مواصفات الموجّه الناجح معيارها نتائج الأعمال وليس التنظير

4 دقائق
مواصفات الموجّه الناجح معيارها نتائج الأعمال وليس التنظير

يُعد تدريب القادة، سواء في الشركات الكبرى أو الشركات الناشئة أو المؤسسات غير الربحية، قطاعاً مزدهراً، حيث تشير العديد من الدراسات إلى أن هناك أكثر من 50 ألف مدرب يدرون إيرادات تصل إلى أكثر من 2 مليار دولار. وحتى في الوقت الحالي يُقدَّم التدريب افتراضياً. ولكن بما أن تدريب كبار القادة يُعد مكلفاً، كيف يمكن أن تعرف الشركات ما إذا كان التدريب فعالاً في تطوير قادتها؟ وكيف يمكنها تحديد سمات ومعايير الموجّهين الناجحين؟

وفقاً لدراسة استقصائية مكثفة أجريت عام 2019 على مدربين وعملاء وعاملين في مجال الموارد البشرية، في 85% من الحالات يتم تقييم تدريب التنفيذيين على أساس مراجعات الأداء اللاحقة والاستبيانات المتعلقة بالرفاه والاندماج وفاعلية التعلم والعائد المتصور على الاستثمار والتغييرات في التقييمات التي تُجرى بطريقة 360 درجة. ولكن من غير الواضح ما إذا كانت هذه المقاييس مرتبطة بحدوث تحسُّن فعلي في نتائج الأعمال، أو الكيفية التي يحدث بها ذلك. في الواقع، يُستخدم تأثير الأعمال نفسه في 15% من الحالات بوصفه مقياساً رئيسياً لنجاح التدريب. ولكن ينبغي استخدامه في أكثر من ذلك بكثير؛ أي في قياس النجاح ودفع عجلته أيضاً.

كيف نقيس فعالية برامج تدريب القادة؟

بالتأكيد هناك بعض الأدلة على أنه إذا تعلّم القائد كيفية التصرف بطريقة مختلفة، باتخاذ القرارات بشكل أسرع أو تفويض المهام على نحو أكثر تواتراً على سبيل المثال، يمكن حينها تحقيق نتائج للأعمال. ولكن هذا النهج المتبع لقياس العائد على الاستثمار في تدريب القادة يتطلب ما أُطلق عليه "ثقة عمياء مزدوجة": أولاً، ثقة عمياء في أن التدريب سيغير السلوكيات، وفي أن هذه السلوكيات المتغيرة سوف تؤدي إلى تحقيق النتائج المرجوة. المشكلة هي أن الافتراضين كلاهما غير مؤكد، حيث يكافح كبار القادة، مثل جميع البالغين، لتغيير السلوكيات والأساليب الأساسية التي نجحت معهم وأصبحت مريحة بالنسبة إليهم على مدار سنوات عديدة.

ولذلك فإن التدريب لا يغير السلوكيات على الدوام. وفي الوقت نفسه، غالباً ما تنشأ نتائج الأعمال من مزيج من سلوكيات القيادة المكيفة حسب موقف محدد، بالإضافة إلى الاستراتيجية وتوافر الموارد والعوامل الاقتصادية وغيرها. ولذلك حتى إذا ساعد المدرب القائد على تغيير سلوك أو اثنين من السلوكيات الأساسية، ما زال لا يوجد أي ضمان على أن نتائج الأعمال سوف تتحسن.

ولكن هذا لا يعني أنه لا ينبغي لكبار القادة العمل مع المدربين لتحسين طريقة قيادتهم. على مدى مسيرتي المهنية في التدريب التي تمتد لـ 35 عاماً، وجدت أن هناك نهجاً بديلاً للتدريب يركز على النتائج بشكل أكبر. وهذا من خلال قلب العملية المتبعة عادة رأساً على عقب: فبدلاً من التركيز أولاً على السلوكيات والأمل في أن تؤدي إلى تحقيق نتائج، ابدأ بمحاولة تحقيق بعض النتائج المحددة واعرف السلوكيات المطلوبة لتحقيقها.

يُعد هذا المثال على النهج التقليدي واقعياً (على الرغم من أنه مُقنَّع): شركة متخصصة في تقنية المعلومات تكافح لتحقيق أهداف النمو الخاصة بها استثمرت في المدربة "كوثر" للعمل مع "بهاء" الرئيس التنفيذي للإيرادات على الصعيد العالمي الذي حصل على ترقية مؤخراً. كان بهاء مديراً مخضرماً للمبيعات ولكن هذا الدور كان أول منصب له في المناصب التنفيذية العليا. أجرت كوثر مقابلات مع المرؤوسين المباشرين لبهاء والعديد من زملائه، بعد الحديث معه لبعض الوقت، وكانت الملاحظات والتعليقات التي حصلت عليها واضحة: فقد كان بهاء بحاجة إلى تفويض المهام بشكل أكبر ومحاسبة موظفيه على تحقيق النتائج المرجوة منهم، من بين جوانب النمو الأخرى. خلال العام التالي، كانت كوثر تجتمع مع بهاء بصفة منتظمة لمساعدته على إجراء هذه التغييرات. وفي نهاية العام شعر بهاء أنه تعلم الكثير وذكر زملاؤه أيضاً أنه بدأ في التغير إلى الأفضل في الجوانب التي كان يعمل مع كوثر على تحسينها.

إلا أن أرقام مبيعات الفريق لم تتحسن على الإطلاق، بل في الواقع تراجعت في بعض المناطق من العالم. في حين أن هناك مجموعة متنوعة من الأسباب وراء هذا القصور مثل تغير ظروف السوق وخفض أسعار المنافسين، بدا في الغالب أن بهاء والمدراء الذين يرأسهم لا يعرفون كيفية معالجة مشكلات العمل هذه. ولذلك حتى بالرغم من أن بهاء أصبح يفوض المهام بشكل أكبر ويحاسب الموظفين بطريقة أكثر فاعلية، فإن أداء الفريق فشل في التحسن.

تقييم أداء القادة بناء على تحقيق أهداف برامج التدريب

والآن لنأخذ مثالاً ركز فيه برنامج التدريب على تحقيق نتائج الشركة المنشودة من البداية: قرر الرئيس التنفيذي لشركة أدوية عالمية أن "إيمان"، أحد رؤساء أقسامه، بحاجة إلى مدرب، حيث إن قسم إيمان لم يكن يلبي أهداف المبيعات والربحية على الرغم من مجموعة المنتجات القوية ودعم التسويق الجيد. علاوة على ذلك، تَبين من مراجعة أداء أُجريت مؤخراً بطريقة 360 درجة أن هناك استياء واسع النطاق من أسلوبها المتعجرف وعدم قدرتها على بناء فريق قيادي يعمل أعضاؤه معاً بشكل جيد.

من المفترض أن يركز نهج التدريب التقليدي على السلوكيات المحددة في مراجعة الأداء، مع افتراض أنها إذا تغيرت فإن النتائج ستتغير أيضاً. ولكن بدلاً من الاعتماد على "الثقة العمياء المزدوجة"، حددت إيمان ومدربها "أمجد" على الفور فرصتين على المدى القصير لتحسين أرقام القسم. أولاً، زيادة مبيعات القليل من المنتجات المتاحة دون وصفة طبية في سوق ذات أداء أقل من المعايير التاريخية المتوقعة عنه. ثانياً، زيادة مبيعات منتج جديد حصري في سوق مستهدفة، ثم استخدام ما تم تعلمه لتسريع المبيعات في أسواق أخرى.

على الرغم من أن تلك الجهود ركزت على تحقيق نتائج للأعمال على المدى القصير، فإن تنفيذها بنجاح كان يتطلب أن تعمل إيمان مع فريقها بطريقة مختلفة. وقد ساعدها أمجد على إشراك فريقها في تصميم المشاريع وبناء التعاون بين الوظائف، إلى جانب مساعدتها في الوقت نفسه على إجراء مراجعات بنّاءة للتقدم الذي يحرزه الفريق. كانت جميع هذه الأشياء من ضمن الجوانب المتعلقة بالسلوك والأسلوب التي تم تسليط الضوء عليها في تقييم أدائها بطريقة 360 درجة. ولكن بدلاً من العمل على تحسين هذه الجوانب نظرياً أو على انفراد، ركزت إيمان وأمجد عليها في سياق تحقيق نتائج محددة. وقد حققوها في غضون بضعة أشهر فقط، وعزز هذا النجاح طرق إيمان الجديدة في العمل.

على الرغم من أن هذا النهج في التدريب يبدو منطقياً وواضحاً، فإن الكثير من المدربين وكبار القادة يقاومون العمل بهذه الطريقة، حيث لا يرغب المدربون في أن تتم محاسبتهم على نتائج الأعمال الفعلية التي لا يتحكمون فيها بشكل مباشر، ويشعر كبار القادة في الغالب أنهم في مأزق بالفعل لأن عليهم تحقيق الكثير من الأرقام المعبرة عن الأداء. ما الداعي إذاً إلى خلق مزيد من الضغط؟ في الواقع، يفضّل كبار القادة في معظم الأحيان أن يقدم لهم المدرب دعماً عاطفياً ومساعدة مهنية على المدى الطويل. وهذا يعني أن ينتهي الأمر بتواطؤ المدرب والعميل دون قصد في إلغاء نتائج الأعمال الفعلية المتحققة من عملهما معاً.

بالنظر إلى الضغوط التي تواجهها معظم الشركات اليوم، هناك احتمال كبير أن يُستبعَد التدريب إلا إذا أمكن ربطه بتحقيق النتائج بشكل مباشر. على سبيل المثال، في الطريقة التي أتبعها للتدريب، يركز العملاء على كيفية استدامة نتائج المشروع مع الفِرق التي انتقلت إلى العمل الافتراضي ويتطلعون إلى تحديد فرص جديدة للأعمال في خضم فترة الانكماش الاقتصادي. ومساعدتهم على تحقيق نتائج فعلية في هذه الجوانب مع تعلُّم كيفية القيادة بطريقة مختلفة في بيئة افتراضية، سيكون مفتاح النجاح. فلن تكون التغييرات السلوكية وحدها كافية مهما كانت كبيرة، ولهذا على الشركات أن تعلم مواصفات الموجّه الناجح، لضمان فعالية برامج تدريب القادة، وذلك لئلّا يكتسب القادة المعلومات النظرية فقط من عملية التدريب.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي