هل ما تتخذه متاجر البقالة من إجراءات في مواجهة أمازون هو الصواب؟

6 دقائق

احتدمت المنافسة مؤخراً بين الشركات على قطاع البقالة الأميركي الذي تصل قيمته إلى 800 مليار دولار. لقد أحدثت أمازون بدخولها السوق هزة عنيفة في هذا القطاع الذي اتسمت متاجر البقالة فيه ببطء استجابتها في تبني تقنيات تلقي الطلبات عبر الإنترنت وتحضيرها وتسليمها. وتشكل طلبات البقالة التي تتم عبر الإنترنت 2% فقط من مبيعات البقالة (و 10% من إجمالي تجارة التجزئة). إلا أنّ التجارة الإلكترونية تنمو بسرعة: إذ يُقدر بعض المحللين أنّ 20% من مشتريات البقالة سوف تتم عبر الإنترنت بحلول عام 2025.

ورغم تفوق تحالف أمازون/هوول فودز بأشواط، لا يزال عملاق التجارة الإلكترونية حتى الآن بعيداً عن أن يقرّر أنه الفائز، إذ قامت كل من وول مارت وكروغر وكوستكو وتارغت خلال العام الماضي بتخفيض تكاليف التوصيل، وقدمت قدرات توصيل إلى مناطق جديدة أدت إلى اقتطاعها حصة من سوق أمازون. كما تعيش نماذج الأعمال الجديدة في الوقت نفسه حالة ازدهار، إذ حصلت شركة "إنستاكارت" (Instacart) البالغة من العمر ست سنوات، على سبيل المثال، على تقييم وصل إلى 7.6 مليار دولار وعملاء موالين من خلال بناء منصة لتوصيل البقالة والشراكة مع أكثر من 300 تاجر تجزئة.

ويؤكد النجاح الذي حققته إنستاكارت ما يمكن أن يكون أهم نقطة حول الحالة الراهنة لصناعة البقالة مفاده أنه لا ولاء عند معظم المتسوقين لمتجر أو سلسلة متاجر واحدة. وتتغير طبيعة ولاء العملاء كلّما حصول المتسوقون على مزيد من الارتياح في شراء البقالة عبر الإنترنت، مع إعطاء الأولوية للراحة والاختيار والسهولة إلى جانب قرب مكان المتجر منهم. وكلّما أصبح المستهلكون أكثر تطوراً، احتاج تجار التجزئة إلى مزيد من إلهام الولاء الدائم من خلال قاعدة عملائهم. وللقيام بذلك، يجب عليهم توفير المرونة، والتواصل مع حالة الطلب وغيرها من التفاصيل على نحو استباقي، وبناء علاقات وروابط عاطفية مع المتسوقين.

وتعتبر المرونة عاملاً كبيراً في عمليات الشراء المتكررة، لأن المستهلكين يريدون التسوق وفقاً لشروطهم. ففي دراسة أجرتها مؤخراً الشركة التي أعمل فيها، نيرفر، قال 80% من المتسوقين إنّه من المحتمل أكثر أن يقوموا بعمليات شراء متكررة من تجار التجزئة الذين يوفرون مجموعة واسعة من خيارات التسليم المريحة والمرنة. في حين قال 3% منهم فقط إنه ليس لهذه الخيارات أي تأثير على احتمال شرائهم من هناك ثانيةً. ويريد المتسوقون أن يختاروا متى وكيف يحصلون على بقالتهم، سواء كان التسليم في اليوم نفسه، في المتجر، أو على الرصيف، أو إيصالها بالسيّارة، أو توصيلها وتسليمها إلى مكان مناسب مثل مدرسة أو مبنى للمكاتب. وينبغي على محلات البقالة أن تهدف إلى أن تكون قادرة على إحضار المنتجات لعملائها بغض النظر عن مكان وجودهم.

وتقدم وول مارت المثال الرائد لهذه الاستراتيجية، حيث تستخدم الشركة شبكة كثيفة من المخازن كمراكز تعبئة، وتدرب الآلاف من المتسوقين الشخصيين لاختيار اللحوم والمنتجات عالية الجودة. ويمكن للمتسوقين زيارة موقع وول مارت على الإنترنت أو استخدام تطبيق بقالة وول مارت لتحديد الوقت الذي يمكنهم فيه توصيل المشتريات مجاناً من المتجر القريب منهم وجلب البقالة إلى سيارتهم. كما قامت وول مارت خلال العام الماضي بالاستثمار بشكل كبير في آخر مرحلة من عملية توصيل البقالة، حيث عقدت شراكات مع شركات مثل باص مايتس ودورداش وأوبر لتوسيع تقديم الخدمات في اليوم نفسه من ست مدن كبرى إلى أكثر من مئة مدينة.

ويبدو أن هذه الاستثمارات باتت تؤتي ثمارها، حيث أخذت الشركة جزءاً من حصة أمازون في السوق، وفاقت أرباحها توقعات المحللين. وفي دراسة استقصائية جرت عام 2018، قال مستهلكون كُثر إنهم يتسوقون -فقط- من وول مارت مقارنةً بباقي المتاجر، إضافة إلى أمازون التي يتسوقون منها أيضاً. وخلال الربع الأخير من عام 2018، ارتفعت المبيعات الرقمية لسلسلة وول مارت بنسبة 43%، وهو ما أرجعته الشركة إلى أمرين: النمو القوي في خدمات نقل البقالة وتوصيلها، والنطاق الأوسع لاختيار المنتجات من خلال موقعها على الإنترنت.

ويعتبر التواصل الّذي غالباً ما يتم تجاهله، جزءاً مهماً من عملية المحافظة على رضا الزبائن والعملاء. ومع اعتياد الناس على المحادثات النصية ورسائل الدردشة، باتوا يتوقعون أن تكون العلامات التجارية متوفرة أيضاً طوال الوقت. إنهم يريدون معلومات آنية ودقيقة ومفيدة، وقد يفضّل البعض رسائل إلكترونية مع وصفات وعروض ترويجية، في حين قد يرغب آخرون في الحصول على التحديثات ذات الصلة من خلال الرسائل النصية أو الإشعارات. كما يجب على محلات البقالة طلب الإذن المسبق من الزبائن لإرسال رسائل إليهم بصيغها المختلفة، مع منحهم القدرة على تحديد عدد المرات وطرق تلقي المعلومات.

وسيؤتي الاتصال الاستباقي ثماره التي تتمثل في ولاء العملاء، حيث وجدت دراستنا الاستقصائية أن 81% من الناس يُرجّح أن يشتروا مرة أخرى من متاجر التجزئة التي تحافظ على إبلاغهم بآخر التطورات المتعلقة بالطلب الذي اشتروه. ويريد المتسوقون أن يبقوا على اطلاع، لذلك من المهم جداً أن تحاول الشركات الوصول إليهم في حال وقوع خطأ ما.

ويمكن لمحلات البقالة التعلم من المبتكرين الذين يُنشِئون خطوط اتصال مباشرة مع عملائهم، حيث يمكنهم استلهام بعض الأفكار من شركات ناشئة مثل شركة التجارة الإلكترونية إيريس نوفا التي تعمل من خلال التواصل المباشر مع العملاء، والتي تبيع علامتها التجارية ديرتي ليمن مشروباتها الصحية مع مكونات مثل الفحم والكركم. وتسير إيريس نوفا في الطريق الصحيح للوصول إلى إيرادات مقدارها 100 مليون دولار بحلول عام 2021، تُدفَع بنظام الطلبات المستند إلى الرسائل النصية. وبمجرد أن يقوم العملاء بتسجيل حسابهم مع رقم هاتف، يمكنهم تقديم طلباتهم ببساطة عبر إرسال رسالة نصية. حيث تمت معالجة 90% من الطلبات عبر الرسائل النصية منذ تأسيس الشركة عام 2015. وحالما يقدم العميل طلب الشراء، ترسل ديرتي ليمن رسالة تأكيد لعملية الشحن، ثم ترسل تحديثات تسليم بالطريقة نفسها باستخدام الرموز التعبيرية (الإيموجي) أحياناً لإنشاء علاقة ألفة ليست من النوع الرسمي تعمل لصالح علامتها التجارية وما يفضّله جمهورها من الشباب الأصغر سناً.

ومثال آخر هو شركة "هني بيكد هام" (Honey Baked Ham) التي تشحن 700 ألف قطعة لحم سنوياً، وخصوصاً في أيام الأعياد. (إفصاح: إن شركة "هني بيكد هام" هي إحدى عملاء نيرفر). وتتخذ الشركة خطوات لطمأنة الزبائن والعملاء أنهم في أيدٍ أمينة في كل خطوة من خطوات تعاملهم معها. وبعد أن ينقر أحد العملاء على زر "شراء"، يتلقى رسالة تأكيد شحن تحمل شعار "هني بيكد هام" بدلاً من رسالة إلكترونية تقليدية من شركة الاتصالات. ويمكن للعميل من خلال النقر على صفحة التتبع لمشاهدة توصيات المنتج ونصائح تخزين اللحم الذي ترسله الشركة وطريقة تقديمه. وفي عام 2017 نجحت "هني بيكد هام" في زيادة إيراداتها بمقدار 2 مليون دولار في غضون ثلاثة أشهر من خلال التواصل مباشرة مع العملاء للحدّ من حاجتهم إلى استفسارات مثل "أين هو طلبي؟".

وتعتبر الروابط العاطفية إحدى عوامل الولاء أيضاً، إذ وجدت دراستنا الاستقصائية أن 50% من المستهلكين هم أكثر احتمالاً للشراء مرة أخرى من العلامة التجارية التي يرتبطون بها عاطفياً أو تلك التي تعكس قيمهم. وبينما يُعتبر كلٌّ من التواصل الجيد والمرونة من العناصر الأساسية للولاء، يتعين على محلات البقالة أن تفكر في الكيفية التي تجعل بها العملاء يشعرون نحوها شعوراً إيجابيّاً. ففي دراسة استقصائية جرت عام 2018 وقامت بها سي سبايس، وجدت أن المتسوقين كانوا أكثر عرضة للتوصية والشراء المتكرر من العلامات التجارية التي جعلتهم يشعرون بالاحترام والفهم. كما وجدت الدراسة أيضاً أن هذه التدابير لتعزيز المشاعر الإيجابية ارتبطت بنمو الشركة وازدهارها.

ويرتبط الناس عاطفياً بمحلات البقالة، رغم أن الشراء أمر يمكن أن يتم من أي مكان عادةً. فعلى سبيل المثال، تقوم سلسلة متاجر تريدر جوز التي تحتل مرتبة عالية في دراسة سي سبايس (التي تركز على أهمية العملاء)، بتحفيز الولاء من خلال خلق أجواء تسوق ممتعة. ففي دراسة استقصائية أجرتها فورستر في عام 2018 حققت ترايد جوز العلامة الأولى من بين 287 علامة تجارية فيما يتعلق بتجارب العملاء الإيجابية، وتفوقت الشركة بشكل منتظمعلى سلاسل البقالة الأخرى فيما في المبيعات لكلّ قدم مربعة. وتتابع جماهير ترايدر جوز عن كثب نشرات المنتجات الجديدة، وتطلب وجود متاجر في مدنها، وتنشئ حتى مجتمعات لها على منصة ريديت.

ولا تقدم ترايدر جوز خدمة توصيل البقالة، لكنّها خلقت تجربة تسوق شخصية ممتعة تجعل العملاء راغبين بالفعل في زيارة متاجرها، إذ إنّ كل شيء في ترايدر جوز صُمّم لجعل تسوق البقالة يمنح شعوراً أكثر ودية مودّة وخصوصيّة، وراحة، بما في ذلك سياسات إرجاع بضائع مرنة، وعينات ونماذج مجانية، وعلامات تجارية فريدة، وإجراءات إنهاء شراء سريعة، وموظفين متعاونين. أمّا زملاء العمل من الموظفين و"أفراد الطاقم"، فهم سعداء، حيث حلت ترايدر جوز ضمن أفضل مئة مكان للعمل في موقع غلاس دور المتخصص بالوظائف خمس مرات منذ عام 2010 – فضلاً عن أنها تخلق شعوراً بالمشاركة وكأنك في المجتمع من خلال التحدّث مع المتسوقين والتوصية بالمنتجات المفضلة لديهم. لقد أدت كلٌّ من "المودة والخدمة الجيدة" إلى حصول ترايدر جوز على أعلى مرتبة في دراسة عام 2018 الاستقصائية حول العلامات التجارية المفضلة فيما يتعلق بالبقالة.

وتحتاج محلات البقالة إلى أن تقدم لجمهورها ما هو أكثر من برامج ولاء العملاء القائمة على النقاط، والتي لم تعد تمثل ميزة تنافسية، حيث تقدم معظم سلاسل البقالة ميزات مماثلة، ولكنّها لا تفعل الكثير لتعزيز الارتباط العاطفي بين المتسوق والعلامة التجارية. فقد وجدت دراسة لشركة أكسنتشر العالميّة للاستشارات الإداريّة أنّ 78% من المتسوقين تخلّوا عن برامج الولاء بعد تسجيل اشتراكهم فيها.

ويمكن لمحلات البقالة أن تجتذب المشترين وأنصار العلامات التجارية من خلال الاستثمار في العوامل التي تبني ولاء طويل الأمد، بدلاً من برامج المعاملات التي يتجاهلها معظم الناس. وبالنظر إلى أنّ المتسوقين يتوقعون المزيد من العلامات التجارية التي يتعاملون معها، فإنهم سيقومون بوضع أولويات لتجربتهم مع الشركة، من خلال الإنترنت وفي التعامل الشخصي المباشر، أكثر من أي شيء آخر. وسوف تظهر الشركات التي تبدي في تعاملها مع الجمهور أقصى قدر من المرونة، وتتواصل مع الناس بشكل مباشر وفعال، وتبني معهم علاقات وديّة، وكأنها الفائزة في هذا المجال.

ملحوظة المحرر: تم تحديث هذا المقال لتوضيح أن ديرتي ليمن هي علامة تجارية مملوكة لشركة إيريس نوفا.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي