موظفوك الميدانيون يجب أن يكونوا مبدعين أيضاً

3 دقيقة

نعلم بأن الإبداع والابتكار يسهمان إسهاماً كبيراً في تطوير المنتجات والخدمات الجديدة، وحتى في وضع الاستراتيجيات الجديدة أيضاً. لكن العديد من المدراء التنفيذيين يفترضون خطأ بأن الإبداع يقتصر فقط على قسم معين ضمن الشركة أو على فئة رفيعة من الموظفين المعنيين بالعمل الفكري ضمن الشركة. غير أن الأبحاث الجديدة تُظهر مدى أهمية أن يكون جميع الموظفين من المبدعين، حتى لو لم يكونوا من الناس الذين يشغلون مناصب مرموقة في المؤسسة.

فقد كشفت إحدى الأوراق البحثية التي درست مدى تأثير الإبداع، أو غياب الإبداع، على نظرة الزبائن إلى خدمة الزبائن في الشركات، أن إبداع موظفي الخدمة الميدانيين الموجودين على الخطوط الأمامية (والذي أطلق عليه الباحثون في الدراسة مصطلح "الإبداع في الخدمة")، كان له تأثير مباشر على رأي الناس في خدمة الزبائن في الشركة. وحول هذا الموضوع يقول جينغ جو، الشريك المؤلف لهذه الدارسة وأستاذ مادة الإدارة في جامعة "رايس": "إن هذا الإبداع الموجود لدى موظفي الخدمة يسمح لهم بإسعاد الزبائن بطرق غير معتادة أو بحل مشاكل تعجز البروتوكولات الحالية عن معالجتها. وتشير نتائج دراستنا إلى أن الإبداع في الخدمة هو طريقة قوية جداً يمكن من خلالها الحصول على رضا الزبائن".

وجمع الباحثون الذين أجروا الدراسة بياناتها من أكثر من 3,550 زبوناً و380 حلاقاً من أكثر من 118 صالوناً للحلاقة تتبع لسلسلة كبيرة من صالونات الحلاقة في تايوان. ورغم أن مصدر البيانات هذا قد يبدو غريباً بالنسبة للبيانات المتعلقة برضا الزبائن، فإنه المكان المثالي فعلياً لدراسة مدى الإبداع في الخدمة. وقد وقع اختيار الباحثين عليه لأن النجاح في إنجاز تسريحات شعر جديدة تتصف بأنها عملية لمجموعة متنوعة من الزبائن هو مهارة أساسية يحتاجها الحلاقون. وإضافة إلى ما سبق، فإن التفاعل بين الحلاقين والزبائن يمتد لمدة زمنية طويلة بما يكفي لدراسة التفاعل ما بين الموظف والزبون وملاحظة الأداء المبدع للموظف. وقد جُمعت البيانات من خلال المراقبة الشخصية من قبل الباحثين وكذلك من خلال الاستبيانات التي ملأها كل من الموظفين والزبائن. (وقد اكتفى الباحثون بالتفاعل مع الحلاق الواحد لمرتين في اليوم الواحد فقط لتجنب حصول حالة من التعب في تقديم الإجابات).

وقد اكتشف الباحثون أن موظفي الخدمة كانوا قد حصلوا على علامة تصنيف أعلى وأكثر إيجابية في مجال الإبداع عندما أظهروا للزبائن بأنهم كانوا يتجاوبون مع ملاحظاتهم. لكن الأمر لم يكن يقتصر على منح الزبائن شعوراً جيداً من خلال التصرف بلباقة معهم، وإنما كان الأمر مرتبطاً بحصول هؤلاء الموظفين على آراء وأفكار فعلية من الزبائن، وهذا الأمر بدوره سمح للموظف بطرح خيارات وحلول جديدة متناسبة مع احتياجات الزبون. يقول زهو: "بما أن الموظفين الميدانيين العاملين على الخطوط الأمامية يتفاعلون مباشرة مع الزبائن بشكل يومي، فقد تكون لديهم فكرة أفضل حول القضايا التي تشغل بال الزبائن وكيف يمكن حل هذه المشاكل بطريقة جديدة وعملية".

ويمكن للمدراء أن يلعبوا دوراً رئيسياً في تعزيز الإبداعية لدى الموظفين الميدانيين من خلال التعبير عن ثقتهم في موظفيهم المعنيين بتقديم الخدمات، ومن خلال الاستعانة بآراء هؤلاء الموظفين بخصوص حل المشكلات المتعلقة بالزبائن أو تقديم الخدمات.

وهذا الأسلوب يخالف الطريقة التي يعمل بها العديد من أقسام خدمة الزبائن، وتحديداً مراكز الرد على اتصالات الزبائن حيث يتبع الموظفون غالباً قوالب جاهزة في الرد وتقديم الإجابات، كما أن مدراءهم يشجعونهم على إتمام الخدمة وإنهاء المكالمة مع الزبون في أسرع وقت ممكن. يقول زهو: "تقوية الموظفين، عوضاً عن مراقبتهم عن كثب والتحكّم بهم، قد تكون هي الطريقة الفعالة لتمكين الموظفين من تقديم خدمة مرضية".

المثال النموذجي هنا هو شركة "زابوس". فخلافاً لمعظم شركات التجزئة على الإنترنت، يشجع موقع "زابوس" الزبائن على التواصل معه عبر الهاتف، حيث يظهر رقم خدمة الزبائن بوضوح في جميع أنحاء موقع الشركة على الإنترنت. ويتلقى الموظفون 7 أسابيع من التدريب على خدمة الزبائن. وعوضاً عن تقديم نصوص جاهزة للموظفين ليسيروا وفقها في ردودهم على طلبات الزبائن، يشجع المدراء الموظفين العاملين في مركز الرد على الزبائن على فعل كل ما هو مطلوب وضروري لإرضاء الزبائن، بما في ذلك تصفح مواقع الشركات المنافسة إذا كان أحد الزبائن يبحث عن مادة معينة لا يعرضها موقع "زابوس". ففي إحدى المرات، عندما نفد نوع من الأحذية في "زابوس"، لجأ مندوب خدمة الزبائن إلى زيارة أحد المتاجر الفعلية القريبة لشراء الحذاء المطلوب وتسليمه باليد إلى الزبون.

ومن ناحية الإبداع في الخدمة، فإن "زابوس" يعتبر واحداً من قلائل مراكز الرد على اتصالات الزبائن التي تقيس المعدل الوسطي لطول المكالمات، لكنها لا تكافئ الموظفين الذين يقضون أقل الأوقات مع الزبائن على الهاتف. وإنما عوضاً عن ذلك هم يمتدحون الموظف الذي يقضي أطول وقت ممكن معهم. وهذا أمر مهم إذا ما علمنا أن الأفكار المبدعة تحتاج إلى وقت لكي تتطور، وأن الإنتاجية والإبداع يقعان على طرفي نقيض غالباً.

صحيح أن القصص المتعلقة بـ "زابوس" وهذا النوع من الخدمة الاستثنائية للزبائن ليست بالأمر الجديد، إلا أن هذا البحث الجديد يساعد في تعزيز النظرية القائلة بأن الإبداع في الخدمة لا يقتصر على تقديم خدمة الزبائن بطريقة مختلفة، وإنما يساعد في تقديمها بطريقة أفضل أيضاً، ولا سيما أن الإبداع أصبح واجب الجميع في هذه الأيام.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي