مهارة فقدناها في الكِبَر

5 دقائق
shutterstock.com/Zamurovic Photography

"نبحث عن شخص مبدع"، "نريد معلمات مبدعات"، "نريد خريجين جدد مبدعين"، "نبحث عن مدير مبدع"، هذه الجمل صارت تتكرر كثيراً في الآونة الأخيرة، وهذا يتواءم مع تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي الذي أشار إلى أن مهارة الإبداع هي واحدة من أهم ثلاث مهارات تحتاجها في عام 2020 وستظل كذلك حتى 2022 حسب توقعاتهم.

وبحسب موقع "لينكد إن" فإن الإبداع هو أهم مهارة تطلبها الشركات في عام 2019 و2020 وأنا على يقين بأنها ستظل المهارة الأهم حتى حين.

يقول المفكر التربوي الشهير السير كين روبنسون في حديثه المُلهم في "TED Talk" والذي تجاوزت مشاهداته الـ 64 مليون مشاهدة: "إن أهمية الإبداع معادلة لأهمية القراءة والكتابة، ويجب التعامل معه على هذا الأساس".

وهنا يسأل المرء نفسه، هل أنا مبدع؟ هل الإبداع يولد مع المرء أم أنه شيء مُكتسب؟

بحسب بحث "مخيف" أجرته وكالة ناسا لعلوم الفضاء، وجدوا أن نسبة الإبداع عند عينة من الأطفال بعمر 5 سنوات كانت حوالي 98%، أجروا نفس الاختبار على نفس الأطفال بعد خمسة سنوات، أي في عمر العاشرة، فوجودا أن نسبة الإبداع انخفضت إلى 30%، ثم أجروه على نفس العينة بعمر خمسة عشر عاماً فانخفضت نسبة الإبداع إلى 12%، وقاموا بإجراء نفس الفحص لـ 280,000 شخص بالغ بعمر 31 سنة فوجدوا أن نسبة الإبداع لديهم انخفضت إلى 2%، دراسة مخيفة، أليس كذلك؟

غريب أن الإبداع ينقص كلما تقدمنا في العمر، أي بمعنى آخر، كلما صرنا بحاجة أكبر إليه، وهذه مفارقة عجيبة.

في عام 2014، قام فريق من العلماء ببحث مثير للانتباه. حاول الفريق دراسة طريقة عمل الدماغ عند محاولة توليد الأفكار الجديدة. وضع الباحثون مجموعة من الناس تحت ماسح ضوئي للدماغ وطلبوا منهم ابتكار استخدامات جديدة للأشياء اليومية التي يستخدمونها مثل الجوارب أو الصابون أو العلكة. تمسك بعض الناس بالاستخدامات الشائعة لهذه الأشياء، ووجدوا صعوبة في إيجاد استخدامات جديدة، فكانوا يجيبون بأمثلة واضحة مثل تغطية القدمين وعمل فقاعات بالعلكة. على النقيض من ذلك، أظهر نوع آخر من المفكرين اتصالاً قوياً بين ثلاث شبكات في الدماغ (التفكّر والتأمُّل، التركيز، والاهتمام الانتقائي). لقد توصلوا إلى اقتراحات أكثر تنوعاً وإبداعاً، مثل نظام تنقية المياه، وختم للأظرف، وغيرها.

هذه الدراسة خلُصت إلى أنك يمكن أن تكون مبدعاً من خلال تنشيط شبكات معينة في الدماغ، وهذه بشرى سارة لمن فقدوا الكثير من الإبداع لديهم مع مرور الزمن وبسبب المؤثرات الداخلية والخارجية المختلفة، كالخوف من النقد الداخلي والخوف من نقد الآخرين والخوف من الفشل والحرص على السمعة والمكانة التي قد تتأثر بمشاركة أفكار جديدة قد لا تروق للآخرين، وبسبب الخوف من طرح الأسئلة وغيرها. كذلك هذه الدراسة تحمل بشرى لمن عاشوا زمناً وهم يظنّون أنّهم غير مبدعين ولا يمكن أن يكونوا مبدعين على الإطلاق. بكل بساطة، نتيجة هذه الدراسة تدل على أن الإبداع كالعضلة، يمكن أن تبنيها وتقوّيها بالتمرين المستمر.

ما رأيكم لو خرجنا من هذا المقال وقد ازدادت نسبة الإبداع لدينا وتعلمنا تمارين يمكن أن نمارسها لتضاعف من نسبة الإبداع عندنا يوماً بعد يوم؟

دعوني أبدأ بدراسة مميزة للغاية عن طريقة زيادة الإبداع لدينا، هذه الدراسة اطّلَعَت على أبحاث حول 70 أسلوباً تعليمياً لزيادة الإبداع، وقامت بإجراء بحث مميز لتحفيز الإبداع باستخدام علم الأعصاب، وخلُصت إلى أن مجرد توضيح معنى الإبداع، واستخدام بعض التمارين البسيطة سيزيد من الإبداع لدينا بنسبة 28.5%. وفي هذا المقال سنزودكم ببعض التمارين التي ستزيد من نسبة الإبداع لديكم حتى 60%.

إذن لعلنا نبدأ من هناك... فلنبدأ بأبسط شيء وأهم شيء لزيادة نسبة الإبداع وهو توضيح معنى الإبداع؟ الإبداع بكل بساطة هو أن تأتي بشيء جديد ومفيد في أي مجال من المجالات، ولو كان بسيطاً للغاية، ويدخل في ذلك دمج الأفكار والطرق القديمة للخروج بأشياء جديدة. هل عرفتم الآن لماذا العالم كله يرى أن الإبداع هو أهم مهارة يحتاجها الشخص؟ لأنهم يريدون أشخاصاً لديهم القدرة على توليد الأفكار، أفكار جديدة للعمل وأفكار جديدة لإنجاز المهام وأفكار جديدة لحل المشكلات، وأفكار جديدة لمواجهة الأزمات.

دعونا ننتقل الآن إلى بعض التمارين والنصائح لتقوية عضلات الإبداع لديك:

1- دوّن أفكارك: يقول المتخصصون في الرؤى والأحلام، إذا أردت أن تحفظ رؤاك وأحلامك، فضع ورقة وقلماً بجانب السرير، حتى تكتبها فور استيقاظك من النوم، وإذا لم تفعل فإنك في الغالب ستنساها وتفقدها، والأمر نفسه ينطبق على الأفكار. عندما تأتي ببالك فكرة أو ملحوظة معينة فدوّنها مباشرة، سواء على دفتر أو منديل أو هاتف محمول. حاول أن تجمع 10 أفكار كل يوم لمدة شهر. إن استطعت أن تدوّن 300 فكرة في نهاية الشهر فاعلم أن مستوى الإبداع لديك قد ازداد. لا يُشترط أن تكون الأفكار نموذجية، بل دوّن أية فكرة تتعلق بحل مشكلة أو تحسين تجربة أو أي شيء، حتى ولو كانت هذه الفكرة بسيطة جداً أو غريبة للغاية. وكن متيقظاً في الأماكن التي عادة ما تُولَّد فيها الأفكار الجديدة، في السيارة، في الطائرة، أثناء الاستحمام، في وقت الاستجمام، وهي الأوقات التي تكون فيها الشواغل والملهيات بعيدة عنا نوعاً ما. يقول أحد الباحثين في المركز الأميركي لأبحاث السلوك والتقنية: "من أفضل ما يزيد الإبداع لديك هو تدوينك للأفكار الجديدة".

2- حل التحديات: التحديات تعمل كحافز على التفكير الإبداعي وإيجاد الأفكار والحلول. على سبيل المثال، إذا قمت بإدارة مقبض الباب واكتشفت أن الباب مقفل، فستبدأ تلقائياً بطرح الأفكار والحلول، تحرك المقبض عدة مرات، تدفع الباب، وتجرب حظك باستخدام دبوس صغير أو سلك أو ما شابه. يمكنك تحفيز نفسك بنفس الطريقة في العمل من خلال تحديد مهلة زمنية لحل تحدٍ معين في مجال عملك، مثلاً، فكر في القضايا والأسئلة الكبيرة في مجالك أو خارج مجالك (كيف يمكنني إنهاء الجوع في العالم في أسبوع واحد؟ كيف يمكننا أن نوقف انتشار فيروس كورونا خلال شهر؟ كيف يمكنني اختراع هاتف لا يحتاج إلى شاحن؟ كيف يمكنني حل زحمة السير في الشوارع؟ كيف يمكن أن نجعل وقت الانتظار في المطار أكثر جزء ممتع في الرحلة؟) لا تركّز على جودة الأفكار، بل أعط نفسك الإذن بالتخيّل والإبحار في عميق وغريب الأفكار، فكل الأفكار مرحّب بها. ركّز على الكمية وليس النوعية. حدد 10 دقائق لهذا التمرين، مرتين في الأسبوع.

3- تمرين الثلاثين دائرة: أحضر ورقة وارسم فيها ثلاثين دائرة فارغة، الأفضل أن تكون بنفس الحجم أو متقاربة في الحجم، في كل سطر ضع خمسة دوائر. خلال ثلاثة دقائق حاول أن تعبئ الدوائر برسومات مختلفة. مثلاً، دائرة تجعلها ككرة قدم، وأخرى كمركبة فضائية، وأخرى كوجه يبتسم ورابعة كإشارة مرورية، وهكذا ...مع الوقت ستلاحظ أن قدرتك على رسم أشكال مختلفة أكثر وتعبئة دوائر أكثر خلال الثلاث دقائق قد ازدادت، وهذا مؤشر على زيادة الإبداع لديك.

4- مارس رياضة المشي، غريبة، أليس كذلك؟ بحسب بحث أجرته "جامعة ستانفورد" الشهيرة متبوعاً بدراسة من "هارفارد بزنس ريفيو" فإن ممارسة المشي كل يوم يزيد من مستوى الإبداع. وجَدَت الدراسات أن الإبداع يزيد أثناء المشي وبعده قليلاً بنسبة 60%. جرب أن تمشي لنصف ساعة يومياً أو اعقد بعض اجتماعاتك في العمل ماشياً وستجد أن قدراتك الإبداعية قد ازدادت.

5- كن مستكشفاً: الاستكشاف وقوة الملاحظة من صفات المبدعين، حاول كل يوم أن تدوّن ثلاث ملاحظات جديدة. دوّنها وانظر كم جمعت في نهاية الشهر. حاول أن تجعلها بسيطة للغاية، مثلاً، لأول مرة ألاحظ أنهم يضعون سبع شجيرات بين كل عمودي إنارة في شارع بيتي. لاحظت أن هناك محل قهوة جديد في المكان الفلاني، لاحظت أنني أنشغل أحياناً بالهاتف أثناء القيادة، لا تخبروا أحداً بذلك. لاحظت أن هناك برج تقوية إرسال فوق عمارة معينة في حيّنا، لم ألاحظه من قبل.. وهكذا.. كل يوم دوّن ثلاث ملاحظات.

أيها المبدعون، إن فهم معنى الإبداع والمداومة على هذه التمارين الخمسة الخفيفة بشكل مستمر ستزيد من مستوى الإبداع لديك إن شاء الله، وستصبح لديك أهم مهارة تحتاجها في عام 2020 وفي كل حين. ستكون أنت الشخص المبدع الذي نبحث عنه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي