هل تشعر بضرورة تغيير مهنتك؟ إليك 3 نصائح لاتخاذ القرار السليم

6 دقيقة
تغيير جذري
كاراستوك/غيتي إميدجيز

يقول كثير من عملائي إنهم بحاجة إلى إجراء تغيير جذري في مساراتهم المهنية، لكن ليس بالضرورة أن يكونوا محقين في واقع الأمر؛ ماذا عنك؟ هل أنت بحاجة حقيقية إلى إجراء تغيير جذري في مسارك المهني، أم أن هناك طريقة أخرى لحل المشكلة؟

يستغرق إجراء تغيير مهني جذري وقتاً في واقع الأمر، وخلال هذه الرحلة عليك الاستيقاظ كل صباح وأداء مهام وظيفتك الحالية. أساعد عملائي على تحقيق أهدافهم المهنية البعيدة المدى وتحسين أوضاعهم الحالية في آن معاً، وفي كثير من الأحيان تصبُّ هذه العملية المزدوجة التي تجمع بين التخطيط للمستقبل والتركيز على الحاضر في مصلحتهم. وبعد عدة أشهر من اتخاذ إجراءات مختلفة، يدرك الكثيرون منهم أنهم يعملون في المهنة المناسبة وأن المشكلة لا علاقة لها باختيارهم المهني، وإنما كانوا بحاجة إلى إجراء تغييرات ترتبط بمهاراتهم أو ظروفهم (مثل الحصول على وظيفة جديدة). أحرص دائماً على تشجيع عملائي على استكشاف مختلف الخيارات في وقت مبكر وعدم التعجل بالاستنتاجات.

دعونا نلقي نظرة على تجربة اثنتين من عملائي، وبعدها سأطلعكم على المبادئ التي يمكنكم تطبيقها أنتم أيضاً لتوجيه عملية صناعة القرار إذا وجدتم أنفسكم في معضلة مهنية مماثلة.

العميلة الأولى:

ليندا طبيبة بيطرية، وأول ما قالته لي عندما التقينا هو أنها حسمت أمرها. لقد فقدت الرغبة في ممارسة مهنة الطب البيطري، وكانت متأكدة من ضرورة إجراء تغيير جذري في مسارها المهني. على غرار الكثير من الأطباء البيطريين هذه الأيام، كانت ليندا منهكة تحبطها خيبة الأمل. كان سبب إنهاكها هو اتخاذها قرارات صعبة تتعلق بحياة الحيوانات أو موتها بناءً على القيود المالية، والتعامل مع عملاء لا يلتزمون بتوصياتها الطبية، والعمل مع موظفين يفتقرون إلى الحافز الكافي أو التدريب اللازم للتعامل مع التحديات المعقدة في هذه المهنة. علاوة على صراعاتها المهنية، كانت حياتها الأسرية حافلة بالتوترات، ما فاقم صعوبة التعامل مع التحديات المهنية بدرجة كبيرة.

أمضينا نحو شهرين كاملين في دراسة المسارات المهنية البديلة المناسبة لتخصصها، مثل تأليف الكتب الدراسية العلمية والعمل في برامج الإغاثة التي تقدم الدعم والمساعدة في حالات الكوارث وإجراء الأبحاث الدوائية السريرية. وبالتوازي مع هذا المسار، عملنا أيضاً على تحسين تجربتها في العمل؛ إذ تعلمت ليندا كيفية وضع حدود واضحة في وظيفتها الحالية للموازنة بين توقعات عملائها وما يمكن تحقيقه على أرض الواقع، كما أصبحت أكثر صراحة ووضوحاً مع الموظفين.

وبمجرد أن اكتسبت هذه المهارات والسلوكيات الجديدة، استطاعت إدارة مهام وظيفتها الحالية على نحو أفضل. أدركت ليندا أنها تستمتع بالعناية بالحيوانات؛ وبالتالي لم تكن المشكلة في مهنتها، كل ما هنالك أنها كانت بحاجة إلى بعض المهارات الجديدة للتعامل مع التحديات التي تتعلق بالتفاعل مع الآخرين في عملها.

وبعد فترة وجيزة، عادت ليندا إلى العمل طبيبة بيطرية لكن في عيادة أخرى، وأصبح لديها جدول مواعيد أكثر مرونة يسمح لها بقضاء المزيد من الوقت مع ابنتها؛ وهكذا اتضح أن ليندا لم تكن بحاجة إلى إجراء تغيير جذري في مسارها المهني.

العميلة الثانية:

كاميليا محاسبة، وهي من أنشط الأشخاص الذين قابلتهم على الإطلاق وأكثرهم مرحاً وحيوية، كما أنها أيضاً تحب الآخرين وتشعر بأنها تحتاج إلى العمل في مهنة تتيح لها التفاعل بكثافة مع الآخرين. علاوة على ذلك، لم يكن مديرها شخصاً يسهل العمل معه، وكانت شركتها قد خضعت لعملية استحواذ مؤخراً.

وجدت كاميليا نفسها عند مفترق طرق؛ هل تستمر في مجال المحاسبة أم عليها أن تستكشف خيارات مهنية بديلة؟ بدأنا العمل في كلا الاتجاهين ودرسنا وظائف في مجالات مثل التمريض وريادة الأعمال والعقارات. بعد فترة وجيزة، انتقلت كاميليا إلى الشركة المستحوِذة، وعندما بدأت ممارسة مهامها تعاملت مع وظيفتها من منظور مختلف؛ فأدركت أنها تستطيع استثمار طاقتها ومهاراتها في التعامل مع الآخرين ضمن مقر العمل وركزت على بناء علاقات أقوى مع فريقها.

علاوة على ذلك، سألتها ذات مرة: "هل تريدين حقاً تغيير مهنتك، أم أنك خائفة من المضي قدماً وتسلم منصب قيادي في مسارك المهني الحالي؟" وتبين أن الخيار الثاني كان صحيحاً؛ وهي تشغل الآن منصباً قيادياً بصفة مراقبة مالية في شركة مختلفة.

لم تكن كاميليا بحاجة إلى تغيير مهنتها، كل ما هنالك أنها كانت بحاجة إلى تغيير وظيفتها، ما سمح لها بالعمل تحت إشراف مدير أفضل والتعامل مع الوظيفة الجديدة من منظور مختلف واستثمار مواطن قوتها، وهكذا انتهى بها المطاف إلى التقدم في مهنتها الأساسية.

كيف تحدّد، إذاً، إذا ما كنت بحاجة إلى إجراء تغيير مهني جذري أو تغيير شيء يرتبط بطبيعة وظيفتك أو بك أنت شخصياً؟ إليك بعض المبادئ التوجيهية التي يجب مراعاتها:

1. افهم ظروفك

كانت ليندا تواجه مشكلة عائلية صعبة، ولم تكن كاميليا متأكدة من قدرتها على الاحتفاظ بوظيفتها بعد عملية الاستحواذ على الشركة؛ وخلال الأوقات المشوبة بعدم اليقين، يتفاقم تقلُّب المشاعر ويزداد الشعور بأهمية التحرك سريعاً لمواكبة التغيرات، وعلى الرغم من أن النصيحة التالية قد تبدو منافية للمنطق، لكن في هذه الأوقات تحديداً عليك أن تتجنب اتخاذ قرارات مصيرية متسرعة.

من المهم أن نكون واعين بالسياق العام ونعترف به وبأثره علينا، لذا فكِّر في الأمر ملياً كي تمنح نفسك الفرصة لإعادة تقييم الموقف. عندما تأكدت كاميليا من استقرار وضعها المهني في الشركة التي استحوذت على شركتها السابقة، شعرت بالطمأنينة؛ وعندما فهمت ليندا مشكلتها العائلية بصورة أوضح، استطاعت اتخاذ قرار أفضل فيما يتعلق بمسارها المهني.

انتبه، هل تسير حياتك على النحو المعتاد أم أنها تشهد أحداثاً استثنائية؟ قيّم الموقف لتحديد إذا ما كانت ثمة حاجة مُلحة لاتخاذ قرار مصيري على الفور، أو من توفر القدرة الذهنية والاستقرار المالي اللازمين للتفكير في قرارك بعناية.

فكِّر: كيف كان شعورك تجاه وظيفتك قبل عام عندما كان الوضع أقل غموضاً مقارنة بالوضع الحالي؟ وكيف سيكون شعورك بعد عام من الآن عقب مرور هذه الفترة الصعبة؟

2. احرص على التحلي بالمرونة

درست كل من ليندا وكاميليا مختلف الخيارات ولم تمانعا في تغيير رأييهما وكانتا منفتحتين على الاحتمالات كلها. وعلى الرغم من حضورهما إلى التدريب مقتنعتين بحاجتهما إلى تغيير مهنتيهما، فقد تقبلتا الآراء المخالفة لقناعتهما وعملتا على استكشاف إمكاناتهما الشخصية (اكتساب مهارات جديدة) وخياراتهما الخارجية (وظائف جديدة مقابل مسارات مهنية جديدة).

نادراً ما تكون الخيارات المهنية واضحة تماماً كالأبيض والأسود، وليست بسيطة أو مباشرة؛ فعادة ما تكون القرارات المهنية معقدة وغامضة. لكن ماذا لو فكرنا بطريقة تشبه الحاسوب الكمي بدلاً من الحاسوب التقليدي؟ تعتمد الحوسبة التقليدية على تمثيل البيانات ومعالجتها باستخدام وحدات البت (Bits) التي تأخذ إحدى القيمتين 0 أو 1 فقط، بينما تعتمد الحوسبة الكمية على وحدات الكيوبت (Qubits) التي تأتي في حالة 0 أو 1 أو في حالة تراكب (Superposition) تجمع بينهما، ما يسمح بمعالجة كميات ضخمة من البيانات بالتوازي.

يفضل الإنسان بطبيعته الأفكار والأفعال الواضحة والمحددة؛ لأن المعلومات الواضحة والمحددة تقلل الحمل المعرفي، ما يسهل على الذهن معالجتها وفهمها. ومع ذلك، قد يكون تضارب الأفكار والمعلومات هو سر تحسين عملية صناعة القرار في واقع الأمر، خاصة في المراحل الأولى من أي قرار مهني مصيري، كما أنه نهج أكثر واقعية؛ فالعالم لا يقتصر على الأبيض والأسود فقط، بل هو مزيج يضم ألوان الطيف كافة معهما.

فكِّر في خيارات مهنية متعددة بدلاً من التمسك بخيار واحد فقط، وتعمق في كل خيار كي تتعرف إلى الفرص التي قد تنتج عنه قبل اتخاذ القرار النهائي. ربما كان الحل أمامك طوال الوقت، كل ما هنالك أنك كنت بحاجة إلى التعامل مع الموقف من منظور مختلف.

3. اتخذ قراراً مستنداً إلى المعلومات

تحلت كل من كاميليا وليندا بالصبر، وعلى الرغم من التقلبات التي واجهتاها خلال تجربتيهما، فقد امتنعتا عن إجراء أي تغييرات جذرية حتى تتضح الرؤية؛ إذ عملتا أولاً على جمع معلومات كافية لمساعدتهما على اتخاذ قرارات مستندة إليها.

إليك نمطاً معيناً لاحظته بين عملائي: يشعر الموظف في البداية بالحماس لخيار مهني معين، ويبدو موقفه هذا استثناءً للقاعدة؛ وقد يكتشف خطوته المهنية التالية بعد بضعة أسابيع، في حين يستغرق اكتشافها عادة شهوراً أو أعواماً طويلة من الجهد والبحث.

بهذه الحالة يتمثل دوري في موازنة حماسه مع الاحتمالات الواقعية ومطالبته بالتريث قبل اتخاذ القرار النهائي، وبعد بضعة أسابيع يبدأ التدهور المفاجئ الحتمي للمسار الذي بدا واعداً؛ إذ يعثر على معلومات جديدة تجعله يغير رأيه، مثل إجراء محادثة مع شخص يرسم صورة أكثر واقعية عن روعة هذه المهنة في الحقيقة؛ ربما تتطلب مزيداً من العمل المكتبي، في حين أنه لا يريد العمل على جهاز كمبيوتر طوال اليوم، أو ربما تتطلب هذه المهنة الجديدة درجة علمية متقدمة لا يستطيع تخصيص الوقت والجهد اللازمَين للحصول عليها، وهكذا يخيب أمله ثم يعود لاستكشاف خيار جديد. تحدث هذه الدورة عادة مرات عدة إلى أن يفهم طبيعة الرحلة.

لا تتسرع في اتخاذ قرارات مكلفة، ولا تستثمر المال والوقت قبل أن تجمع ما يكفي من المعلومات وتطمئن إلى قدرتك على اتخاذ قرار مستند إلى المعلومات. تكمن مشكلة القرارات المستندة إلى المعلومات في أنها تستغرق عادةً وقتاً أطول مما كنت تتوقع، وتستلزم عادةً بذل جهد أكبر مما كنت تظن في البداية. ومع ذلك، بمجرد اتخاذ قرار استناداً إلى مجموعة متنوعة من المعلومات الموثوقة، ستثق به وتطمئن إليه أكثر، وبالتالي لن تدخر وسعاً لإنجاحه.

خصصت كل من ليندا وكاميليا وقتاً كافياً وتحلتا بالصبر لاستكشاف الخيارات المتاحة، وجاءت قراراتهما النهائية مختلفة عن تصوراتهما في بداية عملية الاستكشاف؛ ومن ثم قررتا الاستمرار في مسيرتيهما المهنيتَين وطورتا مهاراتهما في وظيفتيهما. وتمثل اختياراتهما ونجاحاتهما نماذج إيجابية؛ إذ عملتا كلتاهما على جمع البيانات التي أتاحت لهما اتخاذ قرار مهني مستند إلى المعلومات؛ ويمكنك أنت أيضاً أن تحذو حذوهما.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي