العالم يكبر. بإمكان الأطفال المولودين في العالم المتقدم أن يتوقعوا العيش لمائة عام وأكثر، أما من يصل منا إلى مرحلة الشيخوخة بصحة جيدة فيمتلك فرصة جيدة للعيش حتى التسعينيات من عمره.
ومن شأن هذه التحولات أن تغير وجه بيئة مكان العمل، وتوفر فرصاً اقتصادية جديدة للشركات، حيث يبلغ أثر ما يُعرف باسم "اقتصاد طول العمر"، والذي يُقصد به القوة الشرائية لمن تبلغ أعمارهم 55 عاماً وأكثر، ما يزيد عن 7.6 تريليون دولار في الولايات المتحدة وحدها. ويجد أكثر قادة الأعمال أسباب مالية لا تنتهي تدفعهم إلى أخذ هذه التحولات الديموغرافية بعين الاعتبار.
غير أنه يوجد فرق بين قيامنا ببساطة بتحديد الفرص المتاحة لمنتجات أو خدمات جديدة مخصصة لسوق قديمة، والقيام بوضع اقتصاد طول العمر في إطار إحدى استراتيجيات العمل. كيف تنتقل من فرصة منتج إلى تغيير في استراتيجيات العمل؟ لقد حظينا من خلال عملنا في مركز ستانفورد لطول العمر (Stanford Center on Longevity) بفرصة دراسة الشركات التي تقوم بذلك والعمل معها.
ويعتبر بنك أوف أميركا (Bank of America) مثالاً على الشركات التي تقوم بدمج طول العمر في إطار استراتيجيتها الشاملة. ففي عام 2014، جمعت الشركة عدة أنشطة تجارية تابعة لها للقاء استراتيجي. وقاموا بمراجعة التغيرات الديموغرافية الجديدة لديهم، وطلبوا من قادة كل مجموعة النظر في كيفية تأثير طول العمر على أعمالهم التجارية وتحديد الاحتياجات والفرص المترتبة على ذلك.
ومبدئياً، طرحت الشركة السؤال التالي: "ما الذي يخطر ببال الموظفين عند التفكير بشأن التقاعد؟". وقد توصلت مشاريع أبحاث ودراسات معمقة حول هذه القضية إلى إطار شامل للمستشارين الماليين ساعد الموظفين في الوصول إلى التقاعد وتجاوز هذه المرحلة. ويدعى ذلك الإطار بـ "أولويات الحياة السبع". ويعمل البرنامج على النهوض بمستوى التخطيط لمرحلة التقاعد من خلال التركيز بشكل جيد على ما هو أبعد من مجرد الجوانب الصحية والمادية ليشمل جميع الجوانب الرئيسة السبعة التي تتغير فيها أولويات الحياة في حال التقاعد: الأسرة والعمل والصحة والمنزل والعطاء والرفاهية وبالطبع الموارد المالية.
كما جرى إعداد مبادرات وأبحاث وأدوات وقوائم مرجعية وتدريب وتعليم جديد لتحسين استخدام الإطار الجديد واستراتيجية المؤسسة الخاصة بطول العمر. وتمثل الهدف من ذلك في التأكد من قيام كل عميل ومستشاره بالتعامل مع السؤال البسيط: "هل أنت مؤهل للعيش لمدة مائة عام؟".
ستة برامج لميريل لينش للحفاظ على الزبناء
أثمر هذا العمل الذي قادته لورنا سابيا، رئيسة قسم التقاعد وحلول الثروة الشخصية، عن ستة برامج كانت أكثر من مجرد منتجات جديدة. ووفقاً لسريا كولاري، المدير الإداري ورئيس قسم القيادة الفكرية في مجموعة التقاعد: "تلك ليست قصة تطوير منتج، إنما بناء عقلية فكرية وإجراء محادثات مختلفة مع العملاء". إنهم يقومون بذلك لأنه العمل المناسب الذي يتعين القيام به، كما أصبح اتخاذ منهاج أكثر شمولية لاحتياجات عملائهم بمثابة المبدأ الموجه لاستراتيجية الشركة لطول العمر. كانت البرامج الستة هي:
فريق استشاري لطول العمر مدرب على نحو خاص
عيّنت إدارة الثروة في ميريل لينش (Merrill Lynch) ببنك أوف أميركا أول اختصاصي شيخوخة مالي في القطاع في عام 2014 لمساعدة أكثر من 14,000 مستشار مالي في فهم احتياجات عملائهم وتنفيذ إطار العمل على نحو أفضل. ويقوم اختصاصي الشيخوخة بتقديم التدريب والتعليم والموارد والمتابعة الشخصية لإشراك العملاء في مواضيع الشيخوخة وطول العمر والتقاعد والتخطيط للحياة. كما قام خلال عمله مع الشركة بالمساعدة في تطوير نماذج تعليمية عن طريق الإنترنت للمستشارين الماليين. وتستمر المكتبة في النمو: تمت إضافة مادة تدريبية تكميلية حول التدهور الإدراكي ومرض الزهايمر مؤخراً، كما جرى تطوير برنامج تدريبي يشمل مختلف مراحل الحياة.
أدوات وموارد جديدة للعملاء للاستعداد لطول العمر
توزعت القوائم المرجعية والتقييمات لتحفيز المحادثات بين المستشارين الماليين لميريل لينش وعملائهم، وفي داخل الأسر نفسها لمساعدتهم على فهم التخطيط للشيخوخة وطول العمر بطريقة صحية. وجرى إعداد قائمة مرجعية للاستعداد لطول العمر بحيث تحدد مجموعة من النقاط ليتم وضعها بعين الاعتبار في كل مرحلة من مراحل التقاعد، بما فيها: التخطيط للمستقبل (للأعمار بين 50 - 59)، وميديكير والتوزيعات المطلوبة، والضمان الاجتماعي واستراتيجية الانسحاب (للأعمار بين 60 - 70 عاماً ونصف). كما وُضعت قوائم مرجعية وأدوات تقييم إضافية، مثل: ما مدى جودة خطتك للميراث؟ وما هي شخصيتك الاستثمارية؟ وتسمح استمارة تفويض وكلاء العملاء للمستشارين بالتواصل مع وكلاء العميل في حال وجود مخاوف حول وضعه الصحي. كما تتيح إجراء محادثات حول التحكم والخصوصية والحفاظ على الاستقلالية، في الوقت الذي تساعد فيه أيضاً على التأكد من دور المستشار كجزء من شبكة لكشف الاحتيال على كبار السن.
منتديات للنقاش حول طول العمر والقضايا ذات الصلة
عقدت المجتمعات في أنحاء الولايات المتحدة لقاءات مع العملاء والشركات التجارية وممثلي المؤسسات المدنية وغير الربحية للبدء في حوارات حول طول العمر وتأثيره على المجتمعات المحلية. وفي 2018، أقامت ميريل لينش 140 مناسبة حضرها أكثر من 20,000 شخص.
التعليم المالي للعملاء
تعليم الإلمام بالشؤون المالية عبر الإنترنت ليس بالشيء الجديد، ولكن التعليم الذي يركز بشكل خاص على الإلمام بالبيانات والتقاعد كان بمثابة برنامج آخر نشأ عن جهود ميريل لينش. حيث تشاركت ميريل لينش مع أكاديمية خان في صنع فيديوهات للتوعية بالشؤون المالية وتوفير موارد تعليمية عبر الإنترنت، يُطلق عليها اسم "عادات أفضل لإدارة المال" (Better Money Habits)، تناقش مواضيع مختلفة وتضم محتوى يركز على تقديم الرعاية.
أدوات جديدة لاحتياجات النساء الفريدة على مستوى التخطيط
في عام 2018، أجرت ميريل لينش بحثاً حول النساء والرفاهية المالية. وقد وجدت فجوة في الثروة بمقدار مليون دولار لدى النساء بحلول وقت وصولهن إلى التقاعد، نظراً للفجوة في الأجور والانقطاع عن العمل، ولزيادة متوسط أعمارهن مقارنة بالرجال. وقد قادت هذه النتائج إلى مبادرات وأدوات وقوائم مرجعية جديدة تركز بشكل خاص على مسار حياة النساء، بما في ذلك تنشئة أطفالهن وتقديم الرعاية لكبار السن. وتوصل البحث أيضاً إلى أن أحد الأمور المالية التي تدعو إلى الأسف لدى النساء هو عدم استثمار قدر أكبر من أموالهن، حتى أن المستشارين الماليين لهن الآن يخططون باستخدام نهج يرتكز على الأهداف، بحيث يأخذ بعين الاعتبار أعمار النساء الطويلة واحتياجاتهن الفريدة على مستوى التخطيط من أجل تحقيق الرفاهية المالية.
شراكات أصحاب العمل
لقد قام بنك أوف أميركا بتطبيق البحث الذي أعده لعملائه على موظفيه أيضاً. وأدى ذلك إلى تحفيز عدد من مزايا الرعاية للموظفين بما فيها الرعاية الطارئة للبالغين، وإمكانية الوصول إلى كبار مدراء الرعاية الذين يستطيعون تقييم الرعاية في المنزل أو مركز الرعاية، وخدمات قانونية بشأن رعاية كبار السن. وقد حملت شبكات الآباء والأمهات ومقدمي الرعاية التابعة لموظفيهم، وشبكة الدفاع عن أصحاب الهمم (Disability Advocacy Network) الكثير من هذه القضايا وأنشأت منتديات داخل الشركة (عبر الإنترنت وبمقابلات شخصية) لتعزيز إمكانية الوصول إلى الخدمات. وبمجرد أن تصبح هذه المنتجات الجديدة متاحة لموظفي البنك، سيقوم البنك بتعميم أفضل ممارساته وبرنامجه الخاص بالرفاهية المالية ليشمل عملاء أصحاب العمل (يمتلك 63,000 منهم 5 مليون موظف) للمساعدة في تثقيف موظفيهم حول مجموعة واسعة من المواضيع، ومنها تقديم الرعاية وإعداد الميزانيات ومسائل الديون والتقاعد.
تغيير الثقافة
بحسب لورنا سابيا، فإنّ هذه المبادرات غيرت ثقافة بنك أوف أميركا بأكملها، بدعم من القيادة على أعلى المستويات. وقد كان إعداد سلسلة من التقارير حول مراحل الحياة هو آخر المبادرات التي قامت بها ميريل لينش فيما يخص مرحلة البلوغ المبكرة وتنشئة الأطفال وتقديم الرعاية والتقاعد والترمّل والوفاة، حيث سألوا في كل مرحلة عن الأشياء الأكثر أهمية وعن كل ما يتغير بالنسبة لكل واحد من أولويات الحياة السبعة حتى يتوصلوا إلى فهم أفضل لطبيعة احتياجات العملاء والموظفين.
ويخطط فريق سابيا لزيادة استخدام منتجات طول العمر على مدار السنوات الخمس القادمة، إلى جانب فهم الحاجة لتأمين طويل الأمد على الرعاية، وبناء مستوى أفضل من المعرفة بوكلاء الرعاية الصحية، والتوكيلات الرسمية، ودفع عجلة الابتكار في الأمور التي تخص النساء، وجعل التخطيط لطول العمر عملية أكثر سهولة بالنسبة لجميع العملاء والموظفين. "كيف نجعل ذلك بمثابة معارف نموذجية، وجزءاً لا يتجزأ من الثقافة؟".
كان قطاع الخدمات المالية أحد أول القطاعات التي أدركت الفرص والاحتياجات الناشئة عن هذا التغير الديموغرافي. ويمكن تطبيق الدروس الواردة هنا على الكثير من الشركات، ويجب أن تحظى النتائج بالاهتمام: تفيد ميريل لينش بارتفاع منسوب الرضا لدى الزبائن واستبقائهم واكتسابهم. وبنفس القدر من الأهمية، تقوم الشركة بالتأكيد على فوائد ذلك على الموظفين وثقافة الشركة في مختلف الجوانب لمسألة طول العمر الجديدة، وليس على مستوى سلامتهم المالية فحسب.
ويقول روس هيل، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة ألبرت هارغروف غلوبال أدفايزرز (Halbert Hargrove Global Advisors)، والخبير المتخصص في مجال الخدمات المالية: "سيصبح طول العمر المبدأ الأساسي المنظم لجميع شركات الخدمات المالية. وسيكون ذلك ضرورياً للاعتبارات الزمنية"، حيث سيصبح العمر ومقدار الصحة بمثابة الإطار العملي الجديد. في مركز الابتكار التابع لمركز ستانفورد لطول العمر، نؤمن بأن جميع القطاعات سيكون عليها التجاوب مع آثار هذه الديموغرافيات المتغيرة والآثار المترتبة على الأعمال التجارية مع العيش لمائة عام.