابيلي: "إن أهم عامل للحفاظ على توازن إيجابي لحياة العمل الداخلية هو إحراز تقدم في العمل الهادف".
مبادئ عليك تذكّرها
ما يجب أن تفعله
- حدد المهام التي من المرجح أن تؤجلها.
- استخدم المواعيد النهائية لتحفيزك على إنجاز المهام في إطار زمني محدد.
- كافئ نفسك كلما أحرزت تقدماً رئيسياً.
ما يجب ألا تفعله
- وصف نفسك بالمماطل كما لو أن هذه السمة جزء جوهري من هويتك.
- التعامل مع المهام الشاقة بمفردك، وبدلاً من ذلك اطلب من الآخرين مساعدتك في التغلب على التحديات التي تواجهها.
- محاولة إنهاء المشروع دفعة واحدة، وبدلاً من ذلك قسّمه إلى أجزاء أصغر قابلة للتحقيق.
دراسة حالة رقم 1: اكتشف السبب
لاحظت مستشارة التسويق لإحدى الشركات عبر الإنترنت ومقرها في وادي السيليكون، ليزا فرايتاغ، أنها تؤجل التخطيط لحدث تسويقي كبير. كانت ليزا تشعر بالإرهاق في كل مرة تفكر فيها بالمهام التي يتعين عليها إنجازها وتقرر العمل على شيء آخر. لم تعتد أن تماطل، فقد كانت قادرة على تنفيذ مشاريع كبيرة بغض النظر عن مدى تعقيدها دون صعوبة. ولكن هذا المشروع كان مختلفاً لأنه تضمن التعاون مع العديد من الأفراد، بما في ذلك العديد من كبار المسؤولين التنفيذيين. تقول ليزا إنها تميل إلى المماطلة عندما تضطر إلى الاعتماد على الآخرين، وتفضل العمل بصورة مستقلة. بالنسبة لهذا الحدث، كانت ليزا قلقة بشأن الاعتماد على الآخرين، خاصة القادة المشغولين الذين لديهم العديد من الالتزامات الأخرى.
كان قلق ليزا يعوق تقدمها، وكان عليها إيجاد طريقة لبدء إحراز تقدم في المشروع. تقول: "كتبت قائمة بجميع المهام المتضمنة في المشروع، ونظمتها بدقة في جدول المواعيد ثم عملت بصورة عكسية لتحديد الخطوات الأولية التي يجب اتخاذها". يتطلب العديد من المهام تقديم الآخرين معلومات وآراء حولها، لذلك دوّنت ليزا ما تحتاج إليه من كل شخص والمواعيد النهائية المرتبطة به، وقد ساعدها ذلك على تقديم طلبات واضحة لجميع المشاركين في المشروع. تقول في هذا الصدد: "أدركت أن دوري محوري لإبقاء الجميع على المسار الصحيح، وكان المسؤولون التنفيذيون المعنيون بالمشروع يقدّرون ما كنت أفعله". على الرغم من أن المشروع كان لا يزال يسبب التوتر لليزا، فقد نجحت في التعامل معه. تقول في هذا الصدد: "عقدت صفقة مع نفسي. التزمت بالعمل كل يوم على المشروع مدة 20 دقيقة صباحاً ثم 20 دقيقة بعد الظهر". وجدت ليزا أن المهمة تصبح أسهل يوماً بعد يوم بعد أن استثمرت القليل من الوقت في العمل عليها يومياً. حددت أيضاً مكافأة طويلة المدى لنفسها؛ عندما يكتمل المشروع، فإنها تخطط لعشاء جماعي.
دراسة حالة رقم 2: أبقِ المشروع في مقدمة اهتماماتك
كانت جانيت بنتون تعمل مساعدة تنفيذية في شركة للأجهزة الطبية عندما كلفها مديرها بمشروع مهم لكنه ذو أولوية منخفضة، وقد واجهت صعوبات في إنجازه. أدركت جانيت سريعاً أنها تماطل في المشروع أيضاً. لم تكن قادرة على إيجاد الوقت حتى لبدء المشروع بسبب جميع المهام المُلحة الأخرى التي كان عليها إنجازها، ولم يكن بمقدورها أيضاً تفويض المشروع إلى أي شخص آخر، لذلك قررت اتباع نهج تحرز من خلاله تقدماً صغيراً في كل مرة. وتقول: "الحيلة للتغلب على المماطلة هي إدراك أن هناك خطوات صغيرة يمكن اتخاذها لإحراز تقدم حتى لو تعذر إنجاز المهمة في اليوم نفسه". لجأت جانيت إلى تقسيم المشروع إلى مهام منفصلة صغيرة يمكن إنجاز كل منها في 15 دقيقة فقط، وقد استخدمت جدول مواعيد أوتلوك بعد ذلك لجدولة الوقت مرتين يومياً، مرة صباحاً ثم مرة أخرى بعد الغداء، لإنجاز مهمتين. وجدت جانيت أن استخدام التذكيرات في أوتلوك يمكن أن يحفزك على العمل على المهمة لأنها تستمر في الظهور على الشاشة. قبل مغادرة العمل كل يوم، كانت جانيت تكتب المهمتين اللتين تخطط للعمل عليهما في اليوم التالي.
بالإضافة إلى ذلك، اتخذت جانيت خطوات لتحمّل نفسها المسؤولية عن إحراز تقدم في المشروع. تقول: "عاهدت نفسي ألا يمضي يومان دون إحراز بعض التقدم في المشروع. كان ذلك يمثل إجراء أخيراً آمناً". تمكّنت جانيت بذلك من تعزيز زخم المشروع وأصبح جزءاً من أولوياتها اليومية. تضيف جانيت: "أنجزت هذا المشروع الذي لم يحظ بالاهتمام سريعاً وسلمته إلى مديري الذي كان ممتناً لعملي. لم يعد هذا المشروع على قائمة مهامي، الأمر الذي جعلني أشعر بالارتياح والسعادة أيضاً".
طورت جانيت أيضاً آليات تأقلم أخرى لمساعدتها على تجنب المماطلة في المشاريع من خلال إبقائها مرئية. تقول في هذا الصدد: "أضع وثائق هذا المشروع الصعب دائماً في مجلد ذي لون مميز، وأضعه ضمن قائمة المهام في مكان بارز على مكتبي". بهذه الطريقة، يكون لدى جانيت تذكير مرئي بالمشروع عندما تأتي في اليوم التالي إلى المكتب يُنبهها إلى أن عليها العمل عليه.