الأبحاث تؤكد: عندما نتلقى أخباراً سيئة نهاجم حامل الرسالة

3 دقائق

تتطلب جميع الوظائف في مرحلة ما تقديم أخبار سيئة، سواء كان ذلك خبراً عادياً مثل أن يقول صاحب عمل للموظف المحتمل أنه لا يوجد مجال للتفاوض على الراتب، أو سواء كان أمراً كبيراً مثل عندما يضطر مدير إلى تسريح أحد موظّفيه. نخشى مثل هذه المناقشات حتى عندما لا تكون هذه الأخبار بسببنا، ولكن نفورنا يعود لسبب وجيه، إذ يُظهر بحثنا أنّ الناس يميلون للامتعاض من الأشخاص الذين يخبرونهم بأمور لا يريدون أن يسمعوها - ولهذا نهاجم حامل الرسالة.

على سبيل المثال، في إحدى التجارب التي أجريناها كان المشاركون مؤهلين للفوز بدولارين في لعبة حظ بسيطة. سحب أحد الباحثين قصاصة ورق تشير إلى فوز المشارك بدولارين أم لا، فيما اختير شخص آخر لينقل النتيجة إلى المشارك (أي ما إذا فاز بالدولارين)، ثم قيم المشاركون بعد ذلك مدى إعجابهم بحامل الرسالة أو كرههم له. الأشخاص الذين تلقوا الأخبار السيئة لم يعجبهم حامل الرسالة بخلاف الأشخاص الذين فازوا - على الرغم من أنّ حامل الرسالة كان بريئاً، أي لم يكن لديه سلطة على فوز المشاركين بالدولارين، وهو أمر عرف به المشاركون بكل شفافية.

في تجربة أخرى، تصوّر المشاركون أنّهم كانوا ينتظرون الصعود على متن رحلة ما وينتظرون تلقّي الإعلان عن البدء بالصعود من موظّف البوابة. ثمّ أُبلغ نصف المشاركين من قبل الموظّف بالأخبار السارة التي تفيد أن رحلتهم ستكون في الوقت المحدد، بينما أُبلغ النصف الآخر الأخبار السيئة التي تفيد أن رحلتهم تأخرت لساعتين. وكانت النتيجة أنّه مقارنة بالمشاركين الذين تلقوا الأخبار السارة، عبّر الذين تلقّوا الأخبار السيئة عن عدم إعجابهم بالموظّف (على الرغم من أن الموظّف ليس لديه سلطة على تأخير الرحلة).

قد نتساءل ما إذا كان هذا التأثير هو ببساطة ما يشير إليه علماء النفس على أنّه "تأثير الهالة": أي أن تلقي الأخبار السيئة يجعلك في مزاج سيئ، ومن ثم تواجه أي شخص تقابله بهذا المزاج السيئ. ولكن الأمر لم يكن كذلك بحسب تجارب أخرى: فالكراهية تُوجّه تحديداً نحو حامل الرسالة، بينما لا يمتعض المتلقون من الأشخاص الموجودين عند نقل الأخبار السيئة (إذا لم يكونوا حاملي الرسالة الفعليين).

ما الذي يفسر هذه اللاعقلانية؟ ثمّة حاجة فطرية وقوية لدى الناس لفهم الأحداث التي تحصل معهم وتفسيرها منطقياً، وتفسير الأمور منطقياً - أي الربط بين الأمور والأحداث والعلاقات - هو نشاط نفسي مركزي. فنحن نمتلك دافعاً قوياً لتفسير أمور غير متوقعة وأخرى سلبية، مثل الموت المفاجئ، ولإجراء مراجعة سلبية للأداء، وتخمين أقل تفاؤلاً.  وبمجرّد بروز الرغبة في "التفسير المنطقي"، يلبّي الناس هذه الرغبة عن طريق اجتراح تفسيرات للنتائج أو أسباب مزعومة لها، في حين يكمن الجزء الأساسي لتفسير هذا الحدث في إلقاء اللوم على الآخرين.

في تجربة أخرى من تجاربنا، تصوّر المشاركون أنّهم يتلقون أخباراً من الطبيب - وهي إما جيدة (أي أنّ نتيجة عينة الفحص كانت سلبية)، أو سيئة (أي أنّ نتيجة عينة الفحص كشفت وجود مرض السرطان). صنف المشاركون إعجابهم بالطبيب أو كرههم له، وكانت النتيجة بالتأكيد أنّ الذين تصوروا تلقيهم أخباراً سيئة كانوا أقل إعجاباً بالطبيب من أولئك الذين تلقوا أخباراً سارة. ثم طلبنا من المشاركين أيضاً تحديد ما الذي فكروا به تجاه الطبيب بشأن ما إذا كان يتمنى الأفضل لهم أو يتمنى الأسوأ (أن تكون نتيجة العينة إيجابية)، فكانت النتيجة مفاجئة لنا: عندما تلقّى الناس أخباراً سيئة ظنّوا أنّ لدى الطبيب دوافع خبيثة، وكانوا أكثر ميلاً للقول أنّ الطبيب كان يأمل أن يكون لديهم مرض السرطان.

هل يمكن إنقاذ حامل الرسالة؟

 تنطوي النتائج التي توصلنا إليها على نوع من "الضربة المزدوجة" التي تطال الذين يوصلون الأخبار السيئة وكذلك الذين يتلقّونها. أولاً، الأشخاص الذين تُناط بهم المهمة الصعبة إنما المهمة لإيصال الأخبار يُنظر إليهم على أنّهم مكروهين، وهو أمر مجهد في حدّ ذاته. وثانياً، نظراً لأنّ الناس يبغضون تقبّل النصيحة من أولئك الذين لا يروقون لهم، فإنّ المتلقّين قد يعارضون الاعتراف بحاملي الرسالة كمصدر، خصوصاً عندما يكون حامل الرسالة جزءاً لا يتجزأ من الحل، كما هو الحال في السياق الطبي. وهذا يعني أنّ "مهاجمة حامل الرسالة" قد تمنع الناس من اتّخاذ خطوات تجعل مستقبلهم أفضل.

تتمثّل الأخبار السيئة في أنّه لا يوجد الكثير مما يمكن فعله من أجل تغيير النزعة الكبيرة لمهاجمة حامل الرسالة. والتدخلات من أجل تحذير المستفيدين من هذه النزعة لمنعهم من إطلاق أحكام قاسية لا مبرر لها على حاملي الرسائل، قد لا تكون مثمرة. كما أنّ تجنّب إيصال الأخبار السيئة بوضوح تام يُعتبر أمراً غير مقبول أيضاً، لأنّ إيصال الرسالة غالباً ما يكون الخطوة الأولى نحو العلاج.

تشير أبحاثنا في المقابل إلى أنّه يمكن لحاملي الرسالة أن يتّخذوا التدابير اللازمة لتجنّب امتعاض الآخرين منهم من خلال الطريقة التي ينقلون بها الأخبار السيئة. فقد وجدنا على وجه التحديد أنّ المتلقّين يكونون أقل ميلاً للامتعاض من حاملي الأخبار السيئة عندما يعبر الأخيرون بصراحة عن صدق نواياهم ودوافعهم، مثل أن استهلال تقديم الأخبار السيئة بعبارات مثل: "أنا أتمنى لك الأفضل حقاً". وفي سياق متصل، في بحث أجريناه مع أليسون وود بروكس وجاون يون، توصلنا إلى أنّ استهلال ردود الفعل السلبية بردود فعل إيجابية يدفع الموظفين إلى أخذ الأولى بجدّية أكبر، وإلى أن يكونوا أقلّ ميلاً للامتعاض من الشخص الذي يوصل لهم ردود الفعل هذه.

يمكن لحاملي الرسالة المحتملين أن يأخذوا بعين الاعتبار، حيثما أمكن، تفويض مهمة نقل الأخبار السيئة إلى شخص آخر. وقد يكون هذا في الواقع جزءاً من المنطق الذي يقول بضرورة التعاون مع شركة استشارية في مجال الموارد البشرية لتولّي المهمة الصعبة - وهي مهنة شائعة في الكثير من أفلام هوليوود، سواء كان ذلك من أجل الاحتفاء (كما في فيلم "أب إن ذي إير" Up In the Air)، أو من أجل توجيه كلام قاسٍ (كما في فيلم "أوفيس سبايس" Office Space).

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي