أثر مهارات المسؤولين التنفيذيين في اللغة الإنجليزية على الإيرادات المالية للشركات

6 دقائق
أهمية اللغة الإنجليزية

إليك هذا المقال الذي يتحدث عن أهمية اللغة الإنجليزية تحديداً. غدت الاستثمارات عالمية. ليس في ذلك من جديد بالتأكيد، إلا أن النطاق الذي وصلت له هذه الظاهرة هو ما قد يفاجئك، فتضم اليوم صناديق الاستثمار الأجنبية أوراقاً مالية أكثر بثماني مرات عما كانت عليه عام 2000.

وللوصول إلى هذه الشريحة المتزايدة من المستثمرين والمحللين العالميين الذي يتتبعون أسواقهم، تلجأ أغلبية الشركات إلى إجراء مكالمات جماعية بالبث المباشر تتناول الإيرادات. المخاطر في هذه الحالة مرتفعة، لأن مكالمات الإيردات غالباً ما تتطرق إلى تداول الأوراق المالية بأحجام كبيرة، وحركات أسعار الأسهم. لهذا، يتلقى المدراء تدريبات مكثفة على كيفية إدارة هذه المكالمات الجماعية. إلا أنه وحتى مع هذا التدريب كله، يعجز العديد منهم عن الإلمام بالعوامل الثقافية التي تؤثر في طريقة تلقي مكالماتهم، مفترضين أن الأرقام ستتحدث عن نفسها. لكن بحثنا هذا يظهر العكس.

في دراستين أجريتا مؤخراً، حللنا كيفية مناقشة المدراء للأخبار المالية خلال مكالمات تتناول الإيرادات، خصوصاً خلال فقرة الأسئلة والإجابات التي لا يتم التدرب عليها، وتوصلنا إلى نمط مهم: حتى لو كانت الأخبار الأساسية الواردة تؤكد استقرار الأوضاع الاقتصادية، فغالباً ما تتفاعل الأسواق بشكل مختلف وفقاً للغة الأم والخلفية الثقافية للشخص الذي يرأس المكالمة. وقد تبين لنا أن العبرة في المكالمات التي تتناول الإيرادات ليست بما تقول، بل بكيفية قوله أيضاً.

أهمية اللغة الإنجليزية والقيمة المالية للشركة.. عوائق لغوية

من المفارقات العجيبة أن العولمة تتطلب توحيد المعايير، وسواء أحببت أم كرهت، فقد باتت الإنجليزية اللغة الرسمية للتواصل في عالم الأعمال. إذ يتعين على المسؤولين التنفيذيين في جميع أنحاء العالم استخدام الإنجليزية عند التواصل مع المستثمرين، وثمة تزايد في أعداد هؤلاء المسؤولين من غير الناطقين بالإنجليزية، ويتأثر سوق رأس المال بشكل كبير بمدى إجادتهم اللغة.

توصلنا إلى تلك النتيجة في إحدى دراساتنا من خلال مراجعة نصوص المكالمات الخاصة بمناقشة الإيرادات المالية التي أجريت بواسطة أكثر من 4,500 شركة غير أميركية، والتي استضافت جميعاً مكالمات جماعية باللغة الإنجليزية بين عامي 2002 و2010. لم نحلل الجزء المختص بالعرض التقديمي في المكالمات، لأنه عادة ما يكون عبارة عن نص معد مسبقاً، وركزنا على الإجابات التي يقدمها المدراء بصورة عفوية خلال فقرة الأسئلة والأجوبة.

عند تقييم مدى وضوح تواصل المدراء خلال هذه المكالمات، ركزنا انتباهنا على مقياسين يعكسان أهمية اللغة الإنجليزية تحديداً.

المقياس الأول هو التعقيد اللغوي، والذي لا يُقصد به هنا التعبيرات اللغوية المعقدة، بل ُشير إلى معدلات مخالفَة المتحدث لمبادئ الإنجليزية البسيطة، على النحو المحدد في مبادرة تبسيط اللغة الإنجليزية لعام 1998 الصادرة عن هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية. افترضنا أن المتحدث يتواصل بشكل واضح إذا تكلم بعبارات قصيرة إلى حدٍ ما، واستخدم كلمات قصيرة نسبياً، وإذا ما تحاشى صيغة المبني للمجهول وأساليب النفي والحشو والإطناب، واستخدم الضمائر الشخصية نحن، أنتَ، أنتِ، أنتم، أنتن، لنا. عندما يكرر المتحدث تجاوزه لتلك القواعد، كنا نصنف لغة كلامه بالمعقدة.

وأما المقياس الثاني الذي استخدمناه فكان التعبيرات الخاطئة، والتي تشير إلى كم الأخطاء النحوية التي يقع فيها المتكلم، واستخدام صيغة المبني للمجهول بطريقة خاطئة، وتوظيف الأدوات بشكل غير سليم. وتلك ثلاثة مؤشرات تمثل الأخطاء المعتادة للمتكلمين بغير لغتهم الأم، على النحو الموضح في أدبيات اللغة. فالمتحدثون من بلدان تختلف لغتها كثيراً عن الإنجليزية هم أكثر الناس وقوعاً في هذه الأخطاء.

عندما حللنا البيانات باستخدام نموذج إحصائي، وجدنا أن ثمة عواقب حقيقية لاستخدام الإنجليزية غير الواضحة والتعبيرات المغلوطة، واللذين صنفناهما معاً تحت اسم الغموض اللغوي. وبمراقبة أخبار المواقف المالية الفعلية، وجدنا أن المسؤولين التنفيذيين الذين تحدثوا بغموض عانوا عواقب عديدة على مستوى سوق رأس المال، بما في ذلك انخفاض حجم التداول، وتقييد حركة الأسعار، وعدم اتساق توقعات المحللين.

ولتقييم الأهمية الاقتصادية لهذه الآثار، أجرينا مقارنة بينها وبين آثار إصدار الإدارة لدليل الإيرادات، وهو عمل آخر مهم من أعمال الإفصاح التي درجت الشركات على اتباعها. وتوصلنا إلى نتيجة لافتة للنظر: إذا قللت التعقيد اللغوي في كلامك بمعدل انحراف معياري واحد، فيمكنك تحقيق نمو في حجم التداول أكبر من ذلك الذي تحققه عبر إصدار دليل الإيرادات.

إذا دفعك هذا المنطق إلى التفكير في توظيف مترجم فوري، فأعد التفكير في الأمر، لأن المترجمين لا يمتلكون في الغالب مستوى الفهم المطلوب لأساسيات الأعمال، كالذي يمتلكه المسؤولون التنفيذيون، ما يعني ضياع الكثير من المعلومات في المكالمات التي تتناول الإيرادات في أثناء الترجمة. ويبدو أن البيانات تثبت لنا تلك الحقيقة: المكالمات التي استعانت بمترجمين تحمل قدراً من التعقيد اللغوي يفوق المكالمات التي لم تستعن بمترجمين. وربما يكون هذا هو ما يمنع الشركات غالباً من الاستعانة بمترجمين لإجراء مكالماتها.

العوائق الثقافية والقيمة المالية للشركة

تجمع الشركات اليوم رؤوس أموال ضخمة من المستثمرين من خارج الأسواق المحلية. ونتيجة لهذا، تتزايد حاجة المدراء من أصحاب الخلفيات الثقافية المختلفة للتواصل مع بعضهم بفاعلية.

في دراسة نُشرت في الإصدار الأخير من دورية "الأعمال المحاسبية" (Accounting Review)، درسنا مدى تأثير الخلفية الثقافية للمدراء على جودة التواصل مع المستثمرين. وبناء على بحوث من علم النفس الثقافي، بدأنا بفرضية أن المسؤولين التنفيذيين الذين تعود جذورهم إلى أصول أكثر فردية (الأصول الأنجلو-ساكسونية بصورة رئيسية) يستخدمون لغة أكثر تفاؤلاً وإحالة إلى الذات، مقارنة بأولئك الذين ينحدرون من خلفيات جماعية (من جنوب شرق آسيا بصورة رئيسية). ولاختبار صحة هذه الفرضية، أجرينا دراسة على أكثر من 50,000 نص المكالمات التي تتناول الإيرادات، والتي احتوت على إجابات تفصيلية من قبل 25,000 رئيس تنفيذي ومدير مالي ممن استطعنا الاستدلال على أصولهم وأعراقهم من خلال أسمائهم، وذلك بناء على خوارزميات عديدة واسعة الاستخدام. ثم اعتمدنا على عمل غيرت هوفستيد الشهير لتحديد مستوى الفردانية الثقافية لدى كل مسؤول تنفيذي.

لقياس التفاؤل (أو "النبرة")، والذي وجدت الأدبيات الموسوعية أنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأعمال المحاسبية وأداء الأسهم، أحصينا عدد المرات التي استخدم فيها المتحدثون الكلمات ذات الدلالات الإيجابية والسلبية في سياق العمل، ثم قدرنا الفارق بينهما. ولقياس أهمية اللغة الإنجليزية ولغة المرجعية الذاتية، استخدمنا مقياساً أكثر بساطة: أحصينا مرات استخدام المتحدث لضمير المتكلم "أنا".

أكدت لنا النتائج التي توصلنا إليها فرضيتنا الأساسية، والتي تفيد أنه كلما كانت الخلفية الثقافية للمسؤولين التنفيذيين محل الدراسة أكثر فردانية، كانت ردود فعلهم على المحللين أكثر تفاؤلاً، وزاد استخدامهم لضمير المتكلم "أنا". ظلت هذه النتائج سارية بعد التحكم في مجموعة سمات المدراء، والشركة، والصناعة، والدولة، والمكالمات الجماعية، وأبرزها الأرقام المالية الأساسية التي تجري مناقشتها في الغالب.

وكان التباين مثيراً. فعندما يناقش مسؤول تنفيذي ينحدر من خلفية أنجلو- ساكسونية والمدير الذي ينحدر من أصول صينية النتائج المالية نفسها، كان الفارق في نبرة كليهما هو ذاته الفارق الذي قد تجده في نبرة مسؤولين تنفيذيين من الخلفية الثقافية نفسها، لكنهما يناقشان نتائج مختلفة كلياً، واحد ضمن أعلى عشرة بالمائة في التوزيع والآخر ضمن أقل عشرة بالمائة. (وهو ما يتوافق مع النبرة التي يستخدمها هذان المسؤولان التنفيذيان عند مناقشة الأداء الذي فاق إجماع المحللين بعدة سنتات للسهم الواحد، والآخر يُناقش الأداء الذي تخلف عن التوقعات بالقدر نفسه).

بعض المسؤولين التنفيذيين الأجانب جدد على فن إجراء المكالمات التي تتناول الإيرادات، ولذلك قد تنجذب إلى تبرير سوء أدائهم بضعف استعدادهم لا أكثر. لكن ذلك غير صحيح بالمرة، فالنتائج التي توصلنا إليها تبقى صامدة حتى حين بحثنا شركات ومسؤولين تنفيذيين من الولايات المتحدة: نقصد مسؤولين تنفيذيين في الولايات المتحدة من أصول غير أنجلو-ساكسونية، إذ تظهر شواهد على أصولهم الثقافية في الطريقة التي يتحدثون بها، ولكن بشكل أقل مما لو لم يتعرضوا للبيئة الأميركية. ولم نحاول تحديد المرحلة التي هاجر فيها هؤلاء المسؤولون التنفيذيون أو أسلافهم إلى الولايات المتحدة، لكن دراسات أخرى أثبتت أن التراث الثقافي يظل مؤثراً مع مرور الزمن، ويصعب التخلص منه تماماً حتى بعد عدة أجيال.

هل يعي المستثمرون حقيقة هذه الفوارق الثقافية؟ الإجابة في العموم هي لا. لو أن مديراً يتحدر من أصول أنجلو- ساكسونية، وآخر من جنوب شرق آسيا، قدما تقريراً عن نتائج مالية تتوافق مع تقديرات المحللين في وول ستريت، فسيحصل الأول على ردود فعل أكثر إيجابية لسعر السهم من الأخير، لأن السوق يكافئ التفاؤل في نبرة المدير الأنجلو- ساكسوني. وهذا يعني أن المسؤولين التنفيذيين الذين تحثهم ميولهم الثقافية على استخدام كلمات أقل تفاؤلاً قد لا يحصلون على الدرجة الكاملة لأداء شركاتهم.

الاستثناء الوحيد كان للمستثمرين الذين يشاركون مدراء الشركات الخلفية الثقافية نفسها. إذ كان هؤلاء المستثمرون أكثر قدرة على فهم الفروق الدقيقة في النبرة الثقافية، وضبط استجاباتهم وفقاً لهذا الفهم. إذاً، امتلاك شركتك لقاعدة مستثمرين تفهم ما هو أبعد من مجرد الأرقام الخاصة بالأداء أمر في غاية الأهمية.

اللافت أننا اكتشفنا فوارق مشابهة بين الرؤساء التنفيذيين والمدراء الماليين والرجال والنساء. فعندما أقصينا عامل العرقية جانباً، وجدنا أن الرؤساء التنفيذيين والمدراء الرجال يستخدمون لغة أكثر تفاؤلاً نسبياً، وأكثر استخداماً للمرجعية الذاتية مقارنة بالمدراء الماليين والمديرات الإناث.

بصرف النظر عن هذا الاختلاف، فإن الدراستين الواردتين في هذا المقال تبرزان النقطة نفسها: المكالمات التي تتناول الإيرادات تعني الكثير، ولأسباب مختلفة عما يظن معظم الناس. فالأخبار التي يتم ذكرها في تلك المكالمات مهمة إلى حد كبير، إلا أن الطريقة التي يتم من خلالها توصيل المعلومات مهمة أيضاً، خصوصاً خلال فقرة الأسئلة والأجوبة. ولأن اللغة الإنجليزية والسلوك الثقافي الأنجلو- ساكسوني هما السائدان في عالم الأعمال الدولي الآن، يتوجب على المسؤولين التنفيذيين الذين ينظمون تلك المكالمات أن يحرصوا على توصيل أخبارهم بوضوح، وفي إطار من التفاؤل، مع إسناذ مرجعية هذه الأخبار إلى ذواتهم. ومن هنا، تأتي أهمية اللغة الإنجليزية بالفعل.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي