إليك هذا المقال الذي يتحدث عن تفادي الإلهاء في العمل تحديداً. في عالم تملؤه الإشعارات الفورية ورسائل البريد الإلكتروني الفورية وتتقلّص فيه المساحات المكتبية، أصبحنا أكثر عرضة للإلهاء في العمل. يبلغ متوسّط مقاطعة الموظف العادي أثناء العمل بين 50 و60 مرة في اليوم، في حين يكون 80% من هذه الانقطاعات غير مهم. وينتج عن ذلك قضاء الموظفين وقتاً قصيراً فيما يسميه علماء النفس "حالة التدفق الذهني" (Flow State) التي يكون فيها المرء أكثر إنتاجية بمقدار خمسة أضعاف.
تفادي الإلهاء في العمل
بحسب بحث أجرته شركة "ماكنزي". لا تؤدّي مرّات الإلهاء المستمرّة إلى التقليل من إنتاجية الموظفين وحسب، بل تزيد أيضاً من توترهم في ظلّ غياب سيطرتهم على العمل واعتبارهم مساهمين رئيسيين في إحداث التوتّر في مكان العمل، وفقاً لـ"المعهد الأميركي للإجهاد (أيه آي إس)" (American Institute of Stress). لذلك، كيف نتجنّب الانقطاع عن العمل في المكتب بما يخوّلنا السيطرة على مجريات أيامنا، وإنجاز أفضل ما يمكننا من عمل، وتحسين حالتنا العاطفية؟
1. تدرّب على التواصل غير المتزامن
عندما تتلقّى رسالة بريد إلكتروني فمن الجيد أن تفكّر بما يلي: "سأتحقّق منها عندما يكون الوقت مناسباً لي". بالإضافة إلى المنافع التي تنتج عن منح الموظفين وقتاً أكبر للتركيز من دون انقطاع، يساهم التواصل غير المتزامن في تأهيلهم من أجل اتخاذ القرارات على نحو أفضل، وذلك عن طريق زيادة مقدار الوقت المتوفّر للردّ على أي طلب. فعندما تتواصل مع الآخرين عبر مكالمة هاتفية أو محادثة فيديو فأنت تتّخذ القرارات في الوقت الفعلي، ولكن في حالة التواصل عبر البريد الإلكتروني لديك متّسع من الوقت للتفكير في الردّ. من أجل ممارسة هذا الأمر بنجاح، يجب أن نتخلص من "الإلحاح" التعسفي الذي لا يزال منتشراً في أماكن العمل في جميع أنحاء العالم، وذلك بعد مرور قرن تقريباً على المقولة التي نقلها الرئيس الأميركي السابق دوايت أيزنهاور عن الدكتور جيمس روسكو ميللر، رئيس جامعة "نورث وسترن": "لديّ نوعان من المشاكل: المشاكل العاجلة (الملحّة)، والمشاكل المهمة. فالمشاكل العاجلة ليست مهمة، وتلك المهمة ليست عاجلة أبدا". ويُقال إنّ "مبدأ آيزنهاور" هذا يفسّر كيفية تقسيم الرئيس الأميركي السابق للأولويات في عمله. وعليه، من أجل تحسين رسالتك غير المتزامنة وتجنّب الردّ على الكثير من رسائل البريد الإلكتروني، أطلب من الشخص الذي يراسلك ما يلي:
- تفاصيل كافية.
- بند أو بنود عمل واضحة.
- تاريخ استحقاق.
- مسار بديل في حال كان المستلم لا يستطيع تلبية احتياجاتك.
2. التحقّق من كل شيء دفعة واحدة
يمكن أن يتسبّب "التحقّق بسرعة" من أي شيء، حتى لو كان ذلك لعشر من الثانية، في زيادة الخسارة في الإنتاجية إلى 40% خلال اليوم، وقد تستغرق العودة إلى حالة التدفق الذهني 23 دقيقة بعد تبديل المهام. ولذلك، بدلاً من أن تتحقّق من وقت لآخر من هذه الأمور على مدار اليوم، ينبغي لك أن تفحص البريد الإلكتروني والرسائل الفورية ووسائل التواصل الاجتماعي وحتى الرسائل النصية في أوقات محددة مسبقاً. أمّا إذا كنت تعاني من صعوبة في ضبط نفسك يمكن لبعض الأدوات أن تساعدك، مثل التطبيق الملحق "إنبوكس بوز" (Inbox Pause) لإيقاف الإشعارات مؤقتاً من صندوق البريد الوارد في "جيميل" (Gmail)، وتفعيلها مجدّداً عندما تكون جاهزاً. كما تتيح لك تطبيقات ملحقة أخرى مثل "بلوك سايت" (Blocksite) و"فريدوم" (Freedom) منع الوصول إلى مواقع وتطبيقات محددة خلال فترات زمنية تختارها بنفسك.
3. الإزعاج ممنوع
إذا كنت تقرأ هذا وتفكر بأنّك "تعمل في مكتب مفتوح ومن المستحيل تجنّب الانقطاع عن العمل"، حاول استخدام آلية إشارة لإعلام فريقك بأنّك في حالة التدفق الذهني (أو أنّك تحاول التركيز) وبأنّه يجب ألّا يزعجوك إلّا في حال كان الأمر عاجلاً فعلاً، ويمكن أن تكون هذه الإشارة بسيطة مثل وضع السمّاعات في أذنيك.
4. تجنّب لعبة الكالندر (التقويم)
من الشائع والمقبول في أماكن العمل اليوم أن يتمكّن الآخرون من حجز وقت على تقويمك الزمني، وعادة ما يكون هذا على حساب أولوياتك. أخبرني الرئيس التنفيذي لشركة "بيسكامب" (Basecamp)، جيسون فريد، في حلقة من بودكاست "فيوتشر سكويرد" (Future Squared)، أنّه في شركته لا يمكنك حجز وقت في تقويم أحد ما من دون الحصول على موافقته. وهذا يعني أنّ معظم الاجتماعات لا تحصل لأنّ منظّم الاجتماع المحتمل عادة ما يختار إجراء مكالمة هاتفية أو إرسال رسالة فورية بدلاً من عقد الاجتماع. فكّر في حجب الخانات المتاحة للاجتماعات في التقويم الخاص بك، أو استخدم أداة لجدولة الاجتماعات مثل "كالندلي" (Calendly)، بحيث لا يمكن للآخرين حجز وقت للاجتماع بك إلّا عن طريق اختيار الخانات المجدولة التي تتيحها أنت، واترك ما تبقّى من يومك خالياً من الاجتماعات لكي تستطيع التركيز، واحرص على تجنّب الإكثار من تبادل الرسائل المستمر من أجل حجز موعد للاجتماع.
5. اخرج من الدائرة المفرغة للاجتماعات
لا تخاطر وتضع نفسك في دائرة المتابعة بعد حصول أي انقطاع عن العمل وعقد اجتماع لمناقشة الاجتماع السابق، بل تأكّد من الخروج من كلّ اجتماع مع خطوات مقبلة قابلة للتنفيذ ومسؤوليات محددة بوضوح وتواريخ استحقاق.
6. توقّف عن استخدام "الرد على الكل"
خاصّية الرد على الكل (Reply All)، التي تُستخدم كآلية لمشاركة المسؤولية، لا تضيف إلى صناديق البريد الوارد إلّا المزيد من الثرثرة غير الضرورية. ولذلك، زِد من سيطرتك على قراراتك وأرسل رسالة البريد الإلكتروني للأشخاص الذين ينبغي لهم أن يطّلعوا عليها فقط.
7. استخدم مساحات أخرى خاصة بك
كتبت سو شيلنبارغر في صحيفة "وول ستريت جورنال" أنّ "كل هذه الهندسة الاجتماعية (المكاتب ذات المساحات المفتوحة) أوجدت حالات إلهاء غير محدودة تشتّت انتباه الموظفين عن شاشاتهم. ويمكن أن تؤدي هذه الضوضاء البصرية، المتمثّلة بالنشاط أو الحركة في إطار مجال رؤية الموظف، إلى تقليص تركيزه وتعطيل تفكيره التحليلي أو إبداعه". إذا كنت تعاني من وجودك في مكاتب مفتوحة، حاول أن تعمل من مساحة خاصة بك خلال اليوم من أجل ممارسة التفكير النقدي، حاول أن تجد مكاناً هادئاً في المكتب أو مكتباً مجهّزاً أو فاوض مدراءك للعمل لبعض الوقت من المنزل.
8. أوقف الإشعارات الفورية
يتلقى المسؤول التنفيذي ما متوسّطه 46 إشعاراً فورياً في اليوم الواحد. لتجنب الاستجابة الشرطية (بحسب توصيف العالم إيفان بافلوف) للرّد على الإشارات، أوقف الإشعارات الفورية التي تصلك على مختلف الأجهزة. تعرّف على كيفية إيقاف الإشعارات من هنا.
9. استخدم وضع الطيران
يمكنك أيضاً استخدام وضع الطيران (Airplane Mode ) للحدّ من الانقطاعات عن العمل التي تتسبّب بها الرسائل النصية والمكالمات الهاتفية خلال أوقات معينة من اليوم. إذا كانت هذه الفكرة لا تناسبك، يمكنك استثناء أرقام محددة، مثل تلك الخاصة بالمقرّبين أو شركاء العمل المهمين، بحيث تضع هاتفك على وضع "عدم الإزعاج" (Do Not Disturb) وتسمح للأرقام "المفضلة" فقط أن ترسل لك الإشعارات أثناء إسكات المكالمات أو الرسائل الأخرى.
10. ضع حدّاً للمهام التي تتطلّب الموافقة
قد يكون تنفيذ هذا الأمر صعباً، غير أنّ اعتماد "الحد الأدنى من البيروقراطية القابلة للتطبيق"، أي التخلّص من الموافقات غير الضرورية لإنجاز أمور تافهة يعني تقليل الأعمال الورقية، وبالتالي تقليل حالات انقطاعك عن العمل التي يتسبّب بها الآخرون.
الوعي أمر أساسي
بغضّ النظر عن التغييرات البيئية، تطوّر بنو البشر من أجل الحفاظ على طاقتهم للبقاء على قيد الحياة، ولهذا نحن مستعدّون لاختيار الفاكهة المعلّقة الأقرب أو فعل الأمر الأسهل أولاً، وقس على ذلك التفكير في التحقّق من البريد الإلكتروني بدلاً من العمل على العرض التقديمي. ولذلك يُعتبر الوعي بميلنا لاختيار الثمار المعلقة القريبة، أو صرف الانتباه عن الأنشطة ذات القيمة الأقلّ، بمثابة الخطوة الأولى نحو تفادي الإلهاء في العمل وتغيير سلوكنا. المؤسسات التي تبني ثقافة تسعى للحدّ من الانقطاع عن العمل، ستتمتع بالفائدة المضاعفة لقوة عاملة مركّزة، كما ستقلّل من شعور موظفيها بالتوتر وتُشعرهم أنّهم أكثر إنتاجية.