إليك هذا المقال الذي يتناول قضية مواجهة وباء مرض السكري تحديداً. يعاني اليوم 437 مليون شخص في جميع أنحاء العالم من مرض السكري من النوع الأول أو النوع الثاني. وتشير التقديرات الجديدة المنشورة هذا الشهر إلى أن ثلاثة أرباع مليار شخص قد يصابون بالمرض بحلول عام 2045، وتقف المدن في الخط الأمامي لمواجهة هذا التحدي. ونظراً إلى أن النمو السريع للوباء خارج عن سيطرة النظم الصحية، ويُسفر عن تقصير حياة الملايين من قاطني المدن وتقييد النمو الاقتصادي، تعمل شركة "نوفو نورديسك" (Novo Nordisk) مع ائتلاف يضم المدن الكبرى لثني منحنى مرض السكري من النوع الثاني. ونحن ندعو بدورنا القادة السياسيين وقادة الصحة المحليين في جميع المدن إلى التفكير فيما يتطلبه تغيير مسار المرض في مدنهم وتطبيق النماذج الجديدة التي نصوغها.
فالتحضر السريع في العالم يُجبرنا على تغيير مكان معيشتنا وطرق معيشتنا على حد سواء. وكما صرّح المسؤولون السابقون في شركة "نوفو نورديسك": تخلق الطريقة التي تُصمم بها المدن وتُبنى وتُدار فوائد صحية للمواطنين، ولكنها تسفر عن مخاطر أيضاً، إذ تضم المدن والبلدات التي يعيش فيها اليوم نصف سكان العالم ثلثي المصابين بمرض السكري. ولهذا السبب، عندما بدأنا برنامج مدن مواجهة مرض السكري Cities Changing Diabetes عام 2014، شرعنا في تسليط الضوء على مرض السكري في المدن. ونما هذا الجهد إلى شراكة عالمية تضم تسع مدن رئيسة، وتُعتبر موطناً لأكثر من 75 مليون شخص، وأكثر من 100 شريك خبير اتحدوا في مكافحة مرض السكري في المدن.
ودون هذه الجهود المتضافرة، سوف تصل الأنظمة الصحية في جميع أنحاء العالم، في العقود المقبلة، إلى مرحلة يصعب فيها علاج المرضى بشكل فاعل ومستدام. ووفقاً لتقديراتنا المتحفظة، ستتجاوز التكاليف المرتبطة بمرض السكري تريليون دولار سنوياً بحلول عام 2045، بما فيها الأدوية والإمدادات والعناية بالمستشفيات وعلاج المضاعفات. ولن ينجم الارتفاع الكارثي في تكاليف مرض السكري عن تأمين الأدوية فقط. لهذا السبب تحتاج المدن إلى العمل مع تحالف واسع من قادة الرعاية الصحية ومنظمي المجتمع.
مواجهة وباء مرض السكري
هذا ما تعلمناه خلال العامين الماضيين من إدارة البرنامج حول كيفية مواجهة وباء مرض السكري تحديداً:
التركيز على أهم محفّز للمرض قابل للعلاج ألا وهو السمنة. طوّرنا أداة تقدير جديدة تحدد مسار انتشار مرض السكري مع مرور الوقت، وبيّنت لنا أن تقليل انتشار السمنة من شأنه أن يقلل عبء مرض السكري، من جانب عدد الأشخاص المصابين بالمرض والتكاليف المترتبة على النظام الصحي، ويمكن استخدام هذه الأداة على المستوى العالمي أو مستوى البلد أو المدينة للمساعدة في معرفة ما قد يتطلبه ثني منحنى انتشار مرض السكري وتحديد الأهداف.
على سبيل المثال، من شأن انخفاض نسبته 25% في عدد البالغين الذين يعانون من السمنة المفرطة في مدينة جوهانسبرج أن يسفر عن انخفاض منحنى انتشار مرض السكري ليصل إلى شخص واحد من بين ثمانية أشخاص في عام 2045. ويوجد حاجة إلى بذل مزيد من الجهد لثني المنحنى في مدينة تيانجين، فقد بيّنت العوامل الوراثية أن السكان أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري حسب مستويات مؤشر كتلة الجسم الأدنى، والأمر سيّان بالنسبة إلى المكسيك، فيعتبر مرض السكري السبب الأول للوفاة.
فهم العوامل الاجتماعية والثقافية التي تشكل أكبر المخاطر ومكامن الضعف. يجب أن نهتم بتوفير العلاج الأكثر فاعلية، وبوقاية السكان من الإصابة بمرض السكري في المقام الأول بهدف الحد من زيادة معدلات الإصابة بهذا المرض. لهذا السبب، أصبح التركيز على عوامل الخطر أمراً في غاية الأهمية لمعالجة مرض السكري. وقد تبيّن لنا أن العوامل الاجتماعية والثقافية في المدن قد تُسفر عن تعريض السكان لخطر المرض، بما في ذلك حالة التوظيف والتنقلات الطويلة والثقافات المتعلقة بالغذاء والسكان وديناميات الهجرة.
وكشف العمل الميداني أن بعض الفئات الأكثر ضعفاً لم تكن موجودة على قائمة خبراء الصحة العامة من قبل. على سبيل المثال، تفاجأ مسؤولو الصحة في مدينة هيوستن عند اكتشاف أن المجموعات الأكثر عرضة للخطر شملت المجموعات الفقيرة والمهنيين الأثرياء الذين تعاملوا بصورة غير منتظمة مع النظام الصحي على حد سواء. وفي شنغهاي، كشف العمل الميداني أن الأشخاص الأكثر عرضة للخطر هم أسر من الطبقة المتوسطة التي كانت تخفي أعراض المرض المبكرة عن قصد، حتى عن بعضها البعض، ذلك أن مرض السكري يحمل وصمة عار اجتماعية في الصين.
وبناءً على بحوثنا المبكرة، وبالشراكة مع كلية لندن الجامعية طورنا هذا العام أداة لتقييم مخاطر الإصابة بمرض بالسكري في المدن، والتي توفر طريقة سهلة الاستخدام لفهم ماهية مجالات الخطر ذات الأولوية لأي مجموعة من السكان. وتضطلع مدينة فانكوفر اليوم بدور ريادي في هذا النهج البحثي الجديد لإشراك المواطنين في الجهود المبذولة للمساعدة في تحديد نقاط الضعف المحلية الأكثر أهمية ومن ثم المشاركة في إنشاء تدخلات من المحتمل أن تكون فاعلة في المدينة.
استخدام الممارسات التي أثبتت فاعليتها بالفعل عند اتخاذ الإجراءات. بدأت المدن الشريكة في التحرك في أربعة مجالات:
سياسة تعزيز الصحة. توجد أوجه من عدم المساواة في مجال الصحة، حتى في المدن التي توصف أنها تضم أكثر المواطنين صحةً في العالم. على سبيل المثال، استخدمت مدينة كوبنهاجن الدروس المستقاة من تقييم قابلية التأثر بالمرض في تطوير خطة عمل كوبنهاغن لمرض السكري. ويتمثّل هدفها الرئيس في معالجة عدم المساواة الموجودة في انتشار مرض السكري والنتائج بين البالغين في المدينة من خلال التركيز على سكان كوبنهاجن الأكثر احتياجاً. وقد أسفر هذا البرنامج عن إنشاء مركز جديد لمرض السكري يجمع بين الخبرات المختلفة في الوقاية من المرض وعلاجه، ومبادرات جديدة لتعزيز الصحة موجهة إلى الأحياء المحرومة اجتماعياً، والتواصل على مستوى المجتمع المحلي لإحداث تغييرات مستدامة في أنماط الحياة بين الشباب المعرضين للخطر.
مشاركة المجتمع في الصحة. ينطوي أحد الأمثلة المبتكرة على النهج الذي اتبعته مدينة هيوستن في إشراك المجتمع الديني في الرعاية الصحية. ويحضر أكثر من 50% من سكان مدينة هيوستن دور العبادة بانتظام. وهو ما دفع قيادة إدارة الصحة بالمدينة إلى عقد قمة بعنوان الإيمان ومرض السكري، شارك فيها أكثر من 100 شخص من قادة المجتمعات البوذية والإسلامية والهندوسية واليهودية والمسيحية. وتمثّلت الخطوة التالية في دورة مدتها ستة أسابيع لتدريب المدربين تنتهي بإعداد اثنين من أعضاء دور العبادة من مختلف الأديان لتنفيذ برامج الوقاية بين أقرانهم.
تخطيط المدن. يُعتبر إشراك مُخطِّطي أنظمة النقل والبنى الأساسية في المدن أمراً بالغ الأهمية، بالنظر إلى مقدار تأثير تصميم المدينة على مرض السكري ومخاطر السمنة. وقد عقدت شركة "غيل" (Gehl) الاستشارية العالمية للتصميم الحضري بالشراكة مع مؤتمر "مدن من أجل المناخ" ومجموعة "المدن المحاربة لمرض السكري" مؤخراً دورة تدريبية تفاعلية مدتها ثلاثة أيام في مدينة كوبنهاغن لمخططي المدن والمهندسين والمهندسين المعماريين من برشلونة وبنغالور وبوغوتا وكيب تاون وريو دي جانيرو وفانكوفر. وتوصلوا إلى خمس أهداف رئيسة قابلة للتطبيق على أي مدينة من خلال أمثلة ملموسة جرت مشاركتها خلال الجلسة. ومن هذه الأمثلة، توضيح أهمية استخدام المقاييس الجديدة على الأشخاص الذين يقضون أوقاتهم في الأماكن العامة في تحويل ميدان تايم سكوير في مدينة نيويورك إلى مكان مخصص للمشاة فقط، وأهمية الفعاليات الثقافية الهادفة إلى لجذب الناس إلى الشوارع الخالية من السيارات في مدينة دنفر في زيادة قدرها 62% في نشاط المشاة وتحسن صحة المدينة.
تعزيز الأنظمة الصحية. استخدمَتْ المدينتان الصينيتان شنغهاي وتيانجين- أول مَن انضم إلى البرنامج، بحوثهما فيما يخص المخاطر وقابلية التعرض للخطر لإثراء التدخلات الهامة لتعزيز أنظمتهما الصحية في المدينة. ففي تيانجين، وُضع نهج لتدريب المدربين من أجل بناء القدرة على مواجهة مرض السكري وتعزيز مهارات تخصصية بين مجموعة من مقدمي الرعاية الأولية، وتمكينهم من الوصول إلى مزيد من الأفراد في مراحل المرض الأولى. في حين تمثّلت استجابة مدينة شانغهاي للنتائج التي توصلتْ إلى عدم حصول ثلث المصابين بداء السكري على تشخيص أولي في وضع برامج فحص تصل إلى 300,000 شخص معرضين لخطر الإصابة بمرض السكري.
وتُظهر البيانات الجديدة المستقاة من النمذجة أن ثني منحنى مرض السكري يتطلّب تحديد هدف طموح يتمثّل في الوصول إلى مرحلة لا يوجد فيها أكثر من شخص واحد من بين كل 10 أشخاص بالغين مصابين بمرض السكري على مستوى العالم. وهو ما يعني أننا نحتاج إلى اتخاذ إجراءات جادة للحد من السمنة بنسبة 25% على مستوى العالم بحلول عام 2045. وقد يُسفر تحقيق هذا الهدف عن حماية 110 ملايين شخص من الإصابة بمرض السكري من اليوم وحتى عام 2045، والتأكد من أن أنظمة الرعاية الصحية يُمكن أن تركز على تقديم أفضل النتائج لأولئك الذين يعانون من هذا المرض.
وترد الأساليب والأدوات التي توصلنا إليها بشكل جماعي في دليل مواجهة مرض السكري في المدن. ونحن نشارك الدليل حتى يتمكن قادة المدن وقادة الصحة في أي مدينة من تحديد الأهداف ووضع خطة عمل لما تتطلبه الاستجابة لحالة الطوارئ الصحية العامة هذه.
وبصفتنا شركة متخصصة بمرض السكري منذ حوالي 100 عام، نحتلّ موقعاً فريداً يمكّننا من المساعدة في قيادة المعركة ضد هذا المرض. ونعتقد أننا نتحمل مسؤولية أخلاقية، وسبباً تجارياً مقنعاً، للقيام بذلك. وتعتمد قدرتنا على الاستمرار في تقديم منتجات مبتكرة تفيد المرضى على أنظمة صحية قوية ومستقرة. وما لم تجر السيطرة على وباء السكري، سيهدد هذا الوباء سلامة الأنظمة الصحية في جميع أنحاء العالم.
لهذا السبب نناشد كل مدينة أن تطرح هذا السؤال على نفسها: "ما الذي يتطلبه الأمر لثني منحنى المرض والعمل على مواجهة وباء مرض السكري في مدينتنا؟".