شهد العقد الأخير تقدماً تكنولوجياً مذهلاً فرض قطاعات جديدة على الأسواق، بل وغيّر شكل القطاعات التقليدية؛ ما مكنها من مواجهة تحديات عديدة واقتناص المزيد من الفرص واستغلال إمكانات لم تكن ممكنة سابقاً. وكان قطاع الأغذية والمشروبات (food and beverages market)، على رأس هذه القطاعات.
في هذه الصناعة، تخضع المنتجات لمزيد من التدقيق أكثر من أي وقت مضى. ليس فقط من أجل الجودة، ولكن للقيمة الغذائية والحفاظ على الاستدامة البيئية أيضاً. على هذا النحو، وللمنافسة في سوق اليوم، تظهر الحاجة إلى تغييرات كبيرة يمكن أن تفتح آفاقاً جديدة من الفرص، فكيف تغيّر قطاع الأغذية والمشروبات في ظل الثورة التكنولوجية التي نعاصرها؟
وجهت جائحة كوفيد-19 ضربة قوية لقطاع الأغذية والمشروبات، ولا سيما في تعطيل سلاسل التوريد، وما إن بدأ أولى خطواته نحو التعافي من الجائحة، تسببت الحرب الروسية الأوكرانية في تعطيل حركة النمو تلك على المدى القصير.
وهنا، تظهر الابتكارات التقنية كمنقذ للقطاع ومحفز رئيس للتعافي ثم النمو، إذ حقق القطاع نمواً بلغ ما يقرب من 7 مليارات دولار في عام 2022، بمعدل نمو سنوي 7.3%، ومن المرجح أن يصل إلى 9 مليارات دولار في عام 2027، وفقاً لشركة أبحاث الأعمال (The Business Research Company).
وسجلت الدول التي تمكنت من إدخال التقنية إلى القطاع خلال الأعوام الماضية نمواً بارزاً، ومنها المملكة العربية السعودية، إذ من المتوقع أن تبلغ إيرادات القطاع في السعودية نحو 61.5 مليار دولار في العام الجاري 2023.
استطاعت السعودية التغلب على التحديات العالمية التي فرضت نفسها على القطاع الذي احتل موقعاً مهماً في رؤية المملكة 2030 لتنويع روافد اقتصادها؛ إذ تسعى السعودية إلى توفير المنتجات الوطنية بجودة عالية، ونجحت 4 مناطق سعودية بالفعل في قطع شوط مهم لتحقيق الأمن الغذائي، وهي: القصيم وجازان وتبوك والجوف.
التحديات أمام سوق الأغذية والمشروبات
هناك العديد من التحديات التي تواجه سوق الأغذية والمشروبات، والتي تُصعّب النمو للشركات العاملة في السوق، بل وتتسبب في خسارة الكثير منها لحد الإغلاق، أو بذل الكثير من الجهد والاستعانة بفريق كبير ما يرفع التكاليف على هذه الشركات، وهذه أبرز التحديات:
خسارة المبيعات
التحدي الأبرز الذي تواجهه الشركات العاملة في القطاع هو المبيعات، سواء كان بسبب الأزمات الاقتصادية، أو تغيّر سلوك المستهلكين، أو ارتفاع حدة المنافسة في قطاع شديد الإغراء مثل قطاع الأغذية والمشروبات، أو بعض القصور في دراسة السوق والعملاء المستهدفين، أو تلك المشكلات المتصاعدة بسبب خدمة العملاء، وغيرها.
تكلفة المنتجات
تمثل الأسعار عادة عقبة أمام شراء المنتجات، ويعد السعر الأداة الأكثر فاعلية في سلوك المستهلكين، وتواجه الشركات العاملة في القطاع أزمة في تسعير المنتجات خاصة مع ارتفاع تكلفة الإنتاج من ناحية، وتغير أذواق المستهلكين من ناحية أخرى.
إدارة المخزون
تؤدي الإدارة الفعالة للمخزون دوراً مهماً في ضمان ربحية أعلى وتخصيص فعال للمنتجات، وبالنسبة لسوق الأغذية والمشروبات فإنه يختلف عن الصناعات الأخرى التي تتضمن مخزونات كبيرة. وفي كثير من الأحيان، يتضمن المخزون عناصر قابلة للتلف، لذا يجب تخزينها في بيئة يمكن التحكم في درجة حرارتها.
تقليل النفايات
يُهدر ما يقرب من ثلث جميع الأغذية المنتجة للاستخدام البشري في جميع أنحاء العالم كل عام، وذلك بنحو 1.3 مليار طن. وتبلغ تكلفة هدر الغذاء والقمامة نحو 680 مليار دولار في البلدان الصناعية و310 مليارات دولار في البلدان الفقيرة.
الخدمات البرمجية في مواجهة التحديات: تجربة فروتس 360 (Fruits 360)
شكلت تلك التحديات عائقاً للشركات العاملة في القطاع، بل وتهديداً لاستمرار النمو بالقطاع بأكمله، غير أن شركات بعينها تمكنت من مواجهة هذه التحديات عبر اللجوء إلى الخدمات البرمجية، ولنأخذ منصة فروتس 360 (Fruits 360)، التي حصلت على جائزة أفضل منتج قائم على التقنية لتحليل البيانات وذكاء الأعمال ضمن الجوائز الاقتصادية العالمية (The Global Economics)، مثالاً.
أطلقت شركة كوانت (Quant)، وهي شركة سعودية متخصصة في تحليل البيانات وتقديم الخدمات الاستشارية والمنتجات المعرفية القائمة على البيانات وتقنيات الذكاء الاصطناعي، منصة فروتس 360 (Fruits360) في عام 2019، فكيف ساعدت المنصة شركات قطاع الأغذية والمشروبات على تنظيم عملياتها، وتعظيم إيراداتها، وتعزيز مبيعاتها؟
تعمل منصة فروتس 360 (Fruits360) على تمكين الشركات العاملة في القطاع من اتخاذ قرارات مستنيرة بناء على بيانات تلك الشركات؛ إذ تمنحها تقارير مفصلة ولحظية لعملية المبيعات وتنظيم المخزون، للمساعدة في كافة الأقسام، إذ تزود الشركات بالتقارير التحليلية المؤتمتة التفاعلية، ما يسهم في تبسيط العمليات، وتحسين الكفاءة، وتسريع عملية اتخاذ القرار، واستخراج رؤى أعمق، من شأنها تعزيز المبيعات وتقليل التكاليف في الوقت نفسه.
تعتمد منصة فروتس 360 على تقنيات الذكاء الاصطناعي، مستغلة البيانات الضخمة المستخرجة من نقاط البيع، لتقديم تقارير تفاعلية تفصيلية تساعد الشركة بكافة أقسامها، وتتضمن المنصة ست وحدات تغطي المبيعات والعمليات والمدفوعات والمخزون والتحليلات والعملاء.
تواجه المنصة تحديات مختلفة تعترض طريق الشركات العاملة في قطاع الأغذية والمشروبات، وتسهل العمليات المعقدة والطويلة التي يتطلبها العمل في القطاع. فعلى سبيل المثال، تقدم تحليلات لتحسين إدارة المخزون عن طريق متابعة التكاليف لكل الفروع والمنتجات وتقليل الهدر.
ففي تحدي تكلفة المنتجات، يمكن لتحليل المبيعات أن يساعد المطاعم على سبيل المثال في تحديد أهم العناصر والمنتجات التي لا تباع جيداً والتفكير في إزالتها. وإذا كانت تكلفة المكونات أيضاً مرتفعة مقارنة بمبيعاتها، فقد يكون من المربح إزالتها والاستعاضة عنها بخيار أفضل. وفي تحدي إدارة المخزون يمكن أن تساعد البرامج في إدارة سلسلة التوريد، وتقديم المنتجات، وبالتالي المساعدة في ضمان سلامة العملاء.
وفي تحدي تقليل النفايات، يمكن أن تساعد التقارير في تتبع تواريخ انتهاء صلاحية المكونات القابلة للتلف واستخدامها في الوقت المناسب لتقليل النفايات. ويمكن للمدراء في سوق الأغذية والمشروبات تحديد المكونات الزائدة وتصميم عروض يومية خاصة أو صفقات مجمعة تستخدم هذه المكونات وتساعد على تقليل النفايات.
كما توفر منصة فروتس 360 لوحة تفاعلية تبيّن أنواع وسائل الدفع ومصادر تحقيق الأرباح، وتساعد على تفادي عمليات الاحتيال، إضافة إلى تقديم تقارير تحليلية لرفع معدل الحفاظ على العملاء ومعرفة أهم الاستراتيجيات التسويقية الفعالة بناءً على فهم أفضل لسلوك العميل من خلال التحليل المتقدم.
وعلى الرغم من هذه الميزات التقنية، فإن المنصة توفر واجهة بسيطة لتجربة مستخدم، إضافة إلى إمكانية الوصول إليها من الهواتف المحمولة وأي منصة أخرى، لتسهيل تجربة المستخدم.
وختاماً، في عصر البيانات الذي نعاصره، لن يستطيع الصمود من شركات ومنشآت القطاع مستقبلاً غير تلك التي استطاعت الاستفادة من البيانات الضخمة باستخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتسهيل عملياتها وتقليل تكاليفها وزيادة إيراداتها لتضمن مكاناً في قطاع محتدم المنافسة كقطاع الأغذية والمشروبات.