كان هناك العديد من الأسباب التي دفعتنا إلى الاحتفال بعطلة العيد التي قضيناها في فرنسا، فقد تلقيت وزوجي جيانبيرو عرضي عمل جديدين وفرصتين للحصول على درجة الدكتوراه، وكنا مخطوبين آنذاك! إلا أننا لم نكن سعداء تماماً. كنا وحدنا في المطعم الصيني الصغير الذي بُني في زاوية موقف سيارات محطة القطار، وعلى الرغم من أن المطعم يضجّ بالحيوية وقت الغداء، لم يكن المكان المثالي لاحتفال زوجين معاً. ولم نكن لنختار تناول الطعام في هذا المطعم لو أجرى أحدنا حجزاً في مطعم آخر. إلا أنني كنت مشغولة في العمل وافترضت أنه سيهتم بأمر الحجز، وكان افتراضه مماثلاً لافتراضي. ولا بد من أن النادل شعر بالتوتر الذي ينتابنا أثناء تقديم طبق الفطائر على غطاء المائدة البلاستيكي.
لقد كان لقاؤنا أبعد ما يكون عن عشاء آخر لا يُنسى أقمناه قبل عام واحد، بعد مضي بضعة أسابيع من علاقتنا، وكان ذلك عندما اصطحبني غيانبيرو إلى أحد مطاعم البيتزا المفضلة لديه في مدينة ميلانو. كان المطعم مكتظّاً بالأفراد، وبغض النظر عن تفاصيل ذلك العشاء الرائع، جلست إلى جانبه فجأة أثناء تناول البيتزا.
وسألني مستشعراً رغبتي في الحديث: ما الذي تودين قوله؟
أجبته مبتسمة: ما تعلّمته في أثناء عملي في سهول السافانا! وأخبرته عن الأشهر التي قضيتها في العمل بصفتي باحثة في محمية صيد في أوغندا. ثم سألني عن التخصص الذي درسته هناك. وأجبته وكلّي رغبة في الشرح: الانتقاء الجنسي.
"وما الذي تعلمته؟" لطالما شعرت بالبهجة عند إنصاته إلى حديثي وعند طرحه أسئلة عن عملي، وهذا ما فعله آنذاك.
وأجبته: "تنتقي الأنثى شريكها باقترابها منه، هذه هي القوة التي تتمتع بها".
ومع ذلك، مضى عام على تلك الليلة وما زلنا نتناول الفطائر تحت ضوء مصباح النيون. لم يكن المطعم أو الطعام هو ما جعلنا نشعر بالانزعاج، وإنما كان التحول من وعد التمكين الذي يُمطرنا به الحب الجديد إلى صراع القوة اليومي الهادئ الذي قاد كل واحد منا إلى انتظار الآخر لإدارة خطط العشاء، وأن نختار التركيز على عملنا بدلاً من الإعداد لهذه المناسبة. كنا نعلم منذ البداية أنه لا بدّ من أن يفسح حبنا المجال لطموحاتنا المهنية، وانطوى شعارنا على أن نحبّ بعضنا البعض وأن نقدّر عمل بعضنا البعض. لكن واقع هذا التوازن أصبح مختلفاً عما كنا نتخيله.
ومنذ ذلك العشاء، شرعت في دراسة الهويات الشخصية والمهنية في العمل، وأجريت دراسة دامت 5 سنوات على الأزواج العاملين على الصعيد المهني والشخصي على حد سواء. وقد أوردت النتائج التي توصلت إليها في كتابي الأخير الذي يحمل عنوان "الأزواج العاملون" (Couples That Work). كنت أرغب في معرفة ما يجعل بعض الأزواج يحققون نجاحاً صارخاً، ويقود الآخرين إلى الفشل الذريع. وما اكتشفته هو أن حياة جميع الأزواج العاملين تضم لحظات مماثلة لتجربَتَي العشاء التي خضتها وزوجي، لحظات يجعلنا فيها شركاؤنا نشعر بالتقدير والقوة، ولحظات يجعلنا فيها الصراع على القوة نشعر بعدم الاهتمام والضعف. ولا أحد في الواقع يمكنه تجنّب عيش تفاصيل اللحظات الثانية المتمثلة في عدم الاهتمام والضعف، حتى إن كان الحديث عن الأزواج الناجحين، إلا أنهم يبذلون قصارى جهدهم للعودة إلى نمط الحياة الذي يجعلهم يشعرون بالتقدير والقوة.
وأطلقت على هذا الكتاب عنوان "الأزواج العاملون" لأن الزوجين العاملين ينجحان فقط عند إدراكهما مقدار القوة التي يتمتع بها كل منهما وعند دعمهما لهذه القوة وموازنتها. ووجدت أن شعور الأشخاص في هذه العلاقات بالقوة كان نابعاً من إدراك شركائهم جميع طموحاتهم في العمل والحياة ودعمها، وليس فقط الطموحات التي تشاركوها مع بعضهم البعض.
وهو ما يعني تخصيص وقت لاستطلاع طموحات شريكك المهنية والشخصية على حد سواء، وأن تفرح لتحقيق حلمه، وأن تحسّ بمعاناته، وأن تجد سبلاً لدعمه. إن مشاركتك حلمه بهذه الطريقة تُشعره بالقوة. والتماس المشاركة ذاتها منه في المقابل يمنحك القدر ذاته من القوة. على سبيل المثال، أدركت عندما كنت أكتب كتابي حاجتي إلى الحصول على مساعدة جيانبيرو ودعمه، إلا أنني لم أرغب في أن يقرأ المسودة الأولى من الكتاب. كنت بحاجة إلى الحصول على دعمه وتشجيعه دون التعليق على ما كنت أكتب بهدف أن أشعر بقدر كبير من القوة. ومن المحتمل أنني كنت سأشعر بالضيق والإهمال لو لم أشارك هذه الغاية في محادثاتنا. وهذا ما يحدث بالضبط للأزواج الذين لا يبذلون أي جهد لمساعدة بعضهم البعض في توضيح احتياجاتهم وسعيهم إلى تحقيقها في المنزل وفي العمل، وهو ما يجعل علاقاتهم تجتاحها القيود.
غالباً ما نتحدث عن أحلامنا ورغباتنا في بداية العلاقة، وهي جزء مما يمنح الحب قوة. وتبدأ علاقة معظم الأزواج مثل عشائنا الإيطالي، حيث نلتقي بشريكنا ونجعله يشعر بالتقدير، ونرغب في أن يحقق أقصى طموحاته، ونختاره كما هو ونسرح بخيالنا لما قد يصبح عليه في المستقبل ونتخيّل وجودنا إلى جانبه.
ولكن مع نمو علاقاتنا، نغفل عن هذه الطموحات وتصبح القوة نفسها كلمة بغيضة. ومع بدء هذه التوقعات بالانحراف، ينتهي المطاف بالأزواج إلى ديناميكية أقرب إلى العشاء الصيني، وتحلّ العادة محل التفاوض ويهيمن عدم التكافؤ في العلاقة على المعاملة بالمثل، ونشعر بالإهمال وأن طموحات أحدنا فقط هي من يجري دعمها. ونشعر أن ميزان القوى غير متساو، حتى وإن لم تكن السلطة كلها في يد أحدنا. وعندما يستمر هذا التوتر، نشعر أن الحب يخضع لشروط، ويشعر الأزواج بالاستياء والندم، وهو ما يقودهم إلى الفشل.
ولا بدّ من أن يكون الأزواج يقظين إزاء أوجه عدم التوازن أيضاً، إذ غالباً ما تُفضي القوة التي لا تخضع إلى رقابة إلى توزيع غير متماثل لها. لكن ليس من الضروري أن يُحكم على هذا الاختلال في توازن القوى بالفشل، فقد أجريت دراسة على بعض الأزواج الذين حقّقوا النجاح حتى عندما بدا أن أحد الشريكين يمتلك قوة أكبر من الآخر. لكن ما جعل هؤلاء الأزواج يعملون ويتجنبون الشعور بالذنب والاستياء هو أنهم اختاروا العيش وفق هذا النمط علانية. على سبيل المثال، أجريت دراسة على العديد من الأزواج الذين يتناوبون في تحقيق "الترقية المهنية"، حيث كان أحد الأزواج أكثر استثماراً في العمل، في حين تراجعت زوجته خطوة إلى الوراء وتمثّلت مهمتها في تقديم الدعم في المنزل. وكان الأزواج الأكثر نجاحاً هم أولئك الذين تناوبوا على دعم بعضهم البعض. وعلى الرغم من أن ترتيبات حياتهم المهنية كانت غير متماثلة، لم يكن توازن القوى متساوياً لديهم، وذلك لأن عدم التماثل كان قراراً مشتركاً اتخذوه سوية.
ووجدت أن معظم أوجه التفاوت في القوة لدى الأزواج لا تكون نتيجة قرارات مدروسة، بل إنها بعيدة كل البعد عن ذلك، وإنما هي نتيجة الضغوط الاجتماعية التي تفسد الوعود المبكرة بالمساواة. وهذا ينطبق بشكل خاص على الأزواج مغايري الجنس. ونظراً إلى وجود تحيّز في ميزان القوى بين الرجال والنساء في الأعراف المجتمعية وسياسات الشركات، تتطلب جهود الحفاظ على المساواة نهجاً واعياً من المقاومة الثورية الحقيقية. وهو ما يجعل هذه الجهود متطلبة ومثيرة.
غالباً ما يجتمع الأزواج لتناول وجبة خاصة، سواء للاحتفال بعيد ميلاد أحدهم أو بهدف الاحتفال بالذكرى السنوية لزواجهم، أو أي مناسبة أخرى. (آمل أن يقوم أحدكما بحجز طاولة في مطعم فاخر إذا كنتم تودون تناول الطعام في الخارج). قد تكون مناقشة ميزان القوى آخر شيء يدور في ذهنك في ليلة رومانسية، لكن العكس صحيح، خاصة إذا كانت إضاءة الغرفة خافتة، أو صنعت الطبق المفضل لزوجتك، أو دعوتِ زوجك إلى قائمة تذوق للتستر على عدم المساواة في ميزان القوى الذي زعزع علاقتكما. وقد تكون هذه الدعائم جميلة، لكنها ليست السبيل لتحقيق النجاح بالتأكيد.