دراسة تكشف عوامل نجاح أسبوع العمل المكوّن من 4 أيام

6 دقيقة
العمل ساعات أقل
فريق عمل هارفارد بزنس ريفيو/ دي بينيتو ستوك/مينسِنت فوتوغرافي/غيتي إميدجيز

ملخص: أظهرت مجموعة متزايدة من الأدلة أن العمل ساعات أقل لقاء مستوى الأجر نفسه يحافظ عملياً على النتائج، ويُفيد أيضاً في تحسين رفاهة الموظفين ومعدلات استبقائهم. ويتوقف نجاح هذه المبادرات على إجراء الشركات تحوّلات كبيرة في طرق العمل لتحقيق توازن بين تقليل عدد ساعاته والحفاظ على نتائج الشركة، وهذا يعني تبسيط العمليات وإزالة الأعباء الإدارية ومنح الأولوية للأعمال العالية التأثير. والتحدي الآخر الذي يواجه الشركات هو ضمان تقبّل الموظفين فكرة تقديم الأداء نفسه في ساعات أقل.

تحوّلت المناقشات عقب انتهاء الجائحة إلى موضوع المرونة في أوقات العمل، وركزت على جدوى مواصلة الموظفين العمل من المقار المكتبية وعدد أيام الحضور الشخصي. وبالفعل، اختار ثلث الموظفين القادرين على أداء أعمالهم عن بُعد في الولايات المتحدة مواصلة أعمالهم عن بعد دون حضور شخصي. وأظهرت بحوث منصة لينكد إن أن واحدة تقريباً من كل 9 وظائف شاغرة أُعلن عنها في شهر مايو/أيار عام 2023 في الولايات المتحدة كانت تقدم فرص عمل عن بُعد، وأن نسبة 13% من الوظائف المُعلَنة اتبعت نهج العمل الهجين، ونسبة 66% من الطلبات المقدمة كانت لمناصب تتيح العمل عن بُعد والعمل الهجين. وأخبرني أحد الرؤساء التنفيذيين بأن إضافة كلمتَي "عن بُعد أو هجين" في الوصف الوظيفي زادت عدد المتقدمين للوظائف ثلاث مرات.

وثمة زعزعة محتملة في هذا الصدد، إذ بدأنا نرى تقارير المؤسسات التي اختبرت نهج العمل 4 أيام في الأسبوع؛ وتشير نتائجها الأولية إلى تأثيرات إيجابية في مجالين مهمين، وهما الإنتاجية ورفاهة الموظفين.

لنلقِ نظرة على الأدلة. وفقاً لبحوث منصة الوظائف، إنديد (Indeed)، تضاعف العدد الإجمالي للوظائف الشاغرة التي تتبع نهج العمل 4 أيام في الأسبوع ثلاث مرات في السنوات الأخيرة، على الرغم من أنه لا يزال يمثّل نسبة منخفضة تبلغ 0.3% من إجمالي الوظائف. ويشيع نموذج العمل هذا في القطاعات التي تتطلب الحضور الشخصي، مثل الطب وطب الأسنان والطب البيطري والتصنيع والإنتاج. وبالفعل، أدرجت نقابة يونايتد أوتو ووركرز (United Auto Workers) مطلب تبنّي نهج العمل 4 أيام في الأسبوع ضمن مفاوضاتها مع المرشحين للوظائف، غير أنه لم يُدرج في الاتفاقيات النهائية.

وفي شهر يونيو/حزيران عام 2022، شاركت 61 شركة مقرها في المملكة المتحدة في برنامج تجريبي لدراسة فعالية نهج العمل 4 أيام في الأسبوع. وأظهرت نتائج الدراسة الأولية التي نُشرت في شهر فبراير/شباط عام 2023 أن 92% من الشركات ما زالت تواصل اختبار هذا النهج، في حين أكدت نسبة 29% منها أنها ستجعل هذه التغييرات جزءاً دائماً من سياستها، إذ ارتفعت الإيرادات المتوسطة للمؤسسات بنسبة 1.4%؛ وأفادت الشركات المشاركة في البرنامج التجريبي أيضاً بانخفاض بنسبة 57% في احتمالية استقالة الموظف، إضافة إلى انخفاض بنسبة 65% في عدد أيام الإجازات المرضية المدفوعة الأجر.

واحدة من الشركات التي شاركت في هذه التجربة هي شركة ريفيلين روبوتيكس (Rivelin Robotics) التي قررت ضم يوم الجمعة إلى عطلة نهاية الأسبوع وتمديد ساعات العمل من 8 صباحاً وحتى 5:30 مساءً باقي أيام الأسبوع. اعترض هذا التغيير تحديات عدة بالفعل، فشركة ريفيلين هي شركة ناشئة صغيرة في مرحلة النمو السريع، ولأنها تضم 8 موظفين فقط فقد اضطروا أحياناً إلى التضحية ببعض أيام عطلة نهاية الأسبوع الثلاثة لطرح منتج جديد، واضطر كبار المسؤولين التنفيذيين في الشركة أيضاً إلى الرد على المكالمات والاستفسارات يوم الجمعة بسبب إغلاق بقية أعضاء الفريق هواتفهم.

تحديات نهج العمل 4 أيام في الأسبوع

سعت عدة مؤسسات في ستينيات القرن العشرين وسبعينياته إلى تطبيق نهج العمل 4 أيام في الأسبوع، أي ضغط 40 ساعة كاملة من العمل في 4 أيام؛ لكن لم يحقق معظم هذه المبادرات النتائج المأمولة. وفي دراسة أُجريت في عام 1975 لاستطلاع آراء 474 موظفاً عاملاً في قسم المحاسبة بإحدى الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات حول نهج العمل أربعة أيام في الأسبوع بمعدل 38 ساعة إجمالاً، قدّم الموظفون شكاوى بشأن الإعياء وتراجع الأداء في نهاية اليوم، وأفادوا بأن خدمة احتياجات العملاء والاجتماعات مع زملاء العمل أصبحت أصعب، ورأى المشرفون أن جودة العمل والإنتاج في وحداتهم تأثرت سلباً بهذا النهج.

لكن التعمق في تحليل تلك المبادرات يكشف أنها لم تراعِ بعض العوامل الحاسمة: أولاً، ثمة علاقة لا خطية بين ساعات العمل والإنتاجية، إذ تناقص معدل الإنتاجية لكل ساعة عمل إضافية. ترتبط ساعات العمل الطويلة أيضاً بزيادة في الأخطاء وحوادث العمل، إضافة إلى انخفاض في مؤشرات رفاهة الموظف، مثل الرضا والمشاركة.

لكن مَن ابتكر فكرة العمل 40 ساعة في 4 أيام؟ أظهرت مجموعة متزايدة من الأدلة أن العمل ساعات أقل لقاء مستوى الأجر نفسه يحافظ عملياً على النتائج، وقد يُؤثر إيجاباً في عدة مقاييس أيضاً. ومنذ عام 2015، تزايدت أعداد التجارب الجديدة لتقليل ساعات العمل في السويد وإيرلندا وأميركا الشمالية والمملكة المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا بالاعتماد على مزيد من البيانات بصفتها أساساً لاتخاذ القرارات. وعملنا مؤخراً على دراسة خاصة على 9 مؤسسات عالمية بهدف تعزيز فهمنا حول إعادة تنظيم العمل بوعي. واكتشفنا أن نتائج نهج العمل 4 أيام في الأسبوع كانت إيجابية فيما يتعلق برفاهة الموظفين واستبقائهم، ولاحظنا تحسّناً في النتائج التجارية عموماً على الرغم من بعض التكاليف والتنازلات وتباين مستويات العمل اللازمة للتحضير لهذا النهج.

ويتوقف نجاح هذه المبادرات على إجراء الشركات تحوّلات كبيرة في طرق العمل لتحقيق توازن بين تقليل عدد ساعاته والحفاظ على نتائج الشركة، وهذا يعني تبسيط العمليات وإزالة الأعباء الإدارية ومنح الأولوية للأعمال العالية التأثير. ولتحقيق التوازن بين تقليل ساعات العمل والحفاظ على النتائج الإيجابية يجب على المؤسسات:

تحديد ماهية الأعمال المهمة. قد تُستخدم أطُر عمل مثل الأهداف والنتائج الرئيسية (OKRs) لتحديد أهداف الشركة وضمان توجيه عمل كل موظف نحو تحقيق تلك الأهداف.

تقييم فعالية الاجتماعات. تُعد الاجتماعات من أوائل المجالات التي تخضع للتقييم بسبب اعتبارها وقتاً غير منتج.

إتاحة الفرص للموظفين للعمل بكامل قدراتهم التي اكتسبوها من خلال التعليم والتدريب. ينشغل العديد من الموظفين بأداء مهام إدارية أو مهام أخرى غير مهمة، ما يجعلهم غير قادرين على التركيز على المهام ذات الأولوية؛ ونوصي بإيقاف العمل على تلك المهام أو أتمتتها أو تفويضها.

تبنّي أسلوب التواصل اللاتزامني عند تنفيذ نهج العمل 4 أيام في الأسبوع، يصبح أسلوب التواصل اللاتزامني ضرورياً لمساعدة الموظفين على تجنب انقطاع العمل. ومن المهم بالتالي التفاهم بوضوح على المسائل التي تتطلب التصعيد والمسؤول عن التعامل معها للحفاظ على تركيز الموظفين.

إعادة تحديد توقعات الموظفين

من التحديات الرئيسية التي ترافق التحوّل إلى نهج العمل 4 أيام في الأسبوع ضمان تقبّل الموظفين فكرة أنهم مطالبون بأداء كمية العمل نفسها في فترة زمنية أقل. وأظهرت بحوثنا أن المؤسسات التي نجحت في تطبيق نهج العمل 4 أيام في الأسبوع بدأت بفترة تجريبية مدروسة لا تقل عن 3 أشهر لتقييم إمكانية تقليل ساعات العمل مع الحفاظ على مستوى الإنتاجية. شملت تلك الفترة التجريبية توثيق التجارب وتوفير تدريب مسبّق للموظفين على أداء مهام العمل، إضافة إلى توفير تدريب مهني حول زيادة الإنتاجية (وما يثير الاهتمام هو أن إجراء هذه التحضيرات لتنظيم العمليات وتخفيف الأعباء الإدارية ومنح الأولوية للأعمال ذات التأثير الكبير قد يؤثر إيجابياً على إنتاجية الشركة).

كيف يتجسد هذا التأثير في التطبيق العملي؟ تواصلنا خلال الدراسة مع الشركة الاستشارية المتخصصة في مجال أماكن العمل في أستراليا، إنفينتيوم (Inventium)، التي بدأت فترة تجريبية لنهج العمل 4 أيام في الأسبوع في عام 2020. وضع قادة المؤسسة برنامج تدريب حول زيادة الإنتاجية بهدف مساعدة الموظفين على تحقيق أقصى استفادة من أوقاتهم بفعالية، وتضمنت الأساليب تنظيم جداول المواعيد وإيقاف تشغيل الهواتف المحمولة لفترات محددة وجدولة العمل العميق بحسب وقت ذروة الإنتاجية لكل موظف.

يُشجع الموظفون في شركة إنفينتيوم على تحمّل مسؤولية أوقاتهم واستثمارها بما يتناسب مع احتياجاتهم، وحققت الاستراتيجية المتّبعة نجاحاً بالفعل، إذ سجلت الشركة زيادة بنسبة 26% في الإنتاجية، وارتفاعاً بنسبة 21% في مستويات الطاقة، وانخفاضاً بنسبة 18% في مستويات إجهاد الموظفين.

تسمي الشركة برنامجها "هدية اليوم الخامس" لتوضيح أن يوم الراحة ليس مؤكداً أو مضموناً، بل يتطلب الحصول عليه إنجاز العمل بكفاءة والحفاظ على النتائج؛ ويشير أيضاً إلى احتمال وجود أعباء عمل إضافية في بعض الأشهر تتطلب من الموظفين العمل في ذلك اليوم الخامس، وهي الفكرة التي قبلها الموظفون بروح إيجابية دون معارضة (حتى اليوم).

تحقيق النجاح يتطلب حصول المؤسسات على دعم القادة والموظفين، وهو يبدأ بتحديد العقبات المحتملة وجمع آراء الموظفين. ومن المهم أيضاً وصف البرنامج التجريبي بأنه تجربة مستندة إلى توقعات واضحة، والتواصل بشفافية مع العملاء وأصحاب المصالح.

من جهة أخرى، قد يكشف نهج العمل 4 أيام في الأسبوع عن مشكلات مؤسسية في مجالات التواصل والثقة وعدم الكفاءة في العمل والعقبات التي تعترض الإنتاجية. وعلى الرغم من أن هذا النهج يقدم فرصة للتعامل مع هذه التحديات، يقول مدير إدارة مركز التميز لتقليل ساعات العمل (Work Time Reduction Center of Excellence) والمؤسس الشريك فيه وأحد باحثينا المشاركين، جو أوكونور، محذراً: "ينطوي هذا النموذج على تكلفة عالية ويتطلب جهداً كبيراً وتفانياً".

يتمتع الموظفون في النظام الاقتصادي اليوم بمزيد من السلطة والكفاءة والحرية، إذ بلغ معدل البطالة هذا العام أدنى مستوى له منذ 54 عاماً، وتشهد الأجور زيادة بنسبة (5% سنوياً)، ويصعب جداً شغل الوظائف الشاغرة. وتتوقع غرفة التجارة الأميركية أنه حتى لو عثر كل العاطلين عن العمل في البلاد على وظائف، فسيبقى لدينا 3 ملايين وظيفة شاغرة في الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن يستمر نقص العاملين عدة سنوات مقبلة.

باختصار، قد يكون اعتماد أسبوع العمل المنخفض الساعات ميزة جذابة للباحثين عن عمل، وميزة تنافسية مهمة لفرق التوظيف في سوق العمل التنافسية الحالية التي تواجه تحدياً مستمراً في جذب الموظفين واستبقائهم؛ أما بالنسبة للموظفين فهو فرصة مثالية للتركيز على الأولويات.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي