ما الذي يميز الفِرق العبقرية عن غيرها؟

13 دقيقة
الفرق العبقرية
الرسم التوضيحي: برناردو هينينغ، مصدر الصورة: جوبيتر إميدجيز/ غيتي إميدجيز

ما الذي يميز أكثر الفرق التنفيذية طموحاً وقدرة عن غيرها؟

بصفتي مستشارة تنفيذية ومختصة بعلم النفس التنظيمي، فقد تعاملت مع المئات من الفرق القيادية على مدار أكثر من 20 سنة. ومن خلال عملي لاحظت بعض الفرق التي تتميز عن غيرها وأطلقت عليها اسم "الفرق العبقرية". تستطيع هذه الفرق التعامل مع مستوى أعلى من التعقيدات مقارنة بالفرق المماثلة الأخرى، وهي قادرة على تحقيق إنجازات أكثر والعمل بوتيرة أسرع، وإذا حظيت هذه الفرق بإدارة بارعة فبإمكانها تحقيق نتائج هائلة.

تتميز الفرق التنفيذية العبقرية بثلاث خصائص مختلفة: الخاصية الأولى هي أن كل فرد من أفراد الفريق دون استثناء يتمتع بقدرات متميزة تكمّل قدرات أفراد الفريق الآخرين؛ بطبيعة الحال، فإن القدرات التحليلية المتفوقة مهمة دون شك، وحتى ضرورية، لكن أفراد هذه الفرق يتميزون أيضاً، على سبيل المثال لا الحصر، بالبراعة الفائقة والخبرة والمثابرة والمرونة العقلية ومهارات التواصل.

الخاصية الثانية للفرق العبقرية هي مستوى الإنجازات التي يطمح أفرادها إلى تحقيقها؛ وقد لاحظت ذلك مع فريق يعمل على تسريع الانتقال إلى الطاقة الخضراء، وفريق آخر يعمل على زيادة القدرات الإبداعية لدى أجيال المستقبل، وفريق ثالث يعمل على توفير فرص متساوية للاستثمار لشرائح المجتمع جميعها.

يمكن أن تشكّل هذه الأهداف شعارات طنانة لا طائل منها ما لم توجه قرارات الفريق وعمله بحق. لكن الأهم من ذلك، أن الفرق العبقرية هي التي تصنع الإنجازات غير المسبوقة؛ فهي تتحرك لتحقيق إنجازات ملموسة، مثل بناء الشركات وتمويل المبادرات ووضع السياسات، لمواجهة التحديات الكبرى وتلبية الاحتياجات الفائقة الأهمية.

أما الخاصية الثالثة -والأقل وضوحاً- لدى الفرق التنفيذية العبقرية فتتمثل في التوتر البنّاء شبه المتواصل الذي يميز تفاعلاتها؛ إذ تستمد هذه الفرق طاقتها من الجوانب الإيجابية الموجودة في الصعوبات والنزاعات ونفاد الصبر، وحتى التعصب الذي ينطوي على نية حسنة.

ما يميز الفرق العبقرية عن غيرها من الفرق التنفيذية العالية الأداء فعلياً هو قدرتها على إدارة هذا التوتر واستعدادها لتوليده أيضاً كي تتمكن من مواجهة التحديات الأكبر. يتحدث هذا المقال عن الجوانب الإيجابية والجوانب السلبية لهذه الطريقة في العمل، ويوضح كيف يمكن للفرق القيادية أن تتفادى أكثر الفخاخ المقترنة بها شيوعاً.

مخاطر التوتر البنّاء ومكاسبه

عند مراقبة فريق عبقري، يمكن أن نشعر بالحيوية والتشويق في الأجواء. فثمة شيء مهم على المحك لدى الجميع، كما أن التفاعلات تكاد تصل إلى مرحلة المواجهة المباشرة. هناك درجة عالية من الحماسة النفسية، فتجد الجميع يميلون بأجسادهم إلى الأمام، ويتحدثون بشغف، ويتوجهون باستمرار إلى لوح الرسم والتصميم، ويتحدى بعضهم بعضاً. نادراً ما يهيمن الملل على الأجواء، كما أن الأمزجة تبدو شبه متقلبة. شبّه عضو في إحدى هذه الفرق اجتماعات فريقه الأسبوعية بتجربة كيميائية، يجري فيها مزج مجموعة من المواد الفعالة ثم تحركيها بعنف لرؤية ما الذي سيحدث.

يمثّل هذا التوتر البنّاء جزءاً مهماً جداً من طريقة عمل الفرق العبقرية وما يحفزها لتحقيق النجاح. وهو أيضاً عامل الخطورة الأكبر إذا لم يلاحظه الفريق ويعمل على إدارته كما يجب، وإذا أساء توجيهه فسيؤدي إلى أضرار جانبية وآثار سلبية تصيب سمعة الفريق، وإلى الانحراف عن مسار العمل والاحتراق الوظيفي؛ كثيراً ما يذكر أفراد الفرق العبقرية أنهم يشعرون بالاستنزاف العاطفي والإرهاق في نهاية يوم العمل، على الرغم من أن أيامهم مليئة بالأحداث والانتصارات والإنجازات غير المسبوقة التي تحسدهم الفرق الأخرى عليها.

أخبرتني إحدى أفراد الفرق العبقرية في القطاع المالي كيف اتخذت قرار الاستقالة بعد أن شعرت "بالإنهاك الشديد" على مدى أشهر متواصلة بسبب كثافة العمل التعاوني في العمل، ووصفت لاحقاً الفترة التي أمضتها مع الفريق بأنها أفضل تجربة مجزية حظيت بها يوماً في حياتها المهنية، لكنها الأكثر إرهاقاً أيضاً.

لكن نقص التوتر في المقابل يؤدي إلى ضرر كبير أيضاً. عملت مع فريق آخر من المسؤولين التنفيذيين من أصحاب القدرات الاستثنائية، وكان كبت التوتر لديهم أكبر عائق أمام نموهم وكفاءتهم في الأداء. قال لي أحد القادة إن اجتماعاتهم أصبحت "مملة إلى درجة أنني أردت الصراخ. أصبح الجو ثقيلاً إلى درجة توحي باختفاء الأوكسجين منه عندما انحصرت اجتماعاتنا في الثرثرة المتواصلة حول مجالاتنا المنفصلة، حيث يتظاهر الحاضرون بأنهم يسجلون الملاحظات لكنهم في الواقع يقرؤون الأخبار ويتسوقون عبر الإنترنت. وكلما تحدثنا عن موضوع إشكالي وبدأت النقاشات تحتدم، أجّلناه أو تركناه دون حل". وعلى الرغم من تميز الحاضرين في الاجتماع فلم يحققوا إنجازات مذهلة إلا فيما ندر.

يكمن سر الفرق العبقرية التي غالباً ما تدير نفسها بنفسها في العثور على المستوى المناسب من التوتر، حيث لا ينخفض إلى حد الفتور ولا يرتفع إلى حد يصبح عنده هدّاماً.

كيف يمكنها تحقيق هذا التوازن؟

فن القتال النبيل

تعلّمت الفرق التنفيذية العبقرية التي راقبتها كيفية إدارة الفوضى والعشوائية والنزاعات والطاقة بصورة متواصلة وبأسلوب محفز وبنّاء وهادف، مع الحفاظ على احترام كل فرد من أفراد الفريق واستقلاليته. تتعامل هذه الفرق مع الخلافات والتناقضات والاختلالات والعثرات بغية تحقيق هدف معين، ما يعني التعامل مع 3 أنواع من التوتر تحدث في الوقت نفسه:

التكيف مع الانزعاج والنزاعات

تدرك غالبية الفرق التنفيذية قيمة النزاعات المتعلقة بالمهام؛ أي النقاشات التي تحتد في بعض الأحيان حول الأولويات أو الخيارات الرئيسية أو حل المشاكل. وتعترف الفرق الناضجة بأن النزاعات المتعلقة بالمهام تؤدي إلى حلول ونتائج أفضل.

على العكس من ذلك، فإن الكثير من الفرق لديها حساسية تجاه نزاعات العلاقات الشخصية، مثل التوترات الشخصية والعاطفية أو المواجهات أو الهجوم الذي يستهدف الهوية أو التصرفات. ترى هذه الفرق أن هذا النزاع يسبب الإحباط وهدر الوقت. نتيجة لذلك، تدور نزاعات العلاقات الشخصية في الخفاء وليس في العلن.

تتميز الفرق العبقرية بأنها لا تتجنب النزاعات المتعلقة بالمهام أو نزاعات العلاقات الشخصية، بل إن مستوى نزاع المهام فيها أعلى منه لدى الفرق التنفيذية الأخرى، لأن هذه اللحظات الصعبة تحفزها وتلهمها للتوصل إلى أفكار جديدة.

غير أن ما يميز الفرق العبقرية فعلاً هو حدة نزاعات العلاقات الشخصية؛ فمع سعي هذه الفرق المحفوف بالمخاطر لتحقيق إنجازات كبيرة غير مسبوقة، فإنها لا تكترث بالسلوك المهذب أو المتسامح بدرجة مفرطة، كما يبدو أن الجو ضمن الفريق يسوده عدم المبالاة بمشاعر الآخرين. ويبلغ التقلب العاطفي لدى هذه الفرق مستويات مرتفعة جداً، ومنها الانتقادات الصريحة الحادة والتعديلات في اللحظات الأخيرة والإرهاق المفاجئ.

ظهر هذا التقلب العاطفي في أحد الفرق التي عملت معها من خلال مواجهة بعض الشركاء لبعض علناً بشأن الإسهامات التي يعتبرونها معيبة أو منفّذة بإهمال أو تبدي انعدام الضمير. "لماذا المواد رديئة لهذه الدرجة؟ لنتوقف هنا ونبدأ ثانية عندما تنتهي من إصلاح هذا الخطأ الفادح"، على حد قول قائد أحد الفرق بعد بدء الاجتماع بخمس دقائق.

لا تتسامح هذه الفرق مع العروض التقديمية التي تبدو بديهية جداً ولا تقدم شيئاً جديداً، وكما قال قائد في شركة معروفة على مستوى العالم عندما كنت أراقب فريقه: "أشعر بالاشمئزاز عندما أسمع أحدهم يقول: 'أنا أتفق معك بالكامل' في الاجتماعات. نجتمع معاً للعمل على تحسين الأفكار، لا للشعور بالراحة من خلال التوصل إلى إجماع على رأي واحد".

يمكنك أن ترى نزاع العلاقات الشخصية ظاهراً في لغة الجسد لدى أفراد الفرق العبقرية عندما ينزعجون، مثل التنفس بصعوبة، والتململ في الكراسي، وتغيير وضعية الجلوس، والتجول في الغرفة أمام الآخرين، والتعرق الشديد، وتناول الطعام بعصبية، أو التحدث بصوت مرتفع. يبدو هذا الأسلوب في أحسن الأحوال صريحاً جداً، وفي أسوأ الأحوال، يبدو فظاً أو حتى مهيناً بصورة غير لائقة.

وقد قال أحد القادة: "تخرج الأمور عن السيطرة مرة واحدة في اليوم على الأقل، لكننا تعلّمنا كيفية ضبط الوضع بسرعة".

هذا الجزء الأخير مهم جداً؛ ففي حين قد تكون اجتماعات الفرق العبقرية مستفزة تسودها التصادمات الحادة والمواجهات الشخصية، فإنها تعتمد على قواعد تفاعل واضحة ومحددة: الصرامة في حل المشاكل والتعامل الحاد والمباشر مع الأفراد في آن معاً. ويتطلب هذا في الأساس أن يفهم المشاركون ويعترفوا بأن عملية التدقيق الصارمة المطبّقة على الأفكار هي الوسيلة التي يملكها الفريق لضمان الوصول إلى قرارات نهائية أفضل بكثير من المقترحات الأولية.

ومن أجل "ضبط الوضع بسرعة"، تعمل الفرق العبقرية على مراقبة التوتر وإدارته في أثناء اجتماعاتها بفعالية، وقد يكون ذلك من خلال طرح هذا السؤال البسيط أحياناً: "ما الذي يجري بيننا في هذه اللحظة؟" تستخدم هذه الفرق الفكاهة للتكيف مع هذه المواجهات الصعبة؛ فقد علّق أحد أعضاء فريق عبقري قائلاً: "أرجو أن تتأكدوا من حظر الرئيس التنفيذي للشؤون المالية من إرسال المزيد من الرسائل الإلكترونية هذا الأسبوع"، وذلك بعد أن علم أن هذا الرئيس أرسل رسالة إلكترونية بلهجة عنيفة وقاسية إلى قسم بأكمله.

أيضاً، يتفقد بعض أفراد هذه الفرق أحوال بعضهم الآخر فيما يشبه "دورة إصلاح ما بعد العمل" مكونة من دردشات تدوم 5 دقائق، أو بعض الرسائل النصية، أو مكالمة هاتفية في المساء لتقييم العلاقات ومعالجة أي توتر أو سوء تفاهم. يمكن تشبيه هذا بعملية "تفريغ نفسي"، حيث يعيد المشاركون استعراض الأحداث وسردها لوضعها في السياق الصحيح، وإعادة تفسيرها بأسلوب بنّاء. غالباً ما تساعد هذه المحادثات على تحسين الجلسات اللاحقة، وتساعد مع مرور الوقت على صياغة القواعد التي يتبعها الفريق في تفاعلاته.

يجب أن نوضح أن قواعد التفاعل بين أفراد الفريق، مثل "توقع أن نقسو عليك" ليست عذراً لاستخدام اللغة المسيئة أو الإهانات العلنية. يتمحور فن القتال النبيل حول العثور على طريقة لتحفيز الخلاف المهني البنّاء بخصوص المسائل المطروحة، وفي الوقت نفسه، تحفيز النمو والتطور الشخصيين من خلال الملاحظات الصريحة المباشرة ولكن ليس بهدف الانتصار على الآخر وإثبات خطئه فحسب.

يمثّل استثمار التفاعلات الصعبة والنزاعات لتحفيز الأداء عملية توازن تتطلب انضباطاً ذاتياً مع التزام ضوابط محددة، وتتطلب هذه العملية أن يتمتع أفراد الفريق بالقدرة على رسم الحدود واحترامها.

رسم الحدود في ثقافة اللاحدود

تعمل الفرق العبقرية في أفضل حالاتها وسط تدفق لا يكاد ينتهي من الأفكار والفرص والمبادرات. وقد قالت لي أحد أفراد فريق عبقري: "أشعر، من نواحٍ عديدة، بأننا نمتلك قوة خارقة خاصة، وهي أن هدفنا يحمل مغزى عميقاً جداً. نحن نقدم مساهمة إلى العالم. وهي مساهمة جديرة بأن نستيقظ من نومنا صباحاً مستعدين للقتال من أجلها. أعتقد أن هذا ما نحتاج إليه بالضبط حتى نحافظ على اندفاعنا عقوداً متواصلة". وأضافت قائلة: "إن هذا هو السبب الذي يجعلني قادرة على تحمل ضغوط الوظيفة التي لا تنتهي".

قال لي أحد أفراد فريق آخر إنه كان مدفوعاً بإنشاء شركة رائعة جداً، وأن يتمكن في يوم من الأيام من أن يصطحب أطفاله في رحلة بحرية لمشاهدة الصروح العظيمة التي أسهم فريقه في بنائها حول العالم.

هذا الإحساس القوي بامتلاك هدف عظيم يدفع بالفرق العبقرية إلى توجيه طاقاتها بالكامل نحو مواجهة العوائق أو الإخفاقات المحتملة. ومن الجمل التي يستخدمها أفراد هذه الفرق كثيراً: "نحن نجد الحل على الدوام" و"نحن لا نستسلم أبداً".

أما الناحية الأخرى من ثقافة اللاحدود فهي أن العمل لا ينتهي أبداً، ولا يصل إلى حد الكفاية أبداً، وليس هناك أي إحساس بانتهاء العمل إلا في حالات نادرة. عندما كان أحد الفرق التي عملت معها ينال الكثير من الثناء والاستحسان إثر تحقيق إنجاز كبير، قال أحد أفراده: "شكراً، هذا جيد، لكننا لم ننته بعد. ولهذا، يجب أن ننتظر قبل أن نثني على أنفسنا ونبدأ الاحتفال". إن هذا السلوك الذي يعتمد على فكرة مفادها أن "العمل لا ينتهي أبداً" عسير جداً، وأحد الأسباب التي تجعل الاحتراق الوظيفي أحد المخاطر الفعلية التي يتعرض لها أفراد الفرق العبقرية.

إن أجواء العمل التي تسودها عقلية النشاط المستمر والسعي الدائم إلى تحقيق الإنجاز الكبير التالي مثيرة ومرهقة في الوقت نفسه، ولا مجال للاستراحة أو الشعور بانتهاء العمل إلا في حالات نادرة. وحتى عندما تتمكن الفرق العبقرية من التخطيط للاحتفال بإنجاز مفصلي كبير، أو تخصيص وقت للتطور، فقد لاحظت إعادة جدولة هذه الفعاليات في أحيان كثيرة إلى موعد آخر في اللحظة الأخيرة، لأن العمل أولوية وضرورة مُلحة دائماً.

توضح الفرق العبقرية التي عملت معها الحدود لتفادي الانشغال واستنزاف الطاقات والموارد. فهذه الفرق تواجه ضغوطاً لا حدود لها على حساب الزمن المتاح لها، إذ تحمل أعباء تتعلق بكل من التمثيل الرسمي، والخطابات، والعلاقات مع أصحاب المصلحة، وبناء شبكات العلاقات. ولهذا، يجب أن تكون هذه الفرق متأنية ومنضبطة إزاء خلق بيئة محمية تتضمن مجالاً للحوارات المفتوحة والخاصة والصادقة "من دون جمهور"، كما قال أحد أفرادها.

يكمن السر في الإجماع على موعد للتوقف المؤقت: أين نتوقف لأخذ قسط من الراحة، ومتى؟ كيف نتفادى إرهاق أنفسنا وإرهاق بعضنا لبعض؟ كيف نتراجع عندما يشتد التوتر أو الانفعالات العاطفية؟ وكيف نعود إلى الطريق السليم بعد ذلك؟

التكيف مع العلاقات غير الواضحة

في الكثير من الفرق العبقرية، لاحظت تداخلاً بين العلاقات المهنية والشخصية. يؤدي هذا إلى تعقيد فن القتال النبيل، لأن الروابط الشخصية العميقة تشكل جزءاً من سر فعالية الفريق. ولهذا، فإن الإجابة السهلة التي تعتمد على "الحفاظ على العلاقات المهنية" لا فائدة منها.

ما يجعل الفرق التنفيذية العبقرية تتمتع بالمرونة على المدى الطويل هو شعور أفرادها بوحدة الحال، واستعداد كل منهم لتقبّل غرابة أطوار زملائه ونقاط ضعفهم وعيوبهم ومساعدتهم على معالجتها والحد من آثارها السلبية على الفريق والعمل. إذ يتمتعون بإحساس متبادل وقوي جداً بالترابط والانتماء إلى الجماعة؛ هذا الإحساس المعدي من أهم الميزات الملحوظة التي تزداد وضوحاً وعمقاً عند مراقبة هذه الفرق على مدى سنوات عديدة.

غالباً ما يتحدث أفراد الفرق العبقرية الذين أمضوا الكثير من الوقت معاً في العمل عن شعورهم العميق بالارتباط، إذ يقول أحدهم: "أشعر بالإحباط إذا مر وقت طويل دون أن أرى زملائي، هذا شعوري بكل بساطة. وأشعر بالضيق عندما لا نكون في البلد نفسه، أو عندما نضطر إلى السفر لكن كل عضو منا بمفرده فترات طويلة".

ومن الأسباب الأخرى في حفاظ الفرق العبقرية على تماسكها حتى مع اشتداد الخلافات أيضاً أن كل فرد يسهم بجزء من قصة حياة فرد آخر والعلاقات التي كوّنت شخصيته.

يشير معظم أفراد الفرق الذين تحدثت إليهم إلى علاقات ربطتهم بموجّه أو عدة مرشدين كان لهم أثر كبير في تشكيل شخصياتهم في المراحل المبكرة من حياتهم ومساراتهم المهنية بالإضافة إلى دورهم الرئيسي في بناء نظرتهم إلى العالم وشجاعتهم في الخروج عن المألوف وشغفهم بتحقيق الأهداف. وتتجاوز هذه العلاقات، سواء كانت شخصية أو مهنية، علاقة الإرشاد التقليدية؛ فهي أعمق وأكثر توجيهاً للحياة، وتوفر الدعم على المدى الطويل، وقد لاحظت أن أفراد الفرق غالباً ما يتحدثون عن مرشديهم هؤلاء ضمن الفريق وكأنهم أعضاء غير رسميين في الفريق؛ وفقاً لتعبير مجازي قاله فرد من إحدى هذه الفرق: "إنه حاضر معنا في الغرفة على الدوام".

كما يكشف الكثير من أفراد الفرق التي عملت معها عن جوانب أكثر إيلاماً في حياتهم، مثل النشأة في عائلات تعاني مشاكل الإدمان على الكحول والعنف، أو غياب الأبوين معظم الوقت، أو أبوين مفرطين في السيطرة على أبنائهم (على الرغم من أن هذا قد يبدو أمراً شائعاً)، أو عائلات عانت التفكك والتوتر على مدى سنوات طويلة. قد تكون هذه الذكريات الشخصية مدمرة، لكنها تعبّر أيضاً عن روايات مماثلة: "لقد تمكنت من النجاة بنفسي، ولن أسمح لهذا بأن يحدث معي ثانية". عادة ما تؤثر هذه التجارب في تصرفات الأشخاص، وقد سمعت تنهدات الارتياح من أشخاص لأنهم نجحوا في "الهروب من براثن نشأتهم"، لكني لمست لديهم شعوراً عميقاً بالجوع أيضاً؛ فكما قال أحد أفراد الفرق لي: "عندما كنت صغيراً، كنا فقراء جداً. وقررت أنني لن أسمح بأن يتعرض أطفالي لهذا الشعور على الإطلاق. لن أسمح بذلك أبداً".

أيضاً، لاحظت وجود بعض التناقض في العلاقات الشخصية القوية. فمن جهة، يتغلغل العمل في الكثير من جوانب الحياة الشخصية لأفراد هذه الفرق، فهم يقضون أيام العطلة مع شركائهم في العمل ويستقبلونهم في منازلهم، كما أنهم يحضرون لمساعدة زملائهم عندما يتعرض أطفالهم لأي حادث، أو عندما يمرض أهاليهم. ومن جهة أخرى، ثمة حد لهذه العلاقة الشخصية؛ فالخط الفاصل بين الإدماج والإقصاء غير الرسميين دقيق جداً، ولا يمكن الانضمام إلى الفريق دون شروط. وكما ذكرت سابقاً، فهذه الفرق لا تتسامح مع الكسل وقلة الاستعداد وضعف الالتزام والتراخي في التفكير.

لا بد أن نشير بوضوح إلى أن هذا ليس نقصاً في التعاطف مع الآخرين أو الأخلاق، فالفرق العبقرية متسامحة جداً مع الاحتياجات المشروعة لاستجماع الطاقة، أو التعافي، أو التعامل مع الحالات الشخصية الطارئة. لكن على الرغم من أن العلاقات لها أهمية كبيرة وهي أكثر بكثير من مجرد وسيلة لتحقيق غاية معينة، فالأولوية دائماً لعمل الفريق وسعيه لتحقيق أهدافه في كل حال. قد يكون هذا مزعجاً حتى بالنسبة إلى المخضرمين من أفراد الفريق، لأن نزاعات العمل قد تبدو انتهاكاً للثقة الشخصية والروابط العاطفية.

ليس هناك خطوات سهلة التطبيق للتكيف مع تداخل العلاقات الشخصية والمهنية، فطبيعة العلاقات والتحالفات والارتباطات والعداوات الداخلية ستتطور وتتغير مع مرور الوقت، وأحياناً بطرق يصعب التنبؤ بها.

ولهذا، يجب على أفراد الفريق العبقري أن يتفهموا ويتقبّلوا بصورة أساسية، الطبيعة المتناقضة واللامثالية للعلاقات التي تجمعهم، فهي علاقات تعبّر عن الاهتمام لكنه اهتمام مشروط، وهي علاقات عمل لكنها تعبّر عن التزام يدوم مدى الحياة، وهي علاقات تعبّر عن مجتمع صغير من العطاء، لكن أجواءه أقرب إلى البركان. يتسم العمل في هذه الأجواء بالكثير من المعضلات والتناقضات العاطفية التي نادراً ما يجري حلها بالكامل.

حتى في الفرق التنفيذية التي تعتبر أن العلاقات الشخصية والمهنية منفصلة بعضها عن بعض ويجب ألا تختلط على الإطلاق، فتطبيق ذلك فعلياً يكاد يكون مستحيلاً. في نهاية المطاف، تتشكل بعض أنماط العلاقات والأدوار وتترسخ بسرعة: مَن هم المتقاربون فيما بينهم؟ من هم المختلفون فيما بينهم؟ من هم المنتمون إلى الفريق ومن الذين يأتون من خارجه؟ من الذين بدؤوا ينفصلون عن الفريق؟

يمكن لهذه "القوالب الراسخة" أن تهيمن بسهولة على التعاون والنقاش الفعالين، لأن النتائج والقرارات تتحدد من خلال التحالفات التي تسبق الاجتماعات أو خارج المجموعة أو خلف الكواليس. لمواجهة هذه المشكلة، تحتاج الفرق العبقرية إلى فترات استراحة جماعية تساعدها على التخلص من الروتين والاضطرابات في العمل الجماعي. تهدف هذه الاستراحات إلى فهم أنماط العلاقات هذه وتفكيكها وإعادة ضبطها بطريقة مدروسة قبل أن تترسخ ويصبح من الصعب التخلص منها.

إن فهم أثر الصداقات والتوترات الشخصية في التعاون المهني في جزء منه ممارسة فكرية وتأملية، لكن فهم هذه المسائل وتعزيز التواصل بين الأفراد غالباً ما يحدث من خلال الاسترخاء أو اللعب، سواء في زيارة جماعية إلى المقهى ومشاركة القصص الشخصية، أو بناء أشكال بقطع الليغو أو حل أحجيات رياضية أو ممارسة التزلج. يكمن الحل هنا في أن يؤدي أفراد المجموعة أدواراً مختلفة، ويخلقوا فرصاً للتواصل فيما بينهم بشأن تحديات مختلفة تماماً عن تحديات العمل. من خلال قضاء يوم يتضمن "وقتاً مقرراً للترفيه"، تتجدد طاقة الفرق العبقرية وحماستها فتسرّع عملها، إلى جانب أنها تبدو أكثر ارتياحاً في التعامل مع العثرات والنزاعات وخيبات الأمل.

من الواضح أن الفرق التي نصفها بأنها عبقرية تمتلك هدفاً كبيراً وتتمتع بالتحفيز الذهني وتحقق مكاسب مادية، لكن من الواضح أن المخاطر مرتفعة أيضاً، مثل العمل إلى درجة الإصابة بالاحتراق الوظيفي، وانعدام الأمان النفسي، إضافة إلى التوتر شبه الدائم.

ولهذا، يتساءل أفراد الفرق العبقرية بين الحين والآخر: "هل تستحق هذه المكاسب هذا العناء كله حقاً؟".

وبالنظر إلى الإنجازات اللافتة التي تحققها الفرق العبقرية، قد تطرح فرق تنفيذية أخرى على نفسها سؤالاً مماثلاً: هل علينا اتباع أساليب العمل هذه أم تجنبها؟

يمكننا استخلاص 3 دروس من مراقبة الفرق العبقرية.

الدرس الأول هو أن العيوب والتوترات تؤدي دوراً أساسياً في فعالية العمل الجماعي العالية وتعزيز قدرته على تحقيق إنجازات كبيرة وغير مسبوقة، حتى إن كان ذلك مزعجاً ومتعباً ويكلف ثمناً باهظاً. مع ذلك، يجب ألا تتقبل الفرق الافتراض القائل بأنه عليها دفع ثمن باهظ مقابل العمل على تحقيق هدف كبير، فثمة حد فاصل رفيع يفصل بين الصراع النبيل والبنّاء، والصراع الخبيث والمدمر. يجب على الفرق أن تضع في اعتبارها الثغرات الخفية التي تشكّل جزءاً من فعالية عملها الجماعي وتخفف مخاطره، ولتفادي المواجهات الشرسة، يجب على الفرق أن تطبّق المستوى نفسه من العبقرية وإن كانت من نوع مختلف على أساليبها الداخلية في العمل، تماماً كما تفعل عند مواجهة التحديات الكبرى التي تطمح إلى حلها.

ولهذا، فإن الدرس الثاني هو أن الفرق العبقرية يجب أن تطمح إلى تحقيق مستوى معين من التمكن النفسي والبصيرة الذاتية. ويجب على أفرادها مراقبة التوتر البنّاء وموازنته باستمرار بالاعتماد على أنفسهم أو على مساعدة خارجية. متى يكون العمل غير كافٍ؟ ومتى يكون أكثر من اللزوم؟ قرر أفراد أحد الفرق لإلزام أنفسهم بهذه المهمة أن يعتبروا اللقاءات الخارجية المنتظمة مهمة وثابتة تماماً مثل اجتماعات مجلس الإدارة، لا مجرد أوقات ترفيهية اختيارية ويمكن تغيير مواعيدها دون سابق إنذار بسبب المشاغل الطارئة.

الدرس الثالث هو أن الفرق العبقرية يجب أن تعثر على وسائل للحفاظ على أخلاقياتها. فمع صعود هذه الفرق وتألقها بفضل نجاحاتها المذهلة، قد يتلاشى ما كانت تملكه في البداية من التواضع والأحلام المتمردة، وقد يتسلل إلى أنفس أفرادها جنون العظمة. إن حفاظ هذه الفرق على الاتزان والتواضع وبقاءها في حالة تناغم مع العالم من حولها ليس بالأمر الهين عندما تحظى بالتقدير وتنال الامتيازات. وقد قرر أحد أفراد الفرق العبقرية أن يجعل من "السفر ضمن الدرجة الاقتصادية في رحلات الطيران" على الدوام مبدأ يلتزم به ليتجنب الوقوع تحت التأثير المخدر لهذه الزخارف والمغريات.

ولهذا، فإن أي فريق تنفيذي يسعى إلى تقليد أسلوب التعاون الذي تتبعه الفرق العبقرية يجب أيضاً أن يتعلم كيفية إدارة التوترات من خلال التمكن النفسي ووضع آليات ضبط وموازنة أخلاقية لتفادي تجاوز الحدود. وفي حال عدم الالتزام بهذه القواعد، قد تصبح النتائج غير مرغوب فيها ومسيئة بدلاً من أن تمهد الطريق نحو تحقيق العظمة.

الفرق العبقرية مختلفة عن غيرها، وهي محبطة ومجزية في الوقت نفسه، سواء كنت فرداً فيها أو تعمل معها، وتعتريها العيوب وتتميز بالشراسة. يجب على كل فريق عبقري أن يدرك مسألة جوهرية تدعو إلى التعقّل نوعاً ما، وهي أنه لا وجود لتوازن مثالي ولا حل أو علاج سحري، ولا حالة نهائية خالية من الخلافات ولا نقطة استقرار. لكن الفرق العبقرية تستطيع، مع مرور الوقت، أن تحسّن قدرتها على إدارة التوتر، وتحويله إلى شيء مفيد.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي