"كل شخص لديه خطة حتى يتلقى لكمة على فمه". كان هذا رد بطل العالم السابق في الملاكمة ضمن فئة الوزن الثقيل مايك تايسن، عندما سُئل عن خطة الخصم لمعركتهم الوشيكة. يُعتبر الرد مدرسة فكرية وهي اليوم مألوفة في مجال ريادة الأعمال. فماذا عن إنشاء خطة عمل لشركة ناشئة؟
"التعلم بالممارسة"
يقول مناصرو مناهج "التعلم بالممارسة"، كالمنهج الوارد في كتاب الشركة الناشئة المرنة (the lean startup)، إن التصرف والارتجال والتمركز أفضل من استنزاف الوقت والموارد على خطة من 20 صفحة، والتي لن تنجح عند أول احتكاك مع العملاء.
وبشكل مناقض تماماً، يقول منهج "التخطيط الهادف" بأن الخطة تساعد على رسم تفاصيل الشركة الناشئة وتنظيمها وتوجيهها. كما أنها تجيب عن أسئلة مهمة مثل "أين نحن الآن؟" و"إلى أين نريد أن نصل؟" و"كيف سنصل إلى الهدف؟".
اقرأ أيضاً: تعرف على خرافة رائد الأعمال الموظف
تساعد الخطة على وضع تفاصيل اغتنام الفرص وكيف يكون النجاح وما هي الموارد المطلوبة. كما يمكن أن تكون مفتاح القرارات الاستثمارية بالنسبة للمستثمرين الملّاك والمصارف وأصحاب رأس المال الاستثماري.
والحقيقة هي أننا فقط لا نعرف فيما إذا كان من المفيد لنا أن نخطط أم لا، فمقابل كل دراسة تُظهر أن الخطة مفيدة، هناك دراسة أُخرى تقول إن على الشركات الناشئة التعلم بالممارسة. لذلك لم تقدّم هذه النتائج الكثير لرواد الأعمال المحتملين لاتخاذ قرار بكتابة خطة عمل أم لا.
كانت نقطة البداية في بحثنا هي أنه لم يتم إيلاء اهتمام كافٍ للبحث في السبب الذي يدفع رواد الأعمال إلى التخطيط. إذ إن هناك مجموعة من العوامل السياقيّة التي تحفز الأخذ بقرار التخطيط، وتتضمن كل شيء من الخبرات الريادية السابقة إلى الحاجة للتمويل الخارجي والرغبة في نمو الشركة أو الابتكار فيها.
ولا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن عدم دراسة سياق التخطيط له أثر جانبي آخر. على سبيل المثال، خلفية رائد الأعمال وظروف الشركة الناشئة لها تأثير كبير على فرص استمرارية الشركة. كما أن الشركات الناشئة الممولة جيداً ذات نسبة نجاح أعلى، وكذلك الأمر بالنسبة لرواد الأعمال الأكثر خبرة.
التخطيط الريادي
أردنا دراسة التخطيط الريادي ولكن بالتركيز على السياق أكثر من الجهود السابقة. ولهذا اتجهنا إلى برنامج الدراسة الطولية لديناميكيات الريادة (Panel Study of Entrepreneurial Dynamics II). حيث تتبّع هذا البرنامج البحثي عينة تمثيلية لأكثر من 1,000 رائد أعمال محتمل في الولايات المتحدة لفترة تمتد إلى 6 أعوام (2005 إلى 2011). وخلال البحث، جمعت الدراسة بعضاً من أكثر البيانات شمولاً بين البيانات التي تم جمعها عن خصائص الشركات الناشئة ومؤسّسيها. وهي تفصّل المجموعة الكاملة للنشاطات التي قامت بها لانطلاق الشركة وفيما إذا كانت ستصل إلى مستوى مهم من الاستمرارية: الوصول إلى التدفق النقدي الإيجابي.
اقرأ أيضاً: دراسة: إيجابيات وسلبيات العلاقات السياسية بالنسبة للشركات الصينية الناشئة
كما قسّمنا رواد الأعمال المحتملين إلى مجموعتين: رواد الأعمال الذين يضعون خططاً رسمية وآخرين لا يضعون أي خطط. واستخدمنا طريقة إحصائية شائعة لضمان أن الأشخاص في المجموعتين هم توائم إحصائية، بمعنى أنهم متطابقين في كل شيء، ما عدا أن أحدهم يضع خطة والآخر لا يفعل. وهذا يعني أنه بإمكاننا تحديد ما إذا كان "التوأم" المخطّط أو غير المخطّط للشركة الناشئة سيحظى باحتمالية أكبر لتحقيق استمرارية المشروع.
وجدنا فعلاً أن التخطيط أمر مفيد، حيث يتمتع رواد الأعمال المخطّطين باحتمالية أعلى بنسبة 16% لتحقيق الاستمرارية من رواد الأعمال المطابقين لهم الذين لا يتبّعون منهج التخطيط. بالإضافة إلى أننا كنا قادرين على معرفة ما الذي يدفع الناس إلى وضع خطط بالأساس.
وظهرت لنا نتيجتان، الأولى هي أن نسبة التخطيط عند رواد أعمال الشركات الناشئة المتّجهة نحو النمو العالي أعلى بنسبة 7%، وأيضاً أصحاب الأفكار الإبداعية المشوّشة هم أكثر ميلاً للتخطيط بنسبة 4% مقارنة بنظرائهم. وما يمكن استنتاجه هنا هو أن الفائدة العظمى للتخطيط تكمن عندما تكون التحديات كبيرة.
أما النتيجة الثانية، فتقول إن رواد الأعمال الساعين إلى الحصول على تمويل خارجي هم أيضاً أكثر ميلاً إلى التخطيط بنسبة 19% من أولئك الذين لا يبحثون عن تمويل.
في السياق ذاته، يمكن لكتابة الخطة أن تشكل فرقاً عندما يتعلق الأمر بنجاح الشركة الناشئة، حيث تدعم الخطط عملية تحول رؤية رائد الأعمال إلى خطوات ملموسة عبر تحفيز نشاطات الشركة وتنظيمها وتوجيهها.
اقرأ أيضاً: كيف تتغير جغرافية انتشار الشركات الناشئة والابتكار؟
ولكن في العالم الحقيقي، نادراً ما يبدأ روّاد الأعمال بسؤال "هل عليهم أن يخطّطوا أم لا"، بل يبدؤون برؤية ضبابية لفكرتهم عن النجاح. وفي هذه المراحل المبكرة، ربما يضطرون إلى الارتجال أو التجربة للتركيز أكثر على هذه الرؤية. ولكن بمجرد أن تبدأ الشركة الناشئة بالتشكّل، وبمجرد أن تظهر أهمية النمو والابتكار، يتحول التخطيط إلى ضرورة للنجاح.
تبقى الخطط أمراً مهماً لعملية جمع الأموال خارجياً لأنها تؤسس شرعية وثقة بين المستثمرين ترتكز على أن رائد الأعمال هذا جاد فيما يفعله. وبالإضافة إلى ذلك فهي تُطمئن الموظفين والموّردين والعملاء وأصحاب المصلحة الرئيسيّين الآخرين.
اقرأ أيضاً: كيف تتطور صناعة القرار مع تطور الشركة الناشئة؟
من غير المرجح أن تكون الخطة هي الخيار الأفضل لجميع روّاد الأعمال. ولكن إذا كان رائد الأعمال يريد جمع المال والنمو بسرعة، إذاً، سيحتاج في النهاية إلى كتابة خطة عمل لشركة ناشئة.
اقرأ أيضاً: دراسة حالة: هل تتحول نقاط قوة الشركات الناشئة إلى أسباب ضعفها؟